جمالية العتبات في رواية ص ب 1003 لسلطان العميمي | عبدا لله المتقي

عبدا لله المتقي

تصدير

بداءة، دعونا نتفق أن المقصود بعتبات النص الروائي، هي تلك النصوص اللغوية والأيقونية الصامتة المرفقة بالكتاب والمحيطة به، والتي أعاد الاعتبار إليها النقد الحديث لتأخذ حقها من الاهتمام والتداول، حتى غذا الكتاب يحرصون على الاهتمام والحرص على عتبات مؤلفاتهم.

ولعل ابرز من كتب في هذا الموضوع هو جيرار جنيت والتي افرد لها كتابا متميزا وسمه ب”عتبات” وحدد من خلاله جملة من الضوابط كأسماء المؤلفين، العناوين، الإهداءات، المقدمات، وغيرها لأن لها سياقات توظيفية ونصية من شأنها اختزال جانبا مهما من معنى الكتابة.

 من هنا حرص الروائي الإماراتي سلطان العميمي على العناية بنصوصه المحاذية، بدءا بعنوان الرواية وصورة الغلاف وكلمة الغلاف الخلفي، مرورا بالإهداء وما تحمله من احتمالات دلالية تفتح شهية القارئ لمساءلتها وغزوها.

المتن الروائي

ينسكب ماء في رواية ” ص ب 1003″ برسالة تبعث بها “عليا” الطالبة الإماراتية في لندن، إلى “عيسى” الشاب والإطار البنكي في ” الذيد” الإماراتية، وقد أغراها بالتراسل معه أن اسمه حرك فيها ذكريات، فاسمه هو نفس ابن الجيران ” عيسى “، “ربما كان دافع الحنين إلى أيام الطفولة واللعب مع ذلك العيسى أحد الأسباب التي بررت فيها لنفسي فجأة اتخاذ قرار بمراسلة عيسى الجديد”، ويتبادلان الرسائل ، ثم فجأة يختفي، لكن ريثما يخبرنا السارد أن اختفاء “عيسى”، كان بسبب حادثة سير مات على إثرها، فيما استمرت الرسائل بالورود إلى صندوق بريده، ممن لم يعرف بوفاته، ليتقمص دوره صديقه “يوسف ” ابن المنطقة وصديق الدراسة، فيغتصب أسراره وخصوصياته وهو نفسه يغترف بهذا الفعل الفضولي نقرأ في الرواية :” لو كان عيسى حيا، ما كان سيرضى تحت أي ظرف من الظروف بما تفعله الآن أو تنوي فعله”

عتبات ص ب 1003

اشرنا سابقا حرص وعناية سلطان العميمي على اختيار عتباته وإعطائها ما تستحق من العناية لأنها تشكل عنصرا مساهما في بناء الحكاية وطريقة تأثيثها، وكذا انفتاحها على أبعاد دلالية شتى، من هذا المنظور سنلامس عتبات رواية “ص ب 1003ل” في طبعتها الرابعة والصادرة عن ” ثقافة للنشر والتوزيع بدولة الإمارات.

1 – عنوان الرواية

العنوان مدخل يمكن المتلقي من الإمساك بالخيوط الأساسية للنص والقبض على أسراره، إذ يضيء العتمات، وبذلك فهو ليس ” دودة زائدة”، بل يسهم في التواصل الدلالي والنفسي بالمضمون.

كتب العنوان بخط أحمر، مما يفتح أمامنا أفق قراءة خصوبته اللونية، فهو يوحي بالعنف والاغتصاب الرمزيين، كما يهجس باقتحام “يوسف” لأسرار عيسى بقراءته لرسائله المتبادلة مع عليا. ولقد اعترف

وفي رصدنا للمستوى الاختياري للعنوان نقف عند عملية اختراق للعناوين المألوفة التي اعتدناها ” ص ب 1003″، نسجل اختراق وهروب العتبة الأولى من العناوين المألوفة، مما أكسبه شعرية وجمالية وغلفه برمزية موحية، من شأنها إثارة فضول القارئ وتصيده للدخول إلى صندوق الحكي، أو بالأحرى التورط في سيرة الصندوق البريدي، الذي يؤنسنه السارد ليحكي بنفسه عن نفسه ” أذكر أني خلقت نكرة، بلارقم”.

 وبهذا يكون اختيار الكاتب لهذا العنوان هادفا وذا مقصدية، وليس عنوانا عفويا، بل هو رأس حربة الحكي وعلبة أسراره، ويشبه قبعة الساحر، منه تستمد الحكاية حياتها وانسكابها كي تستفز القارئ بدهشتها وسحرها.

2 – الجنس

تحت العنوان مباشرة تصادفنا لفظة ” رواية ” لتحيلنا مباشرة على جنس الكتاب الأدبي، ومن ثمة تبرمج القارئ لاستقبال نص روائي سردي يؤمن بالتفاصيل والانفتاح، نص لا يقبل بالانغلاق وبالاختزال والاقتصاد.

رواية ” ص ب 1003 ” إذن، هي جنس أدبي مفتوح، وقابل لامتصاص خطابات أخرى ومن حقول معرفية متنوعة، هكذا يتسلل وينسرب إلى فصول الرواية الكثير من رسائل “عيسى ” و”عليا” و”يوسف”، فتكاد تتقاطع مع المذكرات والاعترافات والذاكرة الوطنية، مما ينوع السرد وينشط فعل القراءة ويكرس شعرية الانفتاح.

نقرأ في الرواية من رسالة ل”عيسى”:” بالمناسبة، هناك حدث رياضي قادم ومهم تتحدث عن صحفنا المحلية، وهو استضافة الامارات خلال الشهر القادم اولمبياد العالم للشطرنج في دبي ” ص 101

3– صورة الغلاف

تزين غلاف الرواية لوحة تشكيلية بدون توقيع، بيد أن قراءتها قراءة متمعنة نلفيها شبيهة ما يعنيه العنوان، فهي تتشكل من طوابع بريدية تحيل على التراسل والبريد و ” ص ب 1003 “، لكن المثير للانتباه، هو تلك التحولات اللونية لطوابع البريد، من أجمر فاقع إلى أزرق، ثم إلى طابعين بريديين بلون قاتم، تحيل بدورها على إيقاع الرسائل وتحولاتها وحالاتها، ونوعية العلائق بين “عيسى” و”عليا” و”يوسف” ، فالطابع الأحمر يحيل إلى توهج العلاقة وبداياتها، ثم الأزرق إلى انفتاح التراسل حد المتاهة، ف حين تعني ي قتامة الطابعين ولون الحالك إلى احتراق تلك العلاقة ونهاية لعبة الرسائل

4– الاهداء

يعتبر الإهداء عتبة نصية، وتقليدا ثقافية قديما، وممارسة اجتماعية وعلاقة حميمية بين القارئ والكاتب، كما يفتح لنا كوة على ملامح الذات ، وعنا على معاناة الكتابة وقلقها ، وعادة ما يستثمر الكاتب هذه المدخل باختزاله وبتلطيخه بلمسات ساحرة ومحفزة على اقتحام النص، وهذا ما نلمسه في إهداء هذه الرواية الجاذب ” إلى كفين ستعبران من هنا للتصفح، كانتا قد مرتا على قلبي يوما كأصابع المسيح”.

إن المتفحص في هذا الإهداء يسجل لأول وهلة أنه موجز ومكثف وهذا ما يتطلبه فعل الإهداء، بل ومن مميزاته، بالإضافة إلى حضور فعل القراءة والكتابة ” التصفح”، والأدوات المساعدة على فعل قراءة المكتوب ” كفين وأصابع” لا تبتغي سوى نبض القلب – الحياة، كما أنها تروم نقاء الكتابة، باستعارة ذكية لأصابع المسيح رمزا للمحبة والكرامة، ثم أليس ” الكتابة صلاة كما يذهب إلى ذلك “فرانز لوركا؟”

خاتمة

 وختاما، نلفت الانتباه إلى أن سلطاني اعتنى بعتبات روايته كما البستاني بحديقته، فهي أولا تخدم النص باعتبارها مكونا من مكوناته، وثانيا لتكريس جمالية أقصى للتلقي، ومن ثمة اصطياد القارئ والدخول به إلى علبة الحكي المذهل والساحر والذي اختار لها من العناوين ” ص ب 1003″