الدكتور لحسن الكيري*
تقديم
تعتبر القصة القصيرة جنسا أدبيا نثريا حكائيا يقوم على مبدإ الإيجاز والاقتصاد في المقومات الجمالية؛ من حدث وشخصيات وفضاء زمكاني ولغة وغيرها. إنها نوع أدبي شبه ميكروسكوبي يرتبط بالحياة الاجتماعية، بحيث ابتكره العصر الحديث نفسه نتيجة تسارع إيقاع الحياة الحديثة. وقد استعار العرب هذا الفن الأدبي النثري الحكائي من الغرب[1] في مطلع القرن العشرين ، رغم تجذره في الثقافة العربية القديمة، للتعبير عن واقعهم وتصحيح أخطائه واقتراح بدائل له. ومن رواد هذا الجنس السردي في الأدب الغربي نجد كلا من إدغار ألان بو وأنطون تشيخوف وجي دي موباسان. أما الأسماء التي حملت لواء ه في الأدب العربي الحديث، فنجد كلا من محمود تيمور ويحيى حقي ونجيب محفوظ وزكريا تامر ويوسف إدريس وأحمد بوزفور ومحمد إبراهيم بوعلو وغيرهم. هذا وساهمت في ظهوره، في الأدب العربي الحديث، متغيرات سرعة الحياة العصرية وانتشار الصحافة وانفتاح العرب على الغرب واتساع حركة الترجمة. وقد جاءت العديد من الدراسات النقدية لمواكبة هذا الجنس الأدبي الجديد، ورصد خصائصه وتطوره، متأثرة في ذلك بالاتجاهات النقدية الغربية بغية منح المقاربة بعدا علميا يقوم على الموضوعية. ومن هذه الدراسات النقدية نخص بالذكر: “فن القصة القصيرة بالمغرب: في النشأة والتطور” و“مقاربة الواقع في القصة القصيرة المغربية: من التأسيس إلى التجنيس” للناقدين المغربيين المتميزين؛ أحمد المديني ونجيب العوفي على التوالي.
من اللافت للانتباه، ونحن نتحدث عن القصة القصيرة، أن نجد عددا لا بأس به من كتابها يدلون ببعض الآراء ويقدمون بعض الوصفات الجاهزة لمساعدة القصاصين الناشئين، بصفة خاصة، على الإلمام بأبجديات هذه الممارسة الإبداعية. وهذه الوصفات أقل ما يمكن أن يقال عنها هو كونها تشكل عصارة المراس والدربة والتجربة المختمرة عند هؤلاء الكتاب من جراء طول معاشرتهم لجنس القصة القصيرة.
سنحاول أن نتوقف، في هذا المضمار، عند واحد من هؤلاء الكتاب الذين لهم باع طويل في الكتابة القصصية. يتعلق الأمر بأوراثيو كيروغا – الذي ولد بالأوروغواي سنة 1878 وتوفي بالأرجنتين سنة 1937 نتيجة مرض عضال، عن سن الثامنة والخمسين. قاص ومسرحي وشاعر. ويعتبر مايسترو القصة القصيرة في القارة الأمريكولاتينية -. هذا القاص الأوروغوياني الذي نذر حياته لفن القصة القصيرة مخلفا وراءه، بعد أن أخذه المنون في أربعينيات القرن الماضي، زخما من الإبداعات لعل أبرزها المجاميع القصصية الآتية عناوينها:
“El crimen del otro”, (cuentos). 1904.
“جريمة الآخر”
“Los perseguidos”, (cuentos). 1905.
“المطاردون”
“Cuentos de amor de locura y de muerte”, (cuentos). 1917.
“قصص الحب والجمون والموت”
“Cuentos de la selva”, (cuentos infantiles). 1918.
“قصص السيلفا”
“El salvaje”, (cuentos). 1920.
“البربري”
“Anaconda”, (cuentos). 1921.
“ ” أناكوندا
“El desierto”, (cuentos). 1924.
“الصحراء”
“La gallina degollada y otros cuentos”, (cuentos). 1925.
“الدجاة المذبوحة وقصص أخرى”
“Los desterrados”, (cuentos). 1926.
“المنفيون”
“Más allá”, (cuentos). 1935.
“الماوراء”
إن هذا القاص الفذ ترك لنا وصفتين رائعتين تكشفان عن فهم هذا الأخير لماهية الفن القصصي. تحمل الوصفة الأولى العنوان التالي: “عشر وصايا كي تكون قاصا بارعا” “Decálogo del perfecto cuentista“، في حين تحمل الوصفة الثانية العنوان الآتي: “موجز القاص البارع” “Manual del perfecto cuentista“. وقد حاولنا أن نقدم ترجمة للوصفة الأولى من اللغة الإسبانية إلى اللغة العربية نظرا لأهميتها، خاصة بالنسبة للقصاصين الذين يترسمون الطريق نحو هذا الفن الأدبي الفريد من نوعه ألا وهو القصة القصيرة “Short Story“. وفيما يلي نص الترجمة:
I
آمن بالمعلم – بُّو[2]، كبلينغ[3]، تشيخوف[4] – كما تؤمن بالله نفسه.
II
آمن بأن فنه قمة صعبة المنال. لا تحلم بتجاوزها. عندما سيكون بإمكانك ذلك، ستدركه دون أن تدري حتى أنت نفسك.
III
قاوم المحاكاة مهما استطعت، ولكن قلد إذا كان التأثير قويا، لأن تطوير الشخصية الفنية يتطلب صبرا جميلا، أكثر من أي شيء آخر.
IV
ثق ثقة عمياء ليس في قدرتك على النجاح ولكن في مدى حماسك وشوقك الذين بهما تتمنى الوصول إليه. أحب فنك كما تحب حبيبتك الجميلة، مانحا إياها كل قلبك.
V
لا تبدأ بالكتابة قبل أن تعلم منذ الكلمة الأولى إلى أين تذهب. إن في قصة ناجحة جدا، للسطور الثلاثة الأولى، تقريبا، نفس أهمية السطور الثلاثة الأخيرة.
VI
إذا حاولت أن تعبر عن وضعية من قبيل: “كانت الرياح الباردة تهب انطلاقا من الوادي”، فلا توجد في أية لغة بشربة، كلمات أخرى أفضل من هذه التي سجلناها أعلاه للتعبير عنها. فبمجرد ما تسيطر على الكلمات، لا تنشغل، أبدا، بملاحظة ما إذا كانت متناغمة فيما بينها أو مسجوعة.
VII
لا تستعمل النعوت – دونما حاجة- . حاول أن تجد النعت المناسب للمنعوت المناسب، فلا غاية من صفات تلصقها باسم ضعيف، مهما طالت. فإن نجحت في إيجاد ذلك الاسم المناسب، فإنه سيبحث عن نعته بنفسه، ولكن يجب إيجاده أولا.
VIII
خذ بيد شخصياتك وانطلق بها، بعزم، حتى النهاية دون أن تنظر إلى أي شيء آخر سوى الطريق الذي رسمته لها. لا تشرد فتنظر إلى ما لا تريد هي النظر إليه. لا تتعسف على القارئ. القصة القصيرة رواية منقحة ومصفاة من الحشو والاستطرادات. خذ هذا الأمر على سبيل الحقيقة المطلقة، رغم أن الأمر ليس كذلك.
IV
لا تكتب وأنت واقع تحت سلطان العاطفة؛ اتركها تموت، وقم باستلهامها فيما بعد، فإن كنت أهلا لكي تعيشها، مرة ثانية، كما حدثت، ستكون إذن قد بلغت منتصف الطريق نحو فنك.
X
لا تفكر في أحد أصدقائك أثناء الكتابة، ولا حتى في الانطباع الذي ستخلقه قصتك. اقصص كما لو أن قصتك لن تكون لها أية أهمية إلا تلك التي يمنحها الفضاء للشخصيات التي استطعت أنت أن تكون واحدا منها. لا يوجد سبيل، غير هذا، تحيا به القصة القصيرة.
خلاصة عامة
كانت هذه، إذن وقفة قصيرة، مع عملاق من عمالقة الكتابة القصصية في أمريكا اللَّاتينية، بل والعالم، واستشفينا، ونحن مسافرين بين ثنايا وحنايا هذا النص الكثيف، نفسا ذواقة وعالمة بأصول فن القصة القصيرة إلى حد كبير جدا. وإذا كانت أصول ومقاييس ومعايير الأجناس الأدبية محكومة بسنة التحول والتطور فإن هذه الوصفة التي قمنا بترجمتها من الإسبانية إلى العربية، لا تشكل سوى فيض من غيض وثانية من دهر ونقطة من بحر في مجال الكتابة النقدية القصصية سواء العالمة أو الانطباعية.
لائحة المصادر والمراجع المعتمدة
*حمداوي، جميل: مقاربات نقد القصة القصيرة في المغرب، دراسة قيمة منشورة في منتدى مطر بتاريخ 14 أبريل 2014. ويمكن الاطلاع عليها عبر الرابط التالي:
http://www.matarmatar.net/threads/5948/
*العوفي، نجيب: “مقاربة الواقع في القصة القصيرة المغربية: من التأسيس إلى التجنيس”، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، المغرب، 1987.
QUIROGA, Horacio: Decálogo del perfecto cuentista, publicado en CIUDAD SEVA, Casa digital del escritor Luis López Nieves. Véase este enlace:
http://www.ciudadseva.com/textos/teoria/opin/decalogo_del_perfecto_cuentista.htm
*EL KIRI, Lahcen: Otra vez el cuento: un género que sigue siendo poco encasillable, artículo nuestro publicado en “Mundiario” el 17 de septiembre de 2013. Véase este enlace:
*كاتب، مترجم، باحث في علوم الترجمة ومتخصص في ديداكتيك اللغات الأجنبية – الدار البيضاء – المغرب.
[1] نقصد ها هنا بالقصة القصيرة جنسا مكتملا ناضجا له مبادئه و قواعده الفنية و الجمالية؛ أما القصة من حيث هي مادة قابلة لأن تحكى فلا تخلو منها ثقافة إنسانية من اليونان إلى الرومان مرورا بالهنود و الفرس ووصولا إلى العرب. و لعل الثقافة العربية الكلاسيكية، و حتى الحديثة، غنية بالمتون الحكائية و النوادر والقصص و الحكايات الشعبية و الأساطير و الخرافات، سواء الأصيلة مثل سيرة عنترة بن شداد العبسي، و قصة حرب البسوس و السيرة الهلالية و المقامة أو المترجمة منها إلى العربية من ثقافات أخرى مثل “كليلة و دمنة” لابن المقفع ( القرن الثاني للهجرة) و “ألف ليلة و ليلة” لمؤلف مجهول (القرن الثالث للهجرة).و نجمع القول فنقول إن القصة خلقت مع البشر منذ أن خلقه الله ( قصة آدم و حواء) في الجنة قبل الهبوط إلى الأرض؛ بل تشكل الغيبة و النميمة الشكل الفطري الطبيعي لهذا الفن.
[2] إدغار ألان بو (بالإنجليزية: Edgar Allan Poe) (19 يناير 1809 – 7 أكتوبر 1849 م) شاعر وكاتب قصص قصيرة وناقد أمريكي، وأحد رواد الرومانسية الأمريكية. ولد عام 1809 م في مدينة بوسطن في ولاية ماساشوستس. وأكثر ما اشتهر به قصص الفظائع والأشعار، وكان من أوائل كتاب القصة القصيرة، ومبتدع روايات المخبرين (التحري).
[3]روديارد كبلنغ (1865 – 1936) “Rudyard Kipling” كاتب وشاعر وقاص بريطاني ولد في الهند البريطانية. من أهم أعماله “The Jungle Book“ “كتاب الأدغال”1894. مجموعة من القصص، تحوي قصة “ريكي تيكي ريڤي”، و “قصة كيم” 1901، و هي عبارة عن مغامرة. كما ألف العديد من القصص القصيرة. منها “الرجل الذي أصبح ملكا” سنة 1888.
[4]– أنطون بافلوفيتش تشيخوف (29 يناير 1860 – 15 يوليوز 1904). طبيب وكاتب مسرحي ومؤلف قصصي روسي كبير ينظر إليه على أنه من أفضل كتاب القصص القصيرة على مدى التاريخ، ومن كبار الأدباء الروس. كتب المئات من القصص القصيرة التي اعتبر الكثير منها إبداعات فنية كلاسيكية، كما أن مسرحياته كان لها تأثير عظيم على دراما القرن العشرين. بدأ تيشيخوف الكتابة عندما كان طالباً في كلية الطب في جامعة موسكو، ولم يترك الكتابة حتى أصبح من أعظم الأدباء، واستمرّ أيضاً في مهنة الطب وكان يقول «إن الطب هو زوجتي والأدب عشيقتي».