الأدب والإيديولوجيا | عبيد لبروزيين
عبيد لبروزيين
لا يمكن فصل الأدب عن الإيديولوجيا، لأنه مادة مؤدلجة بحكم الضرورة، الكاتب عندما يغمس اليراع في الدواة، يعبر، عن مجتمعه وانتمائه السياسي والثقافي والاجتماعي، بل ويدافع عن انتمائه من خلال الدفاع عن أفكاره وتبرير سلوكاته وبسط توجهاته. ولأن الأمر يحتاج إلى التفصيل والتدقيق في الطرح، كانت الرواية النموذج الأمثل لاحتضان الطروحات الإيديولوجية، فها هو الكاتب الفرنسي، ألبير كامي، يجسد هذا التلاحم بين الأدب والإيديولوجيا من خلال روايته “الغريب”، هذه الرواية التي تكشف عن فلسفته، ورؤيته للحياة والكون، وهي طروحاته المتعلقة بالمذهب العبثي.
وكل التيارات الأدبية الغربية، تتضمن في طياتها توجهات إيديولوجية لا تخف على دارس الأدب، وعلى المتتبع للفعل الإبداعي العالمي، ولكن، الهوة بين الأدب والإيديولوجيا تتسع تارة وتضيق أخرى، ولا يمكن أن يتطابقا أبدا، لأن الأدب تعبير سام عن أفكار الإنسان ومكنوناته بأساليب انزياحية وجمالية. غير أن الإيديولوجيا في علاقتها بالأدب العربي، جعلته مؤدلجا أكثر مما ينبغي، لأن نقود النصوص الأدبية، تتمحور حول النقد الأخلاقي الذي كرسته المدرسة التقليدية، وانحصار هامش الحرية، جعل الأدب العربي، بؤرة لصراع الأفكار والتيارات السياسية، وخصوصا الأصولية الدينية والعلمانية، فها هو محمد شكري يثير زوبعة بروايته الجريئة “الخبز الحافي”، التي منعت من طرف القطاعات الوصية على الثقافة، قبل السماح بطبعها بعد تدخل اتحاد الكتاب المغاربة. وكل الأعمال النقدية حول هذه الرواية، أغفلت المكونات السردية من حدث وشخوص وزمان ومكان ووصف وحوار، وانصب اهتمامها على الموضوعات الطابو، مثل الجنس والسياسة والإلحاد، فكان النقد بئيسا جدا، لتستطيع الرواية الانتصار بطبعها أكثر من مرة، ولكن الخطير في الأمر، أن يبيح النقد الأخلاقي دم المؤلف، مثلما وقع للمؤلف الإيراني سلمان رشدي صاحب رواية “ايات شيطانية” لأنه أساء للسلطة الدينية.
وهو أمر لم يصادف أن قرأنا عنه في الأدب الغربي، ونرجع ذلك إلى اتساع هامش الحرية، وتضعضع سلطة الكنيسة، بينما نجد في تاريخ العرب، أدباء شردوا وطردوا من القبيلة (الشعراء الصعاليك)، وحتى عصرنا الراهن، كانت الإيديولوجيا ترخي بظلالها على الأدب، فما وافقها أدب جيد، وما خالفها أدب رديء، بل أكثر من ذلك، أعدم شاعر عراقي بسبب قصيدة عبر فيها عن أفكاره وآرائه. وهذا يعني أن الإيديولوجيا تتحكم في الأدب، وتوجهه نحو وجهة ترضاها السلطة السياسية والدينية.
غير أن هذا لم يمنع من ظهور كتابة أدبية شبابية ثائرة على القوالب الإيديولوجية للأدب، والتي تنشد الحرية والمساواة بشتي أنواعها، والاحتفاء بالجسد، والخوض في أمور السياسة والدين، بل هناك من البلدان العربية التي قبلت بهذا الأدب مثل المغرب، الذي أدرج رواية “أوراق” لعبد الله العروي في المقررات الدراسية بالرغم من انتقادها وضع المغرب بعد الاستقلال. وبناء علي ما سبق، يمكن القول بأن الكتابة الأدبية لا يمكن أن تتجرد من الإيديولوجيا، غير أن حضورها، أو المسافة بينهما تتسع وتضيق، وكلما ضاقت ازداد التوتر، وفقد الأدب قيمته الرمزية.
الأدب والإيديولوجيا عبيد لبروزيين 2017-10-31