الرئيسية | سرديات | قبلة على قدم وساق | نهلة كرم
نهلة كرم

قبلة على قدم وساق | نهلة كرم

نهلة كرم (مصر):

 

سأظل طوال سنوات لا أرقص إلا الرقص الشرقي في الغرف المغلقة وحدي أو مع النساء في ليالي الحناء، لا أضاهي معظمهن في الرقص، لا أغير كثيرًا من حركات جسدي لكني أغير من حركات يدي حتى أذهب النظر بعيدًا عن عجزي عن فعل حركات لا أستطيعها، كالرعشة التي تضطرني الطبلة لأن انسحب من الرقص بسبب فشلي في تعلمها، سأظل لسنوات أحاول فهم كيف يرتعش الجسد كله بداية من القدمين، لكني سأفشل، سأقنع نفسي بأن جسدي يرفض أن تكون الرعشة عن قدم وينتظر أن تكون عن حب.
سيأتي علىّ وقت أصير فيه مثل كل الفتيات، سأمل الرقص منفردة وأفضل أن يشاركني أحدهم الرقص، سأبحث عن رقصة زوجية، فلا أجد أجمل من “التانجو”، سأظل ليال طويلة أشاهد مقاطع فيديو لتلك الرقصة، وأؤجل الذهاب لتعلمها حتى تأتي، لتكون أول من يلمسني، ويتأخر حضورك ولا تأتي، فأذهب لتعلمها على يد مدربة تلمسني قبلك اختصارًا للعمر، ثم تأتيني بعد عدة جلسات، لن يكون لقاؤنا الأول فى صالة الرقص كما هيأت له، سيكون عبر محادثة فى “الفيس بوك” بعد أن تعلق لى على مقولة نشرتها على صفحتي خاصة بنزار قباني “وكيف نكتب والأقفال في فمنا؟” سيعلق الجميع بسخرية فيما عداك، ستعلق بأن الكتابة لا تقيدها أفواه مكبلة بل أرواح معطلة بالموت” سيجذبني تعليقك وسأدخل إلى حائطك لأتعرف على اسمك واسترجع سبب إضافتك، سأكتشف أنني أنا من أضفتك لأنك كاتب سياسي وبيننا الكثير من الأصدقاء المشتركين، سأفاجأ برسالة منك فى نفس اللحظة تعتذر فيها عن تطفلك على صفحتي، سيبدأ كلام بيننا وسنكتشف أننا نشترك في عشق جبران، ستتكلم عنه بلغة راقص وليس بلغة كاتب، سأظن أنك تجيد الرقص كما تجيد الكلام ولكني سأخجل من سؤالك عن الرقص، حتى لا تسيء الظن بي.
في أول لقاء بيننا ستقتحمني بثقافتك وحجم معرفتك، سأصير أمامك ضعيفة بكل ما قرأته، سأظن أنك تستطيع فعل كل شيء كما تستطيع قول كل شيء، ستفاجئني بأنك تعشق التانجو لكنك فشلت في تعلمه، ستحطم حلم راودني كثيرًا لأحققه معك، لكني أجد أخيرًا نقطة قوة تعلقك بي، سأخبرك أنني أرقص التانجو فتبتسم وتطلب منى أن أعلمك ما فشلت فيه، سأودعك وأرسل رسالة لك بعدها بأن هذا اليوم كان أسعد يوم في حياتي فتجيب برسالة رشيقة تخبرني بأنك كنت سترسل نفس الكلمات لكني سبقتك إليها، سأظل طوال الليل أحلم باليوم الذي أعلمك فيه رقصة الـ”تانجو” وأقسم أنك ستحترف الرقصة كما تحترف مراقصة روحي بكلماتك.
سأرتفع بأحلامي حد ارتداء حذاء بأعلى كعب في أول مرة أعلمك فيها الرقص، لن أخشى الوقوع رغم أنني أرتديه للمرة الأولى، سأثق أنني لن أقع وأنا بين يديك، وحين تخبرني في المرة الثانية أن لديك طفلًا من زوجة سابقة، لن أتخلى عن أحلامي معك، سأخفضها قليلًا إلى حذاء بكعب قصير… ليس لعدم ثقة بك، ولكن خشية عدم اتزانك في المرة الأولى.
سنتفق على مواعيد سأتغيب بسببها عن حضور دروس “التانجو” وأظل أنتظرك في هذا “الكافيه” الذي تقابلنا فيه لأول مرة، القريب من عملك حتى يسهل عليك المجيء، سأنتظرك ساعتين ولن تأتي، ثم ستعتذر لي بأنه كان لديك اجتماعٌ مهم فى العمل ولم تستطع النزول، سأغفر لك بمجرد أن ترسل لي رسالة تنهك قواي بالكلمات، تخبرني فيها بأنك تريد فعل كل شيء معي، وأنك ستأخذ يومًا أجازة لنرقص معًا، تتبدد كل مخاوفي، وأعيش على حلم راقص.
سأعتاد على حججك الكثيرة، وأرضى منك بمقابلة كل شهر، تتخللها الأعذار، ستنقطع فجأة عن الاتصال كأننا لم نتقابل يومًا، ستختفي من حسابي، سأظن أنك محوتني نهائيًا وأبكى لعدم وجود أسباب لفعلتك، سأفاجأ بوجودك ذات صباح على صفحتي، لكنك لم تعد وحدك، ستكون زوجتك السابقة قد عادت على حسابك بحق شرعي أمام الجميع، سأظل أبكى بعد أن أعرف أسباب بعدك، وأتذكر كلماتك التي لن يقولها رجل لي من بعدك، “الحب هو أن ينظر اثنان إلى نفس النقطة من السقف بعد ممارسته، وليس رعشة يسعى إليها الجميع وينتهون عندها”.
سأتناسى ما لم نرقصه معًا، لكني سأفاجأ ذات صباح برسالة منك تسأل فيها عن أحوالي، أخبرك بأنني بخير وأصمت فتصمت أنت أيضًا، وتعاود بعد أسابيع نفس السؤال، احترم رجولتك التي لم تتعمد إهانتي أو اهانة زوجتك بأكثر من ذلك، سأضع لك مبررات رحيلك حين أعلم بخبر مولودك الثاني، سأحبك أكثر كلما صمت، لكنك ستفاجئني بإطالة الحديث معي ذات مرة بسؤالي عما إذا كنت مستمرة في دروس “التانجو”؟ سأخبرك بأنني توقفت بسبب مشاغلي، ولن أخبرك عن السبب الحقيقي، وهو أنني لم أستطع إكمال رقصة لن أرقصها معك، ستطلب مني أن أكمل تعلمها حتى أعلمها لك كما وعدتك، أصمت من الصدمة، فتخبرني بأنه لولا ظروفك لرقصت معي طوال عمرك، تخدرني كلماتك، تعود من جديد علاقتنا، وأعاود الذهاب إلى دروس الرقص مرة أخرى، لأرقص معك في ردهات خيالي.
سنبدأ رقصة “تانجو” غير عادلة، رقصة تانجو بالكلمات وبدونها، تقربني إليك بكلمات عنيفة، تقترب من كلمة أحبك دون أن تقولها، تثيرني أكثر من قولها، مثلما تثيرني تلك القبل التي لم تحدث في رقصات التانجو أكثر من كل القبلات الساخنة التي شاهدتها في الأفلام، ستكون راقص كلمات محترف تضاهي محترفي “التانجو”، وستحترف الصمت أيضًا كاحترافهم البعد فجأة في الرقص، هم يبسطون أذرعتهم جسرًا ممتدًا يشدون به شريكاتهم مرة أخرى، وأنت تترك كلمات لم تقلها تعتذر عنك في صمتك،، حين تختار يومًا يناسبك لترقص معي، سأرفض لأن الكلمات التي بيننا شيء و الرقص شيء آخر، ستتهمني بأنني فتاة عادية مثل الناس جميعًا ترفض أن تعيش الحلم، ستتكلم معي كما لو أني سياسي أخطأ في برنامج “توك شو” أو رئيس لم ينفذ برنامجه الرئاسي، سأنسى كل الرقصات التي قلتها لي،سأتشجع لأقول لك للمرة الأولى أنك لا تختلف عن كل الرجال الشرقيين، يتزوجون وينجبون بكامل إرادتهم ثم يبحثون عن فتاة لأحلامهم، ولا يهم ألا يكونوا لأحلامها، سيشوه حديثنا هذا كل الرقصات التي حلمنا برقصها سويًا، لكنني سأكتشف أنك لا تريد منى سوى رعشة.
سأتوقف تلك المرة عن رقص التانجو كرهًا له، سأبحث عن رقصات أخرى للنسيان، أمارسها وحدي بعد أن أفقد الأمل في الحب، سأعاود الرقص الشرقي لكنه لن يكفيني، ولن يمنحني رعشة تعوضني عما لم يحدث بيننا، سأظل أبحث بين الرقصات عن رقصة تناسبني، سأرفض الـ”هيب هوب” لأنه يجعل رأسي فى الأسفل، بعد أن كانت أحلامي الرقص بأعلى كعب اخترعوه، سأجد حلًا وسطًا في رقصة “الزومبا” سأستبدل أحلام الكعب، بحذاء رياضي، لكن رأسي ستظل في الأعلى، رقصة سعادة للنساء فقط لا تحتاج إلى شريك مثل “التانجو” سأقرر أنني سأرقصها طوال حياتي وأسعد لقراري، لكني بعد فترة لا أستطيع الالتزام بالقرار، أحلم من جديد برقصة زوجية، أرقص التانجو وحدي متخيلة أن شخصًا ما يجذبني إليه، تنهكني الوحدة، تسقطني أرضًا وتبكيني، يأتيني إلهام مفاجئ، سأذهب إلى صالة بها كل الرقصات، سأرقص أمام الجميع، والرقصة التي سيصفق لي الناس فيها، ستظل رقصة حياتي، سأرضي حتى لو كانت رقصة فردية.
سيبدأ الرقص الشرقي، سأبرع في أول خطواته، لكني سأنسحب في نقطة ضعفي مع أول دقة للطبول، ستكون “الهيب هوب” الثانية، لن أجرؤ على الاقتراب، سأكتفي بالتصفيق، ثم سيجيء دور”الزومبا” سأرقص كما لم أرقص من قبل، سيصفق لى الجميع بحرارة ومرح، لن يعرفوا كم الحزن الذي سينتابني لحظتها، بعد أن اختاروا لى رقصة حياتي، ستبدأ موسيقا التانجو، وسينشغل الجميع بالتأكد من وجود شركائهم إلى جوارهم، سأنسحب لأنني لست وحدي في المنزل ولا يمكنني أن أفعلها بتخيل وجود شخص إلى جواري، سيسحب يدي فجأة دون مقدمات، ويرقص بي كل الرقصات في رقصة لن أعرف اسمها أبدًا، وسأخشى تسميتها حتى لا تفقد لذتها، سيرتعش جسدي للمرة الأولى في حياتي بسبب رجل لن أعرف اسمه إلا بعد موعدين من الرقص ، لن نتبادل سوى كلمات الوداع بعد الاتفاق على رقصة أخرى، سأجازف معه بكل الرقصات، بلا كلمات، وستنقطع أخباره فجأة، لكني سأكون ارتديت الكعب العالي معه، ولن أخشى شيئًا بعدها، حتى لو كان فراقه ، لن يغيب كثيرًا، سيعود ليسألني إن كنت أرغب فى إكمال الرقصات معه، وسأجيبه بقبلة لن تحدث لأن الرقصة تتطلب ذلك.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.