الرئيسية | سرديات | الجريَ بشمعةٍ في اليد والحرص الشديد على ألا تنطفئ | غادة الأغزاوي

الجريَ بشمعةٍ في اليد والحرص الشديد على ألا تنطفئ | غادة الأغزاوي

غادة الأغزاوي ( المغرب) :

 

أكتب القصة لأن خيالي يتعبني. القصص مهما كتبت، لنْ تَنتهيَ أبدا.

أن أكتبَ قصَّة.. الأمرُ يشبه الجريَ بشمعةٍ في اليد والحرص الشديد على ألا تنطفئ. أن أكتبَ قصّة، يعني أن أقولَ كلَّ شيءٍ، في حيِّز قصيرٍ بنَفَسٍ ضئيلٍ، دون أن أفقدَ حماس القارئ. دونَ أن يفترقَ كلّ واحِدٍ منّا عنِ الآخر.
عندما كتبت نص “شمس بشارب أسود”، لم أفكّر في كتابته، بغيَةَ أن أجدَ، في النهاية، قصَّة. بل كتبته لرغبة مُلحَّة في كشفِ نقطةٍ معينة، وهي أنّ ذلك الصبي الذي يدعى “أنطوان”، ينتصرُ للحياةِ وينتصرُ لنفسه. هذه النقطة تحْديداً، في الحقيقة، هي كلُّ القصة. عندما وصلتُ إلى آخرِ كلمةٍ. أحسست كأنّني آخذ “أنطوان” بين ذراعي. هل أعيش كثيرا داخل قصصي؟ أنا لا أعرف. أحيانا أقول، لا ينبغي أن تسحَبني القصّة إلى داخلها كثيرا، بل يجبُ أن أتحكم فيها وأكتبها بعقلانية أوسع، هل أنجح في هذا التحدي أم أنّني أستسلم. لست أدري؟!.
توجهت إلى القصة بعدما اكتشفت لذة سحرية في عملية السرد القصصي. الجميل والغريب، أنني لا أعرفُ أبداً، كيف أبدأ قصةً ما. توجدُ فكرَةٌ، أما القصّة، فهي تأتي هكذا.. أشعر أنها تتدحرجُ وحدها. وفي الوقت نفسه، تتجادل أصابعي، بحثاً عنِ الكلمة الدقيقة، في المكانِ المناسب. هذا برأيي ما يمنحُ القصَّة معنىً ويبعدُها عن الاضطراب. لقد أدخلت أناسا كثيرين، أعرفهم، في قصصي. وجئتُ بآخرين كذلك، منْ خيالي، أكونُ دائماً متحمّسةً لمزجِ كلّ هذه العناصر، حتّى تصبحَ في الأخيرِ، هيكلاً واحداً، شيئاً مفهوماً، وقصّة واضحة.

عندما أنهي كتابة قصة ، ثم أحسُّ ولو بقليلٍ منَ الاستحسان، أقول مع نفسي: لقد نجوت من هذه القصة.
لقد نجوت منْ عقلي. أليسَ هذا أمرا رائعا ! .

نصوص مجموعة “شمس بشارب أسود” تجري أحداثها في باريس. هذه المدينة العملاقة عبارة عن خشبة مسرح تتمرجح فوقها قصص عظيمة. الشخصيات من جنسيات متعددة، ومشاعر مختلفة، شيء واحد يربط بينهم، العمارة التي يسكنونها. من تلك العمارة تنطلق كل قصة إلى عالم آخر من فوضى وعبثية باريس. عالم تغزوه القسوة والعزلة والسادية. إذا كنت كائنا حساسا، باريس يمكنها أن تبتلعك، أن تأخذك في دوامتها وتتوه. كمية الصراع الداخلي الذي تعيشه بعض الشخصيات تبين ذلك.

أستخدم اللغة/الكتابة، بدوري، كي لا تبلعني باريس. كأنني شخصية من القصص التي أكتبها. شخصية تصطدم في باريس بعالم مجنون بالحرية والحياة. يمكن الكتابة عن أي شيء في باريس، بل كل شيء يحثك على الكتابة عنه، دون قيود أو طابوهات. أنا مجرّد أداة تكتب عنِ الحياة التي أراها حولي، ومعنى الكتابة القصصية بالنسبة إليّ يتجسد في هذه الوظيفة . أكتب عن البؤس والاغتراب المتعب. عندما تشرح شخصياتي القصصية، كل ذلكَ، وتدفعني جديا إلى الاقتران بها والسفر معها في أفضية المدينة. أصبح أقل أهمية، وأغيبُ تماما داخل النص.

وفي ما يخص الشعر الذي أكتبه بالموازاة مع القصة، فهو ليس مرتبطا تماما بهذه المدينة. المكان شيء نسبيّ كما سبق وقلتُ. كتبت بعض قصائد ديواني “قد أعرف أين أمضي” خارج باريس. بالنسبة لي هو مرتبط أكثر بالحالة النفسية. أما قصص المجموعة، فجلّها، تقريباً كُتبت في باريس الكوسموبوليتانية، وشخصيّاتها كائنات تعيشُ داخل هذا المجتمع الليبيرالي، المنفتح على ملذات الحياة. غادة، واحدة منها، تتلصص على كل ما يحدث، وهذه قصة أخرى.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.