الرئيسية | شعر | المتحولون | أسماء الجلاصي

المتحولون | أسماء الجلاصي

أسماء الجلاصي، تونس

(1)

كلُّ ما في الأمرِ، أنّكَ تقبّلتَ أخيرًا هذهِ الفكرةَ:
أنتَ وسط هذا الكَمِّ الهائلِ من الأفرادِ لستَ سِوى ذرّة غبارٍ في أظفورٍ غائرٍ
من هذا المُنطلَقِ بدأتَ ترتِّبُ حياتكَ
و هَا أنتَ  تراقبُ من بعيدٍ تلكَ السنواتِ المتناثرةِ
كرصاصاتٍ فارغةٍ على الأرضِ
و تنصِتُ إلى ضَحكاتٍ صِبيانيَّةٍ
ضاعَ صداها بين أزيز الطلقاتِ
صارَ قلبُكَ تلَّةً مُترَعةً بالألغامِ
و ظهرُكَ وَهْدَةً مثقلةً بالجُثَثِ
و يَدَاكَ مُثَبَّتتانِ إلى عمود لا لون له
لقد جرَّدُوكَ من ألوَانِكَ
تلكَ التي قضَّيتَ طفولتكَ تمزجُهَا
لِترسُمَ عصافيرَ و فَرَاشاتٍ
و غَمَسُوا أجنحتكَ/أحلامكَ في الوحلِ
ثمَّ كدَّسُوهَا على كَتِفَيْكَ حتَّى تحوَّلت إلى أُخطبوطٍ رهيبٍ
كُلَّمَا تخلَّصتَ من ذراعٍ خَنَقتكَ الأخرى
لَم تَعُدِ الآنَ  تَحلُمُ بالطيَرانِ
و حَالَمَا تنتهي من تَثبيتِ قَدَمَيكَ إلى الأرضِ
سترمي تلك المِطرقةَ الثقيلةَ
التي حَملتَهَا دهرًا
كي تكسر أقفالاً معلقةً بين جَبلينِ
وستُطبِقُ جفونكَ و تصمت إلى الأبد.

(2)
لماذا كلّما انبلج الصُّبح و مدّت الشّمسُ أذرُعها بين أزقة الضواحي القذرة،
لبستَ ذلك الوجه البَغِيض،
و تقمصّت دورَ رصاصةٍ مسمومة، تخترق أعين بشرٍ ينتظرونك عادةً في شوارع المدينة.
أين اختفت تلك البتلةُ الناعمةُ التّي حرَسْتها طوال الليل بين كفيك؟
كيف أصبحت غابةً موحشةً يحاصرها الحطّابون من كل صوب ؟
وهمساتك التي أرسلتها على مهل لتحّل ظفائر حبيبتك خصلةً خصلة ،
لماذا تحوّلت إلى صراخٍ مزعج ؟
لم يعرف أحد، أنّ أنيابك التي كشّرْت عنها لتخطف قطعة خبزٍ من فكُوك التماسيح و لتلعق قطرة ماءٍ من ينابيعٍ تحرسها الآفاعي
لم تكن قبل سويعات
سوى نور خافت يتسرب من بين شفتيك إلى الظلمة.
لم يعرف أحد كم أمضيت ليلتك تنزع شظايا زجاج عالق في قدميك بعد أن سقطت قطعةٌ من مرآة أحلامكَ و تهشّمت على الإسفلت دون أن تنتبه …
لا ميتٌ أنت ولا حيّ
ككل صباح جديد تشّد رِحالك بين الجماهير
لكّنك لم تتساءل أبدا أين تبخر ذلك الكائن الذي حمل سراجًا طوال الليل ليُنير الطريق

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.