الرئيسية | فكر ونقد | بريد السماء الافتراضي: حوار مع الشاعر البرتغالي فرناندو بيسوا | أسعد الجبوري

بريد السماء الافتراضي: حوار مع الشاعر البرتغالي فرناندو بيسوا | أسعد الجبوري

أسعد الجبوري:

في تلك الساعة من الزمن السماوي الهادئ، لم تَدُل أعراضهُ على وجود حُمَّىَ في جسمه النحيل. وجدناه على ظهر مركبه البخاري،وهو يحاول الانطلاق نحو أمكنة لم نعرفها.وعندما بادرناه بالسؤال عن اتجاه رحلته،ابتسم وقال:سنغادر هذه النقطة إلى منطقة إطلاق النيازك والمذنبات. أصبنا بالذهول من فكرة الرحلة،إلا إننا المامُوث الذي كان مضطجعاً على متن المركب،سرعان ما تحرك غاضباً من أسباب تأخير المدّ المائي.لكن الأمور تحسنت في نهاية المطاف،عندما ضغط الشاعر فرناندو بيسوا على الزر،لينطلق المحركُ بشق تلك المياه الدافئة،فيما كانت الأفواه ممتلئة بالأغاني الملتهبة بالغربة والاغتراب والحنين إلى الأم القديمة: الأرض.

 

■  هل يعتقد بيسوا أنه خرج من طفولته كهلاً مثقلاً بالمراثي؟

ـــلم أعد أتذكر آخر لحظة من تلك الطفولة.ولكنها كانت مثقلةً بالمراثي .لقد تقم الموتُ طفولتي ،ولك عندما ابتلع القبر أبي خواكيم سيبرا بيسوا ولم أبلغ الخامسة من العمر .لقد كان تبددي البيولوجي مبكراً،ومن ثم جاء التبدد الآخر،بالانتقال للعيش بحضن البعل الجديد لأمي الكومندان جواو ميغيل روسا في جنوب إفريقيا في مدينة دوربان التي عين بها قنصلا للبرتغال.لقد قفزت بي الحياة إلى هاويتين معاً:هاوية النفس التي صعقها الاغتراب العائلي بغياب الأب.وهاوية الجغرافيا التي انتزعتني من لشبونة إلى الأرض السوداء في دوربان.

بيسوة■ ولكن ألا تعتقد بأن التبادل الجغرافي ما بين التراب الأوروبي وبين التراب الأفريقي، يمنح النفس طاقة إضافية للخلق؟

ـــ لم أكن واعياً بالقدر الكافي آنذاك.كان الحزنُ يوسع من رقعة أراضيه في العقل والنفس على حد سواء.الشئ الذي كنت أفكر فيه آنذاك،كيف يمكن أن اصنع نوعاً من الطمأنينة لجميع حواسّ الجسد المضطربة.

■  هل الاضطراب الذي تتحدث عنه،هو من صنع كتاب (( اللا طمأنينة)) فيما بعد؟

ـــبالتأكيد.فخريطةُ جسدي بقعٌ من الحوادث ومن الأحداث ملتصقة ببعضها .وكان من أهمها البقعة السوداء والكبيرة التي كانت تُسمى((ديونيسيا)) جدتي لأمي.فربما هي بذرة القلق الوجودي الأولى في حياتي.

■ صاحبة  ((النوبات السوداء)) من الهستيريا التي كانت تعاني منها ،كما تحدثت أنت عن ذلك؟

ـــكانت شخصية شبحية بحق.لقد ورثتني الكثير من المآتم الشعرية المُهلِكة للنفس وللغة على حد سواء.جدتي ديونيسيا هي الفائض القوي من الحزن ومن الجنون الذي وقعتُ قرباناً لتأثيراته في الكتابة وفي العيش.

■  ولم تأخذ من أمكَ (ماريا مادالينا نوغيرا )مؤلفة الشعر الرومانسي شيئاً ؟!!

ـــ لم تكن لغة أمي السلسة تتطابق مع ما كان يجول برأسي. شعرت على الدوام ،بأن رومانسية أمي الشعرية لا تنفعني بشئ. بل أوجدت ثقباً في تلك السبورة التي كنت أرى العالم مرسوماً عليها.الشعر لا يحتاج إلا إلى الجنون كما أعتقد. فيما دفعت بي ثقافة أبي (خواكيم سيبرا بيسوا) بالموسيقى،إلى تطاير الغربان والجراد على طول سواحل العقل الذي ولدُ من أجله مريضاً .

■ ربما من أجل توضيح تلك الفكرة ،قلت أنتَ ذات مرة: ”منذ امتلكت الوعي بذاتي لاحظت وجود ميل فطري عندي إلى الخداع، إلى الكذب الفني، مضاف إليه، تعلق كبير بما هو روحي، ملغز ومعتم )).

ـــ لم أندم على تلك الإستراتيجية التي بَنيتُ عليها وجودي الشعري أو الإنساني على الأرض.فلم يمضِ يومٌ على وجودي في المغترب الأسود،إلا وكنت أشعر بتوسع وتسارع الحرائق ،لاتهام قطع غيار جسمي النحيل بسبب حزن مكثف ، سرعان ما جعلني أشبه بسمكة مجففة على حبل مرتجفٍ تحت شمس ( دوربان )الملتهبة.

■  ولكن بيسوا لم يكن فيلماً واحداً من الأفلام،كنت سينما كاملة:سيناريوهات وإنتاجاً  وإخراجاً وتصويراً.بمعنى أنك دفعت بخيولك نحو عالم الأقنعة ،لتكتب .لماذا صنعت لكَ كل تلك الأقران ،ليلبدّ بيسوا خلف تلك الأسماء المستعارة؟

ـــكنت أطمح أن أتعدد فصامياً خارج حدود جسمي الضئيل.كنتُ أفكر بأن علىّ أن أستنسخ شخصيات عديدة ،ربما تستطيع تحمل أعباء بيسوا الكيان الضعيف المتآكل المنهار قبل أن يقع في حفرة الظلام،وينتهي أثرهُ من على الأرض.بعبارة أدق: كنت أشاغب.كنت استحي من التظاهر كمؤلف للوقائع التي تتكرر في جداول حياتنا اليومية الحافلة بالملل والتردد والقلق والتشابه.

■ ما تفسر بيسوا للهاوية التي تناولتها قائلاً:  “أعتبر الحياة شبيهة بنُزُل، علىّ أن أبقى فيه بلا حراك إلى أن تأتيني الهمة من الهاوية. لا أدرى أيّان تحملني، لأنني لا أعرف شيئاً. بإمكاني أن أعتبر هذا النزل سجناً، لأنني مجبرٌ بداخله على أن أنتظر؛ بإمكاني اعتباره مكانا للاختلاط، لأنني أوجد هنا مع الآخرين. لست – مع ذلك جزعا ولا فظا. أترك لأولئك المحبوسين في الغرفة أن يكونوا ما هم إياه. أولائك الملقى بهم خامدين على السرير حيث بلا أحلام ينتظرون؛ أترك من يتحدثون في الصالات لأحاديثهم هناك حيث تصلني باسترواح المعزوفات والأصوات. أحس بالباب مركزاً عيني على ألوان وإيقاعات المشهد، وأغنى ببطء، أغنى لنفسي وحدها، أغاني غامضة أنظمها وأنا أنتظر.”

ـــ هو المشهد ذاته.كأن تعتبر حياتكَ غرفةً أو نهراً أو تابوتاً أو ورقة تطير فوق غابة.المهم بالأمر،أن تمشي على اللغم ،وتنتشرُ عالياً لتتحدثُ عنه الأديانُ والفلسفاتُ ومحافلُ السياسيين الجبناء والفاسدين،أو أن أقف أنا على تلال نفسي، حاملاً بين يديّ المشققتين قلباً بلاستكياً ربما كنت أنتمي إليه ،من أجل لقطة سيلفي.
■ هل تشبّعت بالعزلة من خلال الفلسفة وحدها،أم اعتبرتها جسراً يوصلك بالعالم الفردوسي الآخر؟

ـــ ليس بالضرورة أن يؤدي الخروج من الجحيم  إلى ما يوصف بالجنة.ثمة احتكاك عنيف ما بين الاثنين في صالونات الرأس.لذلك ترى نزلاءَ النار الافتراضية،وهم يقومون بعيادة أهل الفردوس كما أظن. فالعزلة الثانية،قد لا تكون شبيهة بالعزلة الأرضية تماماً،لأن أجسادَنا تتطورُ هناك.

■تتفكك الأجسادُ بعد الموت، لتأخذَ أشكالاً أخرى كما أفهم من وراء هذه الإجابة ؟!

ـــ لم أشعر بأن الموت استعمرني إلى ذلك الحدّ الذي استعمرتني فيه الآلام.بعبارة أدق:لقد مشت سعادتي الشخصية على لغم،وانتهى أمرها إلى الزوال بعد أن افترسها من قبل الديناميت.

■ألا تجد تهويلاً بهذا التصور؟ فأغلب الشعراء يضخمون آلامهم من أجل كسب الشفقة أو لفت الانتباه إلى شخصياتهم الرمادية المجهولة ليس إلا !

ــ معك حق.الكآبةُ تدفعنا إلى خيارات من الصّعب دائماً المُوازنةُ بين الألم الداخلي والتألم من الخارج.ومع ذلك،فقد كنتُ مصاباً بالتهاب جواني حارق يُسمى بحقل النار الموسيقي ،والذي عادةً ما يمنح الألم الداخلي قدرات هائلة على عدم الانصياع لأي نوع من العلاجات الطبية.لكن ثمة آخرون،ما زالوا يعتقدون بأن التثاؤب هو نوع من الألم .

■نحن لا نتحدث عن الآلام الاصطناعية التي تفرضها الحاجةُ لكسب العطف أو توجيه الانتباه، بل إلى تلك الآلام التي تستوعب العقاقيرُ ثورتها .هل جربتَ أدوية ما لمكافحة سمومك الداخلية؟

ـــ عندما اخترتُ التعايش مع أقراني الـ  (72 )شخصية التي كنت أكتب من وراء أقنعتها بأسمائي المستعارة ،فإنما كنت أحاول قتل الثعبان الأصل الذي أمثله أنا دون طائل.لذا،وكلما فشلت بقتل أحد من أشباهي الثعابين،سرعان ما أخترع آخر،هارباً للتخفي في كهف اللغة المظلم .

■ وهل وجدت أن اللغة التي تشبعت سّمّاً،قد فاضت منها تلك المادة القاتلة بتراب النصوص التي كتبتها أنت شعراً ونثراً ؟

ـــ كنت قديماً ،وكلما تقدمت خطوة من اللغة،وجدت نفسي توشك أن تبكي.ربما لأنني أدرك بأن اللغة خَيّاطةٌ مُحْتَرفةٌ لملابس نصوصي.ولكن الأعظم ألماً وتألماً،كان يكمن بفزعي من شُغْل الإبْر في لحمي.الكتابة عندي حفلة تعذيب نفسي وجسدي على حدّ سواء.

■ عندما يقيس القارئ نسبة الظلام في جوف كلمات بيسووا ،يجدها بوزن ثقيل.قل لي:هل يمكن استعارة بعض المصابيح لإنارة النصوص ،فيما لوقعت ضحية كاتب سلبي؟

ـــ لم أر سلبية في نصوصي.ربما لأنني ساهمت بتحطيم مرآتي الداخلية أولاً،كي أبتعد عن مطالعة وجهي أو إعادة قراءة ما كنت أكتبه.وفيما إذا كان وزن الظلام ثقيلاً هناك،فيمكن استخدام القمر بديلاً عن مصابيح الغاز التي رفضتُ استعمالها،خوفاً على الكلمات من الاختناق أو الإصابة بالعمى.

■ كيف يمكن لمؤلف مختنق بالهواء الأعمى،أن يفكر بإنقاذ كلماته من الهلاك بغاز أو بدخان أو بانبعاث الثاليوم إلى اللغة التي هي على قيده؟   

ـــ في مسائل الموت وما يخص الهلاك،لم أجر تحقيقات بذلك الشأن.لقد كان الموت عندي الفعلُ المُضارع الاستمراري.

■ربطته مع الكتابة ببراغي العدم؟!!

ـــ أجل.استغنيت عن كَيّ ملابس اللغة بذلك القدر من الحرارة والبخار،وأجهزت عليها بمخلفات حرائقي النفسي على مراحل.وكما قلت سابقاً فأنا ((أحسدُ الناس جميعا لكونهم ليسوا أنا.)).

■هل كانت أمراضك المتراكمة بسبب فشل عاطفي أو انحراف غامض في الحواس أو العقل على سبيل المثال؟

ـــ لا أعرف لمَ تُسمي الماكينات العاملة بباطني بأمراض وانحرافات وشذوذ عقلي و الخ..أنا أرى الإنسانَ غير المحموم بمنتجات داخله ، ليس غير حبلٍ مربوطٍ بيد منقذ ينتظرهُ في أعلى البئر.وثقافتي السوداء ،تمنعني من أن أكون منتظراً ،أو متلهفاً لظهور فرقة إنقاذ ،تقوم بانتشالي من غرق أو تحطم أو خطر عارض لي وللغة التي انتمي إليها.

■ تعني أن النساءَ جزءٌ من تلك المخاطر التي تحطم بيسووا من أجلها ؟

ـــ لم أكن كسير قلب في يوم من الأيام.لأنني لم أملك تحت أضلعي غير بالون ملئ بالأسمنت.  النساءُ لا يتحمل شخصاً بهذا القدر من الأنانية التي جعلتني مندمجاً بالكتابة إلى حدود نسيان عالم الآخرين .

■ وقولك :”إن أفضل صديقاتي فتاة حلوة، أنا اخترعتها.”هل كنت تعني الفتاة (أوفيليا كيروس) على وجه الخصوص؟

ـــ أوفيليا كيروس حاملة السلالّم بالعرض وبالطول.أوفيليا كيروس ملخص العواطف الجبارة والضائعة. أوفيليا كيروس لا تقَنطُ بسلاسة النهر أو سرعة البرق.لكنها كانت خليلةً رائعة.فبعد أن اخترعت لها العديد من المسرحيات لصيدها،ونجحتُ،أفسدت تلك العلاقة بفكرة الزواج .أرادت أن تصبح رحماً لإنجاب الأطفال. آنذاك فشل المشروع

■ ولكن في كتاب «رسائل حبّ فرناندو بيسُّووا» للباحثة البرتغالية «مَانوِيلا باريرَا دَاسِيلبَا»،ثمة تعلق ميلودرامي بتلك الفتاة ينتهي بنفورها منكَ،ومن بعد ذلك تحدث القطيعة يا بيسووا.

ـــ لم تتم القطيعة الكاملة.كنا نعوضها بالرسائل السخيفة التي ندمت على كتابة كل حرف من حروفها.ليس من اللائق أن يكتب شاعرٌ شيئاً لامرأة هاربة منه.يكون عليه أن يدفع لها ببريد من الورد المشتعل ،لعل الحرائق تأثرُ للحب، وتحرقُ أصابعها بالنار.

■كأن الفتاة أوفيليا كيروس ليست سوى لحم على مائدة شاعر اسمه فرناندو بيسّووا فقط؟!!

ـــالمهم أنها قطعة لحم مُشبّعة بحشيشة الملاك. تركتني وحصلتْ على الميدالية ،تخليداً لجنازة العاشق المرمية على الطريق ،هدية للفئران والكلاب الضالّة والذباب الأزرق.

■ولم تجد حباً بعد أوفيليا ؟

ـــ بل وجدت:البراندي .

■وجدت أنتَ البراندي من أجل تفعيل مخيّلة الحبّ ،كما يمكن أن يُفهم من وراء ذلك القصد الذي أشرتَ إليه؟

ـــأجل يا صديقي.فعندما يواجه الحبُ تهديداً من هذا النوع أو ذاك،لا يكون عليه إلا مجابهتهِ بالمَوْكِب التاريخيّ للكحول.وهجر أوفيليا لي كان عنواناً لكتابٍ عدمي، أول ما ظفرّ بدمي ،ليجفّ وأنتهي على طاولة الوجود ،كشخصٍ بمجموعة خردوات يملؤها الصدأ .

■ وهل كان مشروب البراندي ،يؤلفُ تحت سقف رأسكَ غيوماً حمراء على سبيل المثال؟

ـــ أنا ،ومثلما جعلت من البراندي في كتاباتي شخصاً طويلاً ونحيلاً يعيش فوق طاولة النصوص ، مثلما أنا أتعايش مع طاقة الكحول ،وهي تحوّل عويل اللغة ومراثيها إلى مخلوقات لا يمكنها التعايش مع طقوس الأكواريوم . وهكذا حدثت القطيعة التامة مع أوفيليا في أواخر عام 1929.

■ هل ثمة سباق ما بين الكحول والشعر؟

ـــ أجل.فكلاهما في المضمار المؤدي إلى التيه ،على حدّ التعبير الفلسفي الدارّج تحت قبة أحلام الشعراء الذين يحاولون إعادة إنتاج العالم والتعبير عنه من خلال النفس برموزها وطقوسها وملاعبها وتشظياتها في الشعورية ونقيضها.

■ من أين يستخرج الشاعرُ لذتهُ برأيك؟

ـــ من سقوط الغروب على تلك الكؤوس التي عادة ما تسترعي انتباه الفراشات ،لتكمل ثمالتها بالضوء على طريقتها الخاصة.أنا متعلق إلى حد ما بانتحار الفراشات وذكور النحل الذين تنحصر وضيفتهم بتلقيح الملكات،والاستشهاد من بعد ذلك.

■ ولمَ لا تعمل عمل الفراشة أو اليعسوب؟

ـــ لقد قاومتُ الانتحارَ تكراراً ومراراً،لأنني جبان.ولأنني كذلك أردتُ بلوغ المدى الأطول من التمتع بما كنت فيه من أسى .

■هل كان بيسووا مازوخياً؟

ـــأجل.وكنت أكَنُّ لنفسي الضَغِينة بتغَطرس. لم أزعَل أو أتضايق من تلك الغطرسة الحمقاء الشريرة بنظر الآخر،لأنني تمكنتُ أن أجعل منها طقساً للتأليف الشعري .

■ هل تظن بأن المؤلف –شاعراً روائياً- يستطيع أن يصنع لنصوصه شيطنةً خاصة به؟

ـــما من نص شعري فاعل ،ولا يحاط بنوع من السَديم.فالضباب الخفيف ذاك،هو من يُولّدُ بهجة تعذيب القارئ بكل ما هو غامض ويستعصي على الكشف المباشر السريع.المهم أن لا يكون الشاعر سمكة كبيرة قابلة للصيد بالأدوات التقليدية.

■ لكن ثمة من يعتقد قائلاً:( النص الشعري يستوي على ثنائية مهمة ألا وهي الشروع في تفكيك المكبوت وتحويله إلى مادة تنبض بالمعنى. الرغبة والتعبير الآخر هو الوصول بالقارئ إلى تصفح أسرار النص للامساك بالمعنى المتخفي الذي يمثل بعضا من متخفياته لديه )).

ـــ تلك رؤية تجعل النص سائب وقابلاً للاستهلاك .أنا لا أعتقد بضرورة أن يمنح الشاعرُ شرحاً مفصلاً عن أحوال جسده لحظة حصول النَوْبة القلبية وأسبابها السوريالية.ولكنه يستطيع أن يقول باختزال: قلبي انكسر. وعلى الآخر أن يشتغل على محركاته المعرفية.

■ كيف ينظر بيسووا إلى شعر بيسووا؟

ـــ شعري توبيخٌ لحياتي في عالمين وجدتهما معتمين داخل الرحم وخارجه.بل أن الصفة العامة لوجودي على رأس شعري،هو أنني ما زلتُ تحت التدريب تعبيرياً .وربما ليس من المشكوك به،أن بيسووا جمع كلّ النقاط البارزة من اللغة في كيس،وألقى به بحراً.

■ هل تريدُ إعادة كتابة شعرك،فيما لو حصلت على فرصة ذلك؟

ـــ أبداً.لا رغبة بي لأن أشطب أو أصحح أو أضيف حرفاً للأرشيف القديم.أكره الغَسْل والكَيّ والنشر على الحبال.

■ بسبب موتِ حواسّك ،أم نتيجة الخضوع للكسل ؟

ـــ لا بسبب هذا ولا ذاك.الأمر يتعلق الآن بمسألة واحدة: الطوفان. فالزورق البخاري الذي نحن على ظهره الآن،سيمضي بنا إلى بحيرة إطلاق النيازك نحو الأرض.كل نيزك برأيي هو بمثابة تاج غار .

■ تاج غار على رأس الأرض ؟!!

ـــ كلا.الأمر لا يتعلق برأس التراب، ولكنني حلمتُ بوضعهِ على رأس الاسكندراني(( قسطنطين كفافيس )) قبل أن يتم  التنازل عنه مثل جزيرتين ((تيران وصنافير )) إلى مملكة إسرائيل .

■ وبعد ذلك الحلم . ماذا ستفعل يا بيسوا ؟

ـــ أن أستعد للاجتماع بأقراني وأندادي: ((ريكاردو ريس،البيرطو كاييرو والبارودي كامبوس وبرنارد سوار)) وكل من ورطتهم بحفريات عقلي الباطني .لقد حان وقت النوم. ويكون عليّ تصفية حساباتهم من أجل شطب تلك التأملات بعوالم المجرى السرّي، لكلّ ما كان عميقاً ومُقلقاً ولا مرئياً في تلك الذات التي كانت منطقة مضطربة لكلّ ما هو جائح وجهنمي ولاعب سيرك على دواليب الشَّكّ .أريد أن يعلم أقراني الذين كتبوا عني أيامَ اللا طمأنينة.أو نقلوا حطامي وجثثي من مكان إلى آخر،أن الكآبة هي عاصمة الشعر.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.