سورن كيرككَورد : سأجعل العالم صعبا..!! | قحطان جاسم
قحطان جاسم:
رأى كيرككَورد أن الفلاسفة يطرحون سؤالا عن ماهية الحقيقة. وبالنسبة إليه فان العالم ليس مليئا بالحقائق وأن واحدة من الحقائق لا تماثل بقيمتها حقيقة أخرى، ولهذا لم يشغل نفسه بسؤال كهذا، لأنه كان يرى أن الحقيقة ليست نظرية وفكرة مجردة ، بل هي وجود وأسلوب يحيا به الإنسان في الوجود. وقد وجد في عبارة سقراط الشهيرة “اعرف نفسك”، التي جعلها منطلقا له مانحا إيّاها تأويلا جديدا ؛ ” تعني ميّز نفسك عن شيء آخر”، و معيارا لنظرته الوجودية وأسلوبا تهكميا لفهم دور الإنسان- الفرد وموقفه إزاء نفسه والآخر والعالم والله. وقد صاغ ذلك بوضوح في كتابه ” حول مفهوم التهكم بالإشارة إلى سقراط” الذي صدر عام 1841.
انتقد كيرككَورد على ضوء ذلك الفلاسفة قبله كما خاض نقاشات ضد معاصريه من الكتّاب أو الفلاسفة، فوجه نقدا صارما إلى منظومة الفيلسوف الألماني فريدريك هيجل الفلسفية، واعتبرها تجريدية وتعيش في الفكرة. كتب في أوراقه الخاصة عن هيجل واصفا إيّاه ” كمن يبني قلعة من الأفكار ويعيش إلى جانبها في وجار كلب”. ورأى إن الفلاسفة يسعون لإيجاد الحلول قائلا ” سعى الباحثون لجعل العالم سهل العيش أما أنا فأود جعله صعبا”. وقد التزم كيرككَورد في كتاباته بهذا المبدأ ،ولهذا فأنه لم يبحث عن الأتباع وكانت فكرة الجموع أو الحشد تقلقه و تغيضه، ولهذا رأى أن قضية الحرية ترتبط ارتباطا وثيقا بقضية الاختيار الفردي، وحتى فكرة الإيمان كانت بالنسبة إليه قضية فردية تماما. ومن هذا المنطلق انتقد بحدة الكنيسة ورجال الدين الذين حاولوا تحويل الكنيسة إلى فضاء عام للطقوس والاحتفالات الدينية لخدمة مصالحهم وتعزيز سلطتهم ونفوذهم. فطبقا لكيرككَورد أن الإيمان قضية شخصية بين الله والفرد ولا يمكن لأحد من القسس أو القائمين على الدين بتقديم دلائل من اجل إثبات حقيقة الإيمان ذاته أو وجود الله.
كثيرا ما أتهم كيرككَورد بسبب أفكاره لجعل العالم صعبا، بالعزلة والعيش بعيدا عن الواقع، إلا انه في واقع الأمر بقي لصيقا بالإنسان ومشاكله الحقيقة، وقدم أكثر الأطروحات والتصورات عمقا التي تتعلق بالإنسان ومعاناته.
ولهذا عاشت أفكاره على مدى أكثر من مائتي عام وما تزال حيّة وتلقى اهتماما من كل امتداد العالم.
سورن كيرككَورد : سأجعل العالم صعبا..!! قحطان جاسم 2016-02-09