حسام الدين نوالي
في حكاية المتحوّلين مفارقة.
فـ “المستذئب” يملك من القوة والشجاعة والقتال والذكاء الشيءَ الكثير، لكنه يظل منبوذا ولا أحد يحب أن يصيره أو يصاحبه أو يكون أخا له، ولا أحد يتمنى التحول من أجل امبلاك هذا التفوق الملتبس بالتشوه. فالتحوّل هنا يغدو عقابا ، والعقاب نفسه يتكرر في ثقافات كثيرة وحكايات مختلفة باعتباره لعنة. “بغلة القبور” تحوُّل امرأة بسبب الرذيلة، و”القردة والخنازير” تحوُّل أناس بسبب الخطيئة فصاروا خاسئين.
ولا بد من الانتباه أن خطيئة هذا التحول تستضمر في حكاياتها تمجيدا للصفاء ، فالمستذئب معلق بين هويتين، فلا هو إنسان صرف ولا هو ذئب خالص. لهذا فاحتواء ماهيةٍ ما لأخرى هو عقاب، ونزول وخطيئة، إذ الأصل هو الاحتفاظ بمسافة الاختلاف، واحترام الفروقات.
أفليس في قولهم “أبشر يهدوننا” (التغابن 6) نفي للخصوصية النبوية وسعي لاحتواء هوية النبي داخل الهوية الواحدة مجتمعةً في “بشر”؟ وتلك خطيئة يشبهها الشهرستاني بخطيئة إبليس الأولى (1).
فنفيُ الاختلاف انحراف عن الخط السليم، وزلّة، وتشويه للأصل وباب واسع نحو الخلاف، لدرجة أن المتنوّرين سعوْا دائما لنفي السبيل الواحد، حتى أن ابن رشد يرى أن “الطريق في الشرع ليس واحدا بل كثير” (2). وهذا مدار الرؤية التي سَعت “مثال الزيادي” إلى بنائها على مستويات أخرى من خلال إدانة الفردية ونفي الواحد داخل ديوانها الأول “هسيس في برزخ الأرواح”(3)، حيث للأرواح فواصل وحدود وبرازخ تحدّها، وحيث احترامُها هو احترام لتخومها، وإنصاتٌ للهسيس الذي يمثّل صوتَها وبالتالي هويتَها ورؤيتها ومسافتها ووجودها النوعي.
وإذا كان أهل العرفان قد بلغوا شأوا بعيدا في نفي الطريق الواحد وكسر المركزية فإن الشاعرة تستند إلى إرث معرفي وجمالي صوفي مفاده العمق والاقتضاب في تناص يتكرر داخل عدد من النصوص، وتجعل من المنجز الصوفي نصا غائبا تحيل إليه باستمرار. فالفناء ليس فقط منتهى العشق ولكنه يصير نفيا للأنا ومركزيتها، ونفيا للتصنيف:
و”إن كان شطح المحبّين جنونا
فإني في هواك جُننتُ (…)
غِبتُ وغابت عني أوتاري
فلا كانت ولا كنتُ” (ص22)
إنه الصوت نفسه الذي ما يزال يتردد بلسان جلال الدين الرومي في محلّقا فوق الوجود المادي والكينونة الفانية: “فلا أنا مسيحي، ولا أنا يهودي ولا أنا مجوسي ولا أنا مسلم (…) ولا أنا من أهل الجنة ولا أنا من أهل النار وإنما مكاني حيث لا مكان.”(4)، وهي فكرة تكررت عند كثير من أهل التصوف الإسلامي والمسيحي والبوذي، ولدى حكماء اللاعنف مثل غاندي ومو تسه وبعض الرواقيين وغيرهم في إرث حضاري وفكري وقيمي راكم مدوّنة واسعة في رحلته الطويلة نحو إسعاد الإنسان وخلاصه.
لذا فمقابل هيمنة القطبية والانتماء لدرجة بالغة التطرف وتصاعد وتيرة العنف ها نحن ترهقنا نتائج وثمار مركزية الهوية الدينية واللغوية والإثنية التي أدمنّاها لدرجة فقدان البوصلة والتوازن داخل عالم مشبع بالصراع والعنف والهمجية، إذ “في حقول القمح/ اغتيلت عصافير الوطن” (ص47)، فيما تلتمس الشاعرة خط التوازن لخطوط النغم التي تبعثرت : “سأبحث عن بعض مني/ لأعيد القطارات إلى مواعيدها المتأخرة” (ص47)، هذا الـ (بعض منها) الذي ليس غير امتداد تاريخي عبر بعث الإرث الحضاري ومحاورته وتجديده، فهكذا تتذكّر “كل الموتى، [وهم] يلقون تحية الصباح والمساء، ويتغزّلون في مراسيم البوح” (ص34)، فتنتشي هي بامتدادها في الأسلاف، وينتشون هم بامتدادهم فيها وفينا، ويزهر هذا الإحياء وتسألنا: “لماذا انتشى الموت حين عانقني؟” (ص44) ، فــ “يباغتنا السؤال/ ونحن نعزف على قيثارة الأنا/ بلا أصابع” (ص63)، ونمجّد الأنا ونضخمها، وننفي الآخر ونقصيه ونتمركز داخلنا بحدود وهمية سميكة فنعبث ببعضنا “عاجزين عن الحب باسم الدين والدنيا (…) وانتصرت حروبنا الصغيرة” (ص62)، فتأتينا الشاعرة “مثقلة بتعاليم بوذا/ ووصايا لقمان/ وألواح موسى” (ص56)، مثقلة ببدائل تعدّ الذات صوتا للآخر من غير هيمنة ، وتعدّ راحة الأنا في خلاص الـ “أنت” عبر احترام دائرته ومنحه مساحةً للوجود والحق، وعبر قتل الرغبة الوحشية التي تسكننا لامتلاك الآخر واحتوائه، حتى إن أحمد بن عيسى الخراز يصل للقول أنه (ليس لأحد أن يقول “أنا” إلا الله عز وجلّ).
ولأننا اليوم نشتهي هذا الانتماء الموغل في الإقصاء، فإن صوت الشاعرة داخل الديوان ينتفض ضدّ هذا الاختيار معلنةً انفصالها عنا: “لا تصلّ لأجلي، فقد كفرت” (ص15)، و موقظةً لصرخة الحلاج الشهيرة “كفرت بدين الله والكفر واجب”، ثم شارحةً: “كفرتُ بشهوةٍ تدنو.. وهوية تلِجني كعاهرة ” (ص15) هي الهوية المضخَّمة حدّ الإقصاء طبعا.
وهذا ابن عربي في مدارجه نحو الاكتمال يحكي:
لقد كنت قبل اليوم أنكر صاحبي *** إذا لم يكن ديني إلى دينه داني
ثم يصير قابلا كل صورة، معترفا بحق الآخر في وجوده وفكره وحقه في الاختلاف داخل مساحة تمجّد البرزخ والهسيس معا، هناك “حيث يحضر الياسمين/ وتعانق الفراشات بعضَها/ فتنبع من العمق سمفونيات البقاء” (ص25).
وإذا كانت صراعات الأرض ومراراتها واقعا، فإن حلم الإخاء والجوار والمحبة تتشبث به الشاعرة لأقصى حد، متنازلة عن كل شيء إلاّ هو: “خذ كل شيء/ واترك لي أقلامي/ خذ كل شيء/ إيّاك وأحلامي” (ص65)، ذلك أن ما يملكه التأريخ، وما تملكه الذكرى هو عابر مثلنا، فيما القيم العليا تدوم وتثبت ولا تؤرَّخ، فهي “عصية على النسيانْ (…) لكن غدا أو بعد غد/ ستبقى هي/ ونحن لن نكونْ” (ص33)، وإطا كانت هذه القيم تضمر في أزمنة معينة، أو يطالها جزر ومد، فإنها حتما ستعود في ميلاد جديد، و “مع شهقة الولادة سيغدو العالم أفضل” (ص76).
وذاك رهان ديوان ” هسيس في برزخ الأرواح” تحتفي فيه الشاعرة بالقيم الخالدة عموما كالمحبة، والتسامح وقبول الآخر.. وهي قيم تؤسس جميعها لفكرة “الاختلاف” وقبولها كحق. لذا فنحن نقرأ تكثيف الأسطورة والتراث المحلي والعالمي داخل النصوص كمعادل لتجاسر الثقافات ضمن الفكرة نفسها التي تغطي الديوان، فهذا أول نص جاء مثقلا بـ “الجامع الكبير، الموناليزا، السوبرانو، بوذا، ليلة الميلاد…” فيما النص الأخير محمّلا بـ “الأندلس، سيرا نيفادا، فيرديناند، الغجر، المعتصم، المعتمد، سرقسطة، ولاّدة…” وبينهما مسيرة تسعة وعشرين نصا تتجاور فيها أزمنةٌ وأشخاص وأمكنة وثقافات وحضارات وأديان كما لو تعيد الشاعرة ترتيب العالم بحلمها في قبول الآخر في مجده وفي ضهوره، كما في انتصاراته وخيباته وتشوهّه.
وتلك رسالةٌ جليلةٌ تنخرط فيها “مثال الزيادي”، مستندة إلى اشتغالٍ مصرٍّ على الإيغال في الاستعارة والانزياح والتلميح ، ذلك أن “بكاء القصيدة نزيفٌ من الحلم” (ص13) كما تقول. ولأنها تختار أو تُجبَر على الاشتغال شعرا، فإنها تنحاز أولا للجرس والموسيقى، فتمنح أواخر الأسطر وقفات السكون أحيانا، وتكرار الحروف أخرى بصورة تفضح أصرارها الجميل على الإيقاع، وتنحاز ثانيا للتعبير الذي ينسج الكثير باللمح والاقتضاب، مما يدعو القارئ للحفر والتفكيك وإعادة تركيب الإضاءات المبثوثة في العبارات، بل تعلن في مقطعٍ: “لن تصلوا إلى أسئلتي/ فقد اخترت القصيدة مرتعا” (19). كما لو تردّدُ مع الصوفي (من لم يعرف إشارتنا، لم ترشده عباراتنا).
حسام الدين نوالي- المغرب
في حكاية المتحوّلين مفارقة.
فـ “المستذئب” يملك من القوة والشجاعة والقتال والذكاء الشيءَ الكثير، لكنه يظل منبوذا ولا أحد يحب أن يصيره أو يصاحبه أو يكون أخا له، ولا أحد يتمنى التحول من أجل امبلاك هذا التفوق الملتبس بالتشوه. فالتحوّل هنا يغدو عقابا ، والعقاب نفسه يتكرر في ثقافات كثيرة وحكايات مختلفة باعتباره لعنة. “بغلة القبور” تحوُّل امرأة بسبب الرذيلة، و”القردة والخنازير” تحوُّل أناس بسبب الخطيئة فصاروا خاسئين.
ولا بد من الانتباه أن خطيئة هذا التحول تستضمر في حكاياتها تمجيدا للصفاء ، فالمستذئب معلق بين هويتين، فلا هو إنسان صرف ولا هو ذئب خالص. لهذا فاحتواء ماهيةٍ ما لأخرى هو عقاب، ونزول وخطيئة، إذ الأصل هو الاحتفاظ بمسافة الاختلاف، واحترام الفروقات.
أفليس في قولهم “أبشر يهدوننا” (التغابن 6) نفي للخصوصية النبوية وسعي لاحتواء هوية النبي داخل الهوية الواحدة مجتمعةً في “بشر”؟ وتلك خطيئة يشبهها الشهرستاني بخطيئة إبليس الأولى (1).
فنفيُ الاختلاف انحراف عن الخط السليم، وزلّة، وتشويه للأصل وباب واسع نحو الخلاف، لدرجة أن المتنوّرين سعوْا دائما لنفي السبيل الواحد، حتى أن ابن رشد يرى أن “الطريق في الشرع ليس واحدا بل كثير” (2). وهذا مدار الرؤية التي سَعت “مثال الزيادي” إلى بنائها على مستويات أخرى من خلال إدانة الفردية ونفي الواحد داخل ديوانها الأول “هسيس في برزخ الأرواح”(3)، حيث للأرواح فواصل وحدود وبرازخ تحدّها، وحيث احترامُها هو احترام لتخومها، وإنصاتٌ للهسيس الذي يمثّل صوتَها وبالتالي هويتَها ورؤيتها ومسافتها ووجودها النوعي.
وإذا كان أهل العرفان قد بلغوا شأوا بعيدا في نفي الطريق الواحد وكسر المركزية فإن الشاعرة تستند إلى إرث معرفي وجمالي صوفي مفاده العمق والاقتضاب في تناص يتكرر داخل عدد من النصوص، وتجعل من المنجز الصوفي نصا غائبا تحيل إليه باستمرار. فالفناء ليس فقط منتهى العشق ولكنه يصير نفيا للأنا ومركزيتها، ونفيا للتصنيف:
و”إن كان شطح المحبّين جنونا
فإني في هواك جُننتُ (…)
غِبتُ وغابت عني أوتاري
فلا كانت ولا كنتُ” (ص22)
إنه الصوت نفسه الذي ما يزال يتردد بلسان جلال الدين الرومي في محلّقا فوق الوجود المادي والكينونة الفانية: “فلا أنا مسيحي، ولا أنا يهودي ولا أنا مجوسي ولا أنا مسلم (…) ولا أنا من أهل الجنة ولا أنا من أهل النار وإنما مكاني حيث لا مكان.”(4)، وهي فكرة تكررت عند كثير من أهل التصوف الإسلامي والمسيحي والبوذي، ولدى حكماء اللاعنف مثل غاندي ومو تسه وبعض الرواقيين وغيرهم في إرث حضاري وفكري وقيمي راكم مدوّنة واسعة في رحلته الطويلة نحو إسعاد الإنسان وخلاصه.
لذا فمقابل هيمنة القطبية والانتماء لدرجة بالغة التطرف وتصاعد وتيرة العنف ها نحن ترهقنا نتائج وثمار مركزية الهوية الدينية واللغوية والإثنية التي أدمنّاها لدرجة فقدان البوصلة والتوازن داخل عالم مشبع بالصراع والعنف والهمجية، إذ “في حقول القمح/ اغتيلت عصافير الوطن” (ص47)، فيما تلتمس الشاعرة خط التوازن لخطوط النغم التي تبعثرت : “سأبحث عن بعض مني/ لأعيد القطارات إلى مواعيدها المتأخرة” (ص47)، هذا الـ (بعض منها) الذي ليس غير امتداد تاريخي عبر بعث الإرث الحضاري ومحاورته وتجديده، فهكذا تتذكّر “كل الموتى، [وهم] يلقون تحية الصباح والمساء، ويتغزّلون في مراسيم البوح” (ص34)، فتنتشي هي بامتدادها في الأسلاف، وينتشون هم بامتدادهم فيها وفينا، ويزهر هذا الإحياء وتسألنا: “لماذا انتشى الموت حين عانقني؟” (ص44) ، فــ “يباغتنا السؤال/ ونحن نعزف على قيثارة الأنا/ بلا أصابع” (ص63)، ونمجّد الأنا ونضخمها، وننفي الآخر ونقصيه ونتمركز داخلنا بحدود وهمية سميكة فنعبث ببعضنا “عاجزين عن الحب باسم الدين والدنيا (…) وانتصرت حروبنا الصغيرة” (ص62)، فتأتينا الشاعرة “مثقلة بتعاليم بوذا/ ووصايا لقمان/ وألواح موسى” (ص56)، مثقلة ببدائل تعدّ الذات صوتا للآخر من غير هيمنة ، وتعدّ راحة الأنا في خلاص الـ “أنت” عبر احترام دائرته ومنحه مساحةً للوجود والحق، وعبر قتل الرغبة الوحشية التي تسكننا لامتلاك الآخر واحتوائه، حتى إن أحمد بن عيسى الخراز يصل للقول أنه (ليس لأحد أن يقول “أنا” إلا الله عز وجلّ).
ولأننا اليوم نشتهي هذا الانتماء الموغل في الإقصاء، فإن صوت الشاعرة داخل الديوان ينتفض ضدّ هذا الاختيار معلنةً انفصالها عنا: “لا تصلّ لأجلي، فقد كفرت” (ص15)، و موقظةً لصرخة الحلاج الشهيرة “كفرت بدين الله والكفر واجب”، ثم شارحةً: “كفرتُ بشهوةٍ تدنو.. وهوية تلِجني كعاهرة ” (ص15) هي الهوية المضخَّمة حدّ الإقصاء طبعا.
وهذا ابن عربي في مدارجه نحو الاكتمال يحكي:
لقد كنت قبل اليوم أنكر صاحبي *** إذا لم يكن ديني إلى دينه داني
ثم يصير قابلا كل صورة، معترفا بحق الآخر في وجوده وفكره وحقه في الاختلاف داخل مساحة تمجّد البرزخ والهسيس معا، هناك “حيث يحضر الياسمين/ وتعانق الفراشات بعضَها/ فتنبع من العمق سمفونيات البقاء” (ص25).
وإذا كانت صراعات الأرض ومراراتها واقعا، فإن حلم الإخاء والجوار والمحبة تتشبث به الشاعرة لأقصى حد، متنازلة عن كل شيء إلاّ هو: “خذ كل شيء/ واترك لي أقلامي/ خذ كل شيء/ إيّاك وأحلامي” (ص65)، ذلك أن ما يملكه التأريخ، وما تملكه الذكرى هو عابر مثلنا، فيما القيم العليا تدوم وتثبت ولا تؤرَّخ، فهي “عصية على النسيانْ (…) لكن غدا أو بعد غد/ ستبقى هي/ ونحن لن نكونْ” (ص33)، وإطا كانت هذه القيم تضمر في أزمنة معينة، أو يطالها جزر ومد، فإنها حتما ستعود في ميلاد جديد، و “مع شهقة الولادة سيغدو العالم أفضل” (ص76).
وذاك رهان ديوان ” هسيس في برزخ الأرواح” تحتفي فيه الشاعرة بالقيم الخالدة عموما كالمحبة، والتسامح وقبول الآخر.. وهي قيم تؤسس جميعها لفكرة “الاختلاف” وقبولها كحق. لذا فنحن نقرأ تكثيف الأسطورة والتراث المحلي والعالمي داخل النصوص كمعادل لتجاسر الثقافات ضمن الفكرة نفسها التي تغطي الديوان، فهذا أول نص جاء مثقلا بـ “الجامع الكبير، الموناليزا، السوبرانو، بوذا، ليلة الميلاد…” فيما النص الأخير محمّلا بـ “الأندلس، سيرا نيفادا، فيرديناند، الغجر، المعتصم، المعتمد، سرقسطة، ولاّدة…” وبينهما مسيرة تسعة وعشرين نصا تتجاور فيها أزمنةٌ وأشخاص وأمكنة وثقافات وحضارات وأديان كما لو تعيد الشاعرة ترتيب العالم بحلمها في قبول الآخر في مجده وفي ضهوره، كما في انتصاراته وخيباته وتشوهّه.
وتلك رسالةٌ جليلةٌ تنخرط فيها “مثال الزيادي”، مستندة إلى اشتغالٍ مصرٍّ على الإيغال في الاستعارة والانزياح والتلميح ، ذلك أن “بكاء القصيدة نزيفٌ من الحلم” (ص13) كما تقول. ولأنها تختار أو تُجبَر على الاشتغال شعرا، فإنها تنحاز أولا للجرس والموسيقى، فتمنح أواخر الأسطر وقفات السكون أحيانا، وتكرار الحروف أخرى بصورة تفضح أصرارها الجميل على الإيقاع، وتنحاز ثانيا للتعبير الذي ينسج الكثير باللمح والاقتضاب، مما يدعو القارئ للحفر والتفكيك وإعادة تركيب الإضاءات المبثوثة في العبارات، بل تعلن في مقطعٍ: “لن تصلوا إلى أسئلتي/ فقد اخترت القصيدة مرتعا” (19). كما لو تردّدُ مع الصوفي (من لم يعرف إشارتنا، لم ترشده عباراتنا).
(1)- الشهرستاني – الملل والنحل، تح. محمد سيد كيلاني، دار المعرفة للطباعة والنشر، بيروت، لبنان- ج1- ط 2 (1975)- ص 19
(2)- علي حرب- نقد الحقيقة- المركز الثقافي العربي- الدار البيضاء، بيروت- ط2 (1995)- ص39
(3)- مثال الزيادي- هسيس في برزخ الأرواح- دار التوحيدي للنشر- ط1 (2015).
(4)- عن خال محمد عبده، مولانا جلال الدين الرمي:من أنا؟- موقع مجلة معابر- تشرين الأول 2012
(1)- الشهرستاني – الملل والنحل، تح. محمد سيد كيلاني، دار المعرفة للطباعة والنشر، بيروت، لبنان- ج1- ط 2 (1975)- ص 19
(2)- علي حرب- نقد الحقيقة- المركز الثقافي العربي- الدار البيضاء، بيروت- ط2 (1995)- ص39
(3)- مثال الزيادي- هسيس في برزخ الأرواح- دار التوحيدي للنشر- ط1 (2015).
(4)- عن خال محمد عبده، مولانا جلال الدين الرمي:من أنا؟- موقع مجلة معابر- تشرين الأول 2012