حميد ركاطة
في مجموعته القصصية القصيرة “غيبوبة على منظر ساقط”[1] الصادرة ضمن منشورات الموكب الملكي بوجدة سنة 2015، يقدم الكاتب الأستاذ محمد مباركي طريقة اشتغال مختلفة جدا عما ألفناه في أعماله السابقة. فنصوص المجموعة تتقاطع فيما بينها لتقدم صورة عن ممارسة هيمنة وتأثير كبير على المتلقي، من حيث توظيف الصورة عن طريق التذكر والاسترجاع. وهو ما يوهم بنوع من الواقعية، ويعري عن ممارسة لسلطة الحكي. كما سنجلي للعيان محاولة ممارسة تأثير على المتلقي من خلال توظيف الأنسنة والحب كما هو الأمر في حياة الأشخاص من ذوي الاحتياجات الخاصة، وهيمنة العالم وسلطته السالبة للحق في الاختيار، ناهيك عما يمارسه التخييل من سلط في صنع عوالم حكائية عجيبة، بدخول مضمار الحلم أو باللجوء إلى لعبة الميتاسرد وفرض تدخل مقصود.
فالمجموعة تعمدت البوح والفضح والإدانة لواقع القهر الاجتماعي وظروف الحياة العامة في مغرب نهاية الألفية الثانية بأصوات متعددة، وهو ما يمنحها بامتياز ميسم البوليفونية.
تتأسس سلطة الحكي داخل المجموعة من خلال توظيف الصورة السردية والاسترجاع عبر التذكر. كما في كل من نصي:”طبيبة ملاك”[2]، و”ضاعت مني” [3]. بحيث نلمس أن البناء الحكائي في النص الأول يقوم على أساس بناء آخر، فالحوار بين السارد والبطل، سيفتح كوة جديدة داخل النص للحكي عن قصة الفيلم عن الطفل المتخلى عنه، والذي كانت معطياتها تتطابق مع قصة البطل. الأمر الذي يمكن استخلاصه من حثيات النص. يقول السارد عن الطبيبة: “جاءتها المربية بالرضاعة وبمنديل أبيض… لفت الطبيبة الرضاعة في المنديل وقربتها من أنف الرضيع(..) شم رائحة المنديل، ومد شفتيه الرقيقتين، وبدأ يرضع الحليب من الرضاعة فورا، وبنهم شديد…”[4].
وهي حيثيات تتطابق في دلالتها مع سلوك البطل الذي شاهد الفيلم أربع مرات. يقول البطل السارد:”هب جليسي من مكانه.. توقف.. واستدار نحوي، وأخرج من جيب سرواله منديلا أبيض رفعه إلى أنفه، تشمم عطره طويلا، ثم مسح به دموعا انهمرت على خديه الضامرين”[5].
فالبناء بقدر ما روعي فيه الدقة والنجاعة تم من خلاله ممارسة سلطة الحكي الهادرة بشكل علني ومضمر، مارسها السارد على مخاطبه من خلال حكيه لوقائع الفيلم برتابة، ولم يترك له أية فرصة للتعليق، أو التعقيب، حتى أنهى حكايته المسترسلة. كما أنه هب ملسوعا من مكانه هاما بالمغادرة دون أن يحفل بسماع موقف الآخر لو لم تخنه دموعه وهو يتشمم المنديل.
في حين يلجأ الكاتب في نص “ضاعت مني”[6] لبناء قصته ضمن ما يعرف بالإيهام بالواقعية، حيث سيعمل السارد طوال مراحل بناء النص على خلق انطباعات مختلفة لدى قرائه تميزت بالمبالغة، وهي انطباعات سيعمل على الكشف عنها وتأجيج وطأتها وفق أسلوب ساحر، من قبيل “أن روايته.. بيعت منها مليون نسخة في الأسبوع الأول من صدورها، ونفذت طبعتها الأولى في الأسبوع الثاني”.[7]
“لم تتوقف رنات هاتفي النقال، اتصلت بي الصحافة المكتوبة، والإذاعات الوطنية والدولية لمحاورتي، وتهافتت علي دور النشر لإعادة طبع روايتي، ورشحوني لنيل جائزة “نوبل للآداب”[8].
” بدأت التوقيع عند الساعة السادسة مساء وأنهيته على الساعة الثانية صباحا”[9].
فقرائن النص كله تعمل على تنفير القارئ، وتكشف أنانية الكاتب وادعاءاته، من خلال توظيف أسلوب المبالغة في الحديث عن نفسه. فلم يحدث لأي كاتب عربي أن عاش تجربة مماثلة، كما أنها تبقى تجربة مستحيلة وتضع سارد النص محط شك كبير. لنكتشف أن السارد مارس بالفعل في هذا النص سلطته المطلقة على المتلقي، وهو ينقل له تفاصيل ووقائع حدث كبير عاشه كاتب استثنائي “ماركيز” الذي لم يتم الافصاح عن اسمه حتى نهاية النص. يقول السارد:
“رددت عليها:
حاضر يا آنستي.
وكتبت اسمي كاملا:
“غابرييل غارسيا ماركيز”[10].
فبناء هذا النص الباذخ يذكرني بقصة “أدولف” للكتاب دينو بوتزاني الذي ترجمة الاستاذ محمد صوف[11].
1- سلطة المجال وتوظيف الأنسنة:
يتم الارتكاز على الأنسنة للكشف عن واقع حياة بعض المخلوقات كالحيوانات من كلاب وقطط. كما في نص ” كلبنة”[12] الذي يكشف عن واقع أشخاص آخرين، كالنساء المسنات اللائي حرمن من الأمومة، فيتبنين حيوانا أليفا، يصبغن عليه عطفهن وحنانهن. ولعل قصة “الكلب سوسو” المدلل تكشف عن المكانة التي توليه صاحبته إياها، فتجعله يرتقي إلى مرتبة متكافئة مع بني البشر إن لم يكن أكثر بقليل حسب ما برز من خلال النص.
في حين تكشف أطوار النص أن ما أسبغ على الكلب من نعم، تفقده كلبنته، وصفته الحيوانية الخالصة في نظر بني جلدته. وهو أمر سيتجلى بعد حادث هروبه وخروجه إلى الشارع بحثا عن كلاب متشردة، سبق له وأن شاهدها في هامش المدينة عندما كان يقوم بجولة سياحية مع سيدته.
فبين ما يتوق له الكلب واقعيا (من أن يكون كلبا فقط)، وبين ما تفرضه عليه سيدته (في أن يكون آدميا) يبرز في الواقع التناقض الكبير في المنظور إلى مفاهيم من قبيل: الذات، والحرية، والاختيار.. وهي مفاهيم يناقشها النص بشكل مضمر. كما يعري عن النظرة إلى الآخر، والتمثلات عنه، يقول السارد:
“شاهدته (الكلاب) فجرت إليه، وتحلقت حوله تشممته، وعطست بشدة. سأله كبيرها:
– من أنت؟
رد الكلب باسما في أدب: أنا سوسو.
نظر الكلب الضال إلى رفاقه وقال: “إنه كلب سائح”[13].
ونلاحظ أن امتلاك المجال، والتحكم فيه، هو الذي يمنح السلطة لأصحابه، وهو أمر نلمسه جليا هنا. فالكلب “سوسو” سيشعر باختلافه، ودونيته رغم ما رسم من دهشة في أعين المتحلقين حوله. سأله جرو:
– ما هذه القلادة التي حول عنقك يا هذا؟
تنهد ” الكانيش” بعمق، واغرورقت عيناه بالدموع، ورد بصوت مخنوق:
– هذه القلادة هي القيد السالب لحريتي المهدورة”[14].
فالسؤال طرح من قبل جرو هو أدنى مرتبة من “الكانيش”، كما أن لغة الخطاب، لم تشخصنه كذلك ككلب “يا هذا” وهو تنكير مقصود الهدف منه التعبير عن درجة قصوى من الدونية التي ستنجلي نتائجها من خلال سؤال موالي لنفس الجرو:
سأله الجرو ثانية:
– هل أنت عبد مملوك؟
وهو سؤال يضع مفهوم الحرية للنقاش كذلك، بحيث ستدرك الكلاب المتشردة حقيقة وضعها ومكانتها، فرغم ما تعيشه من قسوة حياة في الشوارع حرة في النهاية وسيدة نفسها. “إننا ننعم بالحرية ولا نشعر يا رفاق”[15].
فهل كان الخطاب موجها فعلا للكلاب في النص؟ ألا يمكن اعتبار هذا النص ” كلبنة” هو تصوير لواقع معاش لا يرقى فيه البعض إلى مستوى عيش كلب متشرد، وقد فقدوا كرامتهم وعزة أنفسهم؟
فالذين يعيشون حياة الكلاب هم أولئك الذين فرطوا في حريتهم، وفضلوا العيش مقيدين إلى مصالح أسيادهم. كما هو أمر الكلب “سوسو” الذي وبخته سيدته وربطته بسلسلة في شرفة غرفتها بالفندق منها كان يراقب الكلاب الضالة الهائمة في وسط المدينة”. ولن يسمح له بممارسة كلبنته إلا في غياب رقابة سيدته.
فقوة السرد تكمن في ملفوظه، وموضوعه، في قدرة الكاتب على فرض سلطة حكيه بدءا من جملة الانطلاق الأولى، بما تحويه من مهابة، وجلال، وبالتالي سلطة تقديرية ذات قيمة تعاقدية ككل تحدد الاطار الحكائي العام، وبالتالي نوعية قالبه كذلك.
وبالعودة إلى نصوص المجموعة، سنلمس واقعية هذا الطرح، وبالتالي قدرة الكاتب على إقحام المتلقي داخل عوالم جديدة وضمن مساحات حكي عجائبي، كما في نص “قط ليومين”[16] الذي يطرح هو الآخر على محك النقاش قضايا الواقع المعاش من زاوية ساخرة، ومن زاويتين مختلفتين ارتكازا على الأنسنة، والمقارنة بين طرفي نقيض في مكانين مختلفين. بين حي “لالة زغلولة” الفقير، وحي “سعدون الراقي”. بالإضافة إلى مكان مغلق آخر “الحافلة”. وهي أمكنة سيجمع بينها رابطا موحدا: من حيث النوايا الآدمية، والمظاهر الخادعة لأشخاص في بذل أنيقة ومشاعر مبطنة. لنكتشف في النهاية ألا وجود لاختلافات البتة أو فروقا يمكن الارتكاز عليها. فالشر عملة مداولة بين كل الأطراف. فالسارد سيعمل على انتقاد السلوك الانساني مبرزا أنه لا وجود لاختلاف في طريقة التفكير، مهما اختلفت الانتماءات والأوساط والطبيعة المكونة. في حين سيبرز الحوار مع القطة “مينوشا” بدورها مدى النظرة المتحفظة رغم ما ناله القط المرقط من مدح “صباح الخير أيها القط الجميل” وأن القطط بدورها تنزع نحو الاستجابة لمن يعاملها معاملة حسنة، بحيث ستفضل منيوشا الانصياع لنداء سيدها وتترك القط المرقط الغريب.
وإلى جانب ما تحظى به بعض القطط من دعم نفسي ومعنوي، تظل أخرى كالمتشردة منها عرضة للتنكيل والبطش، يقول السارد:
“وقفوا حين رأوني تغامزوا وتخابروا، ونظروا يمينا، ويسارا، فصرخت:
“يا مّا، ماذا يريدون؟ الهروب، الهروب”[17].
نص”قط ليومين” بقدر ما هو كشف عن واقع جواني، هو في الواقع رسائل بليغة الدلالة، تنتقد الواقع الإنساني وتفاوتاته الطبقية، عبر كتابة ارتكزت على التقابل الضدي، والتوازي، للكشف عن المظاهر الخادعة، يقول السارد “شممت روائح أقدام كانت كريهة، رغم أحذيتهم الجلدية اللامعة”[18].
2- الكتابة وسلطة التخييل:
“في القصة القصيرة” لم يعد الأمر يتعلق ب” تمثيل العالم” أو” التعبير عن الأنا” بل تحول الأمر إلى نوع من البحث عن شيء غير معروف من خلال إبداع عالم لم يسبق قوله “عالم لا يوجد إلا داخل الكلمة حسب عبارة وليم جاس”[19].
هكذا يدخلنا الأستاذ محمد مباركي في نص “أ يوجد فيكم رجل رشيد”[20] إلى وقائع تدور على مشارف مدينة غائبة من خريطة “الوطن”[21]، و توشر منذ البداية على أن مكان وزمان الأحداث قد يأخذان سياقات غير عادية أو كما هو مألوف. وقد تم الأمر عبر تعاقد قبلي بين السارد والمتلقي، كما أنه أمر لا يتم الالتفات إليه كثيرا، فالقارئ يمر عليه سريعا بحثا عن الحكاية التي تدور داخل المدينة المحصنة، والمحاطة بأسوار عالية. حسب ما تشير إليه رمزية الأبواب، والعسس، وحركتي الفتح والإغلاق. “أنخت راحلتي مع الغسق عند بابها الشرقي. جلست القرفصاء، نمت الليل كله… فتح العسس باب المدينة قبيل شروق شمس باردة”[22].
فالسياق يتضمن كذلك حذفا دالا “نمت الليل كله… فتح العسس الباب…” وهو حذف مقصود على حافة رفيعة بين النوم واليقظة. لكنه إيذانا بالإعلان عن دخول الحكاية زمن الحلم بامتياز. وأن الأحداث التي تدور في المدينة الغائبة من خريطة الوطن هي أحداث من نسج الخيال والحلم.
سيندهش البطل من حالة العري الفاضح التي وجد عليها أهل المدينة، وكل محاولة له بثنيهم لا تجد آذانا صاغية. ولعل الرجوع إلى دلالة اللون داخل النص قد تمكننا من الكشف عن طبيعة المدينة “لفت انتباهي قصر في وسط المدينة بشرفة دائرية بطلاء أزرق، يبدو كسفينة راسية في مرفأ”[23]. ” أطل من الشرفة رجل… كان يتابع كل جامد ومتحرك حوله بعينين ناعستين” (ص 16). وهي إشارات في نظرنا تكشف عن تواجده داخل مستشفى للأمراض العقلية، الذي يتساوى القاطنون فيه ويتشابهون. في حين يبدو لهم الغرباء في حالة غير عادية.
لقد برزت حالة التستر (عكس حالة العري) كحالة شاذة داخل هذا الوسط الذي يسود فيه العري، وهو ما يجعل منظومة القيم ذاتها تعرف انقلابا في دلالتها، وتنتج عنها هالة وسلطة لمفاهيم أخرى يمنحها المكان لقاطنيه، ويرجح صواب المنطق المتعارف عليه. “اقتادوني إلى مخفر الشرطة… سألني صاحب الشرطة متهكما:
“ما هذا العري الذي أنت عليه أيها الغريب، تأتون لمدينتنا لنشر الرذيلة. نحن نعرف ذلك” “. وهي نفس الملاحظة التي سيوجهها إليه البقال الذي كان يعرض سلعته أمام دكانه (وليس داخل دكانه)، “استر نفسك من هذا العري، ألا تستحي؟”[24] 17
فالنص تطبعه الغرابة داخل عالم له منظومته الخاصة، ومفاهيمه الخاصة للأشياء ودلالتها. فالجسد هنا “بمجرد ما تمتلكه اللغة والصورة يكف عن أن يكون جسدا واقعيا ليغدو جسدا ثقافيا بالدرجة الأولى، ومتى ما مس الوصف الجسد، فإنه يتعامل معه إنطلاقا من مخزونه الفكري، وذاكرة اللغة وقيمها وأخلاقها”[25].
فالحكاية تبنى على دعامات وهمية، تعمل على التغرير بالمتلقي، وسحبه دون هوادة نحو آفاق غير متوقعة. وستبرز المفارقة بين سلطة الحب وسلطة الوهم كما في نص “رجل ينتظر”[26] ص 23، من خلال الكشف عن زمن انتظار رجل لامرأة ما، عاملا أساسيا لإبراز تعاطف غير مشروط. وهو أمر ما فتئ يقترن بالحالة النفسية للبطل ومعنوياته التي لم ينل منها الزمن شيئا، بفعل إصرار حديدي استمر لثلاثة عقود” كأمر يدعو للدهشة، والإعجاب بالشخص المنتظر، غير أن هذه الصورة الأولى سرعان ما ستصطدم بطبيعة المرأة المنتظرة كذلك يقول السارد:
قلت:
– من تكون هذه التي ينتظرها ثلاثة عقود؟
أجابني:
– والله لو كنت أعرفها لأخبرتها بحاله لعل قلبها يرق له وتأتي لزيارته”[27]
كذلك من خلال الرد الذي سيتم التعقيب عليه مباشرة “لو تحضر” ستصبح هذه المدة يوما أو بعض يوم”[28]
وستبرز دهشة السارد عندما يراه في محطة للمسافرين، يقول:
” شاهدته ينظر إلى المسافرين نظرات نافذة كنظرات البوليس السري في الأماكن العمومية، وحين يئس من حضوعها ضرب كفا بكف وانصرف على أمل الرجوع في اليوم الموالي طامعا في حضورها” محمد امباركي” غيبوبة على منظر ساقط نص رجل ينتظر ص 24. فالنص يتضمن جزأين: جزء يتحدث عن حالة انتظار طال أمدها من رجل لا يكل ولا يمل، أصبح الانتظار بالنسبة إليه عملا روتينيا، وطقسا يوميا يمارس بحذافيره، بحب وبشغف محفوف بأمل كبير.
في حين سيتضمن الجزء الثاني من النص جملة رابطة تنمّ عن تدخل الكاتب في الأحداث بشكل مباشر “في الجانب الآخر من مدينة أخرى قال لها أحدهم:
“إن الرجل الذي أبرقت إليه منذ ثلاثة عقود ما زال ينتظر حضورك”[29].
ستتضح ملامح ذلك الشخص الثالث المبهمة من خلال أحداث النص “قال الذي أخبرها وكان سببا في تقاربهما:
“هذا هو الواقع كما شاهدته عيناي وسمعته أذناي أنقله إليك بصدق وأمانة يا سيدتي”[30]. وهو ما يجعله يتموضع في مكان الشخص المحكى عنه في النص كزميل للسارد “شوقني صديقي الموظف في المحطة الطرقية لرؤية هذا المنتظر الولهان، فمررت به في مكتبه بعد خروجي من العمل”[31].
فلعبة الميتاسرد ظلت مضمرة بصفة نهائية ولم تنكشف بوضوح إلا في النهاية. يقول السارد:
“سألت صاحبي:
– من الذي نقل إلى المرأة خبر انتظار الرجل لها؟
ضحك ضحكة بلهاء وأشار بأصبعه قائلا:
– ومن يكون غيرك أيها الماكر؟ فأنت الكاتب”[32].
“يشير الدكتور جميل حمداوي، أنه من وظائف الخطاب الميتاسردي “خلق نص سردي بوليفوني، متعدد الأصوات، والأطروحات، واللغات، والأساليب، والمنظورات الإيديولوجية. وتكسير الإيهام بالواقعية لإبعاد الوهم والاستلاب عن المتلقي.” [33]
فنصوص القاص محمد مباركي، تمتاز بما تمارسه من سلطة، وجاذبية على المتلقي. كما أن قصرها يجعل منها نصوصا ذات نفس غير مغامرة في الإطناب والتكرار، ولا تسقط في شرك التمطيط. إنها قصص قصيرة على مقاس دقيق جدا تعتمد المراوغة، والتركيز، والتسريع بالحدث نحو نهاية غير متوقعة. كما تميزت بمتح حكاياتها من الواقع المعاش، ومن مآسيه أحينا. فهي بهذا المعنى صوت شريحة مقهورة، تحاول بكل ما أوتيت من وسائل الثورة على واقعها أو الحلم بتغيره على الأقل . لكنها تصاب في النهاية بالإحباط، والخيبة.
كما يتحول الحلم إلى مدخل سلس للنسج الحكائي في هذه المجموعة بحيث يفتح آفاقا جديدة تتحقق فيها الأحلام، والتطلعات وتتحرر فيها الأمنيات المكبلة بإكراهات الواقع. وهو الأمر الذي يمكن السارد من تمرير رسائله وترجمة أفكاره بسهولة، ما دام القالب المؤطر يظل غير خاضع لضوابط محددة.
يستهل الكاتب نص “هل تتغير الجغرافيا؟” بما يلي:
“هذه الليلة لم أحلم كما العادة. غرقت في نوم عميق حتى الصباح”[34]، وهو إخبار يحملنا على أخذ الحكاية على محمل الجد، والثقة بكل تفاصيلها المسرودة. في حين تضمر العتبة جوابا ماكرا، قد لا نليه عناية، أو قد لا نستطيع استلهامه بسهولة، وهو ما يحولها إلى تمهيد أولي موحي ودال على فعل الغرابة. وبهذا الصدد يشير الدكتور حسن المودن” بضرورة الاهتمام بالحلم من منظور سردي بنيوي يركز على دراسة المحكيات الحلمي استنادا إلى أعمال جيرار جنيت، دون إهمال المحتوى السردي لمحكي الحلم، ومن منظور تداولي يركز على ما يجعل القارئ ينتبه إلى تحول في المستوى السردي.”[35]
وهو أمر يتحقق من خلال الأخبار بشيء غير متوقع حدوثه داخل حيز جغرافي له خصوصياته المميزة. “أطللت بضجر من نافذة غرفة نومي فهالني منظر البياض الناصع يغطي الدور والأشجار والطرقات: صرخت هل أثلجت السماء في عز الصيف؟”[36].
فالبناء الحلمي اتسم بتسلسل منطقي للوهلة الأولى لكنه في الواقع يضمر قصدية عرت عن نية مغرضة تواري بداخلها حالة استثناء ستلف بدهشتها كل الجيران. وسيكشف النص كيف أن حركة تكتونية عنيفة في باطن أرض المغرب الأقصى اقتلعته من جذوره من التخوم إلى التخوم وكانت سببا في تحركه كسفينة عائمة فوق المحيط الأطلسي وهو يبحر الآن في اتجاه بحر الشمال”[37].
يشير الدكتور محمد رمصيص “أن العجيب إضافة لكونه يخترق المألوف، فهو يجمع بين الواقع والأسطورة، ويختلط فيه الممكن بالمحال. ولهذا فهو كخطاب يثير أكثر من غيره عواطف وانفعالات مختلفة كالتهيب، والحيرة، والالتباس”[38].
فالغرابة بقدر ما كانت دعامة أساسية لبناء النص داخل بوتقة الحلم العجيب، ساهمت عناصر أخرى في تكريسها واقعا حقيقيا بالنسبة لشخوص النص، وتفاعلهم مع الحدث سلبا وإيجابا. وبالتالي التواطؤ المكشوف للإيقاع بالقارئ من خلال ربط العتبة بخاتمة النص بما تضمنه من جواب تقريري ” قد تغيرت جغرافية بلادي بالفعل”[39] وهي إجابة كونها مشكوك في يقينيتها فما قدمه السارد من قرائن داخل النص. كالخبر عبر وسائل الإعلام، تأكيد رئيس الحكومة، حسابات المتخصصين، والمشاهدة العينية للأمواج المتلاطمة في النقطة الحدودية. تدفع بالمتلقي للاقتناع بطرح الكاتب.
3- صور من تجليات القهر الاجتماعي:
يعري السارد عن واقع القاع المغربي، وعن قضاياه الحرجة والمصيرية جدا، وبالتالي عن آماله وتطلعاته. فأحداث نص “صبي في ليل البحر”[40]، الذي تدور أحداثه في مدينة السعيدية فيقفز إلى الذهن صورتها المروجة عنها سياحيا في بلادنا.. لكن السعيدية التي يتحدث عنها السارد داخل النص هي أحياؤها الخلفية، التي تفتقد لكل مقومات الحياة الكريمة. من خلال رصدته لحالة متسولة وابنها وهما لا يزالان يتسولان على الرصيف بعد منتصف الليل. وسيلجأ الكاتب إلى تبئير صورة الطفل النحيف الذي يعاني من سوء التغذية، كمقدمة للكشف عن طبيعة حياة المتسولين وسلوكهم، لكونهم لا يعيرون بالا أو اهتماما لأي شيء حولهم فهم يتصرفون وفق أهواءهم ورغباتهم. يقول السارد :
” تبول قرب أمه على الحائط، مسها رذاذ بوله، كان بنيا وعطنا”[41]. يشير شلوميث ريمون كنعان في كتابه التخييل القصصي/ الشعرية المعاصرة، أن “يكون التبئير والسرد منفصلين في ما يدعى بالنص الاستعادي بضمير المتكلم، رغم أنه عادة ما تتجاهله الدراسات حول وجهة النظر(..) مبدئيا التبئير والسرد نشاطان مختلفان ومنفصلان في النص الاستعاري بضمير المتكلم”[42].
ولعل إبراز ظاهرة التسول كنمط حياة مفروض بالقوة، هو ما يحوله إلى نوع من الابتزاز للمشاعر، بحيث يلتقط السارد مشهدا فريدا “مدت يدها إلى ثلاثتهم مستجدية، أكرموها بثلاث نظرات نارية، ومضوا. سلقت مؤخراتهم الممسوحة بنظرة حاقدة، ورددت بصوت منخفض “تفو”[43].
إن ما يقوم به الكاتب محمد مباركي في هذه المجموعة هو لفت الانتباه لسير “الأشخاص العاديين..(و) هم أشخاص غير مرئيين ولا تعطى لهم أي قيمة ولا أي رمزية إلا إذا ارتكبوا جرائم خارقة.. أو نالوا عقوبات قاسية. في مثل هذه الحالات النادرة يسلط عليهم الضوء. وقد يصبحون شخصيات ضمن أعمال قصصية أو أدبية”[44]، حسب ما ذهب إليه ميشيل دو سيرتو حول ما قامت به السوسيولوجيا والأنتربولوجيا من رد الاعتبار للفرد لكونه وحدة وموضوع دائم للبحث.
فالشارع هو مجال مفتوح على حياة غير مشروطة بقيود أو قوانين، حيث يترعرع الحقد المجاني للآخر، وينمو في صمت. ليورث للأجيال الصاعدة بفعل الممارسة والاحتكاك اليوميين. وهو ما سنلمسه من خلال ردة فعل الصبي. يقول السارد: ” تطلع إليها الصبي، وقلدها مرددا:
تفويين”[45] مع ما تحمله من دلالة على جمع غير مضبوط ويحمل في طياته نوعا من السخرية، وما تثيره من ضحك حول الكلمة التي تم توليدها من عدم.
في حين تكشف عتبة المجموعة “غيبوبة على منظر ساقط”[46] عن واقع الحياة المزدوجة لبطل يعاني من سلوكه الشاذ الذي ظل يخفيه عن زوجته التي شكت كونه يخونها، مع أخريات، لكنها ستصطدم في النهاية بكونه رجل مخنث “فتحت عينيها عميقا، لتجد نفسها في غرفة الإنعاش، نائمة على جرح منظر ساقط لذكورة مؤثثة بالأنوثة، تذكرت المنظر.. وصرخت صرخة مدوية وغرقت في غيبوبتها ثانية”[47]
يشير الناقد ابراهيم الحجري في كتابة المتخيل الروئي، أن “أن النص.. غدا عملا حفريا أركيولوجيا ديناميا لا يستقر عند حدود الجاهز، ولا يطمئن للمألوف لذلك انصب اهتمام الروائيين الجدد على الحفر في الذاتي والنفسي والجوانب المظلمة من حياة الشخصية وفتح علبتها السوداء التي غالبا ما كانت تظل بعيدة عن الاعتبار في الكتابة السردية العربية لدوافع ذاتية وأخرى أيديولوجية”[48].
فرصد الجوانب القاتمة من حياة الأفراد لا يتوقف في هذه المجموعة عما هو ذاتي ومجتمعي، بل يتعداه إلى ما هو سياسي، وفي قناعات الأفراد وفي ما يتعلق بمعتقداتهم وممارستهم داخل المجتمع. بحيث يقدم لنا نص “حين كان جواز السفر حلما”[49] رصدا لحالة بطل انطلاقا من مكانين وزمانين بينهما فروقات صارخة.
فإذا كان المكان الأول يمثل بلده الأصلي الذي يرصد فيه وضعيته المزرية، من جوع وقمع للحريات، وذل، وتملق للغير” حين كان جواز السفر حلما، والموظف الذي يمنحك إياه كالطاووس يمشي في الشوارع، يتزلف إليه الرجال، والنساء… في المكتب أسمع ولا أرد، وباطني كالمرجل يغلي فوق نار هادئة”[50].
وهي وضعية تقابلها أخرى وهو في بلاد المهجر وكان أول مكان تمت الإشارة إليه، باريس “ها أنا ذا في باريس. شاهدتها تفتح لي ذراعيها وتضمني كطفل. فما أروعها مدينة الجن والملائكة”[51].
فالتقابل على مستوى البناء يضمر ويصرح بتقابل ضدي، وكشف عن حالتين، ووضعين، القمع في مقابل الحرية. فالوطن شجن كبير، يخرج من رحمه المواطن المحظوظ بترجيح كفة الصمت والتواطؤ، ليتمكن من العيش بسلام، وهو أمر ينطبق على بلادنا فيما كان يعرف بسنوات الجمر والرصاص. في حين تل إنسانية الانسان رأسمالا رمزيا في بلاد الحريات. وهو الأمر الذي نستنتج من خلال حوار تظهر في ملامح المخاطب مبهمة.
” متى سترجع إلى وطنك؟
– من قال إني سأفعل؟
– هل تنوي..؟
– نعم أنوي البقاء.
– ووظيفتك؟
تركتها مع الوطن، وبعر أحصنة الكوتشيات..”[52].
هكذا يتحول وطن الاغتراب إلى ملاذ يترجم كل مفاهيم الحرية، والمساواة، والعدالة الاجتماعية التي تمتح من قاموس إنساني محض. في حين يظل الوطن الأصلي بؤرة جحيم مستعر، للعذاب والقهر، واللامساواة، والظلم، والاستبداد.
على سبيل الختم:
إن ما يمكن أن نختم به هذه المقاربة المتواضعة هو اللإشارة إلى هامش الحرية التي أصبح يتمتع بها الكتاب المغاربة في طرحهم لقضايا مجتمعهم ومناقشتها بجرأة عالية. فهل يمكن اعتبار هذا الأمر تمردا ورغبة في الجموع نحو التحول في إثارة قضايا كانت من قبل مسكوت عنها، ولا تناقش إلا همسا.
“غيبوبة على منظر ساقط”، مجموعة قصصية اخترقت بعمق سراديب الواقع المغربي وعرت عن تناقضاته الصارخة، ونزعت أقنعته الشفافة، هي كتابة على جسد اللغة، وتعرية لها في نفس الوقت فالكاتب “كشف القناع عن أسئلة الذات وكسر الحواجز تطلعا نحو استنطاقها عبر المحكيات السردية .. لأن تصحيح المسار البشري وأحواله رهين بمعرفة ما يقض مضجع النفس البشرية وما يقلق وجودها الأنطولوجي”[53].
إحالات وهوامش
[1] محمد امباركي” غيبوبة على منظر ساقط” مجموعة قصصية منشورات الموكب الملكي بوجدة سنة 2015.
[2] محمد امباركي” غيبوبة على منظر ساقط” نس ملاك ص3
[3] محمد امباركي” غيبوبة على منظر ساقط” نص وضاعت مني ص11
[4] محمد امباركي” غيبوبة على منظر ساقط” ص 4
[5] محمد امباركي” غيبوبة على منظر ساقط”ص 4
[6] محمد امباركي” غيبوبة على منظر ساقط” نص ضاعت مني ص11
[7] محمد امباركي” غيبوبة على منظر ساقط” نص ضاعت مني ص 11
[8] محمد امباركي” غيبوبة على منظر ساقط” نص ضاعت مني ص 12
[9] محمد امباركي” غيبوبة على منظر ساقط” نص ضاعت مني ص 13
[10] محمد امباركي” غيبوبة على منظر ساقط” نص ضاعت مني ص 14
[11] دينو بوتزاتي قصة أدولف” ترجمة الأساذ محمد صوف مجلة قاف صاد العدد2/ السنة2 /2005 مجموعة البحث في القصة القصيرة بالمغرب
[12] ) محمد امباركي” غيبوبة على منظر ساقط” نص كلبنة ص5
[13] ) محمد امباركي” غيبوبة على منظر ساقط” نص ملبنة صص 6و7
[14] ) محمد امباركي” غيبوبة على منظر ساقط” نص كلبنة ص 7
[15] ) محمد امباركي” غيبوبة على منظر ساقط” نص كلبنة ص 7
[16] ) محمد امباركي” غيبوبة على منظر ساقط” نص فقط ليومين ص 51
[17] ) محمد امباركي” غيبوبة على منظر ساقط” نص فقط ليومين ص 56
[18] ) محمد امباركي” غيبوبة على منظر ساقط” نص فقط ليومين ص 52
[19] د. حسن المودن. مغامرة الكتابة في القصة القصيرة المعاصرة القصة القصيرة بالمغرب أنموذجا/ ص 9 منشورات اتحاد كتاب المغرب سنة 2013 المغرب
[20] محمد امباركي” غيبوبة على منظر ساقط” نص ألا يوجد فيك رجل رشيد ص 15
[21] محمد امباركي” غيبوبة على منظر ساقط” نص ألا يوجد فيكم رجل رشيد ص 15
[22] محمد امباركي” غيبوبة على منظر ساقط” ألا يوجد فيكم رجل رشيد ص 15
[23] محمد امباركي” غيبوبة على منظر ساقط” نص ألا يوجد فيكم رجل رشيد ص 15
[24] محمد امباركي” غيبوبة على منظر ساقط” نص ألا يوجد فيكم رجل رشيد ص 17
[25] فريد الزاهي الجسد والمقدس في الاسلام ص 87 دار إفريقيا الشرق 1981
[26] محمد امباركي” غيبوبة على منظر ساقط نص رجل ينتظر ص 26
[27] محمد امباركي” غيبوبة على منظر ساقط نص رجل ينتظر ص 24
[28] محمد امباركي” غيبوبة على منظر ساقط نص رجل ينتظر ص 24
[29] محمد امباركي” غيبوبة على منظر ساقط وص رجل ينتظر ص 25
[30] محمد امباركي” غيبوبة على منظر ساقط نص رجل ينتظر ص 25
[31] محمد امباركي” غيبوبة على منظر ساقط نص رجل ينتظر ص 24
[32] محمد امباركي” غيبوبة على منظر ساقط نص رجل ينتظر ص 25
[33] د. جميل حمداوي أشكــــال الخطاب الميتاسردي في القصـــة القصيــرة بالمغرب ص 9 ط1/ المغرب
[34] محمد امباركي” غيبوبة على منظر ساقط” نص هل تتغير الجغرافيا ص35
[35] د. حسن المودن. مغامرة الكتابة في القصة القصيرة المعاصرة القصة القصيرة بالمغرب أنموذجا/ ص 46/47 منشورات اتحاد كتاب المغرب سنة 2013 المغرب
[36] محمد امباركي” غيبوبة على منظر ساقط” نص هل تتغير الجغرافيا ص 36
[37] محمد امباركي” غيبوبة على منظر ساقط” نص هل تتغير الجغرافيا ص 36
[38] د. محمد رمصيص أسئلة القصة القصيرة بالمغرب ص25 مقاربات موضوعاتية ط1/ 2007
[39] محمد امباركي” غيبوبة على منظر ساقط”ص 37
[40] محمد امباركي” غيبوبة على منظر ساقط” نص صبي في ليلالبحر ص 47
[41] محمد امباركي” غيبوبة على منظر ساقط” نص صبي في ليل البحر ص 49
[42] شلومي ريمون كنعان التخييل القصصي والشعرية المعاصرة ص 109/110 ترجمة لحسن امحمامة ط1/ دار التكوين 2010
[43] محمد امباركي” غيبوبة على منظر ساقط” نص صبي في ليل البحر ص 50
[44] خالد طحطح السيرة لعبة الكتابة كتاب المجلة العربية ص 138 العدد 192 الرياض المملكة العربية السعودية 2013
[45] محمد امباركي” غيبوبة على منظر ساقط” نص صبي في ليل البحر ص 50
[46] محمد امباركي” غيبوبة على منظر ساقط” نص غيبوبة على منظر ساقط ص 29
[47] محمد امباركي” غيبوبة على منظر ساقط” نص غيبوبة على منظر ساقط ص 30
[48] ابراهيم الحجري المتخيل الروائي العربي الجسد الهوية الآخر مقاربة سردية انتربولوجية ص 13 دار النايا ط1 2013
[49] محمد امباركي” غيبوبة على منظر ساقط” نص حين كان جواز السفر حلما ص 39
[50] محمد امباركي” غيبوبة على منظر ساقط” نص حين كان جواز السفر حلما ص 40
[51] محمد امباركي” غيبوبة على منظر ساقط” نص حين كان جواز السفر حلما ص 41
[52] محمد امباركي” غيبوبة على منظر ساقط” نص حين كان جواز السفر حلما ص 42
[53] د. إبراهيم الحجري المتخيل الروائي العربي ، الجسد ، الهوية ، الآخر .مقاربة سردية انتربولوجية ص 16 دار النايا ط 1 2013