قصيدة بقلم بيير طُرُويْ
ترجمة: جمال خيري
كَيْفَ يَا لَيْلَى(*) نَسْتَمِعُ إِلَى الْقَصِيدَةِ، بَلْ نَكْتُبُهَا حَتَّى
كَيْفَ نُدْرِكُ
حُضُورَهَا؟
بَادِئَ ذِي بَدْءٍ، يَتَوَجَّبُ عَلَيْنَا الْعِلْمُ بِأَنَّهَا تَمْنَحُ نَفْسَهَا فِي لِسَانٍ سَاكِنٍ كَتَأَمُّلٍ تَدْرِيجِيٍّ، كَصُعُودٍ عَارِفٍ نَحْوَ قِمَّةٍ يَتَبَوَّعُ فِيهَا عُمْقٌ لاَ حَدَّ لَهُ، حَيْثُ صَدًى لاَ يَتَجَلَّى إِلاَّ فِي نَفْسِهِ مُسَيِّباً إِيَاهَا تُعْلِنُ عَنْ نَفْسِهَا، مَسْمُوعَةً وَلَيْسَ مَنْطُوقَةً، مُغَنًّاةً بِتَعْبِيرٍ لاَ يُمْكِنُ التَّلَفُّظُ بِهِ، مُلْتَقَطاً جَوَّانِيًّا فَقَطْ.
بِأَيِّ مَادَّةٍ صَوْتِيَّةٍ تَتَفَضَّلُ بِمَا يُسْمَعُ
نَكْتُبُ
بَلْ نَنْحَتُ الْقَصِيدَةَ؟
رَمْزاً صَوْتِيًّا، تُدَوِّنُ الْقَصِيدَةُ نَفْسَهَا فِي ارْتِجَاجِ الصَّمْتِ؛ فِي إِلْقَاءِ إِيقَاعٍ جَوَّانِيٍّ تُسْمِيهِ الْإِصَاخَةَ.
لِسَانُ الْإِصَاخَةِ يَكْشِفُ إِنْشَادَ الصَّمْتِ الْعَمِيقِ السَّاكِتِ، الْخِلْوِ مِنَ اللُّفَاظَاتِ الْمَنْطُوقَةِ.
تَحْوِيلُ السُّكُوتِ الْأَحْبَسِ لِلُفَاظَاتِ الصَّمْتِ غَيْرِ الْمَنْطُوقَةِ هُوَ مُمَارَسَةُ التَّأْلِيفِ الَّتِي تُوَلِّدُهَا الْإِصَاخَةُ.
الْإِصَاخَةُ إِلَى كِتَابَةِ الصَّمْتِ هِيَ إِخْرَاجُ الْمَقَاطِعِ الَّتِي تَجْعَلُ الْغِيَابَ يُصْدِي. إِنَّهَا مَوْطِئُ الْغِيَابِ حَيْثُ يَتَجَلَّى الْكَلاَمُ تَأَلُّقاً وَإِفْصَاحاً وَغِنَاءً، تَعْدِيلاً مُلَحَّناً مَهْمُوساً، إِيقَاعاً خَالِياً مِنَ الْمَقَاطِعِ اللَّفْظِيَّةِ، مَحْبُوكاً مِنَ الْأَصْوَاتِ، كَاشِفاً عَنْ تَكْوِينِ طِينَةِ جَوْهَرِهِ. إِنَّهَا الْحُضُورُ الْمَلْمُوسُ لِلْغِيَابِ.
وَلاَحِقاً، يُحَقِّقُ تَحَجُّرُ الصَّمْتِ اللُّغَةَ وَيُحْدِثُ الْقَصِيدَةَ.
لَقْحُ الْفِكْرِ، شَطٌّ مُدَوِّخٌ صَاخِبٌ بِالصَّمْتِ.
مُحَاذَاةُ الْحَقِيقَةِ الصَّوْتِيَّةِ، الْكَلاَمِ الصَّامِتِ، هُوَ هَمْسُ الْوَاقِعِ الَّذِي تَلْتَقِطُهُ إِصَاخَةُ الْيَدِ فَقَطْ.
صَوْتُ تَكَسُّرِ أَمْوَاجِ التَّبَادُلِ الْمُسْتَمِرِّ بَيْنَ الْأَبُّولُونِيِّ وَالدِّيُونِيزُوسِيِّ، الْقَصِيدَةُ اِذْهِيَابُ (**) الْغِيَابِ، الَّذِي يَشْدُو بِه الْبَحْرُ دُونَ كَلَلٍ، فِي الَّذِي لَيْسَ مَوْجُوداً بَعْدُ وَلَكِنَّهَا تَبُوحُ بِهِ.
1- مَتَاهَةٌ…
تَأَمُّلٌ فِي وَاقِعِ الْقَصِيدَةِ وَالْمُمَارَسَةِ الَّتِي تُؤَدِّي بِهَا إِلَى الْكِتَابَةِ. الْإِصَاخَةُ إِلَى الْمُمَارَسَةِ وَعَدَمُ الاِهْتِمَامِ بِأَيِّ طَرِيقَةٍ أُخْرَى فِي الْقَوْلِ أَوْ فِي الْكِتَابَةِ.
************
الْجَوَّانِيُّ خِيمِيَاءُ، يَمْنَحُ نَفْسَهُ لِلصَّمْتِ وَأَخِيراً يَرْتَقِي اللَّامَوْصُوفَ الَّذِي تَتَهَجَّاهُ الْقَصِيدَةُ. “مَادَامَ يَبْدُو مَحْسُوساً/الْمُبْهَمُ” (إليتيس “أكسيون إستي”)
حَقِيقَةُ تَقْسِيمٍ بَسِيطَةٌ، جَوَابُ صَمْتِ الْأَشْيَاءِ، تَكُونُ الْقَصِيدَةُ وَقْفاً.
مِنْ أَيِّ ضَرُورَةٍ، وَبِأَيِّ إِكْرَاهٍ تُولَدُ الْقَصِيدَةُ؟ وَمَاذَا عَنْهَا حِينَ تَفْرِضُ نَفْسَهَا دُونَ أَنْ تُسَمِّي؟ مَاذَا عَنْ هَذَا الشَّكْلِ الَّذِي تَفْرِضُهُ، وَالَّذِي يُحَدِّدُهَا؟ مَاذَا عَنْ صِلَتِهَا بِالَّذِي يَكْتُبُهَا وَيَجِدُّ فِي أَنْ يَمْنَحَهَا شَكْلاً؟ وَالَّذِي بِدَوْرِهِ يَفْرِضُ نَفْسَهُ عَلَيْهَا كَمَا لَوْ أَنَّهُ بُغْيَتَهَا؟
لِمَ هَذَا الاِخْتِيَارُ الَّذِي يُعَيِّنُ الشَّاعِرَ، وَيُشَرِّعُ لِلُغَتِهِ أَنْ تَمْنَحَ شَكْلاً لِمَا لاَ يُمْكِنُ حَصْرُهُ؟
لِمَاذَا تَتَمَكَّنُ الْقَصِيدَةُ، وَهِيَ دُونَ انْتِمَاءٍ، مِنْ أَنْ تَكُونَ أَبَدِيَّةً؟
نُسَائِلُ السُّؤَالَ، نُسَائِلُ غَرَابَةَ الشِّعْرِ، “حِجَابَ أَبْيَاتِهِ الْعُجَابِيَّةِ” (دانتي)
هَلْ يُمْكِنُ لِلشَّاعِرِ أَنْ يَسْتَمِعَ إِلَى نَفْسِهِ يُلْقِي قَصِيدَةً وَكَأَنَّ صَوْتَهُ اسْتُعِيرَ مِنْهُ، وَكَأَنَّ صَوْتَهُ يَأْتِي مِنْ شَخْصٍ آخَرَ، وَكَأَنَّهُ مَطْرُودٌ مِنْ قَوْلِهِ، فَجْأَةً تَبْدُو لَهُ اسْتِقْلاَلِيَةُ الْقَصِيدَةِ أَوْ عَلَى الْأَقَلِّ الزَّعْمُ بِاسْتِقْلاَلِيَتِهَا الَّذِي فُرِضَ عَلَيْهِ؟ وَهَكَذَا مُكَلَّفاً بِإلْقَائِهَا وَهْوَ بَرَّاءٌ، يَسْتَمِعُ إِلَيْهَا أَخِيراً، مُصَاغَةً عَبْرَ عَلاَقَةٍ شَخْصِيَّةٍ مَعَ الْأَشْيَاءِ الْمَعْثُورِ عَلَيْهَا.
الدَّالُّ الصِّرْفُ هُوَ مَا تَفْرِضُهُ وَتُخْفِيهِ الْقَصِيدَةُ بِاسْتِمْرَارٍ. هُوَ ذَا السُّؤَالُ الَّذِي وَاجَهَنِي دَائِماً وَمُنْذُ الطُّفُولَةِ، هَارِباً مِنَ الْوَقْتِ كَمَا مِنْ أَيِّ تَسَلْسُلٍ زَمَنِيٍّ.
لُغَةٌ وَكِتَابَةٌ… حُضُورُ حَاضِرٍ… ذَاكِرَةٌ وَنِسْيَانٌ. وَهَا كَمَا لِعَلاَقَتِي بِالْقَصِيدَةِ غُمُوضُهَا. الذَّاكِرَةُ وَالنِّسْيَانُ يَنْعَكِسَانِ الْوَاحِدَةُ فِي الْآخَرِ، وَالْعَكْسُ، سُؤَالاً لِغِيَابِ الْجَوَابِ ذَا: نُورٌ جَوَّانِيٌّ، مَقَامُ عُمْقِ اللِّسَانِ، صَوتٌ، تَجَلٍّ لِخَفِيٍّ يُفْشِي أَبَدِيَةَ الْهَشِّ، طُفُولَةٌ دُونَ رَادِعٍ، بِلاَ مَاضٍ وَلاَ حَاضِرٍ، “عَبِيرٌ” (دانتي) آهِلٌ مِنْ جَدِيدٍ…
وَكَانَتْ بَعْضُ الْهَاوِيَةِ فِي قَلْبِ اللُّغَةِ تَفْتِنُنِي، نِسْيَاناً نَابِعاً مِنَ الْقَصِيدَةِ نَبَوِيًّا نَوْعاً مَا، مُذَاعاً. بَعِيداً عَنْ أَنْ يَكُونَ مَحْواً، فَهُوَ يُجَسِّدُ ذَاكِرَةً، يُعِيدُهَا إِلَى الْوَقْتِ، يُرْجِعُهَا إِلَى حَاضِرِهَا. هَلْ سِيرَةٌ مَرَضِيَّةٌ؟ تَظَاهُرَةٌ فِي أَعْمَقِ تَوَحُّدِهَا. وَاحِدٌ-مُتَعَدِّدٌ، أَيْقُونَةٌ، الْقَصِيدَةُ تَتَجَاوَزُ الْمُتَصَوَّرَ دَائِماً. مَا الَّذِي يَخْتَفِي تَحْتَ تَظَاهُرِ مَا يَتَبَقَّى مِنَ الذَّاكِرَةِ أَوْ مِنَ النِّسْيَانِ حِينَ يَطْفُو عَلَى السَّطْحِ وَنُسَمِّيهِ ذِكَراً؟
إِفْصَاحٌ، هَذِهِ اللُّغَةُ تَدَعُ مَا يَتَجَلَّى يُفَرِّخُ، “يَقُولُ” مَا لاَ تَسْتَطِيعُهُ هِيَ، وَ “يَرَى” يَتَحَمَّلُ مَا كَانَ يَعْمِي الْوُضُوحَ.
لِأَنَّ ثَمَّتَ غَيْرُ الْفَهْمِ فِي الْقَصِيدَةِ. أَوَ لَيْسَ تَوَاتُراً مَا يَتَجَلَّى فِيهَا، رَغْمَ أَنَّهُ مَشْحُونٌ بِالذِّكْرَيَاتِ، فَهُوَ إِبْلاَغٌ لِمَا لاَ نَعْرِفُهُ، اسْتِتَارُ نِسْيَانٍ بِالصَّدَى.
سُلْطَانُ الْغَرَابَةِ الصَّوْتِيَّةِ، فِي حَضْرَتِهِ الاِسْتِثْنَائِيُّ وَالتَّافِهُ يُبْدِيَانِ الْقَرِيبَ بَعِيداً، يُنْبُوعاً لِلرُّؤْيَا الْحَكِيمَةِ، جِذْراً لِلظَّاهِرِ.
شَفَافِيَةُ الْمَكَانِ، فِي هَذَا التَّنْوِيرِ الْغَامِضِ تَبْتَعِدُ الْكَلِمَاتُ إِلَى دَاخِلِ الْغِيَابِ الَّذِي يُدَوِّي مِنْ جَرَّاءِ تَرَاجُعِهَا. جَمْعُ جَوَّانِيٍّ، أَصَالَةُ الْوَاحِدِ نَفْسِهِ، مَقْطَعُ الْوَمِيضِ وَالصَّمْتِ.
الرُّؤْيَةُ مِنْ خِلاَلِ اللُّغَةِ هِيَ ذِي الْقَصِيدَةُ، سَلِيلَةُ الْفَوضَى وَاللَّيْلِ. رُؤْيَةُ لَيْسَ أَبَداً مَا يَسْتَتِرُ، بَلْ مَا لاَ يُدْرَكُ. الْقَصِيدَةُ تَجْرِبَةُ اللُّغَةِ، مُفَارَقَةٌ بَصَرِيَّةٌ بِقَدْرِ مَا هِيَ زَمَنِيَّةٌ شَارِعَةٌ لِلْمَكَانِ، حَرَكَةُ الْكَيْنُونَةِ حَيْثُ الظَّاهِرُ يَخْتَبِرُ نَفْسَهُ. الشِّعْرُ وَالرَّسْمُ يَلْتَقِيَانِ حَيْثُ يَسْتَقِرُّ حَاضِرٌ صِرْفٌ أَمَامَ الْوَقْتِ يَشْتَغِلُ…
شَفَافِيَةٌ غَبْشَاءُ أَكْثَرُ مِنْهَا إِخْفَاقٌ، اللُّغَةُ هِيَ الْبَيَانُ الَّذِي يَتَقَدَّمُ أَيَّ شَكْلٍ مُسْتَغِلاًّ لِمُسْتَحِيلِ اللِّسَانِ.
الاِسْتِعَارَةُ تُلَأْلِأُ الْغِيَابَ، مُضِيئَةً مَا يَأْتِي، مَا يَمْتَثِلُ، وَمَعَ ذَلِكَ لاَ يُوجَدُ. الْقَصِيدَةُ لاَ تَتَكَلَّمُ. مِنْ مَنْظُورِ رِسْلِهَا تَتَأَلَّقُ الْمُدَّةُ الطَّوِيلَةُ لِتَجَلِّي اسْتِتَارٍ مَا. كَائِنَاتُ أَعْمَاقٍ سَحِيقَةٍ حَيَّةٌ هِي كَلِمَاتُهَا، مَأْلُوفَةٌ مِنْ حَيْثُ شَكْلِهَا. الْقَصِيدَةُ لُغَةٌ تَنْقُلُ “حِينَ الْفِكْرُ فِي الذَّاكِرَةِ الْمُخَثَّرَةِ” (دانتي) يَدَعُ مَا يُصْدِي يَقْتَرِبُ.
تَحْتَ اللُّغَةِ الْمَأْلُوفَةِ الَّتِي تَتَكَلَّمُ يَشْتَغِلُ إِنْجَازٌ مُنْفَلِتٌ عَنْ كُلِّ رَمْزٍ، مُسْتَعْلِماً، مَانِحاً الْأَشْيَاءَ فِي نَفْسِهَا بِيْنَ الْكَلِمَاتِ. هُنَا يَتَصَادَفُ صَمْتُ الْمُرْأَى وَبَيَانُ الصَّمْتِ. الْقَصِيدَةُ لاَ تَحْيَا إِلاَّ بِالصَّمْتِ. كِتَابَةٌ هِيَ وَلَيْسَتْ أَدَباً، “عَمَلُ” مَنْحِ الْكَلِمَاتِ فِي دِقَّتِهَا الصَّوْتَ، قَوْلُ اللِّسَانِ. الْقَصِيدَةُ تُعْرِضُ عَنْ الْأَدَبِ، بِحَيْثُ لاَ تَمْنَحُ إِصَاخَةً إِلاَّ “للَّذِي يَقُولُ”. شَكْلٌ خَفِيٌّ وَمَحْسُوسٌ، وُضُوحٌ صَوْتِيٌّ مَنْحُوتٌ عَلَى الْمَعْنَى، خَالِقاً لِلْمَعْنَى، كِتَابَةٌ مَوْلُودَةٌ، لِسَانُ يَابِسَةِ الْقَوْلِ، الْقَصِيدَةُ وَكِتَابَتُهَا. كِتَابَةٌ تَصْبُو إِلَى تَسْجِيلِ نَفْسِهَا عَلَى مَجَالِ الصَّمْتِ، مُخْتَرَقَةً شَيْئاً فَشَيْئاً بِتَرَاجُعٍ مِنَ الصَّمْتِ. قُوَةٌ هِيَ وَهَذَيَانٌ.
الْقَصِيدَةُ خَطِّيَّةٌ، كِتَابَةٌ تَتَكَوَّنُ، وَحَدَةٌ غَيْرُ مُتَجَانِسَةٍ مِنَ الْوَقْتِ تَمْنَحُ نَفْسَهَا شَكْلاً فِي حَالَةٍ خَالِصَةٍ. انْفِعَالٌ، الْقَصِيدَةُ تُصْغِي فِي ذَاتِهَا إِلَى كَلِمَاتٍ وَأَشْيَاءَ ظَاهِرِيًّا مُتَمَازِجَةٍ، تَرَاكُمٌ صَوْتِيٌّ هِيَ، نَظَرٌ سَمْعِيٌّ، مِعْمَارُ الصَّوْتِ.
عَزْفٌ لِكُلِّ بِدَايَةٍ، عَلَى أَيِّ مِرْقَنٍ، عَلَى أَيِّ حِبْكَةٍ يُصْدِي الْفَضَاءُ، أَيُّ عَمَلٍ مُتَنَاغِمٍ لِهَذَا التَّأْلِيفِ؟
خَارِجَ الصُّورَةِ هُوَذَا الْمَكَانُ مِنْ حَيْثُ الْقَصِيدَةُ تَأْتِينَا، مُنْكَتِبَةً عَلَى الْغِيَابِ نَفْسِهِ الْمَسْمُوعِ بِالصَّوْتِ.
مُتَعَدِّدَةُ الْأَصْوَاتِ، الْقَصِيدَةُ تُنْشِئُ فَضَاءَهَا: تُكَوِّنُ بِتَنْسِيقِهَا لِتَزَامُنِ الاِسْتِعَارَاتِ الَّتِي تُؤَلِّفُهَا الْفَضَاءَ الْمُوَحَّدَ. التَّوْزِيعُ، الْإِيقَاعُ حَيْثُ تَنْغَمِسُ الْأَشْكَالُ، رُؤْيَا لاَ نُبَادِرُهَا إِلاَّ عَبْرَ مَسَافَةٍ. لِأَنَّ التَّنَوُّعَ الْمُدْرَكَ بِاخْتِلاَفٍ لِهَذَا اللَّفِيفِ قَدْ يَبْهَرُ عَبْرَ تَوْزِيعِهِ، مُنْكَتِباً، رَغْمَ أَنَّ الْكِتَابَةَ وَحْدَهَا اسْتَطَاعَتْ تَحْقِيقَهُ دُونَ أَنْ تَكُونَ نَفْسُهَا تَوْزِيعاً، مُطَالِبَةً بِالْمَسَافَةِ وَفَارِضَةً حَرَكَةَ تَكْوِينِهَا-إِبْلاَغِهَا.
الْقَصِيدَةُ فِعْلٌ. تُومِئُ، تُطَالِبُ بِالاِنْتِبَاهِ. ذَاهِلاً بِحُدُودِهَا، بَغْتَةً حَاضِرُنَا يُرَى.
الاِسْتِعَارَةُ دُونَ مُسْتَقَرٍّ لَيْسَتْ طَرِيقَةً لِلْقَوْلِ. إِنَّهَا قَوْلُ حَقِيقَةٍ دُونَ ذَاكِرَةٍ. “الْقَوْلُ”، لَيْسَ صُورَةً، نَسْخاً أَوْ تَشَابُهاً. مَثَلُ الاِسْتِعَارَةِ مَثَلُ الْقَصِيدَةِ لاَ تُقَارَنُ، لاَ تُحِيلُ نَفْسَهَا إِلاَّ إِلَى نَفْسِهَا.
عِنْدَمَا أَكْتُبُ: “سِلْبِيَاتٌ عَالِيَّةٌ تَكَادُ لاَ تُسْمَعُ، الْفَجْرُ”، أُوَاجِهُ حَقِيقَةً، حَدَثاً مَغْلُوطاً تَارِيخِيًّا؛ لَيْسَ شَكْلاً مُصَوَّراً وَلَكِنْ إِدْرَاكُ وَاقِعٍ غَيْرِ مُقَارَنٍ حَقِيقَتُهُ تُصْدِي فِيَ، قَرِيبٍ مِنَ التَّذَكُّرِ الْمُشَوَّشِ سَمْعِيًّا بِقَدْرِ مَا هُوَّ بَصَرِيٌّ، فِي الْوَقْتِ نَفْسِهِ عَمِيقٍ فِي الدَّاخِلِ وَمَعَ ذَلِكَ مُتَقَدِّمٍ نَحْوِي، جَاعِلاً الْفِكْرَةَ تَحْدُثُ.
الْقَصِيدَةُ حَمَّالَةٌ. الشَّاعِرُ لاَ يَشْتَغِلُ الْمَعْنَى، إِنَّمَا مَا يَجْعَلُ الْقَصِيدَةَ حَمَّالَةً، يَشْتَغِلُ لُغْزَ كَيْنُونَتِهَا، رُوحَهَا. الْقَصِيدَةُ حَرَكَةٌ خَالِصَةٌ، حَرَكِيَّةٌ.
الْقَصِيدَةُ تَتَجَاوَزُ الْمَعْنَى. إِنَّهَا تَجْرِبَةٌ صِرْفَةٌ، لاَ تَتَنَاهَى. الْمَظْهَرُ فِيهَا لاَ يَنْبَثِقُ مِنَ الْكَلِمَاتِ وَلَكِنْ مِنْ إِيقَاعِ تَنْظِيمِهَا، مِنْ حَرَكَاتِهَا، تَبَايُنِهَا، تَعْدِيلِهَا، تَسَلْسُلِهَا، مِنْ جُهْدِ مَا يَجْعَلُهَا تَمْضِي نَحْوَ الْحَاضِرِ. الْقَصِيدَةُ هِيَ تَجْرِبَةُ الْعَلاَقَةِ مَعَ الْعَالَمِ فَجْأَةً جَلِيًّا، هِيَ تَرْكِيزٌ، مَضْمُونٌ لاَ يُقَارَنُ. لاَ نِهَائِيُّ الْقَصِيدَةِ (زَمَنِيَتُهَا) هُوَ الْبَيَانُ غَيْرُ الْمَأْلُوفِ لِلْحَقِيقَةِ، غَيْرُ الْمُفَكَّرِ فِيهِ، الْمُعَاشُ فِي تَجَلِّيهِ.
الْقَصِيدَةُ قِيمَةٌ. اسْتِرْسَالُهَا لاَ يَسْتَحْمِلُ الاِنْقِطَاعَاتِ الْمَادِيَّةَ وَالْمُخَطَّطَةَ لِلتَّرْقِيمِ. لِهَذَا مِنَ الْآنِ فَصَاعِداً سَأَمْحُو الرُّمُوزَ وَأَتْرُكُ لِلْبَيَاضِ مُهِمَّةَ التَّرْقِيمِ (مَا سَمَّاهُ “صَدَى” وَالْهَامِشُ مِنِّي).
حَدَثٌ، الْقَصِيدَةُ تَقَعُ، تُنْتِجُ الْكِتَابَةَ الَّتِي تُكَوِّنُهَا-تُبَلِّغُهَا، وَتُفْضِي إِلَى الْحَدْسِ. حَرَكَةٌ تَبْدُو ثَابِتَةً، تُشْبِهُ حَرَكَةَ الْخَادِرَةِ أَوْ حَرَكَةَ تَفَتُّحِ بُرْعُمٍ. إِنَّهَا كُلٌّ يُعْلِنُ عَنْ نَفْسِهِ، حَرَكِيَّةٌ غَيْرُ عِبَارِيَّةٍ مَسْمُوعَةٌ بِقَدْرِ مَا هِيَ مُتَجَلِّيَةٌ. صَوْتٌ جَوَّانِيٌّ بَيْنَ الْكِتَابَةِ وَالْيَدِ، بَيْنَ الْقَوْلِ وَالْمَقُولِ. حُضُورٌ أُورْفِيٌّ، يَمْحُو الْحُدُودَ بَيْنَ الْفَضَاءِ غَيْرِ الْعِبَارِيِّ وَالْفَضَاءِ الْمُحَدَّدِ لِلْمَكْتُوبِ. كَإِنْشَادٍ دَاخِلَنَا الْقَصِيدَةُ تُسْمَعُ، مُخْتَرِقَةً لِلْكَلِمَاتِ. حَالِيًّا مُسْتَمِّرَّةٌ، تُحْدِثُ الْفِكْرَةَ، تُصْبِحُ فِكْرَنَا. نَحْنُ فِيهَا “قَوْلُ الْأَرْضِ” (ريلك). تَشْرَحُ وَلاَ تُشْرَحُ. إِنَّهَا. مُهْمِلَةٌ لِلُّغَةِ، تُفَيِّضُهَا، تُحْدِثُهَا وَتَجْعَلُهَا شَاهِدَةً عَلَى أَصَالَتِهَا، عَلَى وَحْدَتِهَا، عَلَى إِبْلاَغِهَا الْخَفِيِّ، عَلَى إِنْجَازِهَا، عَلَى تَسْوِيغِهَا دُونَ سَبَبٍ آخَرَ سِوَى كَوْنِهَا ضَرُورَتَهَا نَفْسَهَا قَائِلَةً لِنَفْسِهَا فِي كَنَفِ الْكَلِمَاتِ.
أَيُّ مَعْنًى يُرَكَّبُ وَيُفَكَّكُ فِي الْقَصِيدَةِ؟ الْجَدِيدُ فِيهِ هُوَ اسْتِعْدَادُنَا لِرُؤْيَةِ الْوَاقِعِيِّ، مِثْلَ بَعْضِ النُّبُوءَاتِ الْبَصَرِيَّةِ.
التَّطْبِيقُ، كَيْفَمَا كَانَ، (رَسْماً، مُوسِيقَى، شِعْراً) فَهُوَ لاَ يُوصَفُ وَلاَ يُشْرَحُ إِلاَّ مُمَارِساً لِنَفْسِهِ. خَارِجَ التَّجْرِبَةِ، يَبْقَى مُمْتَنَعاً. حَقِيقَتُهُ الْإِنْجَازُ. إِنْجَازُهُ وَهُوَ يُنْجِزُ نَفْسَهُ. قِرَاءَةُ الْقَصِيدَةِ هِيَ إِنْجَازُهَا. يَلْزَمُهَا أَنْ تُؤَلَّفَ لِهَذَا وَلاَ يُمْكِنُهَا أَنْ تُؤَلِّفَ نَفْسَهَا إِلاَّ فِي هَذَا، مُنْفَلِتَةً مِنْ إِرَادَةِ الشَّاعِرِ بِقَدْرِ مَا تَنْفَلِتُ مِنْ قُصُودِهِ وَحُدُوسِهِ.
كِتَابَةُ الْقَصِيدَةِ سَابِقَةٌ عَلَى تَصَوُّرِهَا. فَهْمُهَا يَبْقَى غَيْرَ تَامٍّ، دُونَ تَوَقُّفٍ، فِي بِدَايَتِهِ دَائِماً، لِأَنَّهَا تَبْتَكِرُ رُؤْيَتَهَا.
النِّسْيَانُ حَفْرٌ فِي كِتَابَةِ الْقَصِيدَةِ، تَسَاؤُلٌ حَوْلَ التَّصْوِيرِ: الْحَفْرُ، وَلَكِنْ عَبْرَ الرَّوَاسِبِ الَّتِي تُكَوِّنُهَا. رَمْلِيَةُ الْوَقْتِ، الْقَصِيدَةُ، شَجَرَةٌ تَتَجَذَّرُ فِي السَّمَاءِ.
2- صَدَى…
أَصِخْ! وَحْشَةُ الْبِئْرِ الْهَوْلُ مِنَ الْفِكْرَةِ
اِفْتِنَانٌ بَرَّاقٌ صَدًى ثَابِتٌ مَغْمُورٌ بِالنِّسْيَانِ عُمْقُ فَجْرٍ
مُنْذُ سَحِيقِ الْأَمَدِ فِي تَرَسُّبٍ حَافَةُ الصَّمْتِ مَصَبُّ لَيْلٍ مِنَ الْخَرَسِ بَرَّاءٍ
اِرْتِيَاعٌ صَامِتٌ النَّجْمَةُ الْعَارِيَةُ اِنْعِكَاسُ مِيَاهٍ هَاجِعَةٍ تَنَفُّسُ أَمْوَاجٍ مُتَكَسِّرَةٍ…
أَيُّ تَدَرُّجٍ أَصَمَّ يُرَجِّعُ بِلاَ نِهَايَةٍ مِنْ جُدْرَانِ الصُّرَاخِ اللَّيْلِيَّةِ
إِسْكَاتَ الصَّمْتِ؟
يَا قُبَّةَ الْكَلاَمِ أَصِيخِي! هَذِهِ الْآثَارُ تَمَزُّقَاتُ الْفَرَاغِ غَيْرُ تَامَّةٍ بَازِغَةً مِنَ وَزْنٍ مُتَشَنِّجٍ بِالصَّمْتِ!
كَوْكَبَةٌ جَوْفِيَّةٌ الْمَوْتُ نَفْسُهُ صَمَتَ تَقْطِيعاً غَرِيباً وَمَأْلُوفاً
أَيُّ إِفْرَاطٍ فِي الْحُضُورِ يَبْسِطُ الْحَافَةَ اللَّيْلِيَّةَ؟
أَيُّ خَطَرٍ نَامِيٍّ يُسَيِّبُ لِلْعَدَمِ هَذَا الْخُلُودَ الْهَشَّ؟
كَلاَمٌ يَسْتَحِيلُ صَمْتاً أَيُّ أَثَرٍ مُوصِلٍ إِلَى اللُّغْزِ يَخْفِقُ مَقْطَعاً صِرْفاً مُشَيَّداً فِي الْقُبَّةِ؟
أَيُّ ضَحِكٍ يَنْطَبِقُ كَبُؤْبُؤٍ جَاحِظٍ فِي هَذِهِ الْوَشْوَشَةِ؟
رَائِحَةُ التِّينَةِ الْعَجُوزِ الرَّمَادِيَّةِ مُصَابَةٌ بِالْكَلاَمِ؟
الْكَوْنُ الْمُقْلِقُ مُشَيَّدٌ بِالظِّلاَلِ؟
مِنَ الْغِيَابِ الْمُرِيبِ الْأَبَدُ دُونَ مَنْفَذٍ؟
خَلاَءٌ شَدِيدٌ أَيُّ هَمْسِ فَرَاغٍ يَتَسَلَّقُ كُلَّ دَرَجَاتِ هَذَا التَّآلُفِ الْمُسَيَّجِ؟ أَيُّ ثَبَاتٍ أَعْمَى يَتَنَفَّسُ قَبْلَ أَنْ يَكُونَ؟
تَهْجُرُنِي فُصُولِي
نُورٌ وَلَيْلٌ هَذِهِ السَّاعَاتُ ضَلاَلاَتِي بَقَايَا وِلاَدَةٍ عَتِيقَةٍ
كُلُّ شَيْءٍ مَسَافَةٌ ضَيَاعٌ تَمَزُّقٌ مُتَلاَشٍ حَيْثُ يَنْسَحِبُ الظَّاهِرُ
أَيُّ دَوْخَةٍ مُحْتَبَسَةٍ تُدَوِّي مُدِينَةً لِتَقْسِيمِهَا الْأَخْرَسِ؟
يُعْلِمُ بِنَفْسِهِ مُتَمَنِّعَاً عَنِ النَّقْلِ مِنْ مَقَاطِعَ إِلَى مَقَاطِعَ سَالِفَةٍ الْحُضُورُ الْقَلِقُ الْمَادَّةُ الصَّوْتِيَّةُ عِطْرٌ آهِلٌ بِالنَّحْلِ
أَيُّ لُغْزٍ يَتْرُكُ الْمَوْتَ يَقِظاً؟ سُمُوَّ الْفَوضَى بَيْنَ كَثِيرِ الذِّكَرِ؟ هَلْ كُلُّ الْكَلاَمِ قِنَاعٌ اقْتِلاَعٌ هَشٌّ؟
اِنْفِصَالُ الْمُقَدَّسِ تَنَاغُمٌ بَالِغٌ يَنْفَتِحُ لِلْغِيَابِ الرَّبَّانِيِّ صَوْتٌ مُرْتَدٌّ مِنْ جُرْنِ النُّورِ تَتَلاَشَى غَيْرَ مَنْسِيَّةٍ مِنَ النَّهْرِ الَّذِي لاَ ذَاكِرَةَ لَهُ ثَرْثَرَةُ الْأَمْوَاجِ الْمُتَكَسِّرَةِ
يَصِلُنِي مِنْ جَدِيدٍ الصَّدَى الْأَجْوَفُ فِي هَذَا الْعُمْقِ لَحَظَاتٌ صِرْفَةٌ!
مَقْطَعِيَّةٌ خَرْقَاءُ بِعِبْئِهَا الْمُثْقِلِ بِاللَّامُتَنَاهِي: هَذَا الْفَنَارُ الْمَعْثُورُ عَلَيْهِ وَالْمُتَوَهِّجُ بِالنُّورِ الْمَاكِرِ رَائِحَةُ الْكُثْبَانِ بَذَّارَةُ الْأَحْلاَمِ الْبَحْرُ حَاجِزٌ صَدِئٌ مَدُّ غَيْرِ الْمُفَكَّرِ وَجَزْرُهُ
يَا الْمِعْمَارُ الصِّرْفُ! التَّجَانُسُ الصَّوْتِيُّ! تَكَلَّمْ مَادَّةً مِنَ الظِّلِّ وَالنُّورِ صَدَى الْأَشْيَاءِ الْغَرِيبَ حَيْثُ يُبْرَمُ الصَّمْتُ بِتَذَبْذُبِ الْكَلاَمِ
مِنَ الْأَثَافِي الْغَوْرِيَّةِ أَيُّ تَقْفِيَةٍ تُوحِي بِالَّذِي لاَ يَتَجَلَّى إِلاَّ بِالْإِصَاخَةِ؟
أَيُّ نَقَاوَةٍ مُتَنَاغِمَةٍ فِي هَذَا الاِرْتِجَاجِ تَبْسِطُ ائْتِلاَفَ الصَّمْتِ ذَا؟
أَوَ لَيْسَتْ أَبَداً عَسِيرَةً عَلَى الْإِدْرَاكِ تَبْزُغُ مِنَ الْفَضَاءِ الْبَهِيجِ لُجَّةُ النُّورِ الْعَمْيَاءُ الَّتِي هِيَ الْبَدْءُ؟
أَيُّ رُؤْيَةٍ مِبْكَارٍ تُصْدِي مِنْ هَاتِهِ الْعُزُلاَتِ؟
مِرْآةٌ مَائِعَةٌ أَيُّ مَادَّةٍ تَفْرِضُ عَلَى الْمُتَعَذِّرِ الْآتِي الْوَزْنَ الْمُمْتَنِعَ
حَيْثُ يَصِلُنِي فَوَحَانُ مَدًى سَحِيقٍ؟
مُدَلًّى مِنْ لَيْلٍ نُسْغُ الْمِيَاهِ الْمَنْقُوصِ يُقَارِبُ الْفِكْرَ مُتَكَلِّماً لِيَطْفُوَ
يُعَمِّرُ هَذَا الْخَلاَءَ جُهْدُ الْفَرَاغِ الْجَوَّانِيُّ وَهَا مِنْهُ يَتَحَرَّرُ الْأَصْلُ الَّذِي يَتَلَمَّسُنَا
نَجْمَةٌ هُوَ هَذَا النَّبْضُ مِنْ لاَ مَكَانٍ فَارِضاً لُغْزَهُ ظِلاًّ مَدْفُوناً حَيْثُ يَنْتَشِرُ قَانُونُ الْأَشْيَاءِ السِّرِّيُّ سُلْطَةُ الْكَلِمَاتِ النَّقِيَّةِ الصَّدَى الْأَبَحُّ
أَصِخْ! عُزْلَةُ الْبِئْرِ النَّبْرَةُ الْجَهِيرَةُ تَسْىآلٌ أَخْرَسُ إِلْقَاءٌ غَيْرُ ذِي جَسَدٍ!
فِي هَذَا الْعُمْقِ أَيُّ انْتِظَارٍ يُصْبِحُ مَرِئِيًّا؟ مُوغِلاً فِي كَوْكَبَتِهِ سَيَذْكُرُ الطِّفْلُ
كَلاَمٌ فَاطِرٌ يَغُوصُ حَمِيمِيَةٌ فَلَكِيَّةٌ لِلْقَوْلِ الْعَسِيرِ وَحْدَهُ الصَّدَى
تَآلُفٌ ثَابِتٌ بِمِرْآةٍ جَلِيلَةٍ رَجَفَانٌ غَوْرِيٌّ لِبَدْءٍ بَطِيءٍ
كُلُّ شَيْءٍ بَعِيدٌ مِثْلَمَا كَانَهُ مِنْ قَبْلُ فِكْرَةٌ نَاشِئَةٌ لِلطِّفْلِ الْمَفْتُونِ الْأَنْفَاسُ اللَّاهِثَةُ لِلاَّشَيْءٍ
غِيَابٌ أَغَرُّ يَا الْكَثَافَةُ الْمُشْتَغِلَةُ مِعْرَاجُ الْكَلاَمِ جِوَارٌ مُدَوِّخٌ
تَأْوِيهِ حَيْثُ يَنْحَفِرُ الصَّوْتُ الْحَفَاوَةُ بِاللُّغَةِ
الشِّفَاهُ الْمَمْحُوَّةُ لِنَهْرِ النِّسْيَانِ مَقَاطِعُ الصَّمْتِ الْمَخْتُومَةُ هَا مُنْفَتِحاً لِلْوَقْتِ مِنْ دُونِ مِصْبَاحٍ الْوُضُوحُ
عن كتاب “صدى” مسبوق بـ “متاهة”.لبيير طُرُويْ الشاعر الفرنسي الملقب بشاعر الأنوار الأطلسية (1921-2005)، صدر الكتاب عن منشورات روجري 2004
(*) ذهاب وإياب معا، والتركيب مني
(**) يذكر اسم ليلى في هذا المدخل ويبقى معلقا كلغز، أو كأن لا علاقة له بالكتابة أو بالشاعر والكتاب.