الرئيسية | سرديات | بدايات كاتبة : ألف قصة وقصة عن مغرب لا ينتهي | حنان الدرقاوي

بدايات كاتبة : ألف قصة وقصة عن مغرب لا ينتهي | حنان الدرقاوي

حنان الدرقاوي

نشرت مليكة اليحياوي كتابها الأول على حسابها عند ناشر مشبوه بالرباط. أخذ منها ثمانمائة ألف درهم وجعلها توقع على عقد لا يضمن حقوقها. دفعت له ثلثي المبلغ وبقي الثلث. اتفقا أن تعطيه له بعد شهور وأعطته شيكا به.

لم ينتظر الناشر موعد الشيك بل أودعه في حسابه البنكي وكان الشيك بدون رصيد ووقعت مليكة في مشكلة مع البنك.  أخبرتها موظفة البنك أنه عليها أن تدفع في ظرف أسبوع قبل أن يمنعوا عنها دفتر الشيكات. كانت تسكن الجديدة أيامها. تدبرت المبلغ. ركبت الحافلة ليلا إلى البيضاء. كان لها موعد مع مثقف رفيع يعرف الناشر وأبدى رغبته في التوسط بينها والناشر. كانت تخاف أن ترتكب جريمة في حق الناشر وتجد نفسها في السجن بسبب كتابها الأول, كانت ستكون نهاية بئيسة لفتاة لم تحلم يوما أن تكون كاتبة بل أتت إلى الكتابة بالصدفة.

دعاها المثقف الوسيم إلى وجبة غذاء, سمك مقلي وكأس نبيذ أبيض. سرى النبيذ في جسديهما واسترخيا. أمسك بأصابعها وقبلها. ركبا الحافلة في اتجاه الرباط. أنشد لها شعر نيرودا وحدثته عن برتقال ستاينبيك الذي شمته في عناقيد الغضب. قالت له أن الروائح هي مدخلها في القراءة. كان مولعا مثلها بالأدب الأمريكي لهذا تحادثا عن طوني موريسون وكارول واتس وفولكنر وفيتزغيرالد وآخرين. قال أن في كتابها جنوب ما ربما يكون الجنوب الأمريكي وقالت انه الجنوب المغربي القاس حيث لاأمل. تعانقا في الحافلة وأحست بأنفاسه المخمورة. لأول مرة تنجذب إلى رجل مثقف. كانت تكره المثقفين ولاتميل إلى رفقتهم. كانت تحب رجالا خاسرين تماما عمالا ومرافقي السياح غير الشرعيين ومهمشين كسرتهم الحياة. لاتظهر الثقافة على عشاقها هي تفضل العضلات على الثقافة. كان لقاء المثقف مثل حلم لأول مرة تنتبه إلى أهمية التناسب الفكري في العلاقة بين الرجل والمرأة. جميل أن تشترك مع الآخر في بعض مايشغلك وما يهمك. قبلته في الحافلة وفكرت لربما يكون هناك حب قادم بينهما,  غير متوقع فعضلات المثقف واهنة. في انتظار الحب استمتعا بفرح الحواس, فرح مسروق إذ أن عيون ركاب الحافلة كانت ترصدهما. لم تخف من العيون وتلاقت شفتاها مع شفتي المثقف, كانت قبلا خفيفة كالأثير. بدا لها الحب ممكنا وجميلا وهو مصحوب بالشعر وشيء من جنون فيتزغيرالد.

وصلا إلى الرباط وطارت السكرة. ركبا تاكسي في اتجاه مقر دار النشر . كان الناشر قد استدعى المحامي الذي مد لها أوراقا منها قائلا  أنه عليها تحمل مصاريف المحامي ودفع ضريبة إضافية للشيك بدون رصيد.  تدخل المثقف من أجل إعفاء مليكة من مصاريف القضية لكن الناشر لم يكن يريد التفاهم.

طارت السكرة نهائيا وعرفت أنها سقطت في بركة الواقع حيث الإنسان ذئب. عليها أن تنشر على نفقتها وأن تدفع ضريبة تأخر وتؤدي مصاريف محامي لم تطلبه. بدا لها فيتزيغيرالد بعيدا. رمت بالنقود إلى الناشر وخرجت. رأت سيارة دار النشر. حملت الحجارة وانهالت عليها ضربا. مر شاب تعرف عليها اذ كان معها في شعية الأدب العربي بالرباط. سألها عن الذي تفعله والحجارة في يديها فقالت أنها تستلم حقوق المؤلف. قالت له وهي تصرخ “أنظر جيدا أنت تشهد على بدايات كاتبة في بلد النحس هاته, بداية كاتبة بدون حزب يحميها ولا إسم عائلي تستند عليه ولاتحب المثقفين أصلا, كاتبة تكتب إسمها بالحجر

حضر الناشر وفهم أنها ستدمر السيارة. مد لها ورق إخلاء من الدفع. وقعتها وانصرفت ويدها في يد المثقف الوسيم وطز في العضلات.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.