عادل الهلالي في كتابة الخراب وسرديات أخرى | أحمد الشيخاوي
أحمد الشيخاوي
ضمن هذه الورقة سنقتصر على شمولية الرؤيا و احتماء الحبكة بمخملية أدقّ تفاصيل اليومي المنقوع في مشهد الجنائزية والمرتكن إلى بؤرة تجمّع أو تشكّل الخطاب الدّال على استنهاض حسّ الانتماء، وتلقّي كهذا خطاب من زاوية نموذجية ،و من حيث نوعية المواد المسرودة المؤجّجة لوجع الحالة الإنسانية حدّ التقيّد بثيمة الموت.
في معالجة أجدد إصدارات القاص العراقي عادل الهلالي،مجموعته الثانية تحديدا والتي انتقى لها عتبة جوهرية عاكسة لتشوهات وتجاعيد الخارج عبر أدغال الوجدان الآدمي المترهّل والمثقل بصروف الدّهر وسياط الشيطنة مؤازرا بلعبة مؤد لجة قذرة لم تزل بمثابة المنتج الأساس والمغذي الأول لكل هذا الترويع والموت والدمار.
تلكم ومثلما سمّاها صاحبها قصصا من الزمن المخجل ،في إطار ما يفيد تخطّي الدلالة الأولية صوب كنه الجحيم الذي يعتصر بواطن شخصية ما تنفكّ تمتصّ جراحات الانهيار الوجودي لتفجع من جديد بأن تــُطعنَ في براءة وطفولة وشموخ الوطن، مكفّنا بزخم من التضحيات الجسام لرموز وكائنات عبّت حدّ الثمالة كؤوس التّشظّي والانكسار والمعاناة، بيد أن ما يوحّدها ويرعاها تحت لواء واحد أوحد هو الحياة لا الموت، والنضال والصمود مقترنا بالقلق والشك والخوف والحذر، تجذّرا في منظومة لولاها لما هدلت براهننا تجليات هذا التشبّث الرّهيب والمرهف بالحياة كما تشتهيها شعوب لا ترضى بعدا الحرية والكرامة والإنصاف أسقفا تظلّل المفقود أو المستلب أو المحذوف من إنسانيتنا.
“شهق والدها شهقة اختزل فيها كل معاني الألم و الحزن الأزلي . ثم أجهش في البكاء . . خرجت من المقبرة مودعا كل اللذين أحببتهم و رحلوا إلى أبديتهم و ناموا بسلام . ودعته هو الأخر متمنيا له الصبر , وأنا أردد و أدندن في نفسي و الدموع تملئ عيني .. يا مختبئ اطلع ..يا مختبئ اطلع .. بطلنه ..بعد ما نلعب غميضان .. يا مختبئ اطلع .. حلاااااااااااااااال….
…………………..
“ها هي تطل عليك فراشة تشتعل بالطفولة و الجمال .. تمشي كما لو أنها حلم بعيد .. شعور غريب يعتريك في هذه اللحظات .. الأفراح تتراقص في أعماقك .. تغني .. تتلون و تهزج , من أين تجئ هذه الأفراح .. و من أي منبع تتفجر و تصخب في ذلك البعد الساحق من الروح .. صوت خطواتها جعل عيناه تتسمر على الباب الخشبي الأخضر المفتوح .. تقترب نحوه بخطوات مرتجفة و وجهها حزين .. يسرع إليها كي يأخذ كيس الخبز اليابس .. يطيل النظر في عينيها .. يرتجف و يجتاحه الارتباك..”
أصداء شخوص منطلقة من ذاكرة التمزّق ومحاصرة بتقنيات تمييع الراهن لخلق الصدمة الأقدر على انتشال الذات من غوغائية الظل وسلبية التأمل إلى عوالم تشاركية فعّالة ومؤثرة تنسج الملامح الأولى لحلم جيل.
ختاما يمكننا القول أننا بصدد مجموعة أنيقة مهما أسرفت من حيث سباحة معانيها في صديد الجرح الإنساني وتقرّحاته،يحسب لها النأي عن السفا سف ،وحيازتها لساق السبق إلى التقاطات مولّدة من ذهنية موازاة الواقع لا اجتراره أو استنساخه،ما أتاح للتجربة غوصا يشفّ عن قوة سردية مدغدغة بجماليات موجّهة إلى أرقى المستويات الحياتية التي تنم عن صوفية التخييل.
2016-08-09