الرئيسية | سرديات | قصة قصيرة ليلة وأسرار | محمد بلعربي

قصة قصيرة ليلة وأسرار | محمد بلعربي

محمد بلعربي (المغرب):

 

 في مساء الجمعة وقبل بداية السهرة، ضبطت الساعة كالمعتاد عند السابعة صباحا كي لا أفوت العمل في الثامنة من صباح اليوم التالي. استيقظت قبل أن يرن المنبه بدقيقتين، غالبا ما يقع معي هذا الأمر خصوصا عندما أكون متبوعا بموعد ما. حاولت مغادرة الفراش لكن دوخة غير متوقعة أعادتني إلى مكاني خائرا، أحسست وكأن رأسي تزن طنا. تمددت في انتظار الرنة، غير أني غفوت قليلا، فنمت من جديد. حين نهضت أدركت من خلال أشعة الشمس أنه منتصف النهار، كما تنبهت إلى أمرين محيرين ومزعجي: أولا هاتفي مهشم، ثم سروالي وقد تبلل نصفه العلوي، لا أعرف في الحقيقة كيف ومتى حصل كل هذا، كما أنني لست من النوع الذي يتبول في الفراش. على المكتب الذي وضعت في الصالون مجموعة قصصية كنت قد شرعت في قراءة أولى صفحاتها، وإلى جانبها قنينة ويسكي من نوع لابيل فارغة تقريبا، مما يعني أنني كنت أقرأ وأسكر في الوقت نفسه. ها قد بدأت ألملم خيوط الكارثة بالتدريج، إذ لا يمكن أن نسكر وننسى ببساطة أننا سكرنا خصوصا طقوس بداية الجلسة وما يرافقها من حماسة واندفاع. أتذكر الآن كل شيء تقريبا، الطاجين الذي التهمت سريعا وعيوني تحدق في القنينة الفاتنة، ثم القصص الأولى التي عكرت مزاجي وجعلتني أشرب من فم الزجاجة مباشرة، كنت أرغب في هزة ترفعني إلى مستوى أتناغم فيه مع وجبات هذا الكاتب المعتوه الذي ظهر أنه نجح في إغضابي بشكل جيد. نصوص فقيرة بدون حبكة،جمل متراصة ومنمقة، لكن خالية من أي توتر، بدت كأجسام جوفاء وباردة صُنِعت لمعاقبة القارئ واحتقاره بفظاظة. تارة أقرأ في صمت، وعندما أشعر بعسر الهضم، أردد الجمل بصوت مسموع علني أظفر بشيء، لكن وجدت نفسي في النهاية أقرأ فقط كغبي وأستهلك في ضجر نصوصه المملة وكأنها عقوبة لا مفر منها.. عادة ما أتخلص من المقروء إن لم يكن مثيرا، هذه المرة قررت متابعة شطحات صاحبنا لأتصرف بطريقتي التي أرغب فيها مند مدة طويلة.هل جربتم فك سلسلة السروال والتبول على بعض المنشورات،تلك كانت أمنيتي الدفينة،لكنني كنت في أمس الحاجة إلى»الأوفر ضوز” في السكر والغضب معا.. قمت أتمشى في فناء المنزل وأنا أعب جرعات كبيرة، وحين أتذكر القصص أعود إليها متمايلا شاتما صاحبها وناشرها و حتى الجريدة التي وضعت الإعلان الذي أغراني كي أقتنيها، أقرأ وأقلب غلاف المجموعة حيث صورة الكاتب بوجهه المكتنز وخديه الحمراوين، ثم نظراته المتطلعة إلى الأفق واضعا قبضته أسفل ذقنه بشكل يبرز خاتما فضيا سميكا. كنت مستعدا لتنفيذ الجريمة والنيل منه أخيرا دون خسائر لولا الكاو اللعين الذي خذلني في النهاية.. الآن أجلس فوق المنضدة أدخن عاريا في صمت وأنا أحدق في السروال المبلل وأفكر في ليلة البارحة محاولا فك هذا اللغز المحير، بعد قليل سأخرج لأشم هواء منعشا، لكن قبل ذلك سأعود إلى الأهم. الكتاب لا يزال نظيفا ومثانتي امتلأت من جديد.. أنا سعيد يا رفاق.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.