قبل الشروع في تحليل النص الروائي لابد من الاشارة إلى كون محاولتنا ستتخذ طابعا مغايرا لما دأبنا عليه في مقاربات سابقة، بحيث سنعمد إلى إنشاء مجموعة من الترابطات الواعية التي ستمكننا من فهم الطبيعة النفسية لبطل الرواية، وكيفية تأثير السارد على مختلف مساراتها، بنزوعنا نحو وضع بطل الرواية على سرير التشريح النفسي -قدر الإمكان-، لفهم مختلف الأبعاد، والدلالات، والرسائل، التي حاولت الروائية تمريرها من خلال فصول هذا العمل، مع تقديم بعض الإضاءات حول التحليل النفسي والأدب، سواء عند العرب أو في الغرب.
التحليل النفسي والأدب
لعب التحليل النفسي للأدب، دورا مهما في الكشف عن دوافع العملية الإبداعية، وعن علاقة الكاتب بشخصيات نصوصه، وعما ترسب في لا شعوره، وما عكسته كتاباته بما لها من تداعيات نفسية، ظلت متنكرة في مجموعة من الصور الفنية والاستعارية والجمالية، أو بين بنيات النصوص الأدبية وطياتها. ولعل هذا الأمر قد تم الالتفات إليه من قبل المبدعين العرب القدامى، وتمت الإشارة إليه ضمن صيغ ومقولات، ومواقف خاصة، لكنها لم ترق إلى مستوى التحليل النفسي، وظلت مجرد ملاحظات، جانبية، حول الشعر. وبهذا الصدد، تشير الباحثة بشري السعيدي، أن شعراء الجاهلية، اعتبروا “أن مصدر الالهام هو الشيطان، الذي يوحي للشاعر بأفكار وصور لا قبيل للإنسان العادي بنسجها”[1] ومنهم من ربط البيان والتأثير في النفوس بالسحر، والأحلام.. أما في الثقافة الإسلامية فقد أفرد القرآن الكريم سورة خاصة بالشعراء، واعتبر الكفار أن القرآن أضغاث أحلام وافتراء، ووصفوا الرسول صلى الله عليه وسلم ” بشاعر مجنون”. هذا في الوقت الذي كانت تنسب فيه العرب العبقرية لواد عبقر. ومع تطور الثقافة الاسلامية حدث تغير في النظرة إلى الابداع و”بدأ المسلمون يفرقون بين القوة الحسية، والقوى العقلية. وميزوها عن الوهمية والمتخيلة”[2] في حين “أن الفلاسفة المسلمين جعلوا السلوك النفسي يتحكم في السلوك الإنساني، حيث ربطوه بمبدأ اللذة”[3] أما المتصوفة في الاسلام فقد اعتبروا لغة الشهوة هي اللغة التي يستطيع الصوفي من خلالها أن يصل إلى الذات”[4] وهي لذة لذه روحية وليست مادية. وقد استحضر ابن عربي “العوامل النفسية في سلوك الأفراد ومواقفهم”[5] كما كان للجوانب النفسية، حضور ملفت في الدراسات النقدية البلاغية، حسب ما نستخلصه من” مقولة الأصمعي عن أبي طرافة “كفاك من الشعراء أربعة: زهير إذا رغب، والنابغة إذا رهب، والأعشى إذا طرب. وعنترة إذا كلب، وزاد قوم وجرير إذا غضب”[6] في حين ربط ابن قتيبة في كتابه ” الشعر والشعراء” بين الشعر والظروف النفسية للشعراء” فللشعر أوقات يبعد فيها قريبه، وله كذلك أوقات يسرع فيها أتية، ويسمع فيها أبيه”[7] وقد اعتنى عبد القادر الجرجاني في كتابه أسرار البلاغة، ” وبين أهمية التأثير النفسي للمعاني الأدبية والصور البيانية، واعتقد أن هناك أمور خفية تساعد في إدراك المعاني البعيدة وتثير الإحساس بها في المتلقين”[8]، وهناك دارسين آخرين من بينهم” ابن طباطبا العلوي، وحازم القرطاجني، والأمدي، وابن الأثير”[9] وتضيف الباحثة “غير أن اهتمام النقد القديم بالدراسات النفسية، لم يصل إلى مستوى التحليل النفسي الممنهج، بل (ظل) مجرد إشارات وملاحظات مقتضبة عن ذكاء هؤلاء النقاد، في إثارة علاقة النص ببواعثه، ومستوى تأثيره في نفوس متلقيه”[10] وتضيف الباحثة، أن النقاد العرب والقدامى والمحدثون(يلتقون) في آرائهم النقدية حول نقطتين مهمتين:
الاهتمام بالبواعث المساعدة على نظم الأساليب الفنية، وبالحالة النفسية للمبدعين إبان إبداعهم.. وبالأسرار التي تقف وراء تأثير الشعر، وغيره من الأساليب الفنية في المتلقي”[11] ويعتبر بعض الدارسين أن هناك معوقات لتطبيق التحليل النفسي في الدراسات العربية، بسبب رفض مفاهيم التحليل النفسي، ونفور النقاد من تطبيق التحليل النفسي على النصوص الأدبية، وباعتبار أن” اكتشاف الفرد ممنوع في الثقافة العربية”[12] وقد بدأ الاهتمام الرسمي بالتحليل النفسي، خلال الخمسينات، حينما أسس “مصطفى زيو” قسم علم النفس بكلية عين شمس بالقاهرة، وأصبحت مادة التحليل النفسي مستقلة وأساسية في البرامج الدراسية،”[13] وجورج طرابشي بسوريا، ومحمد النويهي وعز الدين إسماعيل في مصر،”[14] من خلال تحليل شخصيات بعض الأعمال الأدبية، “فعز الدين إسماعيل (قام) بدراسة الأعمال الأدبية، وتحليل الشخصيات فيها، في حين ظهر طرابشي خلال السبعينات الذي تعمق كثيرا في المنهج الفرويدي لتحليل فكر الأديب ورؤيته للعالم، مع التحليل النفسي في دراسته للأدب وعلاقته بصاحبه”.[15]
في حين لم يتم الالتفات لهذه الظاهرة بشكل لافت في الغرب، إلا مع بداية القرن العشرين حسب بعض النقاد: أن “النقد النفسي لم يتأسس كنظرية قائمة بذاتها حتى في الغرب إلا مع مطلع القرن العشرين، على يد الطبيب النمساوي سيجموند فرويد“[16] يقول جان بيلمان، “وهكذا، فإن ما يمكن أن يصير قراءة نفسانية للنصوص، أو ما كان يستحق بلا تحفظ اسم” القراءة التحليلية”، تبعا لعبارة جنيت الموفقة، ينكشف في الممارسة بوصفه شكلا ملطفا من اشكال النقد النفسي البيوغرافي، ونؤكد على أنه شكل مجهز بجهاز منهجي دقيق… فهي تقنية خصبة للغاية، لكنها تعمل على حد الموسى، ما دام صحيحا أننا نجد صعوبة في الوقوف على عتبة الحضور الانساني “[17] ويضيف أن “الناقد يترابط مع ما يتألف منه هو بصفته ذاتا، ولهذا فهو لا ينشئ الترابطات بطريقة اعتباطية: بل إنه ينشئها بواسطة استيهاماته، من دون أن يسقط في التخيل(الفنطازيا). وذلك لأنه يمتلك بعض التقنيات التي يمكن اعتبارها، إلى هذا الحد أو ذاك، قواعد للتوضيع.. ولأنه بإمكانه أن يوظف لحسابه الخاص ذلك القانون الذي يقول بكونية اللاوعي وشموليته”[18].
لقد ساهم التحليل النفسي للأدب، في رسم المسارات اللاواعية لشخصية الكاتب، انطلاقا من نظرية فرويد، وتحليله للأعمال الأدبية، في مطلع القرن بحيث أشار إلى “أن دور الإبداع يلتقي من حيث الوظيفة والشكل مع دور الأحلام، إذ يعملان معا على إعادة التوازن إلى الشخصية وتصريف الطاقة الغريزية ذات الصلة في مجالات إيجابية ومنتجة.”[19] ويضيف أن ” الشيء الذي يقتدر عليه التحليل النفسي هو أن يعيد، انطلاقا من العلاقات المتبادلة بين خبرات الفنان الحياتية وصروفه العابرة ومنتجاته، بناء نفسية وكذا بناء الصبوات التي تعتمل فيها”[20]. كما أن فرويد مارس النقد التحليلي النفسي “بطريقة شديدة الارتباط مع البنيات والتقنيات الخاصة بالسرد، وأنه استثمر معطيات النص الدلالية والفنية إلى أقصى الحدود، عندما عالج رواية “غراديفا“، ولذلك فقد أرسى من حيث لا يدري، منهجا نقديا محايثا للنص، برغم كونه ظل شديد الارتباط بنظرية العصاب.”[21] ويضيف الناقد أن فرويد، أشار في إحدى ملاحظاته إلى أمر لم ينتبه إليها الدارسون، ويتجلى في “أهمية التحليل اللغوي في بنية الأحلام فقال:” والحق أن الرابطة بين الأحلام والتعبير اللغوي قوية إلى درجة دعت “فرنستي” إلى أن يلاحظ بحق أن لكل لسان لغته الحلمية الخاصة، بحيث يستحيل بوجه عام، أن يترجم الحلم إلى لغة أخرى”[22]
أما “كوستاف يونغ ” فقد قدم مجموعة من الآراء، الذي وسمت منهجه بالقراءة الدقيقة للنصوص، واهتم من خلاله بما هو إنساني، وبطرحه لمفهوم اللاوعي الجمعي. و “موقف يونغ من التحليل النفسي كمنهج لدراسة الأدب، ويعتبر العملية الابداعية بالزئبقية، و”يعتقد أن ظاهرة الإبداع الفني، أكبر من أن يحاط بها، وهي” تتأصل في غموض، في رؤية اللاوعي، وتترك أبوابها موصده إلى الأبد، أمام اقتحامات المعرفة البشرية، وستتيح دوما المجال لوصفها، وتسجيل تخمينات عبر تجلياتها، بيد أن جوهرها يبقى بعيد المنال”[23]
في حين درس ” ألفرد أدلر” مركب النقص عند الكاتب باعتبارها عقدة نفسية، وليست بيولوجية كما زعم فرويد. وأن المعاناة مع مركب النقص يولد الابداع ” ويعتبر أدلر(أن) الفنان يعاني من مركب النقص، ويؤكد أن العقدة ليست بيولوجية كما رأى فرويد، ولكنها نفسانية أو روحية، وتقوم على الوعي الاجتماعي للفنان. فما يهم أدلر ،هو العوامل الثقافية في تكوين الشعور بالنقص، ويرى أن الفنان يبذل قصارى جهده للتغلب على نقصه” فبقدر ما يعاني من عقدته بقدر ما يظهر إبداعه الفني والأدبي”[24]
ويرجع الفضل ل”جاك لاكان” في إثراء العلاقة بين اللسانيات والتحليل النفسي الفرويدي. و” لم يكن لاكان يخفي أنه ينتمي إلى المدرسة الفرويدية، غير أنه مع ذلك يعد صاحب الفضل في إثراء جانب العلاقة بين اللسانيات، والتحليل النفسي الفرويدي، وقد كان من شأن هذا الإثراء أن يخول النقد الأدبي- الذي يسير في ركاب هذا التحول- صفة العلمية.”[25] ويعتقد لاكان أن الإبداع” الأدبي خطاب واهم، ولكنه يعبر في نفس الوقت، عن رغبة دفينة بطريقة رمزية ملتوية، تتحدى المنطوق السطحي للكلام. إن اللغة من هذا المنظور تتحدث من خلال قصديتنا عن قصديتها الخاصة التي تتجاوز، لذا فنحن قد ننبهر بخطابنا، لأننا لم نتوقع أن تجاوز إمكانياته التدليلية قصديتنا المرتبطة بلحظة الكتابة أو الكلام”[26]
أما “شارل مورون“، فقد جعل نصب عينه بأن يكون التحليل النفسي، أداة لخدمة النقد، و” استطاع.. بشعوره أن يستكشف شبكة من الارتباطات العاطفية، تظهرها الاستعارات الملحة على حد قوله، التي يمكن الانتقال منها بسهولة إلى العقدة اللاشعورية الفرويدية، هذا الشعور أمكنه من إيجاد علاقة وطيدة، بين الكلمات في النصوص الأدبية التي تكون الشبكة، ومثلها في تعقيدها بالجملة العصبية، حيث يقول:” إذا اهتزت نقطة من الشبكة انتقل الاهتزاز من مركز إلى مركز على الخطوط الأقل مقاومة في هذه الشبكة”[27]
وهكذا انتقد نظرية فرويد وقدم حولها مجموعة من الملاحظات ساهمت في تطويرها، .يقول الباحث:” ونلاحظ أن الانتقادات التي وجهها شارل مورون في هذا الصدد لفرويد، لا تتطابق مع واقع الحال. فقد رأينا أن فرويد، مارس ثلاثة أنماط من النقد، أحدها مهتم بشخصيات الكتاب، والثاني مهتم بحالة القراء، والثالث وهو الأهم في نظرنا مهتم بعالم النص لا غير”[28] . وقد أشار مورون، إلى ضرورة عزل ودراسة مجموعة من البنيات النصية الدالة، من لا وعي الكاتب، إلى التجليات اللاواعية في النص، وعلى حدس الكاتب.
في حين سيركز “جاك لاكان” على البنية اللغوية اللاشعورية، مما فتح المجال لدراسة ميكانيزمات الأبداع، باعتبار أن اللغة تحكم الإنسان باعتبارها محملة بالدوال. فجاك لاكان” أدرك… مكانة اللغة عند فرويد، باعتبارها تجسد الصراع المحتدم بين الذات والمجتمع. وبحكم أن اللغة قائمة قبل الأفراد فإنها تفرض عليهم سلطانها. ولاحظ أيضا أن الإنسان من منظور فرويد، هو تلك الذات التي تمتلكها اللغة، وتمارس عليها التعذيب، وحيث أن اللغة تمثل الرابط الأساسي بين الفرد والمجتمع، فإن لاكان أولاها أهمية بالغة في أبحاثه منذ مراحل دراسته المبكرة، إلى جانب أن اهتمامه كان أيضا أدبيا، وقد تجلى ذلك في ربط علاقة خاصة مع الاتجاه السوريالي، الذي لاحظ اهتمامه الواضح بالتعبير، والصورة، والرغبات، والأحلام”[29]
ومن الباحثين المعاصرين، الذين برزوا بشكل لافت في هذا المجال، نجد الدكتور حسن المودن الذي حاول في كتابه الأدب والتحليل النفسي” إعادة قراءة العلاقة بين الأدب والتحليل النفسي بشكل يعيد مساءلة بعض المسلمات راميا إلى إعادة النظر في التصورات السائدة لهذه العلاقة، التي ما زالت تنال الكثير من العناية والاهتمام، ومعتمدا على إعادة بناء العلاقات القائمة بين فرويد، والتحليل النفسي والأدب، بما يسمح بفتح آفاق جديدة أمام فهمنا للنفسي والأدبي، وما بينهما من علاقات”[30]. ويقول في هذا الصدد أن” الناقد يترابط مع ما يتألف منه هو بصفته ذاتا، ولهذا فهو لا ينشئ الترابطات بطريقة اعتباطية: بل إنه ينشئها بواسطة استيهاماته من دون أن يسقط في التخيل(الفنطازيا). وذلك لأنه يمتلك بعض التقنيات التي يمكن اعتبارها، إلى هذا الحد أو ذاك، قواعد للتوضيع، وهنا يحضر شارل مورون مرة أخرى- ولأنه بإمكانه أن يوظف لحسابه الخاص ذلك القانون -الذي يقول بكونية اللاوعي وشموليته”[31] .وقد لاحظ الناقد الدكتور حسن المودن، من خلال ترجمته لكتاب جان بيلمان نويل أن” فرويد نفسه الذي كان يتغذى من قراءاته الأدبية،- وقد بينت دراسات أخرى أن مؤسس التحليل النفسي كان يتغذى من قراءاته الأدبية- ويحلم في الوقت نفسه بالشيء الأدبي وهذا ما يقصده كلود ميار عندما قال: يوجد الفن داخل التحليل النفسي، أنه أحد ابعاده وأحد تصوراته، ويقول جان بيلمان نويل: إن التحليل النفسي ليس علما فقط، بل إنه فصل من العلم، لأنه تفكيك حقيقة ما في كل القطاعات الملغزة في التجربة الإنسانية”[32]
كما أن” الشكل الروائي، يكون أكثر دلالة في التعبير عن الواقع النفسي، من مضمون النص الروائي نفسه، خاصة عندما يتعلق الأمر باقتصاديات التفكيك في البناء الروائي، أو باقتصاديات الحذف، والصمت، أو بالتضعيفات التخيلية، والمحكيات المرآوية”[33]
شخصية عمر الغريب على سرير التشريح النفسي
يقول الأستاذ طارق سعيد حول علاقة الرواية بعلم النفس ” ليست كل القصص والحكايات تؤدي بنا إلى هذا الخطاب السردي، لأن ملكة التحليل النفسي لا بد أن تأتي بأشكال غير مباشرة، حتى يذوب الوهج الإبداعي داخل تداعيات عقول ومشاعر وأحاسيس هؤلاء الأبطال الورقية، المستوحاة من بيئة جغرافية محددة، بمصداقية فنية في البدء والأخير، ومن ثم نطلق عليه عبارة أيقونة استخدام التحليل النفسي، وتحديد النمط النفسي الذي قدمه العمل الفني، لأن تفعيل هذا المفهوم النفسي، حتى ينصهر داخل العمل الفني بكشف حضوري لا شك يحتاج إلى مهارة، تتعلق بمدى التبصر والتأمل، والخبرات الحياتية الثاقبة للمبدع”.[34] هكذا يبرز بطل الرواية “عمر الغريب”[35] كطفل متخلى عنه، لم تعط له فرصا للتعبير عن مشاعره بحرية، دون خوف أو تردد. ويعاني من انقطاع الروابط الايجابية مع عائلته، وهو ما” يولد قلق الرفض والنبذ، وهو قلق يستتبع بدوره تكون صورة مبخسة عن الذات، وظهور السلوك الجانح، وسحب جزء كبير من التوظيف الايجابي من الأهل، وهم المسؤولون مباشرة عن الإحباط، وخسارة تدريجية لرموزهم العاطفية، ولجاذبيتهم، ولقدرتهم على تأمين الأمن والحماية.[36]” كما كان يعاني من مشاكل أخرى كالتأتأة، بحيث كان ينطق الراء غينا، ويعاني “من تبول لا إرادي”[37] ويكون هذا الأمر حسب المختصين” نتيجة لتوتر خارجي أو أزمة انفعالية تجعل الطفل قلقا.”[38] في حين أن عدم القدرة، أو الرغبة في التعبير عن المشاعر، يكون” بسبب رقابة الأهل، أو الضغط الاجتماعي تؤدي إلى كبتها، مما يقود إلى التأتأة عند الكلام… وقد يحدث التلعثم نتيجة عدم القدرة على التعبير عن غضب الطفل، أو نتيجة لمرور الطفل بتجربة محزنة جدا، كمرض أو وفاة، أو حادث مروع”[39]، إلى جانب إتقانه للكذب، خصوصا بعد حادث الهرب من المسجد، عندما تعرض للاغتصاب من طرف الفقيه. ويتخذ الكذب عند عمر” طابعا إنجازيا، وذلك لأنه يتضمن في الوقت نفسه وعدا بقول الحقيقة، وخيانة لذلك الوعد، ويرمي إلى خلق الحدث والدفع إلى الاعتقاد، في حين أنه لا يوجد أي شيء قابل للمعاينة، أو على الأقل بإمكان المعاينة احتواءه بصفة شاملة”[40]. فالبطل ظل يؤلف قصصا مختلفة عن قصة حياته، كما فعل مع سائق الشاحنة، الذي أخبره بيتمه وطرده من طرف زوجة أبيه. وسيقدم نفس الأسباب للجدة ” أمي عيشة”، المرأة التي أخبرها أنه مهدد في حياته من طرف زوجة أبيه القاسية” وطمعها في الإرث ومحاولتها تسميمه بعشبة قاتلة”[41]. كما سيختلق قصا أخرى لإقناع مدير المدرسة، بعدما وجد نفسه قد أصبح متعودا على الكذب، يقول السارد: “حكيت له بسرعة تفاصيل كثيرة كلها كذب.. تنساب كلماتي بطرقة وعفوية طفل بريء قسا عليه الزمان”.[42] ومن البديهي “أن الكاذب يعرف الحقيقة، وإن كان لا يعرف كل الحقيقة، فهو على الأقل يعرف حقيقة ما يفكر فيه، ويعرف ما يعزم على قوله، ويعرف كذلك الفرق الموجود بين ما يفكر فيه وما يقوله، أي أنه يعرف بأنه يكذب”[43] ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، خصوصا بعدما ازدادت ثقته في نفسه، وفي حكاياته الكاذبة لتترسخ لدية قناعة غريبة يقول عنها:” حكايات أعتبرها حقيقتي التي ضلت طريقها إلي، لن أتنازل عن ماض أكتبه كما أريد ما دام لا أحد اهتم به وبي.[44]. وهو ما سيؤهله فيما بعد ليصبح كذابا محترفا، عندما تمكن من استمالة أم صديقه الطالب الميسور، واستطاع أن يستغلها جنسيا بشكل فظيع، بحيث كان يخطط للانتقام منها، ومن كل شخص ميسور انتقاما لفقره، يقول:” حمدت الله في سري على مواهبي المتعددة، ورجوته أن يمهل انصرافها حتى أهيئ طعما يليق بكل هذه الفتنة التي أربكت اتزاني”[45] . ولعل هذه الصورة قد تم التمهيد لها في بداية الرواية، من خلال إبراز صورة طفل متخلى عنه، يعاني من الخوف والجوع، والرهبة، والقسوة، والضياع، ومن والاستغلال الجنسي، والعنف البدني، ” تلك التي كنت أناديها أمي، والتي لم أكن أراها إلا ليلا …. توقظني بصفعة قوية على خدي.. تبرحني ضربا وسبا وشتما، وهي تصرخ في وجهي كي أكتم بكائي، وأبتلع مخاطي ونحيبي”.[46]
“إن هذا النوع من الأطفال نادر الوجود، وحالته من لحالات الشاذة، لأن الطفل إن كان مكروها حقا من بدء حياته، لم يكن في استطاعته أن يعيش، بل لا بد أن يقضي نحبه، إذ المألوف أن يكون للطفل أبوان يهنيان به، وأن تكون له مربية تدلله إلى حد ما وتجيب رغباته. أما الأطفال المكروهون حقا فهم الأبناء غير الشرعيين، والمجرمون وغير المرغوب فيهم، وكثيرا ما نرى هؤلاء الأطفال مكتئبين محزونين، وكثيرا ما نجد بين ذكرياتهم هذا الشعور بأنهم مكروهون.”[47]
بعدما تم التخلي عن عمر، احتضنه فقيه مسجد تحت الإكراه، وحرمه من حريته، في الوقت الذي كان فيه كطفل يتوق “لعالم ينزل الله فيه من سمائه البعيدة العالية ليحضن(ه) ولو مرة واحدة”[48]. غير أن الفقيه، تمادى في استغلاله جنسيا، وقد وصف هذه الواقعة بحسرة كبيرة: “دنا مني، وحضنني بلهفة، التصق بي من خلف، أجبرني على نزع سروالي، أنفاسه تتلاحق، لهاثه يرتفع، ويداه تحكماني بقوة، ألمني ألمني كثيرا [49]” إن هذا السلوك رسخ في نفسية الطفل الصغير عقدة العار أو “ما يمكن تسميته نفسيا” بالجرح النرجسي” وهو الذي يشكل أكثر مواطن الوجود الإنساني ضعفا، ومسا بكبريائه الذاتي. إنها الكرامة المهددة”[50] اغتصاب عمق جراح الروح والجسد، وظل نزيفه مستعصيا على الجميع.
وسيتمكن عمر من الانتقام من صاحبه، ويفر نحو المجهول. فاحتضنته عائلة قروية، غير أنه فتح داخل نفس الأسرة، جبهة جديدة للصراع مع أحد أفرادها، أم صديقه محمد التي تمكن من الإيقاع بها في مقلب، تسبب لها في صدمة نفسية، كانت لها تداعيات وخيمة، “انكمشت على نفسها بركنها الضيق القصي، تراقب في لا مبالاة أيامها الراكدة، زاهدة في كل شيء” [51]
ولعل الوعي بالذات والإحساس بالأنا، هو ما سيدفع عمر الغريب في التفكير في الانتقام من أحلام، ابنة مدير المدرسة، بعدما رسم خطة لاستدراجها وتوريطها في حبه، مستغلا سذاجة صديقتها، بحيث” كانت رغبة الانتقام لديه أكبر من أن تعي “عبوش” حقيقة نواياه.”[52] وهو ما ساعده على التحول لشخص متسلط بامتياز، وشكل هذا الأمر استعادة وعيه بذاته، الذي ربما كان قد أضمره بعد هروبه من بيت الفقيه، وقد سنحت له الفرصة الأولى لتفريغ تسلطه على أول ضحية سيجدها أمامه، ولم تكن سوى “محمد” ابن السي علي، الذي ساعده على ذلك، يقول عنه ” زرع محمد بخنوعه وتبعيته العمياء .. بداخلي بذرة القيادة، ورغبة الاستحواذ والتسلط، حتى ولو كانت غنيمتي ستنحصر فقط في مثل هذا الأبله” [53]، وهو ما يكشف أن الإحساس بتأنيب الضمير، والصراع النفسي الذي برزت تداعياته داخل الرواية بشكل جلي، ستجد مبرراتها فيما يمكن أن نستشفه من خلال القرينة السردية:
” أتدري أنه أصبح مسخا؟
كان كذلك قبل أن أسكب عليه الماء…
هذه جريمة يعاقب عليها القانون
قانونكم يترك الجاني ويعاقب المجنى عليه.”[54]
فالسلوك العدواني، أصبح سلوكا مألوفا لديه، ومارسه ببرودة ضد أم محمد، فتسبب لها في صدمة نفسية رهيبة جعلها تعيش حياة الانزواء، والصمت. و فعل التعذيب “يتخذ.. دلالة صراع الإرادات، وكسر إرادة (الآخر) ومقاومته وهزيمته.[55]“
ولعل المفارقة تكمن في اكتشاف عمر لذاته، على حين غرة وهو وجها لوجه أمام المرآة يقول:” أذهلني ما اكتشفته.. أنا الغريب الذي أهدرت كل ذلك الوقت لحله، أنا الغريب الذي يسكنني منهكا من هول ما اكتشفته”[56].”واكتشاف الطفل(حسب لاكان) لصورته في المرآة يمثل المهد لكل التعينات التي تحصل فيما بعد… وتأثيرها العميق بما تحدث من تغيرات وتحولات في ذاته تنبع من صدمة الاكتشاف… ففي هذه الصورة يرتقي الطفل إلى مفهوم الأنا في شكله الأول، قبل أن يدخل منهج التماهي بالآخرين، من حيث إن اللغة تمنحه الصفة المميزة للذات”[57] و سيجني الخيبات عندما كلف بتدريس أحلام ساعات إضافية، وفكر في ايقاعها في حبه، مما جعله يشعر باليأس والفشل، وترسخت لديه قناعة بكونها لا تراه أصلا وتساءل” ” فكيف لها أن تشعر بي! تصر على الوقوف بالطرف القصي لخيط العلاقة الواهية التي تجمعنا.”[58] بعد ذلك تمكن عمر الغريب، من التصالح مع ذاته بشكل مؤقت، بالتنمر على كل من أحسنوا إليه من أفراد محيطه. غير أنه ظل يعاني من عقدتي النقص، والتفوق على السواء، يقول أحد الباحثين” فنحن لا نعمل للتفوق والنجاح، إذا لم نشعر بوجود نقص ما في حالتنا الحاضرة، ولما كانت العقد النفسية كما يسميها العلماء تنشأ عن العواطف الطبيعية في الانسان، فليس فيها من التناقض، أكثر مما في هذه العواطف نفسها”[59]
إن هذه البدايات هي التي ستؤهله ليعيش بعد ذلك أطوار حياة فارغة بلا معنى، ومغامرات عابرة مع العديد من النساء، كان خلالها ينتقم فيها لحرمانه، ولذاته المعذبة. لأن النساء حسب وجهة نظره “سعين كلهن بلا استثناء خلف بريق المتع الخالصة، المال، الجسد، الرغبة، الاستحواذ.. ولا واحدة منهن حاولت أن تقترب (منه) بصدق..”[60]، وهي المرحلة التي تميزت بإبراز إفراط في ذكورته. والافراط في الذكورة “تأخذ غالب الأحيان أشكالا استعراضية متعددة، وبمقدار توكيد هذه الذكورة في مظاهرها الخارجية، من خلال كل أنواع المبالغة بالقوة الجنسية القضيبية، والأهمية القصوى التي تعطى لهذه القوة، بمقدار ما يكمن في اللاوعي مشاعر نقص وعجز”[61]
غير أن نجاح عمر في مساره المهني، سيجعله يتجاوز بعضا من عقباته النفسية، يقول: ” كل تلك الأحاسيس … ساعدتني على نسيان عمر الغريب، لم أعد أتذكر سوى الدكتور عمر”[62]. مما يعري عن انسلاخ ذاتي رهيب، سيساعده على التنكر لماضيه الفظيع.
وهذا ما يعلل في الواقع قسوته على نادية، خلال فترة إفلاسه العاطفي، وفي خضم فوضى كان يعيش تفاصيها برتابة كبيرة، فتلاعب بعواطفها، وتركها تنتظر وأسرتها ليلة زفافها. مما كشف عن جانب مهم من شخصيته الانفصامية، عبر مواقف ستتكرر بعد ذلك لتكشف اهتزاز ثقته بنفسه، وعدم قدرته على الحسم في قراراته، كما حدث عندما فكر في الاقتران بأحلام، حسب ما نستشفه من خلال هذه القرينة السردية، التي تبرز تضاربا عميقا في أحاسيسه ومواقفه، يقول السارد:” رغم أن أحلام كانت هي قمة ما تمنيت من نساء، واشتهيت من أحلام، إلا أنني أخذت فجأة وبدون أسباب واضحة أو مفهومة في التملص من علاقتنا، أرواغ حين تدنو، ابتعد حين تقترب، أغيب حين تحضر..”[63]، وأصبح يدور في دائرة مفرغة” كنت حائرا بيني وبينها، أريدها ولا أريدها،”[64] بعدما وعدها بأن ينسى ماضيها، وأن يكون” أبا لطفلها القادم.”[65] غير أن الوقائع عرت عن أقنعته، عندما عاملها بسادية مفرطة. فالشخص “السادي يتنكر لمازوشيته من خلال إلحاق الأذى بضحيته، التي تجسد ما يخشاه من نفسه، وما يتنكر له من خلال هذا التجسيد بالتحديد،”[66] فتعامل معها بقسوة كبيرة بعد العرس، وأهانها بشكل سافر، واعتبرها مجرد عاهرة رخيصة، وتنكره لكل الوعود التي قطعها على نفسه، يقول:” لن أكون أبا لابن حرام أيتها العاهرة.”[67] ولعل رضوخ أحلام لتسلط عمر الغريب، في بداية زواجهما، وتماهيها معه، اعتبرته أمرا عاديا، ومجرد محاولة منه لفرض سيطرته عليها، لكنها حين أحست بوقع قهره، انتفضت ضده بقوة. وظاهرة التماهي بالمعتدي” تطغى.. خصوصا في مرحلة الرضوخ للمتسلط.. حين يحس الانسان المقهور، بوطأة وضعه، وعجزه عن تغيير علاقة القهر. ولكنها تتغلغل في مختلف مظاهر الحياة والسلوك بشكل لا واع، مما يجعلها تفلت من محاولات التغيير.” [68] ولعل هذا الأمر، هو ما دفع بها، إلى إنكار أبوة “عبد الرحمان” انتقاما منه: ” أنكرت طليقتي بشدة أمام اندهاش الجميع، انتساب ابنها لي، رغم تشبثي الشرس بأبوتي له، اعتراف صادم”[69]
يشير مصطفى حجازي، أن الإنسان المقهور، تتكون لديه الكثير من الهواجس والظنون، وعقدة النقص تجعل الخوف بشتى أشكاله يتحكم فيه: “الخوف من السلطة، الخوف من قوى الطبيعة، الخوف من فقدان القدرة على المجابهة، الخوف من شرور الآخرين. مما يلقي به في ما يمكن تسميته بانعدام الكفاءة الاجتماعية.”[70] وبعد عشرة سنوات سيطفو موضوع الابن للواجهة من جديد، وبالتالي سنلمس تحولا جذريا في سلوكه، بحيث استسلم لمشاعره فجأة، وهو يشاهد صورة ابنه، يقول عن هذه اللحظة: “بكيت كما لم أفعل من قبل، تجاذبتني أحاسيس عاتية، انهمرت معها مستسلما لانجرافها إلى قعر بالوجدان، لم أصله بعد، أحاسيس غريبة، لم أعرفها أبدا من قبل، انكمش العالم فجأة ليصبح بحجم عينيه الصغيرتين، أطل منهما على وجودي..”[71] فعمر الغريب، أعادته الصورة إلى ماضيه القاتم كطفل متخلى عنه، لا يتمتع بأية حقوق عاطفية، وبالتالي ” فالتنازل عن الحقوق العاطفية يجعل الطفل يتقنع بقناع من اللامبالاة إزاء المحيط. ولكن هذا القناع الذي يستتر خلفه، يخفي إحساسا اكتئابيا دائما بالهجر، هو سطحي وظاهري، لأن الطفل- ومهما كان وضعه الأسري- يحتفظ دائما بحنين لعائلته، وبحسرة لخسارته لها” [72]، كما ولد لديه شعورا بالنقص، له صلة بتربيته الاجتماعية. ” والشعور بالنقص ينشأ من عدم التوافق الاجتماعي بين الانسان ووسطه، (و) تكون التربية الاجتماعية هي الوسيلة التي يستطيع بها أن يتغلب على ما يشعر به من نقص.”[73]
وسنلاحظ نوعا من الازدواجية في شخصية عمر الوصولي والأناني، عندما وجه نقدا ذاتيا لنفسه :”منذ متى أصبحت تتحدث بلسان مناضل حر لا يشبهك؟ يشغله سير العدالة، حريص على تعميم الحقوق؟ منظرا حيث تملي عليه ريح المصلحة بمرونة لاعب جمباز محترف، لا يخشى على عضلاته المرنة من تلف أو تمزق؟ “[74] كما أن الهذيان الذي وصل إليه، والرغبة المحمومة في استعادة ابنه، هو ما مهد السبيل نحو حتفه في النهاية، بعدما كشفت أحلام عن طبيعة الأب الذي كانت تنشده لابنها، وهي تعمق جراحه القديمة:” عليك أن تنسى أن لديك ابنا، الأبوة لا تتحقق بمجرد شهادة نستخلصها من مختبر. ورقة خرساء تمنحك صفة لا تستحقها، لكن كيف لك أن تعرف وأنت.. لا يحتاج ابني لأب بلا أصل، لولا عطف والدي عليه وإحسانه لظل مجرد متشرد تتلقفه الطرقات..”[75] وكانت تعمل بذلك على تحطيم معنوياته. فالهدف من كل التعذيب النفسي “هو التحكم بعقل الضحية والتلاعب بإدراكها. ويتم هذا التحكم بإحدى تقنيتين، أو بكليهما معا. إما تقنية الضغط النفسي المكثف والكشف عن نقاط الضعف في الانسان والتركيز عليها، أو حتى دفعه إلى الانهيار من خلال التعذيب والإجهاد والتخويف والحرمان من الحاجات الأساسية، بحيث ينتهي إلى التشويش وعدم القدرة على التمييز والتوجه والضبط والسيطرة، وبالتالي الوصول إلى مستوى الأداة الطيعة في يد جلادي التعذيب وخبرائه”[76]
علاقات البطل بالشخصيات النسائية داخل المتن الروائي
يعتمد السرد “القصصي والروائي بلا شك على مدى طرح، ورسم أبطال الحكايات، وما تفرزه هذه الشخصيات من تجليات محورية هامة في نمو وسير المتن السردي بوجه عام، سواء القصصي أو الروائي. وعندما نستخدم مصطلح علم النفس أي بمعنى تحليل الشخصيات داخل الوعاء السردي، ومدى تفعيل التوجه النفسي والتحليلي للشخصيات دون الإطار العلمي المباشر، وإن كان ضمنيا يتعلق بنهج ذلك المصطلح، وهو التحليل النفسي العلمي لما يقوم به هؤلاء الأشخاص، ولكنه يصب بالطبع في إطار فني وإبداعي خالص، لنشعر بطغيان الملكة الإبداعية، في مدى تفعيل استخدام التحليل السيكولوجي، أو الميثيولوجي، أو الراديكالي.. لشخصية أو ظاهرة أو اعتقاد، من خلال تفاعلات الحكي، ومظاهر سلوكيات هؤلاء البطال الذين استحوذوا على الحس السردي، برؤية ثقافية وجغرافية وتاريخية. يتجلى فيهم ظهور الأبطال ومظاهر هذه الأفعال، وما تبعته هذه السلوكيات من أفعال، أوحت لنا بغرابة أو تأطير غير معتاد الحدوث، عن باقي الأبطال داخل تناول إبداعي ما. مما يطرح تأويلات نفسية أدت لاعتباره يقع تحت نير التحليل النفسي لهذا المضمار والسلوك.[77]
وتكشف مختلف العلاقات التي ربطت البطل بالنساء من خلال الرواية عن ردود أفعال، ومشاعر متضاربة، عكست في الواقع حقيقة النظرة الواقعية إليهن، وقد برز ذلك حسب الاقتراب من محيطهم، ودرجة تفاعله معهن. فموقف البطل من المرأة داخل المتن الروائي تحكمت فيه مجموعة من العوامل النفسية، والأخلاقية، والاجتماعية، والانسانية، والأخلاقية، شكلت في النهاية نتيجة حددها نوع الاحتكاك، ومسافة القرب من محيطهن.” إن كون الحب غالبا ما يوجد متحدا وملتحما مع الجنس، لا يعني أنهما من طبيعة واحدة…. الحب تفوق انفعالي شديد، من إبداع خيال الفرد. في الجنس دافع للتخلص من توتر عضوي، أما في الحب فحاجة للفرار من الشعور بالنقص والقصور”[78]. ومن بين النساء نذكر:
“سيدة شطائر المشمش اللذيذة: ” والتي شكلت الصورة المثالية للمرأة، الطيبة، والجميلة في آن واحد، امرأة يضعها في مرتبة ملاك، وخصص لها مكانة خاصة جدا، يقول عنها: ” امرأة مختلفة تشبه في حلاوتها ومذاقتها شطائر ها الهشة اللذيذة، امرأة غريبة تماما عن نساء حينا، لا تشبههم في شيء، امرأة دخيلة على كسرة الخبز الناشفة، كنت أترقب مجيئها بفرح، أجري خلف سيارتها السوداء الكبيرة”[79]
ولعل ما ترسب في ذاكرة البطل عنها، يعتبر من بين المواقف القليلة، بل النادرة التي ظلت موشومة في حناياه، وهو يسترجع صورتها كلما ضاقت به السبل، أو في لحظات صفاء ذهنه، يقول عنها:” لا زلت أشم رائحة شطائرك اللذيذة يا سيدة المشمش، لا زالت ذاكرتي تحتفظ بابتسامتك منقوشة على وجه الفرح الشحيح، كلما أطل من ثقب تلك الأيام البئيسة، الغابرة، العصية على النسيان”[80] ويعتبرها امرأة استثنائية من بين كل النساء اللواتي تعرف عليهن. بل وصل به الأمر أن شبه بها أحلام بعد لقائه بها في العيادة بعد فراق طويل: “لم تكن باهرة في جمالها، كانت فتاة شفيفة، نقية، كالأمهات الطيبات، كسيدة شطائر المشمش، ولعل ذلك الشبه الكبير بينهما هو ما شدني دوما إليها”[81]
وإلى جانب هذا النموذج المثالي، تبرز صورة الجدة مي عيشة الجدة، كامرأة، تجمع بين الحنان والكاريزما داخل الأسرة. وأساس لنواة أسرية بدوية، حافظت على أصالتها، وقد برز ذلك من تصرفاتها، وقراراتها الحاسمة. كما حدث عندما فرضت بقوة على الجميع بقاء البطل مع أسرتها، دون تسجيل اعتراض أي فرد من أفراد الأسرة على قرارها، يقول الراوي: “لم يعترض أحدا لأنها لم تشاور أحدا، حتى ابنها البكر.. وكأن الأمر لا يستحق نقاشا ما دامت الجدة قد حسمت فيه”[82]
في المقابل تبرز صور نساء أخريات، وشمن روحه بالقسوة والحقد “كأم محمد،” التي مارست عليه نوعا من التحقير المعنوي، وهو” أقل أنواع التحقير شدة وإيلاما،(بما)هو تحقير لفظي… يتخذ طابع الشتائم والسباب، وإطلاق النعوت اللاأخلاقية.”[83] و ستشكل هذه المرأة داخل الأسرة، نموذجا للمرأة المنبوذة التي بادلها حقدا دفينا، لما كشفت … عن كرهها له منذ الوهلة الأولى، وقالت عنه:” هداك معقود الحاجبين ما حملتوش، ما كرهتوش يطير من هنا يرجع منين جا،”[84] وكانت لا تخفي فضولها الناقم عليه وتتطلع إليه بغيرة كبيرة، وبالمقابل، كان قال عنها: “ما أبعد هذه المخلوقة القبيحة عن سيدة شطائر المشمش الجميلة، التي لازلت أراها في أحلامي كلما استبد بي الجوع”[85].
فالحقد المضاعف هو ما جعل عمر الغريب، يحتفظ بهذه الصورة النموذجية الجميلة بأعماقه، يسترجعها كلما ضاقت به سبل الحياة، أو تلقى جرعات عنف مباغت من امرأة ما. فالجذب “الذي يمارسه فرد من جنس معين على فرد من الجنس الآخر هو، عادة، نتيجة لمزيج من الحافز الجنسي، وإرادة الانتزاع، والعاطفة. ومن بين هذه العوامل الثلاثة الدافع الجنسي هو الأكثر عماء وعدم قدرة على التمييز بين الأشخاص، والعاطفة هي الشد الأكثر شخصية، بينما تشغل شهوة الانتزاع موقعا وسطا بين الإثنين. والحافز الجنسي ورغبة الانتزاع بدئيان وأوليان. أما الحب فهو نتاج للتطور الثقافي، وفي الواقع، نتاج لتحول حافز الانتزاع الغريزي، عير تأثير الحضارة. إن قوة الهوى التي تشد شخصا إلى الشخص المرغوب فيه هي محصلة هذه القوى الانفعالية الثلاث، والتي تتحد بقصد تملك الموضوع”[86]
وفي هذا الإطار برزت وجوه نساء أخريات، يمكن اعتبارهن مجرد عابرات في حياة البطل، و لم تجمعه معهن علاقة وطيدة، لكن ظلت صورهن تغمره بحبور خفي، كما هو الأمر بالنسبة لبائعة النعناع، التي يقول عنها:” المرأة المكتنزة التي تذكرني بشاشة وجهها بسيدة شطائر المشمش اللذيذة،[87] وكذلك صوت المغنية، الذي تخيل صاحبتها، وشبهها بسيدة الشطائر” أتخيل وجه المرأة التي يخرج صوتها صافيا من فم المذياع، أتخيلها كسيدة شطائر المشمش، جميلة مبتسمة، هادئة، تضغط بأناملها الرقيقة على أوتاري، فتنساب لحنا حزينا يعانق صوتها الشجي”[88]. نساء وشمن حناياه، بقيم راقية، عن الحب والعزة، والجمال، والكرامة والقوة.
غير أنه لم يستطع التخلص من صور نساء أخريات، تباينت درجة الارتباط بهن، ويمكن أن نحدد من بينهن: القاسية، والمثيرة للشفقة، والعابرة، والشبقية..: فالمرأة القاسية التي كان يناديها أمي، كان يتلافى مواجهتها أو الاصطدام معها، وكان يهرب من موجة ” غليانها وشررها المتطاير”[89]، و” ينتج عن كل هذا ضعف الأنا، وانهيار الشعور بالقيمة الذاتية وبتقدير الذات، والاستسلام للإحباطات، وانقاص شبه كامل للقدرات، والتخلي عن الحقوق العاطفية، وظهور عدوانية شديدة نحو الأهل المحبطين… عدوانية لا تلبت أن ترتد على الذات، وتصبح كفيلة بإغراق الطفل في حالة اكتئاب تغذيها قناعته بأنه سيء لا يستحق الحب، ولا الحصول على عائلة أكثر حرارة وحفاوة.[90]“
ومن بين النساء كذلك، “زهور” المرأة المطلقة التي كانت تشتغل عنده كخادمة، وكان يعتبرها شخصية مثيرة للشفقة، وملهمة لقفشات أصدقائه خلال الجلسات التي “تتوجها كؤوس الثمالة، ولفافات الحشيش”[91]
“فحين يذكر الجسد تحضر المرأة، وكأن لا جسد للرجل، وتتواشج الصلات ليحضر الجنس كممارسة، لا تعرف تطبيقا إلا على هذا الجسد الأنثوي. في مجتمع ذكوري متسلط ينظر للمرأة على أنها مخلوق من الدرجة الثانية أو الثالثة، وفي أحسن الحالات ينظر إليها على أنها جسد راغب لا عقل له. فالرجل يحب من المرأة أنه لا يراها إلا جسدا يلبي رغباته الجنسية، ويخمد شهوته الحيوانية”[92]، ولعل هذه النظرة إلى الجسد سوف تتحدد مع نساء بعينهن كالسيدة “نادية” وهي من عشيقاته العابرات، ويمكن إدراجها ضمن علاقاته الجنسية غير الشرعية. التقى بها، عندما كان يمر بظروف نفسية قاهرة، يقول عنها: “عبرت نادية حياتي في فترة إفلاس عاطفي تام، بعد أن خسرت كل مدخراتي القليلة من المشاعر في علاقة استنزفتني بالكامل حتى آخر نبض، حتى آخر لهفة، حتى آخر لوعة، الأقسى من الخسارة عدم تقبلها، تلك المكابرة اليائسة التي تنتهي بك وحيدا، أسير أوهامك وآلامك”[93]، ويمكن اعتبار ها مرحلة الاستلاب الجنسي الذي” يختزل المرأة في حدود جسدها” هذا الاختزال يؤدي مباشرة إلى تضخم البعد الجنسي لجسد المرأة بشكل مفرط، وعلى حساب بقية أبعاد حياتها. إنه يمحور المرأة ويركزها حول المسألة الجنسية.”[94] فنادية التي علقت آمالا كبيرة على مفاتنها، على استدراجه، للسيطرة عليه. وكان رهانها منصبا على إعادة ترتيب فوضاه الداخلية، وأمور حياته اليومية. غير أن رهانها كان رهانا خاسرا، عندما حاولت تكبيله بالزواج” في اللحظة الفاصلة تملصت من موعد مقابلة أهلها تركتهم ينتظرون عريس الغفلة حتى الساعات الأولى من الصباح، أقفلت هاتفي .. بعد ليلة حمراء في حضن عشيقة جديدة”[95]. يقول تيدور رايك” لقد اعتقدت دوما أن دون جوان، في جمعه للنساء، جدير بالشفقة أكثر مما هو جدير بالحسد(“… في اسبانيا وحدها ألف وثلاثة” هكذا يقول خادمه في أوبرا موزارت)، ذلك أن الذي ينتزع النساء وحسب لا يمكنه أن ينال أية سعادة حقيقية خارج العلاقة معهن. إن إثارة النجاح ولذته الزائلة التي تغذي شهوة السلطة، وتسند الأنا، هي التي تقود ساحر النساء. ومن المفهوم تماما أن هذا الأخير ليس روحا شريرة، بقدر ما هو شيطان بائس. وفضلا عن ذلك فإن من يركز كل اهتمامه على النساء لا يمكنه أن يكون رجلا كما يجب”[96]
وداخل هذا النسيج المتشعب من العلاقات، تبرز صورة المرأة الشبقية، المفرطة الاهتمام بذاتها، وتلميع صورتها الراقية في شخص أم صديقه في الدراسة، التي ربطته بها مغامرة جنسية، و تورط معها في علاقة مشبوهة، يقول عنها: ” اكتسحني عطرها فغصت فيه، أسقي برضاب الرغبة كل شبر منها متوغلا أمضي بهيجاني على شواطئ شهقاتها العالية، ألاطم أمواجها المتكسرة تحتي مبحران معا داخل خلجان المتعة العميقة”[97] ، وهي علاقة انتهت بالابتزاز المادي الذي دام أمدا طويلا، عملت خلاله على تحويل حوالة مالية منتظمة نهاية كل شهر ، خولت له أن يعيش حياة مريحة، ويواصل دراسته الجامعية بعدما انتقل للسكن “في حي راق بشقة صغيرة”[98]
من بين النساء اللواتي طبعن مساره وحياته، تبرز أحلام، التي تشكلت علاقته بها عبر مراحل، كزميلة خلال مرحلة الدراسة الابتدائية، المشوبة بمشاعر متضاربة، تحكم فيها الانتماء الطبقي. علاقة بدأت بالغيرة، وتطورت إلى انتقام، وحقد، ثم إلى حب، ثم إلى صراع مرير ظل مفتوحا على كل الاحتمالات. ” فالرغبة هي التي تنجب الحب لدى الرجال، أما لدى النساء فإن الحب هو الذي ينجب الرغبة.. فالرغبة البسيطة لدى الرجال لا تنجب الحب، وإنما الرغبة غير المحققة، والمترافقة مع مشاعر الغيرة والعداء. والحب لدى النساء لا ينجب الرغبة، وإنما التحقق من كونهن محبوبات ومطلوبات. النساء لم يحببن الرجال، وإنما خلقن لديهم الهوى، الذي ارتد إليهن.. وانقلب.. وعاد وأصابهن”[99]
لقد بدأ الأمر، من لحظة اقحامها من طرف معلم اللغة الفرنسية، لتقتسم معه جائزة تفوقه الدراسي، ففكر في الانتقام منها، غير أن هذا القرار، تحول فجأة لحب عارم كبل كل أحاسيسه وجوارحه، يقول:” كنت أحتاج الحب كائنا مكتمل الملامح، أمد له يدي ليمدني بحضنه، حب حقيقي من لحم ودم، يقدم أمامي منتصبا على قدميه، مجسدا بكل تفاصيله..”[100] ، أما في المرحلة الثانوية، فقد أصبح فيها عمر مدرسا خصوصيا لأحلام، حاول أن يبدي لها حبه ومشاعره، لكنها كانت تتجاهله، ولا تشعر ناحيته بأية عاطفة، وقد عبر عن هذا الأمر قائلا:” كانت تنصت لشروحي بانتباه مشتت، كأنها في فصل أجبرت على الانضباط لقواعده مكرهة”[101]. فعمر كان يسعى إلى فرض سيطرته عليها. ” والواقع أن الحاجة إلى السيطرة هي نزعة فطرية للفعل ولتعلم كيفية الفعل. وهي تتضمن لذة نوعية هي لذة وظيفية ما بنجاح بعض وظائف الأنا المتكاملة، مما يتيح للفرد أن يتحكم بمحيطه أو أن يغيره…. وتتحول عند الإنسان إلى نزعة تعمل بذاتها ولحسابها الخاص.”[102] وبعد انقطاع العلاقة بين أحلام وعمر لمدة طويلة، ستعود إليه من جديد، عندما قدمت إلى عيادته من أجل إجراء عملية إجهاض بسبب حمل سفاح، في وقت كان فيه عمر قد تمرس على القسوة والعنف والموت، وتمكن بدهاء من النجاح في استمالة عواطفها، وجعلها تبادله بعضا مما كان يحس “به تجاهها،”[103] واختار الاقتران بها لإنقاذها من الفضيحة. غير أنه بعد الزواج، أصبح يعاملها بقسوة كبيرة، ويهينها بشكل سافر، ويعتبرها مجرد عاهرة رخيصة. ” لن أكون أبا لابن حرام أيتها العاهرة.”[104] فالجلاد في سلوكه العدواني، “وتفجر ساديته بدون قيود، بحاجة ماسة إلى الاطمئنان على قوته وسطوته الذاتية اللامحدودة. وتتناسب هذه الحاجة إلى الاطمئنان للسطوة المطلقة طرديا، مع الإحساس الدفين بالتهديد، والخواء الداخلي، والعجز، واللاقيمة”[105] ورغم أنه تسبب لها في الإجهاض، فقد كانت تقنع” نفسها أن كل العنف الذي مارسه عليها، هو دليل حب وغيرة عمياء ليس إلا”[106]. و “العنف كظاهرة ثقافية، أصبحت راسخة في المجتمعات العربية. وهو عنف ممارس ضد المرأة في جانبه الأكبر. قد يكون عنفا جسديا.. وقد يكون عنفا سيكولوجيا، ناتجا عن كثرة القهر والحرمان”[107] ومع استفحال العنف، المسلط على أحلام، طلبت منه أن يطلقها، ورفعت ضده دعوة قضائية، وتنكرت لأبوته للجنين الذي تحمله، وعرضت نفسها للحبس بتهمة الفساد والخيانة الزوجية، بعد أن رفضت أي شكل من أشكال التفاهم”[108] ، وهو ما يمكن اعتباره نوعا من العدوانية المرتدة إلى الذات التي ” لا تجد طريقها إلى الخارج إلا بشكل باهت وهزيل، لا يساعد على تصريفها والتحرر من وطأتها داخليا.. إنها وضعية الرضوخ في سيكولوجية الانسان المقهور الذي يلوم نفسه، ويشتط في تبخيسها والحط من شأنها. إنه يحملها مسؤولية الفشل المصاحب لوضعية القهر”[109]
وبعد قضاء أحلام مدة قصيرة في السجن، استفادت من عفو ملكي، وغادرت رفقة أسرتها المدينة نحو وجهة مجهولة، وبعد مرور عشر سنوات، أصبحت زوجته تعاني من اضطرابات نفسية.
” إن تجريد المرء من إحساسه هذا، بقيمته ككائن بشري يماثل إلقاءه من جديد في الظلمة الحالكة للنفور من الذات، تلك الظلمة التي أنقذه الحب منها. وعندما يتبين الرجال والنساء فجأة أنهم كفوا عن أن يكونوا محبوبين من قبل من أحبهم، يقولون إنهم يشعرون كما لو أنهم يموتون، وليست هذه مبالغة مفرطة. فذلك يعني أنهم عرضة لقلق يشابه ما في خطر الموت. وهم لا يعلمون أن هذا الخطر آت من الداخل، من نزعات تدمير الذات في الطبقات العميقة من العقل اللاواعي”[110]
ورغم أن الصراع الذي ميز علاقة الضحية عمر، بزوجته أحلام، كان على أشده، وبلغ درجة القسوة، إلا أن تهمة قتلها له، ظلت بعيدة عن دائرة محيط التحقيق. وذلك راجع لعدة أسباب، من بينها أن الروائية، عملت على توسيع دائرة المتهمين بالقتل، بسبب العدوات التي نسجها عمر خلال مساره الحياتي، والألم الذي تسبب فيه للعديد من الشخصيات الروائية، جعل الشكوك تنثر حول أكثر من شخصية، بدء من انتقامه من الفقيه الذي روضه كجرو مطيع، وانتهى به المطاف في النهاية باغتصابه، مرورا بإهانته للسي علي ،ابن أمي عيشة، بعدما كان قد قرر قطع أية صله له بالقرية، فتنكر له عندما زاره بالكلية، ليخبره بموتها ويقدم له نصيبه من الإرث، الذي تركته له: “تماديت في قصفه بكلمات نطق بها لسان وقح”[111]. كما أثيرت الشكوك حول ابنه محمد، وقد صدر هذا الأمر على لسان الجثة: ” أيكون محمد قتلني لينتقم لوالده الذي أسرفت في إهانته حين زارني؟؟ أو لعله أتي لينتقم لنفسه مني، بعد ما سببته له من إهانات كثيرة ومقصودة، آخرها حين جاء يطلب مساعدتي لإيجاد عمل في المدينة”[112]، بحيث لاحظ مدى شرارة الغضب، والحنق الباديان على محياه. وكذلك عشيقته نادية، التي عقدت عليه آمالا كبيرة للزواج منه، لكنه تركها تنتظر ليلة زفافهما، وقضى ليلته في حضن عاهرة”، إلى جانب ابتزازه المادي لأم صديقه في الدراسة لسنوات، وأرسلت له في النهاية بطاقة بريدية من ولاية شيكاغو ” تحمل صورة لتمثال الحرية، وقد كتبت على ظهرها جملة مقتضبة بالفرنسية: سيضحك كثيرا من يضحك في الأخير”. وكذلك تهديد صهره له ” عندما طلب منه أن يترك ابنته لحالها، وأمره بتطليقها بسبب المعاملة القاسية التي كانت يعاملها بها”[113]. كما يكشف التحقيق الجنائي عن علاقة عمر الغريب بمحيطه، وأصدقاء آخرين، كالخادمة زهور، التي استجابت “لأسئلة المحققين “[114] ، وحارس العمارة إبراهيم والذي أنكر معرفته بما حدث، وسيخبر المحققين أن الهالك كان من حين لآخر ينظم سهرات أسبوعية خاصة في بيته كانت تتسبب في الازعاج للجيران”[115] ، ولعل فضول هذه الشخصية، وما تعرفه من أسرار هو ما جعلها تكون كذلك ضمن دائرة المتهمين بجريمة القتل. وللحد من تشعب المتهمين في هذه الجريمة، ستعمد الكاتبة إلى إقحام شخص أحلام في نهاية بشكل مقصود لتعليل أسباب تورطها في جريمة القتل، بعدما ظلت بعيدة كل البعد عن شبهتها، وكان التحقيق الذي أجري معها في البداية، روتينيا، وارتبط فقط بالتعرف على خط زوجها، حين سألها الضابط هل” تستطيعين التعرف على خطه بما أنك زوجته السابقة؟….”[116]، فأكدت له ذلك. كما أن القرائن الأولى دفعت المحققين إلى اعتبار الجريمة مجرد انتحار ليس إلا، وتم تأكيد هذا الأمر، لحظة إخراج الجثة، حيث بدت صورة قاتله منعكسة على المرآة تساءل” أيكون هو من فعلها؟”[117] ليتم ايهام القارئ أن عمر هو القاتل “عمر قتلني.”[118] وتحولت القضية لانتحار، وعللوا ذلك، بسبب الظروف النفسية، والاضطرابات الاجتماعية التي كان يعاني منها الضحية في طفولته. و قد عمدت الكاتبة إلى تمطيط زمن الكشف عن حيثيات الجريمة، عبر فتح قوس جديد لإطلالة على المعاناة النفسية للبطل. وهنا نستحضر التأثير الذي مارسته صورة ابنه التي أرسلت له زوجته على حين غرة عبر الواتساب، وهي الصورة التي احتفى بها كثيرا، بل غيرت إيقاع حياته وطبيعة برنامجه اليومي، يقول: ” وضعتها في إطارات مختلفة الأشكال والأحجام، وزعتها على كل ركن بالبيت، أكبرها علقتها على مرأى من سريري بغرفة النوم كي يكون وجهه هو أول ما أفتح عيني عليه صباحا”[119] ، ولعل الهوس الذي حدث له خلال هذه الفترة سيدفعه إلى تغيير سلوكه، وعاداته كذلك” هكذا قضيت الأسبوع المنصرم، أبدأ يومي بمحادثته أحكي له، أسأله، أمزح معه، أكاد أسمع صوت ضحكاته التي لا أعرف نبرتها في الواقع”[120] . وقد لاحظت خادمته زهور غرابة سلوكه، بعدما فرض عليها إضافة طبق آخر على مائدته فسألته” هل ستستقبل ضيفا دكتور؟ قلت لها: ليس ضيفا، هو صاحب البيت.”[121] ، كما برز تغير كبير على سلوك وعادات الدكتور عمر مع أصدقائه خارج البيت “أعود مسرعا إلى المنزل، بعد أن أسقطت من يومي تلك العادات السابقة، سهرات البار، أعود مسرعا يدفعني الشوق إليه… “[122] ، بل سيصل به الأمر إلى استشارة طبيب مختص في علم نفس الأطفال “استشرت صديقا مختصا في علم نفس الأطفال، استفذت من نصائحه كي يمر لقاؤنا الأول على أحسن ما يرام”[123]، ولعل هذا السلوك المريب للبطل والشكوك التي تم كشف عنها تجاه أطراف أخرى جعل منحى الأحداث يسير بعيدا عن دائرة المحققين، و أبرز تفاصيل مثيرة، عرت عن جزء خفي من حياة رجل أناني أبدى عداء كبيرا لمحيطه، وفي حق كل من سانده أو قدم له يد المساعدة، فالصورة التي رسم بها عمر الغريب، حولته لوحش كاسر، لا يفكر سوى الانتقام لماضيه، ولنفسه، ويقتص بفظاظة من الجميع دون هوادة. فعمر كان يضفي المشروعية عما كان يقترفه من سلوك مشين، وهو يعذب ضحاياه، و” لا شك في أن ممارسة التعذيب تحتاج إلى إلغاء الشعور بالذنب أو تعليقه، وهو ما يتم من خلال إسباغ المشروعية على التعذيب بل وجعله عملا اقتصاصيا يكتسب دلالة الواجب النبيل، من خلال وضعه على رصيد الدفاع عن القضايا الكبرى السامية التي لا يجوز أن تهددها الضحية وأمثالها”[124]
غير أن المحقق سوف لن يقتنع “بهذه النهاية “[125]، وتأكدت شكوكه بعد تقرير الطبيب الشرعي عندما أمر بإعادة فتح التحقيق ليتضح له “… أن الرصاصة التي أنهت حياة عمر، انطلقت من مسافة متر ونصف، وهو ما يعني أن شخصا آخر هو من صوب فوهة بندقية الصيد في اتجاه الضحية”[126] مما سيقلب موازين القضية. وسيتم توريط زوجته السابقة أحلام، بعدما تم الكشف عن حيثيات خفية في القضية، بحيث سيخبرنا الراوي أن أحلام كانت قد زارته صباح ذلك اليوم، ودار بينهما حديثا صاخبا، طلبت على إثره أن يتركها وابنها في حالهما، كما جاء على السارد” عليك أن تنسى أن لديك أبنا، الأبوة لا تتحقق بمجرد شهادة نستخلصها من مختبر. ورقة خرساء تمنحك صفة لا تستحقها، لكن كيف لك أن تعرف وأنت.. لا يحتاج ابني لأب بلا أصل، لولا عطف والدي عليه وإحسانه لظل مجرد متشرد تتلقفه الطرقات..”[127] ، و تم تأكيد تهمة القتل في نهاية الرواية، عبر توظيف تقنية الاسترجاع، من خلال استحضار اللحظة التي احتد فيها الصراخ بينه وبينها، و”حملت بندقية الصيد المعلقة بجدار المطبخ ضغط على الزناد، انطلقت الرصاصة، ثم عم الصمت”[128]. ويدخل هذا السلوك ضمن جنايات القتل الفجائي الذي يحدث” إثر خصام آني… خصوصا عندما يصبح على عتبة انفجار عام للعنف الكامن في بنيته. هذه الجنايات التي تبدو مجانية وتثير صدمة بين المواطنين، تتراوح بين الذهول والذعر، هي في الحقيقة نذائر على ارتفاع درجة التوتر العام إلى حد خطير في المجتمع، ارتفاع بدأ يهدد باجتياح كل الحدود ويتجاوز كل المحرمات”[129]
وفي الأخير يمكن الإقرار بأننا قد وجدنا صعوبات كثيرة أثناء مقاربة هذا العمل الروائي، بحيث أن محاولة وضع هذه الشخصية الورقية (البطل) على سرير التشريح النفسي، لم يكن بالأمر اليسير، كما أن محاولة الكشف عن طبيعة علاقته بباقي الشخصيات الأخرى، وسع من محيط هذه الدراسة، وبالتالي، بقي اهتمامنا منصبا على المتن الروائي، وتنامي أحداثه، بعيدا عن دوافع الكاتب وخلفيات كتابته. وحسب جان بيلمان أنه” لابد من الجرأة للإقرار بأن الملفوظ النصي ينبغي له أن يؤخذ على أنه مقلوب، وبذلك فالفحص (الدقيق) يقع على عاتق القارئ انطلاقا من مجموعة محددة من الملفوظات، وفضلا عن ذلكـ فالمحلل قد تعود” معالجة” الناس الذين لا يمكن اختزالهم في خطابات إلا على سبيل القياس، وهم في كل حال قادرون على أن ينتجوا إلى ما لا نهاية خطابات أخرى، فهو يعالج بطريقة مباشرة تلك المقاومات التي يتلقاها من الخارج أو التي تضطرب بداخله، وبهما معا يشتغل في عزلة عيادته”[130] ما دام ” الأدب والفن عموما( يتجاوزان) دورهما في الإشباع التعويضي الغريزي بالنسبة للمتلقين إلى القيام بوظيفة حضارية واجتماعية. فهو قادر على توحيد الجماعات الثقافية حول قيم مشتركة ذات دفع دينامي لحركية الجماعة على الأقل من الناحية النفسية، ذلك أن الاحساس الجماعي بالرضى تجاه أعمال فنية هو تعويض لهذه الجماعة عن جميع التضحيات التي قدمها أفرادها مقابل الاستجابة للموانع والمحرمات التي أقرتها الجماعة نفسها من أجل تجاوز الهيمنة الغريزية الفردية لفائدة التقدم والإنتاج الحضاري الجماعي”[131].
[1] بشرى سعيدي، نظريات التحليل النفسي والمسرح، ص 21،ص113 دار غيداء للنشر والتوزيع الأردن ط1/2016
[2][2] بشرى سعيدي، نظريات التحليل النفسي والمسرح، ص115
[3][3] بشرى سعيدي، نظريات التحليل النفسي والمسرح، ص115
[4] بشرى سعيدي، نظريات التحليل النفسي والمسرح، ص115
[5] بشرى سعيدي، نظريات التحليل النفسي والمسرح، ص116
[6] بشرى سعيدي، نظريات التحليل النفسي والمسرح، ص116
[7] بشرى سعيدي، نظريات التحليل النفسي والمسرح، ص117
[8] بشرى سعيدي، نظريات التحليل النفسي والمسرح، ص117
[9] بشرى سعيدي، نظريات التحليل النفسي والمسرح، ص117
[10] بشرى سعيدي، نظريات التحليل النفسي والمسرح، ص117
[11] بشرى سعيدي، نظريات التحليل النفسي والمسرح، ص117/118
[12] بشرى سعيدي، نظريات التحليل النفسي والمسرح، ص120
[13] بشرى سعيدي، نظريات التحليل النفسي والمسرح، ص122
[14] بشرى سعيدي، نظريات التحليل النفسي والمسرح، ص124
[15] بشرى سعيدي، نظريات التحليل النفسي والمسرح، ص125
[16] حميد لحمداني، الفكر النقدي الأدبي المعاصر، مناهج ونظريات ومواقف، ص87 الطبعة الثانية، أنفو برانت فاس 2012
[17] جان بيلمان- نويل التحليل النفسي والأدب ترجمة وتقديم حسن المودن، ص42 كنوز المعرفة للنشر والتوزيع /”1ط/2018
[18] جان بيلمان- نويل التحليل النفسي والأدب ترجمة وتقديم حسن المودن، ص154
[19] حميد لحمداني، الفكر النقدي الأدبي المعاصر، مناهج ونظريات ومواقف، ص90
[20] حميد لحمداني، الفكر النقدي الأدبي المعاصر، مناهج ونظريات ومواقف، ص93
[21] حميد لحمداني، الفكر النقدي الأدبي المعاصر، مناهج ونظريات ومواقف، ص99
[22] حميد لحمداني، الفكر النقدي الأدبي المعاصر، مناهج ونظريات ومواقف، ص104
[23] بشرى سعيدي، نظريات التحليل النفسي والمسرح، ص42
[24] بشرى سعيدي، نظريات التحليل النفسي والمسرح، ص47
[25] بشرى سعيدي، نظريات التحليل النفسي والمسرح، ص53
[26] حميد لحمداني، الفكر النقدي الأدبي المعاصر، مناهج ونظريات ومواقف، ص116
[27] بشرى سعيدي، نظريات التحليل النفسي والمسرح، ص59/60
[28] حميد لحمداني، الفكر النقدي الأدبي المعاصر، مناهج ونظريات ومواقف، ص105
[29] حميد لحمداني، الفكر النقدي الأدبي المعاصر، مناهج ونظريات ومواقف، ص112
[30] حوار الناقد حسن المودن، مع الإعلامية خديجة الطيب، جريدة الوطن الاليكترونية بتاريخ 15 شتنبر 2010www.alwatan.com.sa
[31] جان بيلمان- نويل التحليل النفسي والأدب ترجمة وتقديم حسن المودن، ص154
[32] حوار الناقد حسن المودن، مع الإعلامية خديجة الطيب، جريدة الوطن الاليكترونية
[33] حوار الناقد حسن المودن، مع الإعلامية خديجة الطيب، جريدة الوطن الاليكترونية
[34] طارق سعيد علاقة الرواية بعلم النفس: تذويب الواقع بالخيال، موقع Aswatonline.com
[35] سلمى مختار أمانة الله، عمر الغريب، رواية المركز الثقافي للكتاب المغرب، الطبعة الأولى2022
[36]ياسمينة المنلا، رائز خروف القدم السوداء، دراسة في سيكولوجية الطفل المحروم من الحب ،ص 260
[37] سلمى مختار أمانة الله، عمر الغريب، رواية،ص12
[38] مفيد نجيب حواشين/ زيدان نجيب حواشين، النمو الانفعالي عند الأطفال، ص 166 دار الفكر للنشر والتوزيع 1989
[39] مفيد نجيب حواشين/ زيدان نجيب حواشين، النمو الانفعالي عند الأطفال، ص 182
[40] جاك دريدا تاريخ الكذب ترجمة وتقديم رشيد بازي، ص 31، المركز الثقافي العربي ط1/2016
[41] سلمى مختار أمانة الله، عمر الغريب، رواية،ص53
[42] سلمى مختار أمانة الله، عمر الغريب، رواية،ص69
[43] جاك دريدا تاريخ الكذب ترجمة وتقديم رشيد بازي، ص 40
[44] سلمى مختار أمانة الله، عمر الغريب، رواية،ص70
[45][45] سلمى مختار أمانة الله، عمر الغريب، رواية،ص204
[46] سلمى مختار أمانة الله، عمر الغريب، رواية،ص19
[47] ألفرد آدلر الحياة النفسية تحليل عملي لشخصية الفرد ترجمة محد بدران ، أحمد محمد عبد الخالق89
[48] سلمى مختار أمانة الله، عمر الغريب، رواية،ص33
[49] سلمى مختار أمانة الله، عمر الغريب، رواية،ص
[50] مصطفى حجازي التخلف الاجتماعي مدخل إلى سيكولوجية الإنسان المقهور، ص 37
[51] سلمى مختار أمانة الله، عمر الغريب، رواية،ص86
[52] سلمى مختار أمانة الله، عمر الغريب، رواية،ص119
[53] سلمى مختار أمانة الله، عمر الغريب، رواية،ص59
4سلمى مختار أمانة الله، عمر الغريب، رواية،ص47/48
[55] مصطفى حجازي، الإنسان المهدور دراسة تحليلية نفسية اجتماعية،ص 154
[56] سلمى مختار أمانة الله، عمر الغريب، رواية،ص40
[57] عدنان حب الله، التحليل النفسي من فرويد إلى لاكان، ص 153 مركز الانماء القومي لبنان 1988
[58] سلمى مختار أمانة الله، عمر الغريب، رواية،ص162
[59] ألفرد آدلر الحياة النفسية تحليل عملي لشخصية الفرد ترجمة محد بدران ، أحمد محمد عبد الخالق بك، ص 58
[60] سلمى مختار أمانة الله، عمر الغريب، رواية،ص233
[61] مصطفى حجازي التخلف الاجتماعي مدخل إلى سيكولوجية الإنسان المقهور، ص90 المركز الثقافي العربي الطبعة الثامنة 2001
[62] سلمى مختار أمانة الله، عمر الغريب، رواية،ص236
[63] سلمى مختار أمانة الله، عمر الغريب، رواية،ص242
[64] 2 سلمى مختار أمانة الله، عمر الغريب، رواية،ص244
[65] سلمى مختار أمانة الله، عمر الغريب، رواية،ص259
[66] مصطفى حجازي التخلف الاجتماعي مدخل إلى سيكولوجية الإنسان المقهور، ص 88
[67] سلمى مختار أمانة الله، عمر الغريب، رواية،ص262
[68] مصطفى حجازي التخلف الاجتماعي مدخل إلى سيكولوجية الإنسان المقهور، ص123
[69] سلمى مختار أمانة الله، عمر الغريب، رواية،ص174
[70] مصطفى حجازي التخلف الاجتماعي مدخل إلى سيكولوجية الإنسان المقهور، ص 46
[71] سلمى مختار أمانة الله، عمر الغريب، رواية،ص182
[72]ياسمينة المنلا، رائز خروف القدم السوداء، دراسة في سيكولوجية الطفل المحروم من الحب ،ص 261
[73] ألفرد آدلر الحياة النفسية تحليل عملي لشخصية الفرد ترجمة محد بدران ، أحمد محمد عبد الخالق بك، ص 47
[74] سلمى مختار أمانة الله، عمر الغريب، رواية،ص129
[75] سلمى مختار أمانة الله، عمر الغريب، رواية،ص272
[76] مصطفى حجازي، الإنسان المهدور دراسة تحليلية نفسية اجتماعية،ص 150
[77] طارق سعيد علاقة الرواية بعلم النفس: تذويب الواقع بالخيال، موقع Aswatonline.com
[78] تيودور رايك سيكولوجية العلاقات الجنسية ترجمة ثائر ديب، ص 32 دار المدى للثقافة والنشر دمشق سوريا 2005
[79] سلمى مختار أمانة الله، عمر الغريب، رواية،ص19
[80] سلمى مختار أمانة الله، عمر الغريب، رواية،ص233
[81] سلمى مختار أمانة الله، عمر الغريب، رواية،ص251
[82] سلمى مختار أمانة الله، عمر الغريب، رواية،ص56
[83] مصطفى حجازي، الإنسان المهدور دراسة تحليلية نفسية اجتماعية، ص 145
[84] سلمى مختار أمانة الله، عمر الغريب، رواية،ص60
[85] سلمى مختار أمانة الله، عمر الغريب، رواية،ص61
[86] تيودور رايك سيكولوجية العلاقات الجنسية ترجمة ثائر ديب،86
[87] سلمى مختار أمانة الله، عمر الغريب، رواية،ص35
[88] سلمى مختار أمانة الله، عمر الغريب، رواية،ص44
[89] سلمى مختار أمانة الله، عمر الغريب، رواية،ص20
[90] ياسمينة المنلا، رائز خروف القدم السوداء، دراسة في سيكولوجية الطفل المحروم من الحب ،ص 260
[91] سلمى مختار أمانة الله، عمر الغريب، رواية،ص131
[92] سمير خليل/ طانية حطاب، دراسات ثقافية، الجسد الأنثوي- الآخر- السرد الثقافي، ص 89 منشورات ضفاف، بغداد 2018
[93] سلمى مختار أمانة الله، عمر الغريب، رواية،ص133
[94] مصطفى حجازي التخلف الاجتماعي مدخل إلى سيكولوجية الإنسان المقهور، ص214
[95] سلمى مختار أمانة الله، عمر الغريب، رواية،ص136
[96] تيودور رايك سيكولوجية العلاقات الجنسية ترجمة ثائر ديب،ص228
[97] سلمى مختار أمانة الله، عمر الغريب، رواية،ص211
[98] سلمى مختار أمانة الله، عمر الغريب، رواية،ص220
[99] تيودور رايك سيكولوجية العلاقات الجنسية ترجمة ثائر ديب، ص 166
[100] سلمى مختار أمانة الله، عمر الغريب، رواية،ص112
[101] سلمى مختار أمانة الله، عمر الغريب، رواية،ص160
[102]مصطفى حجازي، الإنسان المهدور دراسة تحليلية نفسية اجتماعية، المركز الثقافي العربي الطبعة الأولى 2005
[103] سلمى مختار أمانة الله، عمر الغريب، رواية،ص241
[104] سلمى مختار أمانة الله، عمر الغريب، رواية،ص262
[105] مصطفى حجازي، الإنسان المهدور دراسة تحليلية نفسية اجتماعية،ص 155
[106] سلمى مختار أمانة الله، عمر الغريب، رواية،ص264
[107]سمير خليل/ طانية حطاب، دراسات ثقافية، الجسد الأنثوي- الآخر- السرد الثقافي،ص 93 منشورات ضفاف، بغداد 2018
[108] سلمى مختار أمانة الله، عمر الغريب، رواية،ص267
[109] مصطفى حجازي التخلف الاجتماعي مدخل إلى سيكولوجية الإنسان المقهور، ص168
[110] تيودور رايك سيكولوجية العلاقات الجنسية ترجمة ثائر ديب، ص 207،دار المدى للثقافة والنشر دمشق سوريا 2005
[111] سلمى مختار أمانة الله، عمر الغريب، رواية،ص193
[112] سلمى مختار أمانة الله، عمر الغريب، رواية،ص194
[113] سلمى مختار أمانة الله، عمر الغريب، رواية،ص265/221
[114] سلمى مختار أمانة الله، عمر الغريب، رواية،ص126
[115] سلمى مختار أمانة الله، عمر الغريب، رواية،ص171
[116] سلمى مختار أمانة الله، عمر الغريب، رواية،ص268
[117] سلمى مختار أمانة الله، عمر الغريب، رواية،ص269
[118][118] سلمى مختار أمانة الله، عمر الغريب، رواية،ص269
[119] سلمى مختار أمانة الله، عمر الغريب، رواية،ص183
[120] سلمى مختار أمانة الله، عمر الغريب، رواية،ص184
[121] سلمى مختار أمانة الله، عمر الغريب، رواية،ص184
[122] سلمى مختار أمانة الله، عمر الغريب، رواية،ص185
[123] سلمى مختار أمانة الله، عمر الغريب، رواية،ص185
[124] مصطفى حجازي، الإنسان المهدور دراسة تحليلية نفسية اجتماعية،ص 153
[125] سلمى مختار أمانة الله، عمر الغريب، رواية،ص270
[126] سلمى مختار أمانة الله، عمر الغريب، رواية،ص270
[127] سلمى مختار أمانة الله، عمر الغريب، رواية،ص272
[128] سلمى مختار أمانة الله، عمر الغريب، رواية،ص273
[129] مصطفى حجازي التخلف الاجتماعي مدخل إلى سيكولوجية الإنسان المقهور، ص177
[130] جان بيلمان- نويل التحليل النفسي والأدب ترجمة وتقديم حسن المودن، ص 123 كنوز المعرفة للنشر والتوزيع /”1ط/2018
[131] حميد لحمداني، الفكر النقدي الأدبي المعاصر، مناهج ونظريات ومواقف، ص96