علي أوعبيشة
إنه ممارسة (ممارسة للحب)، فحسب باطاي لا تُختزل الايروسية في الإيلاج “الجنس المباشر”، الإيروسية هي كل ما يجمع الجسد بالجسد، ومتعة النظر أيضا جزء منها، وإلاّ لما كان التعري مصدر إعجابنا وذهولنا. كل مجون ممارسة للحب. وهذا الإصرار من باطاي للذهاب بعيدا في تصوير الإيروسية إلى أقاصي حدودها مردّها إلى أن “هاجس باطاي (يكمن في) الإحاطة بالإنسان التام، غير المبتور في عنفه وإفراطه في فرادته وثباته في إنسانيته العاقلة واغترابه ومجونه“[1]
يضيف باطاي وهو يصف مغامرة ماري مع طقس الحانة الماجن:
“حينئــذ قالت صاحبة الحانة لبييـرو الجميـل:
– الحسهـا.
قالـت إحدى البنات:
– أنضعها فوق كرسي؟
حملـوا الجسد مجتمعين، ثم ثبتوا الإست فوق الكرسـي.
جثـا بييـرو، ثم وضع ساقي ماري فوق كتفيـه.
ابتسم الغلام الجميل ابتسامة الفاتح الغازي ورشق اللحـم العاري بلسانـه.
كانت ماري مريضة متألقة، ومع ذلك بدت سعيدة. ابتسمت وعيناها مغمضتـان.[2]“
هل هذا يعني أنّ كل شذوذ عن بداهة الجنس يبعدنا عن الجسد القدسي، بما في ذلك المكان والصحبة، وكلما ابتعدنا عن الجسد القدسي حرّرنا الجسد منّا ومن الغريزة؟ فما الفرق بين ممارسة الحب الشرعية والمقبولة والشذوذ الجنذري مثلا، أي الميل الجنسي إلى المثيل، فما الذي يجعل ملاطفة أو مداعبة المثيل ممارسة للحب بالرغم من غياب أي خلل هرموني؟ هل يقرّبنا المجون من فهم “المستحيل”؟ لنعد إلى ماري وحديث باطاي الماجن لنتمثّل ماري وهي تهدم وحدانية الحبّ:
“أحسـت بنفسهـا في حالة إشراق جليدية، لكنها [حالة] تفرغ حياتها إفراغا مفرطا في حمأة الفسـاد.
ظلت متوترة بسبب رغبة عاجزة. فقد كان بودها لو أنها تفرغ بطنها، لكنها تخيلت هلع الآخريـن.
الفرج والإست عاريان. حررت قلبها رائحة الشق والمؤخرة، أما لسان بييرو الذي كان يبلها فقد كان يذكرها ببرودة الميت.
زفرت ذلك البرد بفم مفتوح، غير باكية، سكرانة بالخمر والدموع. جذبت رأس صاحبة الحانة فاتحة هاوية شفتيهـا الشهوانية حتى النخر.”[3]
تريد هذه النصوص المثقلة بالفظاعة أن تغيّر نظرتنا للجنس وللجسد وأن تحرّر الأعضاء من ثقل الحياء كليا، لتعري العشق من أوهامه، تريد أن تذهب باللذة إلى حدودها القصوى، تلك اللذة الماجنة التي من شأنها أن تحرّر الأعضاء وأن تجعل من حركات الجسد فعلا يتجاوز الإرادة ويخدش الحياء[4]، أو لنقل إنها تنقل اللذة من التجربة مع الغير إلى التجربة الباطنية التي لا تسعى إلى شيء غير الاقتراب ما أمكن من تجربة الموت، بحيث يصير العشق “انفتاحا على الموت (…) والموت انفتاح على عدمية الديمومة الفردية”[5].
لماذا ينتهي بنا الجنس إلى فقدان الإرادة، وعيش اللحظة دون ذات؟، هل ننفصل عنّا أثناء الجسد؟ هل تموت الذات (بمعناها الحديث) في ممارسة الحب ليحيا الجسد وحده لا شريك له؟ أيّ صوت تمثّله ممارستنا للحب فينا؟ ولماذا نشعر باللذة حتى وإن لم نكن راضين عن الحب إن كان بالعنف مثلا أو اغتصابا؟ يورد في هذا الصّدد باطاي مقطعا جديرا بالتأمل العميق، لنجيب عن مثل هكذا أسئلة يقول:
” التحـــم الجسدان في الأرض التحاما بشعـا.
تخلصت ماري من الرجل القصير، ثم عضت ذكره إلى أن زعـق.
صرعها بييرو. طرحها فوق الأرض ويداها متصلبتان. أمسك الآخرون ساقيها. ترنحت ماري قائلـة:
– دعنـي.
ثم صمتت.
أخيـرا نفحت وعيناها مغمضتان.
فتحت عينيها. كان بييرو فوقها متعرقا ومحمرّ الوجه.
قالـت:
– ضاجعنـي.[6]
هوامش الجزء الثالث
[1] الجنون المتنقل بين الفلسفة والقداسة، ص:10
[2] جورج باطاي، المرجع نفسه، http://aslimnet.free.fr/traductions/articles/j_bataille.htm
[3] جورج باطاي، المرجع نفسه، http://aslimnet.free.fr/traductions/articles/j_bataille.htm
[4] Georges Bataille, L’Erotisme, Op.cit., p :29نقلا عن “جورج باطاي: الجنون المتنقل بين الفلسفة والقداسة” مجموعة من المؤلفين، م،س ص:
[5] المرجع نفسه
[6] جورج باطاي، المرجع نفسه، http://aslimnet.free.fr/traductions/articles/j_bataille.htm