الرئيسية | سرديات | درس الدجاجة… | منصف القرطبي

درس الدجاجة… | منصف القرطبي

منصف القرطبي

 

تعلّمنا الدجاجة دروسا لا تنتهي، وترينا المعنى الحقيقيّ للعبث. تتألّم وتتوجّع لكي تبيض بيضة واحدة في كلّ يومين، يأتي بعدها بدقيقة زعطوط، ليأخذ البيضة ويـحرقَها في المقلاة، ويسبُّ بعد ذلك كلّ الدجاج. لـم أشتـم الدجاج يوما، ولم أفكّر في ذلك. لطالما اعتبرتهم إخوةً لي. وخاصّة الدجاجة، فهي وفيّة جدا، تجمع القش والأعواد والتبن، لتبني عشّها بعد أيّام، ولتستقرّ قرب الشوك بعيدا عن الضوضاء، وتبيض بيضة بيضاء فاقع لونـها، يسيل لعاب زعطوط حينما يراها. أليست ابنة حلال؟ لا أحبّ الدّيك، فهو يصيح كثيرا، ويصرخ كثيرا،  وينكح كثيرا، ولا يعمل أيّ شيء، وليس مخلصا ولا وفيّا، ولا معطاء. ابنُ الكـلبة لا يعرف إلا نفسه، مغرورٌ جدا، ينفخُ ريشه باستـمرار ويصعد فوق السطح ليبصق بصقة من الأعلى، فتسقط تلك البركة على أوّل عابر، ثـم يصيح بعدها:
“قُقُعُووووهْ قُقُعُووووهْ لْبَصْقَه فوكْ وجـهوهْ…”
ذات صباحٍ، كنت ذاهبا إلى الثانويّة، فنظرت إلى سطح أحد المنازل، بعد برهة، أحسست بشيء لزج، سائل عاقد، التصق بجبهتي، حـجمه كبير، مادته مختلطة، ومـمزوجة بأشياء كثيرة. بدأ يسيح ويتوسّع على مساحة وجهي. وضعته على أنفي، فوجدته بصقة ديك، وأيّ ديك؟ الدّيك الـمزعططُ المريض بالمعدة. لعنته في سرّي وعدت بسببه إلى منزلنا. لم أذهب إلى الدراسة يومـها. كنت أعلم أن اليوم الذي يبصق فيه عليك ابنة الكـلبة لن يمرّ بخير وبسلام. لكنّني شكرته فيـمـا بعد. هذا هو الدّيك، بصاقه أكثر من بيضه. على الرغم من أنّ الزفزاف كتب رواية عن بيضة الدّيك، إلا أنّ الدجاج لم يفهم الدّرس بعدُ. لا يهمني ذلك كثيرا، الزفزاف كان يكتب عن الدجاج واللقلاق والـمثقفين والخائنين والقوادة…وهو يبقى بعيدا عن الدجاج على كل حال، وبعيدا عن الثعلب حتى وإن كـان يفضله أحيانا. هذا ليس مـهمـا، لكن علينا أن نكون كالدجاج عطاء..وليس كالدّيك أخذا. ومن ثمّة فأنا أفضّل الدجاجة على الدّيك، غير أنّني أحبّ بعض الديكة الذين لا يصيحون كثيرا، ولا يصرخون..هم قلائل، لكن أن يكونوا قلّة، خير من أن لايكونوا، وهذه نعمة من الله، منّ بـها على عباده، وهو عطاء على ك،لّ حال. لكن ما يؤسفني هو شخص زعطوط، يحرق البيض ويسبّ الدجاجة، وهو غير قادرٍ حتى على دفنِ خرائه بالتراب. وللأسف هذا ما يؤلمنا أنا والدجاجة، بل أختي الدجاجة ذات الريش الأبيض والقلب الأبيض، التي تبيض وتعلّمني دروسا كثيرا، إلا درسا واحدا، وهو الـمهمّ في هذه الأيّام، درسُ: كيفية التعامل مع الزعطوط ومع الزعاطيطْ بدون معلّم؟!؟

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.