تصاريح النهر لميليشيا الثقافة
عبد الحسين الحيدري:
وأنت تعبر شط العرب إلى الضفة المقابلة التي أدار السياب ظهره لها، لا تتذكر من قال “لا شيء أوسع من الألم” تنهال التذكارات الدامعة في عينيك، وينشطر قلبك إلى نصفين متعارضين، واحدٌ يغشاه الحب والثاني تضلله الكراهية، لكل ما هو ضد إنسانية الانسان وتطلعاته نحو الخير والسلام.
لقد كان موكباً بهياً ذلك الذي قام به عدد من الشباب العراقي الحلي حيث قطعوا مئات الكيلو مترات صوب البصرة الفيحاء ومنها إلى هذه البقعة الموحشة من الأرض والمتناثرة الأشلاء والتي لا تزال رائحة الموت تفوح من ترابها المجدب والمليء بأدوات الهلاك الصدئة، فهنا أسلاك شائكه ومرصد حربي مهدم وأعمده حديدية مغروسة في التربة، وهناك خوذ ورمانات يدوية وبقايا أسلحة متنوعة أكلها التراب والمطر والرياح، وثمة نبات صحراوي يابس أو معشب قليلاً وزهور بيضاء أو حمراء تحيي بخجل ووحشة تلك العظام النائحة بين طيات وشقوق ذلك النهر الناشف، والتي نحتها الرمل والعواصف. أيُّ جحيمٍ أرضيٍّ هذا الذي كتبه ذلك الوحش البشري الكاسر في ليلة كالحة السواد، وتركنا نقرأه ونعيد قراءته بعد عقود من الزمن تحت ظلٍّ من الكآبة والوحشة والحزن والتقزز من قتل الأنسان لأخية الأنسان.
إن مبادرة ميليشيا الثقافة العراقية تستحق التحية والثناء والوقوف عندها ملياً لما حملته من قيم نبيله ومعاني سامية ومفردات حافلة بالموت والحب والأبداع الذي جسدوه بمكونات شعرية ومشاهد مسرحية لتكون شاهداً على زمن ميّت قد تجيد الأجيال اللاحقة النظر إليه من زاوية مختلفة. تحية حب للشباب المثابرين مقتحمي الصعاب أحمد ضياء وعلي تاج الدين ووسام علي وأحمد جبور والمصور محمد الجبوري الذين تسابقوا لحمل راية الأبداع في أماكن شتى وأكيد سوف نرى اشراقات وابداعات في المستقبل يوثقون بها لحظات أخرى من نشاطات الأنسان على هذه الأرض بنجاحاته وانكساراته.
تصاريح النهر لميليشيا الثقافة عبد الحسين الحيدري 2015-12-01