بهليغويهي Bühlerhöhe ، في 24 فبراير 1951
مارتن هيدغر
ترجمة: عبد الرحيم نور الدين*.
كمستمع بسيط من بين آخرين، أسمح لنفسي بهذه الملاحظة الأولية . وهي تريد أن تكتفي باقتراح كيف ينبغي ربما الإصغاء.
ما الشيء الأكثر كرامة في هذا العالم المهتز من سؤال (fragwürdiger ) ما القصيدة؟
ما الشيء الأكثر مخاطرة في زمن تتهاوى فيه كل فضاءات الدازين (Dasein) في الخلط، من قراءة، عمومية و اعتباطية في الظاهر، لقصائد ؟
و مع ذلك !
« شعريا يقطن
الإنسان فوق هذه الأرض. «
حتى الكينونة وهيمنة التقنية تعيشان من حقيقة هذه العبارة.
إلى أي مدى يقطن الإنسان شعريا؟
إذا كان يقطن هكذا، فمعناه أنه يتكلم.
كيف يتكلم الإنسان؟ إنه يتكلم بمقدار ما يرد على اللسان (Er spricht,indem er der Sprache entspricht. ). ذلك أن اللسان هو ما يتكلم بالضبط. المائتون لا يتكلمون البتة إلا بقدر ما يجيبون ( entsprechen)، أي مع تسليم كينونتهم إلى الكلام الذي يأتيهم من اللسان.
لكن كيف يتكلم اللسان؟ أصليا و مكتملا، إنه يتكلم في القصيدة ( im Gedicht). ومع كل ذلك فالشعر (Dichtung ) ليس نفس الشيء كالشعر ( Poesie). ذلك أن النثر هو أيضا شعر (Dichtung) . تكلم النثر ليس نثريا في شيء. لهذا السبب فإن النثر الحقيقي نادر مثله مثل الشعر الرفيع (Poesie).
لكن أي شيء يمكننا فعله لإنقاذ القصيدة من افتقارها إلى بلد؟ هل نحن قادرون على تحرير ما هو شعري (das Dichterische) من إقصائه؟
لكن أين يقصى الشعر كله؟
في الإنشاء الأدبي، في الأدب. إنشاء كتابات يفرض على ملفوظ الشعر، مسبقا وحصريا، شكل المكتوب. وهذا الأخير يدعو بدوره القراء المتفرقين الذين لا يجمعهم شيء، إلى قراءة بسيطة. وحينها لا يكون القول الشعري (das Gedicht) سوى موضوع قراءة بالنسبة لقراء. إنه لم يعد يغني. باستثناء عندما يكون مع ذلك ناظم الشعر (der Dichtende ) هو من يقرأه، ومن هنا فهو مع ذلك مجرد “أحد أجراس ” ما يعطيه الشعر ليقال (das Zu-Dichtenden ).
تحرير الشعر من الأدب شيء أول.
أما الشيء الثاني الذي نحن بحاجة إليه: إنقاذ الأرض من أجل العالم.
ينبغي المحافظة على الأرض في أصلها الذي لا يقبل المساس انطلاقا من اللعبة العالية بين الإلهيين و المائتين، من أجل هذه اللعبة.
هنا تنبع من جديد ضرورة أن نكون مجددا منجرين في امتحان ما نستمر اليوم نحن الآخرين، بكل نقص في الاكتفاء و بعد أن لم تبق لنا معرفة ببعض الأشياء الجوهرية، في تسميته ال”طبيعة”. لذلك فوراء مظهر “شعر طبيعة” بسيط، في حالة انجرار ورومانسي، من الآن فصاعدا يستطيع الابتداء غير الظاهر لمحافظة على الأرض أن يبزغ. فجأة مثل برق دون رعد، يمكن لقرب الكينونة السليم أن يكلمنا.
لن نكون قادرين على الشيئين المذكورين إذا لم نبدأ بتعلم الإنصات. هنا يوجد مفتاح كل تعلم بدئي. وهذا يتطلب منا أن نسهر على كينونة اللسان بطريقة تجعلنا ندرك، في هذا الاحتراز، ما يقال بشكل خالص في اللسان، وأن نختبر الطريقة التي ينبثق بها أيضا هذا ذاته من كلام ملحق.
يجب على كل مجهود أن يتوجه نحو هذا فقط:
أن نشجع نحن المائتون بعضنا بعضا على القول والانصات بشكل خالص. هذا التشجيع يجنبنا كل ادعاء؛ و هو يعلمنا بأن حظوة المكتوب العمومية لا تكفي لصنع ثقل الكلام.
لذلك فمن غير الممكن أن يكون الموضوع هنا هو التعجب من الانجازات الفردية، أو، ما يعني نفس الشيء، الحزن على أوجه النقص.
لا يتعلق الأمر أيضا في هذه المناسبة، بلفت الأنظار إلى أسماء ليست معروفة بالقدر الكافي. في التشجيع المشترك نحن نرافق بإنصاتنا مهمة القول السعيدة؛ ليس بدون نقد، لكن ليس أيضا كناقد-فن غير مرغوب فيه. أولئك الذين يكلموننا اليوم، يعرفون بأنفسهم، أفضل من أي كان، أن كلامهم مؤقت و بدون مظهر.
غالبا، منذ أن عرفت فكرة السيد س. ( Mr. St.)، ما أفكر في القول الشعري الأجمل لأعظم الشاعرات الغنائيات في الغرب، الأبيات التالية لسافو (Sappho) وهي تستغيث بالإلهة:
جميلون، جذبوك
دوريون سريعون على الأرض، السوداء،
كثيف–مرتج كميزان منذ السماء
عبر الوسط.
إن عصافير الدوري الجميلة التي تقوم بهذه الخدمة المقدسة هي أقرب إلى الجوهري من كل الطواويس التي لا يملؤها إلا عبثها.
————-
مجلة تمارين الصبر Exercices de la patience عدد 3/4 ، ربيع 1982 ( عدد خاص عن الفيلسوف هيدغر)
*الترجمة من الفرنسية إلى العربية