الدُّكْتُور بَلِيْغ حَمْدِي إسْمَاعِيْل
مدرس المناهج وطرائق تدريس اللغة العربية
كلية التربية ـ جامعة المنيا
لماذا لا يتركنا العالم ستيفن هوكينج نغرق في ظنوننا وخيالاتنا شبه المريضة عن الكون؟ هذا ما يمكن التعليق به في كلمات مختزلة قصيرة عن آخر ما كتبه العبقري هوكينج في كتابه الموسوم بـ ” أجوبة موجزة عن الأسئلة الكبيرة “، ويبدو أن ستيفن هوكينج الذي رحل عن دنيانا في مارس الماضي وقد ملأ الدنيا وشغل الناس بعبقريته وكتاباته الكونية أراد بكتابه هذا أن يفتح بابا جديدا للكلام مثلما نظم هذا المعنى الشاعر اللبناني الاستثنائي محمد علي شمس الدين، ومتعة الكتاب تأتي من الحديث عن الكون الذي لا يزال يفجؤنا بأسراره بغير انقطاع، ورغم تلك المحاولات المستدامة من علماء الفيزياء ورواد الكونيات إلا أن الأسرار تبدو عميقة وبعيدة أيضا للدرجة التي تجعلنا نلهث وراء المجهول دون اقتناصه.
وهوكينج في كتابه يطرح مجموعة هائلة من الأسئلة التي في عُرف الباحثين والعلماء والكتاب بوابة المعرفة الحقيقية ومفتاح الغواية التي لا تنتهي ألا وهي العلم، فهو يطرح أسئلة عن كل شيء بدءًا من نشوء الكون، مرورا بظاهرة الثقوب السوداء، وأيضا الذكاء الفضائي وهو تخصص نجده في بعض أبحاث العلماء العرب كمجرد إشارة بطيئة وعلى استحياء ولا أعرف سببا لتلك الإشارة المسكينة أهي خير دليل على الحالة الفيزيائية التي وصل إليها تعليمنا العربي الضعيف أم لفقر الأدوات البحثية وقصور الباحثين أنفسهم؟، وكذلك يطرح هوكينج أسئلة حول أهمية استعمار الفضاء ومخاطر وتطورات الذكاء الاصطناعي.
وكم مخجل حقا حينما دار بيني وبين أحد الأساتذة الأكاديميين بإحدى جامعات مصر حديث عن الذكاء الاصطناعي فقبل أن ألمح عن هذا التخصص الراهن الذي اجتاح الدوائر العلمية والأكاديمية في العالم وصولا إلى دولة الإمارات العربية المتحدة، وجدته يخبرني عن الذكاء الاصطناعي باعتباره جهازا إلكترونيا يقوم بعمليات الحساب من جمع وطرح وقسمة مطولة وضرب، وبعد ذلك كله يتعجب الكثير من عنوان مقالتي السابقة لما يفشل التنوير في مجتمعاتنا العربية؟.
ويواصل ستيفن هوكينج أسئلته الضاربة في الدهشة في ثنايا كتابه البديع، فيتساءل لماذا نحن هنا؟ وهل سنبقى على قيد الحياة؟ وهل ستنقذنا التكنولوجيا أم ستدمرنا؟ كيف يمكننا أن نزدهر؟.
ومثل هذه الأسئلة لابد وأن تدفعنا دفعا إيجابيا لمحاولة استكمال الإجابات عنها وليس الاكتفاء بما طرحه هوكينج في كتابه، ولعل هذا كان مقصده الأصيل وهو الدفع صوب التفكير وإعمال العقل بإيجابية. والمشكلة الحقيقية التي وضعها أمامنا هوكينج في كتابه أن الأرض ستواجه ثمة كوارث كونية محققة ومرتقبة أيضا بل ووشيكة الوقوع في المستقبل القريب، فهوكنج يتوقع وفق دراسات فيزيائية متخصصة أو بالأحرى شديدة التخصص عكس آلاف الدراسات العربية التي تعد نقلا مشوها أو افتراضات بعضها عبثية، أن تدمر الأرض خلال الألف سنة المقبلة، وفي نهاية هذا الطرح يطلب هوكينج من العلماء ضرورة العثور على طريقة للعيش خارج كوكب الأرض. ولقد حذر “هوكينج” من أن اصطدام كويكب بالأرض سيكون شيئًا مروعا ؛ ذلك لأننا لا نملك الدفاع الكافي، وعلى الرغم من أن آخر تصادم كهذا حدث قبل حوالى 66 مليون سنة، لكنه عندما حدث قضى على الديناصورات، وسيحدث مرة أخرى وسيكون الدور على البشر هذه المرة.
ولقد أشارت لوسي ابنة العالم الفيزيائي الأشهر هوكينج بأن هذا الكتاب كان عبارة عن تجميع للأسئلة الفيزيائية المرتبطة بالكون التي تم طرحها على العالم الكبير، ومنها السؤال المدهش : هل هناك كائنات ذكيّة تعيش على كواكب أخرى؟. ولهوكينج عبارة جديرة بالاهتمام في كتابه المتميز، حيث يقول: ” حاولوا أن تعطوا معنى لما ترونه وأن تتساءلوا حول وجود الكون، كونوا باحثين في كلّ الظروف، هناك دائماً ما يمكن للمرء أن يفعله وأن ينجح فيه. لا تستسلموا أبدا”.
وختاما إن كتابا مثل كتاب أجوبة مختصرة للأسئلة الكبيرة بحاجة إلى دراسة أعمق وإلى دعوة صادقة لوزراء التعليم العرب في كيفية صياغة وتأهيل العقول لمجتمع كوني لا يعترف بالقليل من العلم والمعرفة، وأن استشراف المستقبل هو من أولويات الأمم التي تسعى إلى النهوض والارتقاء، وبات علينا الآن أفرادا ومؤسسات وحكومات أن تقضي وقتا طويلا في الإعداد العلمي لأبنائها من أجل التمكين، خشية أن نستفيق فنرى العالم وحده على المريخ ونظل بمفردنا نواجه مصيرا شائكا على الأرض.