الرئيسية | شعر | لا جمرَ لم تهطِلْ به | ناجي حرابة

لا جمرَ لم تهطِلْ به | ناجي حرابة

ناجي حرابة (السعودية):

 

 

(بين يدي أبي الطيب المتنبي)

عَبَّأتَ

من عَطشٍ جرارَكْ

وزرعتَ بالنّجوى قفارَكْ

لا جمرَ لم تهطِلْ به

لا نبعَ لم تمنحهُ نارَكْ

بَسملتُ باسمكَ

إذ قرأتُك في مصاحِفنا: (تَبارَكْ)

طَفَحَتْ بلؤلئكَ اللغاتُ

فكانتْ الدّنيا مَحارَكْ

وكسرْتَ أقفالَ المحالِ

نزعتَ من يدهِ انكسارَكْ

ومضيتَ

(تفترعُ) الجهاتِ

تمدّ في المنفى قطارَكْ

غنّتْ على فمكَ الغيومُ

غرستَ في البوحِ انهمارَكْ

الخصبُ وعدُك للحروفِ

وفيتَ إذ قطفتْ ثمارَكْ

سُفُنُ القصائدِ

إذ تُسافرُ فيك لمْ تقطعْ غِمارَكْ

جُزُرُ المعانيْ

أدمنتْ- رُبّانَ أحرفنا – انتظارَكْ

لم تنفردْ بكَ جملةٌ

لا فكرةٌ بلغتْ قرارَكْ

قلقٌ تَخمّرَ في دماك

ولاعجٌ شربَ اختمارَكْ

سهمُ البداوةِ

قد رمى صدرَ الحضارةِ إذ تَعارَك

ضَرَبا سياجاً شائكاً

فعبرت مخترقاً حصارَكْ

حربانِ خُضتهما معا

وقسمتَ بينهما انتصارَكْ

*****

الأرضُ صاخبةٌ

وأنت بنيتَ بالألحانِ دارَكْ

ديوانُك الدّنيا

مددتَ لأفقها الأقصى مدارَكْ

فجّرْتَ روحك بالمجازِ شذاً

فما أزكى انفجارَكْ

أشعلتَ أجنحةَ الخيالِ

نصبتَ في البيدا فنارَكْ

تغدو انزياحةَ فكرةٍ

لتروحَ تَمتشقُ ابتكارَكْ

أصغى لثورتِكَ الزّمانُ مَدىً

تُموسِقُ فيه ثارَكْ

المتخمونَ بمُلكهمْ جوعى

وقد أكلوا غُبارَكْ

والنّاعسون على حصيرِك

لمَّ حُلمهُمُ نُثاركَ

*****

ذَبُلَ الشُّداةُ

وما تزالُ تصبُّ في اللغةِ اخضرارَكْ

عَذُبت بحورُ الشّعر

مذْ قطَّرتَ في فمها بحارَكْ

والضّادُ وارفةُ الغصونِ

لأنَّ في دمها بذارَكْ

*****

يا أيّها الموقودُ من ألمٍ

ولم تُطفِ استعارَكْ

كيفَ اقتدحتَ بخيمةِ الصّحراءِ

في أَنَفٍ  أُوَارَكْ؟

فإذا خيولُ الشّعرِ تَرشُفُ

من لظى ضَبْحٍ شرارَكْ

والشِّيْحُ يعصرُ ضرعَ قافيةٍ

لكي يسقيْ  عَرارَكْ

كم ذا رأيتُ أناملَ الإبداعِ

تسرقُ جُلّنارَكْ

*****

الشّعر لوحةُ كوننا الأسنى

أضأتَ بها جدارَكْ

والفنُّ سُكَّرةُ القصيدِ

مزجتَ من دمها مَرارَكْ

لأبي العَلاءِ

يَراعةٌ كبرى

ولمْ يرسمْ إطارَكْ

“عَبَثُ الوليد” أقضَّهُ

فأشاحَ مُصْطبحاً خُمارَك

أَدْلَجتَ في وعْر الرُّؤى

ووصلتَ مُنتعلاً عِثارَكْ

أطعمتَ سُهدكَ

ليلَكَ الطّاوي

وصُمتَ به نهارَكْ

الشعرُ كانَ شعارَك الأسمى

ولم تَخذلْ شعارَكْ

فيهِ انصهرتَ

مع الورى كيما توفّيهِ انصهارَك

تلكَ القوافيْ أكبدٌ حرَّى

غرزْتَ بها شِفارَكْ

فنزفتَ حتّى آخرِ الإيقاعِ

دوزنْتَ ازْوِرارَكْ

مَجُلتْ حروفُك في احتفار السرِّ

تستلُّ افتكارَكْ

هلْ خلجةٌ حاورتَها

في النّفس لمْ تعشقْ حوارَك؟؟

أمْ وردةٌ سامرتَها

ليستْ تَنَفّسُ شَهريارَكْ؟

أمْ بسمةٌ

في ثغرِ نجمٍ

ما اجْتنتْ منكَ افترارَكْ؟

عرَّيتَ رُوحك للسؤالِ

نسجتَ من ريبٍ إزارَكْ

*****

كُوفانُك ارْتحلتْ إليكَ

فأنتَ تُسكنُ فيكَ دارَكْ

لمْ يخدشِ الزَّمكانُ شِعرَكَ

لم يزل كذباً

مُبارَكْ

وأنا

وقفتُ هنا

غداةَ قبستُ من جُرحيك نارَكْ

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.