ريتشارد دوكنز،
ترجمة: عبدالاله مجيد
يقول العالم البيولوجي ريتشارد دوكنز إنه حين كان طفلًا في أربعينات القرن الماضي، أدرك أن بابا نويل كان في الواقع احد اصدقاء العائلة متنكرًا. وحين أصبح من مريدي نظرية دارون في النشوء والتطور، قطع عهدًا على نفسه بأن يميط اللثام عما يسميها أشهر ملحد في العالم “اوهامًا أكبر وأخطر من اسطورة بابا نويل مثل الله”.
ومن هنا كتابه “وهم الله”، الذي نشره عام 2006. وكان دوكنز لفت انتباه العالم اليه قبل ذلك بكتابه الأول “الجين الأناني” عام 1976 مجادلًا فيه بأننا لسنا سوى آلات تسخرها الجينات لمصلحتها الذاتية.
وفي مقابلة أجرتها معه صحيفة البايس الاسبانية، تطرق دوكنز إلى جملة قضايا راهنة، بينها النزاعات التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط وصعود النزعة القومية في اوروبا، كما تبدت من خلال الاستفتاء على استقلال اسكتلندا ومطالبة كاتالونيا باستفتاء مماثل حول انفصالها عن اسبانيا.
آراء معقدة
قال دوكنز إنه بالامكان القول إن النزعة القومية في هذه الأماكن شكل من أشكال العودة إلى القبلية، “لكن من الجائز أن نسأل لماذا لم تنشأ مثل هذه النزعة القومية في مقاطعة ويلز أو كورنول جنوب غرب بريطانيا مثلًا؟”. واضاف انه بصفته عالمًا بيولوجيًا ليس مؤهلًا للاجابة عن هذا السؤال، مؤكدًا ان علوم الاجتماع والسياسة علوم معقدة.
وكان دوكنز اعلن أن الدين يكمن في صلب نزاعات كتلك التي تستعر في العراق وسوريا أو اوكرانيا واشتعلت قبل ذلك في يوغسلافيا. لكنه أوضح انه لا يعتقد أن الدين وحده هو الدافع المباشر للنزاع، “فمن كانوا يزرعون العبوات الناسفة خلال النزاع بين الكاثوليك والبروتستانت في ايرلندا الشمالية لم يفعلوا ذلك بسبب خلاف فقهي حول القربان المقدس واصوله”.
وعاد إلى طفولته واكتشافه دارون قائلًا إنه أدرك حين كان في التاسعة من العمر أن هناك ديانات مختلفة، مثل البوذية والاسلام والهندوسية وآلهة الاغريق والفايكنغ. واضاف انه لا يعرف ما الذي أبقاه مسيحيًا، مرجحًا أن يكون تأثير المدرسة هو السبب. وقال: “دارون كان السبب في ابتعادي لاحقًا عن المسيحية، فالدارونية أنقذتني حين كنتُ في الخامسة عشرة من العمر”.
عادة التساؤل
وتطرق دوكنز إلى وصفه بأشهر ملحد في العالم واللاادرية قائلًا إن التعريف الذي يؤيده هو التعريف الذي يقول إن اللاادري هو شخص ليس لديه ايمان قاطع بوجود إله في حين أن الملحد يؤمن ايمانًا قاطعًا بعدم وجود الله وأنا ليس لدي هذا الايمان بل ما لديَّ هو عدم وجود سبب للإيمان بالله على غرار عدم ايماني بالجن.
وعما إذا كان من الجائز أن يكون الالحاد نفسه عقيدة جامدة لا تعرف التسامح، قال: “على المرء أن يدافع عما يؤمن به، لا أن يُسكت الآخرين، وعلى امتداد قرون سلَّمنا بأن الدين فوق النقد ويبدو نقده عدم تسامح ولكنه ليس كذلك”.
ويعارض دوكنز طريقة العائلة في تربية اطفالها على الخرافات والتفسيرات السحرية للظواهر قائلا إن حشو عقل الطفل بحكايات الجن والسحر والأعاجيب مضر بالطفل، “وبدلًا من ذلك ليلعب الآباء لعبة سؤال وجواب بسيطة مع اطفالهم الذين يؤمنون ببابا نويل مثل عدد المداخن التي عليه أن يدخل عبرها إلى البيوت كل ليلة، فالمسألة لا تتعلق بنفي وجود بابا نويل بل بغرس عادة التساؤل والشك في الطفل”. فنظرة دوكنز تتجاوز شكه في الدين إلى استهداف الخرافة وممارسات مثل الاستخارة وقراءة الطالع والتنجيم وقراءة الكف. كما يتخذ موقفا نقديًا شديدًا من النموذج المعتمد في التعليم بإملاء الدرس على الطالب المطلوب منه أن يحفظه بدلا من تشجيع الطالب على تعليم نفسه بنفسه أو على البحث بجهوده الذاتية.
مآزق اخلاقية
لدوكنز حضور دائم على موقع تويتر، الذي يحوله في احيان كثيرة منبرًا للسجال ويرد على التغريدات بتغريدات مضادة. وحين سُئل عما إذا كانت هناك تغريدات ندم على ارسالها، قال انه يندم احيانًا لأن تغريداته تؤول بسهولة وانه يرى انه كان يستطيع أن يتجنب سوء فهم كهذا وخاصة ردود الأفعال التي اثارتها تعليقاته على الاغتصاب وكذلك دعوته إلى اجهاض الجنين إذا كان مصابًا بمتلازمة داون.
واوضح دوكنز انه يرى أن انجاب طفل مصاب بمتلازمة داون عمل غير اخلاقي، ولم يقل أن هذه قاعدة عامة، مشيرا إلى أن 90 بالمئة من النساء يتفقن معه، لأن ما يحدث للطفل المصاب بمتلازمة داون “هو الوفاة مبكرًا والاصابة بأمراض فظيعة وعاهات عقلية”.
واشار دوكنز إلى مآزق اخلاقية يمكن أن تنشأ في المستقبل محذرًا من أننا ندخل هنا عالم الخيال العلمي. وقال إن الحياة الاصطناعية التي يعمل على تخليقها العالم الوراثي كريغ فينتر هي “نسخ جديدة من بكتريا موجودة اصلا”. وقال: البكتريا تتكاثر وتتناسخ بسرعة، وإذا استُخدمت لشيء مفيد مثل تحويل بقايا اللحوم إلى وقود، فان هذا سيكون شيئًا حقيقيًا ملموسًا”.
لن تكون أنت!
وأوضح دوكنز موقفه من الاستنساخ، قائلًا انه يرفض انتاج بشر مبرمَجين بلا عواطف. كما تناول شكه في وجود هوية شخصية لأن الخلايا التي نتكون منها اليوم ليست الخلايا التي ولدنا بها. وقال العالم البيولوجي إن هذا سؤال مثير يُطرح على الفلسفة، “فاستحداث نسخة كاملة من الانسان بنسخ كل ذرة من جسمه وليس بالمعنى الوراثي كما حدث مع استنساخ النعجة دولي متعذر علميًا ولكنه ممكن فلسفيًا، ونسختك سيكون لها جسمك وذكرياتك وافكارك نفسها لكن ايًا منهما ستكون أنت؟”.
وقال دوكنز: “النسخة الجديدة منك ستنفصل عنك وتعيش خبرات جديدة وفي هذه الحالة ايًا منهما تكون أنت؟” وأكد دوكنز أن هذه أسئلة لا يمكن الاجابة عنها من خلال التجارب العلمية لكنها اسئلة مثيرة من المنظور الفلسفي.
وفي معرض الرد على اعلان العالم الفيزيائي ستيفن هوكنز موت الفلسفة لأن العلم يقدم الاجابات عن اسئلة الكون الكبرى قال دوكنز: “الفلسفة لم تمت، لكنها فقدت بعضًا من مواقعها”.
وعن الصدفة وتضافر ظروف معينة تقرر مستقبل الانسان، قال دوكنز: “الواقع يتعلق بالجزئيات الصغيرة، فنحن نعرف أن الثدييات كلها تنحدر من فرد كان موجودًا في زمن الديناصورات، ولو مات ذلك الفرد الثدي قبل أن يتناسل ويتكاثر لوجدت ثدييات مع ذلك، لكنها ستكون مختلفة تمامًا. وكل واحد منا يعيش اليوم لأن حيوانًا منويًا من بين ملايين الحيامن لقح البويضة، وأدنى حركة خلال الجماع بين اجدادنا، كأن ينبح كلب يفقدهم تركيزهم، كانت ستؤدي إلى نتيجة مغايرة”.