بقلم وعدسة: زياد جيوسي
في أمسية من أمسيات عمَّان عاصمة الأردن الجميل، وخلال زيارتي التي طالت كنت أحلق مع الشعر الجميل والشاعر الأجمل الأستاذ مختار العالم، فهذه الأمسية كانت مختلفة ومتميزة، فمختار شاعر جميل وهادئ وقد بلغ منتصف العقد السادس من عمره، له تجربته الطويلة والهادئة في نظم الشعر، لم يطبع في حياته سوى ديوان واحد رغم عشرات القصائد التي لم تطبع بين دفتي كتاب، فكانت فرصة جميلة لحضور هذه الأمسية في مجمع بيت الثقافة والفنون من خلال نشاطات بيت الثقافة العربي.
المهندسة قمر النابلسي تولت عرافة الحفل فقدمت مختار بالقول: “سنعيش هذا المساء مع شاعرنا باقات منوعة من الورود الشعرية الرقيقة التي تجعل براعم القلب تتفتح، وعصافير الحب تبني أعشاشها على أشجار هذا المساء العماني الجميل.
الشاعر مختار العالم نعرفه طيرا مغردا على شجرة الشعر وشجرة المحبة في مشاركاته المتواصلة في الأنشطة الأدبية المختلفة، شاعر رقيق يحلق في فضاءات رومانسية حالمة.. يجدد في القلوب نبضاتها، ويزرع الأزهار في بيوت الروح.. ينحاز شعره إلى غنائية رشيقة وقافية ذكية ليرسم لنا المعاني المدهشة.. والصور الشعرية الجديدة، مختار العالم مخلوق شعري موهوب، يرى القصيدة حبيبته الأولى وحديقة قلبه الرهيف، ولذلك نجده مشغولا بالأنين والحنين والإلتياع إلى الرمز الأنثوي الذي يناجيه كما يناجي الياسمين النابلسي في الصباح”.
فتألق مختار بين حضور جميل ونوعي وترنم بعدة قصائد ولكنه بدأ بشدو قبل أن ينتقل لابداعاته الشعرية قال فيه: “هي أرضنا جبلت بماء وضوئنا/ ستعود يوما للحياة/ ابن لهذه الأرض إني قد أتاها الأنبياء/ ابن لعمَّان التي وقفت امامنا لتصلي جمعنا/ كل الصلاة في وقتها رفعت آذان الكبرياء”
وبعد أن رحب بالحضور واعتبر بحضور هذا الجمهور للشعر معنى آخر قال: “نادي بعالي الصوت أني يعربي، فالراية العصماء يحملها نبي، واشدد إلى صدر العروبة جمعها، حتى نعيش بوحدة حق قوي”، ليبدأ بإلقاء العديد من القصائد اخترت مقاطع منها، فمن قصيدته “وطن الضوء” اخترت:
قلب توضأ من ضياء هلّ له/ والنبض يسجد في شغاف دللَّه
كم كان حرمه البعاد لبعده/ حتى التقى هذا الجمال فحلله
ومن قصيدة “تدللي” هذه المقاطع:
وتدللي.. حتى يغار الزنبق البري/ من دل لقد الفاتنة/ ويغار منك الياسمين ولونه/ فيقول سبحان الذي خلق الجمال فأحسنه.
ليواصل الشاعر مختار العالم التحليق من قصيدة إلى قصيدة والحضور يطالبه بالمزيد، حتى القى قصيدته المتميزة “وكـأنه نفسي الأخير” وهي اشبه برثائية للنفس قبل الرحيل حملت من الشاعر ألمه ومشاعره وأحاسيسه، فيقول في مقطع منها:
“وكأنه نفسي الأخير/ أو أنه النفس الأخير/ والروح ينوي للرحيل/ فلقد تراخى حضنه الجسد النحيل/ والقلب قد عرف الحقيقة/ سيدق دقته الأخيرة/ وتشق نفسي دربها لشعاع نور/ يأتي الوداع بلا وداع من وداع.
قد تكون شهادتي بالشاعر مختار العالم مجروحة، فقد عرفته منذ زمن، واستقبلته في صالوني الأدبي بحضور عدد من الأدباء والشعراء في رام الله، ونسقت له مرة أخرى أمسية شعرية جميلة في منتدى دار الشروق في رام الله أيضا، فأبا غفار إنسان بما تحمله هذه الكلمة من معنى، حس إنساني مرهف، تسيل دموعه مع طفل يبكي، ولكنه رجل صلب أمام المصاعب والملمات، صامت لا يعرف الشكوى، يمتلك كبرياء الرجولة الحقة، صاحب الكلمة والإلتزام بها، من يعرف مختار العالم ويتعامل معه بأية مسألة لا يحتاج لأوراق وعقود، يكفيه أن يسمع كلمة منه حتى تكون كلمته أقوى من السلاسل والفولاذ.
مختار صديق وفي ومخلص وطيب ودفع الكثير بسبب طيبته ولم يشكو، أول من يقف بجانب الأصدقاء وآخر من يغادر وهو مطمئن على صديقه، ومع إشراقة الشمس كل صباح تفيض روحه بالجمال فتنثال مشاعره شِعرا بنسمات صباحية إشتهر بها وجعلت أحبته من المدمنين عليها كل صباح مع فنجان القهوة وشدو فيروز وبوح روح العراب مختار..
هو مختار بحروف اسمه الخمسة: الإنسان والشاعر، الصديق والطيب، والوفي.. هكذا مختار صديق الزمن الصعب الذي يحيله بروحه وابتسامته وضحكته المميزة جميلا.
لتنتهي الأمسية بكلمات عريفة الحفل المهندسة قمر النابلسي وهي تشكر الشاعر حضوره الجميل وتصفه بأنه شاعر الانسانية والمحبة، ليجري تقديم شهادة تقدير له قدمها الاستاذ الشاعر صالح الجعافرة رئيس منتدى بيت الثقافة العربي، وقلادة تكريمية قدمتها الدكتورة هناء البواب عميدة مجمع بيت الثقافة للفنون وبمشاركة الأستاذة ميرنا حتقة مدير لجنة النشاطات الثقافية في بيت الثقافة، ومن ثم تقديم شهادة تقدير للمهندسة قمر النابلسي على جهودها وإدارتها للأمسية والتي أعدت ونسقت لهذه الأمسية، وإحتفاء جميل من الجمهور.
ونهاية كانت أمسية متميزة وجميلة، ولكني أشعر أن مختار العالم لم يأخذ حقه او بعض منه بالاحتفاء والتكريم على ساحة ومساحة الشعر في الأردن، ولعل هذه الأمسية شكلت خطوة متميزة لتكريم المختار الشاعر والإنسان.
“عمَّان 6/9/2017”