الرئيسية | سرديات | الغريبة : ألف قصة وقصة عن مغرب لا ينتهي | حنان الدرقاوي

الغريبة : ألف قصة وقصة عن مغرب لا ينتهي | حنان الدرقاوي

حنان الدرقاوي

 

من بيت إلى بيت ومن مدينة إلى أخرى حملت ماما حجاجي  معها هوية الغريبة. في كل حي سكنته. كانت تسمى بالشلحة أو الصحراوية نسبة إلى انتمائها إلى منطقة الراشيدية. لم تشعر بالإنتماء إلى الأحياء والمدن  التي سكنتها. كان أهل المدن أكثر أناقة, أكثر نظافة, أكثر مواطنة منها. كانت ابنة موظف وهذا يعني ببساطة فقيرة وكانت في نظر الآخرين: الغريبة

لم تشعر يوما بأنها مغربية ثم ماذا يعني أن تكون مغربيا؟ مالذي يشكل هويتنا الوطنية ولم تندمج يوما مع القسم الوطني فالله كان مملكة بعيدة عنها والوطن مفهوم غير واضح والملك إنتماء فادح للظلم.

عاشت في أحياء سكنية لم يعرف الآخرون شيئا عنها غير شكل أنفها ولثة أسنانها البارزة التي تشترك فيها مع البرابرة. كانت بربرية في نظر الجميع وكانت تحمل هويتها هاته كلعنة. لماذا لم تكبر في المدينة هي أيضا, لماذا ليست فاسية كغيثة جارتها أو مراكشية كنادية. لماذا ليست رباطية مثل رجاء. كل هؤلاء كن يتفنن في تذكيرها أنها حثالة الوطن: بربرية.

تتقرب إلى صديقاتها, تقوم بواجباتهن المدرسية, تكتب لهن رسائلهن إلى عشاقهن وما أن تنشئ خصومة حتى تجد نفسها في الجهة الأخرى من الوطن: على كرسي الغرباء

قاس جدا أن لايتعرف عليك الآخرون, على شخصيتك, على عمقك الروحي والفكري وان يكتفوا باشارة إلى عرق بعيد فيك.  مالذي تحمله من أجدادها البرابرة غير إسمها الهجين ولثة أسنانها البارزة ولغة صارت بعيدة بعد أن التهمتها العربية.

أن تعيش بين لغتين يعني أن تكون لك هويتين. كانت أمازيغية  تتحدث وتكتب العربية. لكن الآخرين لايلتفتون إلى أحقيتها في هاته الهوية. لم يتعرفوا عليها وهي واقفة وسط القسم في الصف التحضيري دائخة لا  تعرف بأي لسان ينطقون. المعلم اكتفى بمعاقبتها لأنها لم تجب والتلاميذ اكتفوا بالسخرية. لم ينتبهوا إلى أنها تتعلق بأهداب تلك اللغة العجيبة وتحاول رغم ضعف بصرها أن تلتقط حرف النون وحرف الضاد.

صديقتها زبيدة دافعت عن نزيهة حين ضربت ماما. حملت هاته الأخيرة الحجر وألقته عليها. كانت هي التي بدأت في الضرب لكن زبيدة أمام المدير قالت العكس. حين التقت نزيهة ضحكتا وصرختا في وجه  ماما: الشلحة الموسخة. فهمت تلك العبارة فهي تكررت أمامها كثيرا.  شعرت دائما بالإغتراب في أحياء الموظفين لأنها أقل منها, شلحة موسخة. بيوت الناس عكس بيتها في تلك الأحياء مرتبة, نظيفة وللأطفال فيها غرف نوم حقيقية عكسها تماما. لكي ينزع صفة الشلوح قرر أبوها فرض لغة أهل المدن كلغة وحيدة للتواصل.  أبوها ضاعف من شعورها بالإحتقار حين اشار إلى الأمازيغية كلغة ممنوعة.

لعمر كامل تخلصت من هويتها الأمازيغية وانتمت إلى لغة أخرى كي يحبها الآخرون, لكي يقبلوها, لغة لاتعترف بها, ستظل هي طفلة الأحراش التي تتماهى مع المهيمن لكي توجد لكنها اليوم تضحك ملء فيها لكي تظهر لثة أسنانها البارزة, اليوم وهي تعيش في فرنسا, أرض الأحلام, أرض الغرباء يمكنها أن تضحك دون أن يقولوا شلحة متسخة. كانت تسكن حيا فيه كل الجنسيات وكل يعبر عن انتمائه دون حرج. لم تكن مؤمنة وظل ذلك مثار خوفها على أرض الوطن. تتصنع الصوم وتشرب الماء فقط, تتصنع الفرح في الأعياد وهي تكره الذبح والسلخ في عيد الأضحى. في فرنسا صار بإمكانها أن تقول أنها تكفر بكل ما لايؤمن بالإنسان, بالحرية وبالعقل. في فرنسا أحست أنها أقل غربة , أحست أن سوء التفاهم بينها وبين العالم قد إختفى. تعيش كما هي مختلفة وفريدة. كم كان يلزم من الحرية على أرض الوطن لتعيش دون أن تحس بالذنب من كينونتها؟

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.