الرئيسية | أدب وفن | لي في الكتابة حياة… | مصطفى الجرتيني

لي في الكتابة حياة… | مصطفى الجرتيني

مصطفى الجرتيني

 

مرض الكتابة مستعص، غير أنه لا يقتل كباقي الأمراض. إنه يحيي ولا يميت. إنه مرض لا يجد دواءه إلا في القلم والورقة أو أزرار هاتف أو حاسوب رديء. الكتابة لا تشترط شيئا آخر غير هذه الأشياء البسيطة، وبعض الخلوة في ركن من مقهى الحي. لم تعد، كما قالوا لنا يوما، أنها لا تتحقق إلا بعد شرب كؤوس من الويسكي أو من نبيذ المرحوم المعتق والمعصور في ضواحي مكناس. القهوة والشاي كفيلان بتحقيق الغرض بيسر. بهذه الوسائل “التقليدية” يمكنك أن تكتب أشياء بسيطة وتقليدية كذلك. كأن تكتب عن نفسك “المظلومة” أو تسب واقعك الملعون، أو أن تعرض بعض الأفكار التي تخالج صدرك فتنفثها في فضاء من الفضاءات دون انتظار أي شيء، سوى بعض الردود من هنا وهناك. قد تكون إيجابية أو سلبية أو على شاكلة لعنات كما يلعن إبليس.

إذا أردت أن تعرب عن حبك فاكتب. وإذا أردت أن تعبر عن استيائك وتذمرك فاكتب. وإذا أردت أن تلعن وتسب وتشتم فاكتب. لكن، وفي الخيار الأخير، وجب التحفظ والاحتراس من الوقوع في المحظور، ما دامت هنالك رقابة بشرية تترصد أخطائك وهفواتك لتوقع بك مع أول منعرج ضيق. فهناك من لا يفرق بين الهزل والجد ويخال نفسه “مراقبا” عاما للأخلاق والآداب. قد يعاتبك على كلمة “نابية” كتبتها وكأنه لم يسمع بها من قبل في محيطه الداخلي والخارجي. لا يعرف أن بعض الكلمات لا تستوجب الترجمة، ويجب أن تكتب خامة ومن دون نقش أو نحت حتى لا تفقد معناها الأصلي. تكتبها “عارية” كما ولدتها أمها حتى تسهم في إبراز المعنى. أما إن أنت ألبستها ملابس عصرية، فأنت من دون شك تكون قد جردتها من قيمتها وساهمت في تجريدها من هويتها.

لست وقحا، لكنني أكتب أشياء “وقحة”.  أكتبها عن وعي تام.. أكتبها بعد أن أشرب القهوة أو الشاي فقط. لست في حاجة إلى منتوجات المرحوم لأكتب مثل هذه الكلمات. النص الهزلي والسخرية يحتاجان مفردات وقحة. فلماذا أحرمهما منها حتى أبدو للآخرين وقورا ومحترما وصاحب قيم وأخلاق راقية؟ . الجد شيء، و الهزل شيء آخر. من أراد الجد فليجد، ومن أراد الهزل فليضحك كما نضحك على أنفسنا وعلى مرارة حياتنا وواقعنا. لا يمكنني أن أكتب لكي أروق للآخر. أكتب لنفسي فقط. أريد أن أرضي نفسي أولا وأخيرا. أريد أن أخلصها من الأثقال التي تراكمت عليها على مر السنين. فلماذا سأرهقها بالجد الذي لا يفيد في شيء؟ سوى أفكار ناس ظنوا أنفسهم منزهين عن الأخطاء كما الملائكة !!.

أكتب طمعا في العلاج. علاج النفس الذي عجز عنه الأطباء النفسانيون. علاج القبح والحقد والشر والكراهية. أكتب لأضحك في وجهي وفي وجه غيري. أكتب لأرسم ابتسامة ولو خفيفة على محيا أشخاص مثلي. أشخاص عفويون، تلقائيون يمقتون الخبث والكره الذي سرى في الأوصال. أكتب  لأداري غضبي الذي يكاد يعصف بي كلما وقفت على حقيقة الأشخاص والأشياء. أكتب لأعيش… ففي الكتابة حياة…

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.