فاطمة لحسيني
صدر حديثا للشاعر المغربي الأصيل والعصامي محمد اللغافي ديوان شعري جديد أغنى به خزانة الشعر المغربي المعاصر والذي اختار له عنوانا “لستُ على الخط” فيسوبيكيات”
الشاعر من مواليد دجنبر 1960 بالبيضاء. شاعر أصيل وعصامي ،يكتب بدمه لا بدراهمه ، كما صرح في حوار خص به مؤخرا جريدة الأخبار..و.يعتبر من الشعراء النشيطين على النت والذين استطاعوا أن ينحتوا اسماءهم عن جدارة بين مبدعي الادب العربي الحديث . أبدع في الشعر والقصة .صدر له في الشعر الخطوة الاولى الحواس الخمس (شعر مشترك)، سوق عكاظ (شعر مشترك) من أعماله الفردية في الشعر امتدادات، وحدي احمل هم هذا الوجه، للموت كل هذا الحب، حوافر في الرأس ، الكرسي، يسقط شقيا ،ولست على الخط. ..ومكتظ بي أيها الفراغ،
يظهر الكتاب في طبعة أنيقة وجذابة ولا تخلو من ابداع في الاخراج. لوحة الغلاف : هي من دون عنوان للفنان التشكيلي والناقد الفني والمصمم الإعلامي مغربي المنحدر من مدينة بركان محمد سعود. في الصفحة الأخيرة للغلاف يطالعنا اللغافي بقبعته السوداء ونظارتيه الشفافتين متأملا وشاردا يغازل آلهة الشعر وبين أصابع يمناه سيجارة … تحمل الصورة خمسة أبيات شعرية وتاريخا مرقونة بلون أبيض . يقول :
“عذرا
أنا أعد مأتما تكريميا
لسنة أخرى
سقطت
من ملامحي…”
والقصيدة القصيرة التي يحملها غلاف الكتاب الصقيل تعطي فكرة واضحة عن الحالة الوجدانية للشاعر وعلى النفس الشعري الغالب في أضمومته.
بالموازاة مع أخر بيت نجد التاريخ التالي:” 28 دجنبر2016 أخمن أنه تاريخ كتابة الابيات الشعرية أمتراه يوافق عيد ميلاد الشاعر؟
يعلن الشاعر بدءا من عنوان أضمومته أنه ليس على الخط، ،أنه مختلف ومجدد في الشعر بل أنه يجافي القوالب الشعرية الموروثة ويثور على ما يحيط به من تقليد وركود. الأضمومة التي تقع في 98 صفحة هي منمنمات شعرية اختار لها الشاعر اسما فرعيا “فايسبوكيات” ربما اشارة منه لكونه قد سبق له وأن نشرها على حائطه في الفايسبوك أم مجازا لكونها تعتمد أساسا على التكثيف والتمركز في جماليات قد تبدو سهلة لقارئ جيل الفايسبوك.
قصائده القصيرة هذه تنطوي على مهارة ودقة في تمثيل الاحداث وتسبر أغوار الاحاسيس في اختزال عميق يتواءم مع إيقاع الذات التي تميل للاختزال والاختصار في عصور الحداثة الأخيرة،
ويظهر ذلك جليا في كل الفيسبوكيات التي تؤثث بأناقة أضمومته:
فهو عندما يقول:
خارج بؤبؤيك
أبحث عن قبر في الشمس” ص15
يعتبر الشاعر ألا حياة دافئة الا داخل عيني حبيبته وفي ما سواها موت بارد. وعندما يقول:
لماذا الابواب تطرقني
وليست لي كف…ص16
يستأنس بتبادل الادوار بينه وبين الجماد فيؤنسن الابواب ويستحيل هو جمادا ثابتا ليصور لنا عجزه التام عن الاستجابة ،ليس للطرق فحسب.. بل لكل الرغبات الجامحة التي يئدها قبل الولادة.
سيرا على غرار العنوان ، يفتتح الشاعر أضمومته بصيغة المتكلم: انها الذات الشاعرة التي تتأمل في الطبيعة، ترصد حالاتها،تصارعها ثم تعود وتنصهر فيها لتخلق العالم الشعري اللغافي:
أنا مروض الريح
والأقاصي
لست مطمئنا على الطقس ص 3
فإذا كان هيكتور أمير طروادة مروضا للخيول، فالشاعر اللغافي مروض رياح يصارعها ص 4 ثم يهدي لها صدره لتبيت فيه ص 67
يصارع الطبيعة، يخادعها ثم يتودد لها:
لأخادع العاصفة
أتودد لجدار
شجرة تتعرى
عصفور عليل يصطدم بالجدع” ص. 4-5
ويواصل بعد ذلك مناجاته للطبيعة حيث زمجرة الريح لا تحتمل.ص.6-7 ليعود ويستلهم منها صوره وتشبيهاته للذات الشعرية الغاضبة:
كأنني غاضب
ليس كغضب الطبيعة
حين تمزج الغيم بالتراب
غاضب مثل حلزونة
تكومت
في الفصول الناشفة” ص 74
وإذا كان الشعر يعتبر أحد أهم الأشكال الأدبية التي تعتمد على جمالية الايحاء عوض الوضوح فان فايسبوكيات اللغافي تزخر بالصور الشعرية التي تبحر بالقارئ الى برزخ القصيدة.. فالشاعر يصول ويجول في المخيال الشعبي والديني المقدس ويعبر كل الجغرافيات لتأسيس جمالية وعمق عالمه الشعري:
فنجده على سبيل المثال يخلق تناصا جميلا بين حكاية انبعاث أصحاب الرقيم المذكورة في الذكر الحكيم وبين حكايته هو مع حبيبته ص 8وبين قميصه وقميص سيدنا يوسف الذي قد من دبر ص 73وتغني بقصائد مدنسة لا تصلح للآذان ص 93. ونصادفه يتطلع لاستدراج الرياح الفرنسية، رياح مثخنة بعطور الحسناوات القابعات تحت برج باريس الشهير ص 87 ويحلم بأن تدلك جسده الذي نهشه الجوع أنامل فتاة اسيوية تقدم له فطورا يخالف فطور الأشقياء ص 88.
والأضمومة دعوة صريحة لتمتيع العين ب انتظامها الكتابي وتوزيعها الطباعي ، فتبدو الأبيات الشعريةمنفردة ومنفصلة عن بعضها أغلب الصفحات لا تضم سوى بيتين شعريين يخلقان أثرا فنيا منفردا ثم بنية جمالية موحدة الأثر مع باقي فايسبوكيات الشاعر. هكذا جاءت فيسبوكيات الديوان مستقلة كجمل شعرية لكنها متصلة كأبنية تتكامل لتخلق أثرها في القراءة.
وينفتح منجزه الشعري الجديدعلى فنون أخرى فبعد اللوحة والصورة اللتان تؤثثان الغلاف نجد الشاعر يقترض من المسرح طبيعته الحوارية؛ ليجعل الفكرة في النص تصل للقارء في بوح حميم بما يختلج الروح:
قلت لها
اصفعيني على الخد مرتين
لأصدقني حيا
قالت
المس قلبي يبرأ من دائه
(…)
قالت احتويتك
قلت
عذرا
بلاغة الحب تتلعثم أحيانا. ص 8-9
و يصغي اللغافي السمع لكل ما يحيط به ويتفاعل مع الكثير من مشاهد الحياة العطوف منها والمؤذي والبشع وينفعل مع كل ذلك فتنبني فيسبوكيات اللغافي في سطرين أو ثلات في اختزال عميق وجميل للمعنى وبذلك تتعدد درجات القراءة . فلكل قارئ لقصائده أن يخيط على مقاس ثقافته وذوقه معنى يليق بالقصيدة التي يقرأ.كل قارئ ..
يقرأ حسب درجة عجلته. أبيات اللغافي تخفي شاعرية سلسة رقراقة يستسهلها القارئ العاجل الوجل وقد يغفل عن تقنية لعبة اخفاء المعنى الملموس بالمحسوس والمحسوس بالملموس التي يتقنها الشاعر مرتكزا بالأساس على تقنية التضاد:
حضورك
قداحة تشعل الفتنة
غيابك
فداحة يشذرني
لعنة… ص.15
اتسلق الى الاسفل
اخاف السقوط الى اعلى ص 84
. فايسبوكيات اللغافي تغرف من الذاتي/ الخاص لتنفتح على العام فيختصر تجربته الحياتية ويشاركها مع الآخر..
جل القصائد بصيغة المتكلم، انها أنا الشاعر السائم من العالم والذي راكم السنون على وجه،
مرة يخاطب حبيبته وأخرى يخاطب نفسه أو ذلك القارئ الذي نقر إعجاب قبل أن يقرأ فيسبوكيته.
التجاعيد التي تتراكم على الوجه ص 46
هرمنا في الضجر ص 37
خمسة وخمسون عاما … ص 28/025
عيد ميلادي 19/
كم بقي لي من عام / 18
في طريقي الى الغد اجتزت عمرا ص 81
بدون أي أثر عبرتني اعوام شحيحة
مررنا كاطياف ص 91
صراع مع الجسد ….ص 95
إذا كانت الكتابة الحقيقية هي الكتابة المرادفة للألم والحزن أو إذا صح التعبير المرادفة للفشل حسب حوار خص به الشاعر جريدة الاخبار عدد 14 فبراير 2015، فنجده يتألم لمرور الوقت ومضيه سريها من دون أن ينتبه له وفشله في أن يوقفه. حضور الزمن واسراعه والتجاعيد التي يراكمها على وجهه يبدو أمرا يؤرق سكون عالمه الشعري الخاص ويقوض السكينة العميقة التي اعتادها.
شعر اللغافي يجمع ما بين الجمال و الغموض والعمق ببساطة لغوية وأسلوب مركب لا يتقنه الا هو. فهو ينزاح لتفاصيل اليومي المعيش فيجعل القارئ يحلق في سماوات الشعر والاحساس. إصدار اللغافي الجديد هو من دون ريب اضافة للحداثة العربية.
très bonne analyse bon courage