(ترجمه عن الفرنسية )
هي فنانة متمردة صارخة وإشكالية.. أعمالها لا تحاول من خلالها تنمية الذائقة الجمالية لدى المتلقي العادي، بل الذهاب إلى أبعد من ذلك، إلى تغيير هذه الذائقة بتكسيرها كل (الطابو) والمتعاقد عليه.
كنزة بنجلون فنانة طبعت مسيرتها بالتعدد والاختلاف، ما جعل أعمالها ومستوى النقاش حولها، تطفح إلى موائد نقاش خارج دوائر أهل الفن وموائد نقاده المستديرة، وملتقياتهم، وهو أحد الأشياء الأساسية التي تحسب لها. لخلخلتها الأسئلة الحقيقية الراهنية للمغربي، وليست قضية المرأة أو محاول سيطرة الأيدلوجية التقليدانية في المجتمع والتحكم في حياتنا وتنميط عيشنا إلا إحداها..
هي فنانة تحفز الجميع على التسلح بالوعي النقدي، الواجد والضروري، والرفع من قيمة الاختلاف، والتشبث بفضيلته، في أعمالها الجمالية التي أرست لنفسها نسقا خاصا ومميزا داخل الساحة التشكيلية المغربية.
ما إرهاصاتك الأولى في عالم الصباغة والتشكيل؟حديثينا عن بداياتك في الرسم؟
بعد إنهائي لدارسة دزاين الموضة أحسست أنني ما زلت بحاجة إلى تعميق دراساتي الفنية فاتجهت أولا سنة 1989 إلى مدرسة الفنون الجميلة بالدار البيضاء. وبما انها كانت مرتبطة بمعاهدة مع مدرسة الفنون الجميلة بإكيس أون بروفانس سمح لي هذا بالتسجيل في هذه الأخيرة في نهاية سنة 1991.
كانت الدراسة بمدرسة الدار البيضاء ترتكز على الفن الحديث وكان موليم وربيع قد أنشآ محترف الجماليات لاستقبال طلبة المدرسة وكلية الآداب ببنمسيك. كان المحترف مفتوحا في وجه الفنانين والكتاب والشعراء والمثقفين. كانت تنظم به لقاءات يشارك فيها كل منا حسب تخصصه حول المواضيع الأدبية والفنية (فنون تشكيلية، الصورة الفتوغرافية، السينما، الموسيقى، القصة القصيرة، الرواية، الشعر…).
مَثًل هذه المحترف نقطة تحول في حياتي؛ كنت أرى طول الطريق الذي يمتد أمامي في مساري الفني. ولكن بدأت بالإيمان فيما أفعله وبالثقة في مشروعي ولكن تعلمت أيضا أن أتساءل حول طريقتي في التعبير، أن أعيد النظر في أفكاري المسبقة وفي يقينياتي. كنت قد اخترت الصمت والفراغ كموضوع في مشروعي الفني.
كان التعليم بإكس أون بروفانس مؤسسا على التكنلوجيات الجديدة لكن اهتماماتي بقيت مرتبطة بالرسم، بالصباغة وبالفن التجريدي…الصمت والفراغ…والبحث في الذات. لن أفهم هذا إلا مستقبلا، لقد كنت في ممارستي أنحت أناي المتفردة؛ كنت بكل بساطة أتعلم أن أكون.
عشت تجربة المونوكروم (اللون الواحد) طيلة خمسة عشرة سنة. من الأخضر إلى الأزرق إلى الأحمر كنت أعيش داخل عملي الصباغي و كأني في صراع. كان اللون الواحد يتلولب ويحفر في دواخلي حتى الإنهاك والإشباع. في هذه اللحظة بالضبط انفتح أمامي عالم الفن المعاصر هذا العالم الذي كنت أعايشه في مدرة إيكس أون بروفانس خلال دراساتس الفنية.
يرتكز توجهك الفني على فرض حريتك، ورفض كل القيود بكل أنواعها، وهو ما يظهر في هذا النثر الطليق داخل لوحتك ،ماذا تحاول كنزة بنجلون البوح لنا به من خلالها؟
أمام سنائدي أدخل في صراع مستمر وبلا هوادة… فورة ما بداخلي تعبر عن نفسها. تصويري تجريدي بالتأكيد وكل ما حاولت التعبير عنه من خلال اللون ومن خلال هذه الحركة الدَوًارة التي تكرر دون كلل وبدون حدود هو دفق عاطفي وإحساس يحق لكل متلق أن يؤوله ويحس به كما يريد. أما فيما يتعلق بالحرية فإنها ضرورة ملازمة للفن، لايمكن للإبداع أن يكون في غياب الحرية. من يسيطرون على حرياتهم أو يكيفونها وفق ضوابط ما لايمكنهم ادعاء الإبداع. أنا أبدع إذن أنا حرة.
مشروعك الجمالي يرتكز على أرضية فلسفية بينة وواضحة وهو ما يثمر بصمتك الخاصة وتفرد أسلوبك ماذا يعني لك هذا الحوار بين التشكيل والفلسفة؟
لاأعرف حقيقة …أو… الفن والفلسفة معا يحفران عميقا أخدود الوجود. معا ينتصران للحريات، حياتنا و مصيرنا ويؤزمان يقينياتنا. الفن والفلسفة يخيفان في البلدان التي يسيطر فيها القمع لأن من خلالهما تستفيق الأرواح وتتمرد. الفن والفلسفة ميدانان يعبران بطرق مختلفة لكنهما ينهلان من نفس النبع: الحياة والموت.
أحب كثيرا جملة جيل دولوز هاته في كتابه ما الفلسفة؟: « الفنانون كالفلاسفة[…] إنهم معلولون لكن ليس بسب مرضهم ولا حتى بسبب عصابهم بل لأنهم رأوا شيئا كبيرا جدا بالنسبة لأي كان، كبيرا جدا بالنسبة لهم والذي طبع عليهم وصمة الموت السرية »
لماذا التجريد بالضبط هو المدرسة الغالبة على أعمالك؟
التجريد وسيلة تمكننا من إيصال أحاسيسنا وعواطفنا دونما حاجة للكلمات أو التمثيل التشخيصي…بالنسبة لي يتأسس كل تغيير ممكن في هذا الصمت والفراغ…
لكن الاختيار لا يأتي صدفة…هناك دائما فكرة كامنة في مكان ما ينتهي بها الأمر في يوم ما إلى الوصول إلينا والإفصاح عن نفسها. أإرتباط هو أم رد فعل آلي؟
في ممارستي للفن المعاصر أحس دائما بالصراع الداخلي نفسه الذي أحسه في عملي الصباغي.
بعد 20 فبراير لم يبقى بإمكان صمت التجريد الاستمرار والجواب على خوفي وغضبي… تحول بصري الذي يتطلع لمجتمع حداثي مباشرة نحو ما نعيشه في اليومي، نحو وضعية المرأة في مواجهة الداعشية المجتمعية، في مواجهة البطريركية وفي مواجهة دين متحجر. أصرخ لأعبر عن خوفي ولأفضح كل ما يعيق حرياتنا الفردية وحرية المعتقد.
إضافة إلى أعمالك الصباغية تتوجهين لتعابير فنية أخرى (فن الفيديو، التركيبات الفضائية، البرفومانس…) لماذا هذه المجاورة هل تعبير فني واحد لا يكفي؟
لا تعترف الممارسات الفنية المعاصرة Contemporaine بهذه الخانات كما هو الحال في الفن الحديث Moderne، حيث الفنان داخل محترفه ووحدته في مواجهة دواخله وحميميته. إن مختلف الأشكال التعبيرية التي أتعامل معها اليوم تساهم في إغناء مقترحاتي الفنية وترجمتها بطرق مختلفة. أحسني في ورش غني حيث أستطيع تطبيق أفكاري و اهتماماتي…
لماذا هذا التمرد على التقاليد في أعمالك، أنت فنانة متمردة بهذا المعطى، ألا تخشين الصدام مع المتلقي؟
لا أظن أن ذلك كان مقصودا أو تم عن وعي مسبق؛ في تربيتي كغيري من بنات وأبناء جيلي كبرنا في الخوف… تعلما أن نخاف من الغابة، أن نخاف من الله، أن نخاف من الكلام، من المخزن من المدرسة، أن نخاف من الخوف نفسه، خلاصة القول تسكنني الرهبة والفن يحررني ويمنحني إمكانية مساءلة حياتي و إعطاءها معنى.
لا تزعجني التقاليد ما دامت الاختيارات شخصية ولا يفرضها علي أحد… ما يجعلني أنتفض هو هذا المد الفاشيستي التقليداني الديني الذي يأخذ مكانه يوما بعد يوم في حياتنا دون ضجيج والذي لن يترك لنا الاختيار في يوم ما. أحس نفسي مستهدفة كامرأة. نحن نعيش نقطة تحول تاريخية حيث يتصارع الحداثيون والتقليدانيون… ولذا فإن صدامي مع المتلقي هو أيضا جزء من العمل.
ماهو جديدك الفني؟ .
أتمنى أن ينتقل معرضي الأخير عربة المدونة Le Cady de la Moudawana أو قاضي المدونة إلى مدن مغربية أخرى حتى يتابع النقاش الذي أسسه في مدينة الدار البيضاء.
من جهة أخرى أحضر لبرفومانس حول التحرش وهي تكملة لبرفومانس قاموس الأبوية.
لا أعرف بالضبط إلى ماذا سيؤدي كل هذا، كل ما أعرفه هو أن أعمالي تُنسج على هيكل حياتنا اليومية: التناقضات، علاقاتنا الغامضة، الرجال/النساء، دور البطرياركا (الأبوية)،…
ولكن وبلا هوادة وفي ها الصراع أصرخ وأعبر عن خوفي، غضبي في مواجهة اإلإيديولوجيا التقليدية والدينية التي تحاول أن تنمط حياتنا ومجتمعاتنا وفق نموذج آت من القرون الوسطى.
الحوار في نسخته الفرنسية منشور في مجلة الموجة الثقافية (هنا)