أحمد الشيخاوي:
إننا إزاء شاعر بارع جدا في توظيف قاموس العشق، وتطويع المصطلح النشاز حدّ منحه السياق النّصي الأقدر على درء تهم أو شبهات الخلاعة وخدش الحياء والتخفّي بأقنعة الفسق والزّندقة.
الشاعر العراقي الواعد عبد الرحمان الماجدي أشمل وأعمق من كونه مجرد صوت تستغرقه إيروتيكية ما في محاولات تتلاعب بالعاطفة وتدغدغ إغفاءة الزير القابع في طيات كل منا كـذكران يعني لهم الشيء الكثير الاعتراف بالقوة الجنسية وإبراز الفحولة وإن في غير محلّها، وكذلك فعل التغزل بالجنس الناعم.
هو ظاهرة مختلفة وتجربة استثنائية استطاعت خلق المنعطف في تاريخ المقاربة الجنسانية كما رسمها وخط مداراتها رواد من قبيل امرئ القيس وعمر بن أبي ربيعة و نزار قباني وغيرهم.
إذ أن ذروة المغامرة الجنونية والتحدي يكمن في حجم انصهار الذات ومنسوب التحكم بخيوط بنية رؤيوية عاكسة لتقنيات تطعيم البوح بزخم من اللمسات السحرية المنتقاة بعناية من كنوز المقدس على نحو مهضوم مستساغ أقرب إلى المحاكاة منه إلى المعارضة والتفنيد.
الغرض ذاته نعايشه في حالة شاعرنا، ولعل أبرز تجلياته ما ستفصح عنه إضاءتنا لـ “سراويل يوسف” باعتباره نصا يعج بمؤشرات الطرح الذي فدلكنا له.
بدءا بالعنونة وما تشفّ عنه من حقول دلالية لاستحضار مفردة أو ثيمة السراويل بدلا من القمصان مثلا لصلة ووثوقية هذه الأخيرة بقصة نبي الله يوسف كما وردت في النص القرآني.
وكأن قصدية شاعرنا تتخطى الإيروتيكية المألوفة إلى مستويات تحفيز الفحولة ونشر ثقافة جنسية لا تكتفي بإشباع الحاجة الجسدية فقط وإنما ترتقي إلى خلفيات الإحتفاء بالروح و تحقيق الاتزان النفسي.
1
فاحَ عطرُ الشهوةِ،
ونعسَتِ الحشمةُ
في بيتِ السيّد،
حينَ لبّى “يوسفُ” رسولَ الهُيامِ،
تدلّى جمعٌ من الملائكةِ، مُتزاحمينَ، على حبالِ الفضولِ،
يتتبعون “راعيلَ” الرغوبَ تغلّقُ الأبوابَ وتزيحُ ستائرَ العفّةِ،
تتهيّأ تائقةً،
تطوّقُ، صوبَ المخدعِ، من هامتْ بهِ وهامَ بها:
كذلك هي الأنثى، خلقت لتغري، لتستفز “يوسفية” العنصر الذكوري فينا، ما بين كبت أو تحرير غرائز الإنجذاب إليها هي ومطاوعتها، بحيث لا وجود أبدا للمنطقة الوسطى بين الفروسية في المضاجعة والجماع، والبرود أو الضعف أو العجز الجنسي.
شخصيات هذه اللوحة الشعرية المتبرجة، نجدها مذعنة لسلطة الشهوة تماما، بما يثير فضول الملائكة حتى ويوجب ازدحامهم حول مخدع الرذيلة.
فالقلب في نشوزه الشهواني لا يفرّق بين سيد وعبد، أو يعير أدنى اهتمام لنعرة طبقية.
هاهي “راعيل زوليخا” حرم عزيز مصر وعلى غفلة منه، ترتب شتى صنوف الغواية والطقوس الشبقية للإيقاع بنبي تكلؤه العصمة الربانية .
وأخيرا لن تفلح في تلطيخه بنتانة فجور الجسد المحرض على الخيانة، حتى وقد همّت الرّغوب بعد تغليق الأبواب، وهمّ النبي بدوره بها.
2
“يا يوسف: ما من بشرٍ أجمل منك،
جسدي لهثانٌ،
وبُليتُ بزوجٍ عِنّين،
فقمْ إسقِ أرضي.
وشم عطرَ روحي
لقد “هِئْتُ لكْ”
وحدة حوارية ثرية بأساليب إغوائية تستهدف أو تحاول أن تستهدف الثغرة الآدمية، كضرب من خلق الأعذار أو تحصيل تبرئة والظفر بترخيص يشرعن إلى حد ما يبيح ممارسة المحرم والمحضور.
علما أن الغاية الضمنية في كهذه سلوكيات، تتجسد في ارتقاء سلم فوبيا الشهوة وجموح استشعار الرغبة في إطفاء اللذة، صوب انتشاء روحي يشفع اقترافه ضعفنا البشري ختاما.
3
على قَفاها استلقتْ عاريةً،
فمدّ الشهودُ، المتدّلين، رقابهم أطولَ مما يجب.
حَلّ الهِميانَ، مفتوناً، وجلسَ، يتجردُ بين رِجليها،
ساعدهُ ملاكٌ عجولٌ، فتدلّتِ السراويلُ على إليتيه.
ارتعشَ فرجُها، الموشكُ أن يُفتضَّ ختمُه،
وضاقَ أُخدودُ ظهرهِ بمياهِ الغُلمة.