الفضاء العمومي ومسرح الشارع | عبيد لبروزيين
عبيد لبروزيين
يرتبط مسرح الشارع بالفضاء العمومي، هذا الفضاء الذي أصبح مفهوما فلسفيا في المدرسة النقدية الألمانية مع أحد رواد الجيل الثاني، يورجين هابرمارس، هو مكان متاح لجميع المواطنين، وحاضنة للرأي العام، يشكل وحدة السياسة والأخلاق عند كانط. غير أن الإلمام به، يستوجب تتبع التطورات التي طرأت عليه عبر التاريخ، حيث كان قبل الثورة الفرنسية يتشكل من رجال البلاط والسلطة والكنيسة في النظام الفيودالي، بيد أن الثورة الفرنسية، أفرزت تحولات اجتماعية عميقة، فتحول الفضاء العمومي إلى حاضن للنخبة البرجوازية، أو الأنتلجنسيا، ومنذ ذلك الحين، أصبح مكانا تناقش فيه السياسة و”مسرحا” للأدب والفرجة.
عندما أصبح الفضاء العمومي على هذه الشاكلة، استغلته البروليتاريا والطبقات الشعبية، لإقامة عروض فرجوية مقابل المسرح البرجوازي، وأقصد التراجيديا والكوميديا في القاعة الإيطالية، وتم بذلك الإعلان عن بداية مسرح يقام في الساحات العمومية، والمقاهي، وأمام المسارح، والشوارع بأسلوب بسيط.
وقد شهدت فرنسا أولى العروض في شارع البولفار الذي كان “في القرن التاسع عشر اسما لبولفار في فرنسا، اشتهر بإيواء الجريمة (وقد دمر سنة 1862) عرف أيضا في هذا المجال بولفار سان مارتان وبولفار دوتومبل اللذان كانا “مسرحا” لمشاهدة تمثيلية هازجة وغامضة وبهلوانيات” باتريس بافيس، ص: 547
مسرح الشارع بهذا المعنى، مسرح يعرض في الأماكن العمومية، تقوم به عادة الفرق الجوالة، وهو يعتمد عناصر سينوغرافية بسيطة قابلة للحمل والاستعمال، وقد كان قبل سنة 1900م يشمل عروض الميم والبانتوميم وعروض السيرك. غير أنه بعد هذا التاريخ، ستضاف إليه أبعاد أدبية ودرامية، خصوصا بعد أن كتب نصوصه ثلة من الأسماء البارزة في ساحة الأدب، فظهرت عروض مسرحية في الشارع مثل “جون من القمر Jean de la lune ” سنة 1931م لمرسيل أشارد، و la petit hutte سنة 1947م لأندريه روزين. وبعد هذه التجارب الناجحة، إنضاف إلى هؤلاء الكتاب جملة من المؤلفين من أمثال مرسيل بانيول وجون أنوي، ليأخذ هذا النوع من المسرح نوعا من المشروعية، خصوصا بعد أن ذكر في المعاجم المسرحية والفرجوية.
وعلى العموم، يمكن رصد اتجاه مسرح الشارع الدرامي مع ساشا كوتري سنة 1911م بعرضه un beau mariage قبل أن ينضاف إليه ألفريد صفوار 1883-1934 وموريس داني 1859-1945 وبول جغاردي 1885-1983.
مسرح الشارع إذا، مسرح يقوم على تنظيم عروض مسرحية في الفضاءات العمومية، بأدوات بسيطة، وهو ينقسم إلى قسمين: مسرح الشارع الشعبي (حركات بهلوانية، سيرك، ميم، بانتوميم)، ومسرح الشارع الدرامي، وهو الذي تكون فيه النصوص الدرامية، ويراعي شروط العملية المسرحية. وعنه يقول باتريس بافيس “هذا النمط من التقليد المسرحي تأسس سنة 1907، وأفضل مثل أنه تطور بتأثير مضاد للكتابة “الثقيلة” القائمة على التخلي عن الموظفين الفنيين والتقنيين، وتعدد الديكورات وغناها، والأهمية الفائقة للجمهور في الصالة الإيطالية والخشبة المركزية أو مسرح الجماهير” باتريس بافيس ص: 547.
وبناء على ما سبق، نؤكد على ارتباط مسرح الشارع بالفضاء العمومي، باعتباره مفهوما فلسفيا، عرف تحولات جذرية عبر التاريخ بسبب التغيرات السوسيوثقافية، وأصبح فضاء متاحا لكل المواطنين، وخصوصا ما سماه كارل ماركس بالطبقة التحتية، وفي خضمه ستنطلق الإرهاصات الأولى لمسرح يبحث عن جمهوره خارج القاعة الإيطالية بإمكانيات بسيطة وتطلعات تعبيرية أكبر.
الفضاء العمومي ومسرح الشارع عبيد لبروزيين 2017-11-20