الرئيسية | فكر ونقد | استراتيجية الميتاتخييل في رواية: “بعيدا من الضوضاء، قريبا من السكات” لمحمد برادة | إبراهيم قهوايجي

استراتيجية الميتاتخييل في رواية: “بعيدا من الضوضاء، قريبا من السكات” لمحمد برادة | إبراهيم قهوايجي

إبراهيم قهوايجي

 

مقدمة:

           مما لا شك فيه أن الرواية المغربية حديثة العهد، إذ يكاد لا يُجاوز ميلادها فترة الستينات، لكنها ستعرف بعد ذلك تحولا- في سياق ثقافي اتسم بالتبدل والتغير- نحو الكتابة التجريبية منذ الثمانينات، حيث الاهتمام بقضايا الشكل والتعبير  وطرائق السرد..، وستظهر تجارب روائية جديدة تخرق قواعد الجنس الروائي أو تتمرد على كل مواصفات الكتابة الروائية الكلاسيكية برؤية فنية وفكرية، جمالية ومعرفية تُدعم التحقق النصيَّ والتشكيلاتِ التقنيةَ في سياق الوعي النظري للممارسة الروائية، ومن هذه التجارب تجربة الناقد والمترجم والروائي محمد  برادة، فمنذ روايته” لعبة النسيان” سيركب هاجس التجريب الروائي الذي جعله متسربا إلى مسامات التخييل في متونه الروائية متجسدا في جملة ملامح، منها: الخطاب الميتاقصصي ومستويات اللغة، وغيرهما، غير أننا سنتوقف –في هذا العرض- عند  الملمح الأول لكثافة حضوره من خلال روايته:” بعيدا من الضوضاء، قريبا من السكات”.

الميتاقص(Métafiction ) : نحو وعي بالكتابة الروائية:

          يعني الميتاتخييل نوعا من النصوص السردية يقوم”الوعي الذاتي، بشكل منتظم، بالإحالة إلى مكانتها كصنعة أدبية، من أجل طرح أسئلة حول العلاقة بين القص والواقع”[1].  من خلال هذا التعريف، يتبيّن أن الميتاتخييل هو كتابة واعية بذاتها، إذ تجعل من الكتابة والقص وإجراءات التعبير موضوعًا لها داخل العمل السردي. وهي بذلك تُعد كتابةً نقديةً في سياق قصصي، تجعل النقد والقص في علاقة حوارية، تعكس إشكالياتِ العلاقةِ بين الكاتب وعمله، وبين الأدب والواقع، وتُشير إلى خَلط الأدوار بين سلطة الكاتب وسلطة الناقد.

      ويُنسب مصطلح الميتاتخييل إلى الكاتب الأمريكي ويليام غاسWilliam Gassفي بداية السبعينات حين وصف أعمالا أدبية تتخذ من القص موضوعا لها[2].

       إن الميتاتخييل بوصفه ممارسة روائية للنقد، يتوزع إلى مجالات عدة، منها ” اشتغال الروائي بالنقد عامة، شأنه شأن الناقد، واشتغال الروائي بنقد شغله الروائي، أو بما يتخاطب مع هذا الشغل من النقد، وكل ذلك خارج شغله الروائي، أو اشتغال الرواية بالنقد على نفسها، أو على غيرها، أو هما معا[3]، والميتاقص ملمح من ملامح التجريب الروائي  الذي” يَصُوغ نصا أدبيا يبتكر صوغه الروائي، كما يبتكر تشكيله وأبنيته وتخييله للعالم، من خلال وعي مزدوج بالمجتمع وبطرائق الكتابة عن هذا  المجتمع”[4].

          ويأخذ مصطلح الميتاتخييل عدة صيغ عند ترجمته إلى اللغة العربية، منها: القص الشارح(جابر عصفور وسعيد الغانمي)، والميتارواية (سعيد يقطين)، ونقد النقد (نبيل سليمان)الخ…

الميتاتخييل في رواية :”بعيدا من الضوضاء، قريبا من السكات”:

1–  قضايا الكتابة الروائية أو الرواية داخل رواية:

       منذ روايته الأولى”لعبة النسيان”بدأت ترتسم ملامح التجريب الروائي في تجربة محمد برادة، وبخاصة ملمح الميتاتخييل، وهذا المستوى مثير للانتباه في روايته الجديدة:”بعيدا من الضوضاء، قريبا من السكات”التي ينهج فيها الكاتب طريقة مَن يُبقي على توترات العلاقة بين الخيال والواقع داخل المنظومة المعرفية لفن صناعة الرواية، ويستعين بِحيلٍ هي مزيج من التخيل والتأمل وتشييد الفضاءات المتروكة بين القارئ وموضوعه والقارئ وشخصياته. إذ يختار الراجي لشخصيات روايته وظيفة أخرى مُضافة إلى وظيفتهم الأصلية، فَهُم ساردون ضمنيون، مثلما هم أبطال مشاركون داخل اللعبة السردية وخارجها، ويَدخل الراجي السارد الكاتب في حوار مع القارئ والشخصيات حول وضعه في السرد، وحول تصوراته لخلق وضعية بوليفونية تفسح”المجال أمام وجهات نظر الأبطال لآَنْ تَكشفَ عن نفسها بكل الامتلاء والاستقلالية.” [5] ليس فقط على مستوى الخطاب السردي، بل أيضا على مستوى الميتاقص الذي يقول بصدده الكاتب محمد برادة:” أنا لم أُحطم شيئا وإنما  كنت أُناوش الذين يتدثرون بالجدية وهم يكتبون رواية، مصدقين سلطتهم الإيهامية”[6]. فكيف يحضر ويشتغل خطاب الميتاقص في روايته الأخيرة:”بعيدا من الضوضاء، قريبا من السكات”؟

        إن محمد برادة من خلال روايته الجديدة  يتأمل في دوره من خلال منظور نقدي كي يُدخل القارئ مسرحاً خلف مسرحه. لآن كل ما يبتغيه  هو إتاحة الشخصياتِ/ الساردين سردَ حكاياتِها أي وجهاتِ نظرها، وهو التعاقد الذي وقعه المؤلف(الراجي) مع قارئه، عبر تقنية (الميتاتخييل)، ومن خلال بناء ما يُشبه المجاورةَ النصية، أو النصيةَ المتداخلة، تلك التي تضع التاريخ والشخصية والحدث تحت مُوجهات ِنص جديد يكتبه السارد ، إذ يكون هذا النص الثانويُّ هو النص المولَّد، وهو النص المتخيل الذي يكتبه السارد الذي ينهض عبر استكناهِ ذاتيٍّ للحمولات الدلالية لمجمل الوقائع والشخصيات والتاريخ والعلاقة مع الآخر أو مع الذات..

     فهل يحتاج هذا العمل الروائي إلى توضيحات استباقية، وهل تدخل توضيحات الكاتب محمد برادة في باب اللعبة الروائية، أم هي مجرد توجس يعلن فيه الناقد خوفه مِن دور السارد في إقامته لورشته الروائية التي نطلع من خلالها على جل العمليات المصاحبة لكتابة الرواية وسيروراتها وتقنياتها وإكراهاتها وقراءتها وتقويمها ؟

      يمكن في هذا الصدد أن نستعرض عناصر هذه الورشة الميتاتخييلية المؤطِّرة لكل الهواجس والقضايا النظرية والنقدية الخاصة بالكتابة الروائية القائمة على العديد من المكونات النصية التي جاءت نتيجةَ تراكم طرائقِ اشتغال الروائيٍّ  وبناء وتشكيل رواياته، إضافة إلى اشتغاله النقديّ بالرواية و تدريسه لها بالجامعة، ومن تمظهرات  اشتغال خطاب الميتاتخييل في هذه الرواية نجد العناصر التالية:

  • شروط توليد وبناء وتكون الرواية؛

  • رهان كتابة الرواية:

  • خطة كتابة الرواية وتوضيبها: (وضع جذاذات وتنظيم لائحة المتحاور معهم)؛

  • اختيار شكل السرد؛

  • انتقاء الشخصيات وتوزيع المحكيات:

  • علاقة مخطوطة الرواية بالمواد المجمعة أو علاقة التاريخ بالرواية؛

  • علاقة السير ذاتي بالروائي؛

  • جدلية القراءة والكتابة؛

  • موقع الكاتب في الرواية؛

  • مدى حياد السارد في الرواية؛

  • القارئ والرواية؛

  • علاقة السارد بالمؤلف؛

  • سلطة التخييل في الكتابة الروائية؛

  • التفكير في الزمن؛

  • الذاكرة وكتابة الرواية أو الرواية ذاكرة مفتوحة؛

  • عملية إعادة قراءة الرواية المكتوبة وتقويمها.

  • إمكان تحويل الرواية إلى رواية مسموعة أو مسرودة على جمهور محدد…

         وبهذا تتحول رواية”بعيدا من الضوضاء، قريبا من السكات” إلى مختبر حقيقي لأسئلة الكتابة والتخييل من خلال توليف رواية داخل رواية، تتشكل الرواية-الأصلية ممّا يَرويه “الراجي” خرّيج قسم التاريخ الذي ظلّ عاطلا عن العمل، والذي قَبِل العملَ مع المؤرّخ الرحماني متكفِّلا بإنجاز تحقيق أو استطلاع يَطرقُ فيه”أبوابَ مَن لم يتكلّموا بعدُ عن تلك الفترة الحافلة”من تاريخ المغرب. أما الرواية-الفرع، فتتجلى في كون الراجي تنبّه- من خلال إنجازه التحقيق/الحكاية الأصل -إلى أنّ بعض الناس الذين حاورهم حكوا له حكاياتهم الخاصّة التي وجد فيها من شروط السرد ما يجعلها صالحة لأن تكون رواية، يقول:” لم لا أكتب رواية تُسائل كتلةَ سنواتِ هذا التاريخِ الذي يعتبره الجميع أساسيا، والذي على رُغم قربه، يبدو غامضا، مُلغزا، مُثيرا للجدل والخصام والأحقاد؟ استهوتني الفكرة ووجدت فيها وسيلة لكسر رتابة الاستطلاع وبابا لإيهام النفس بأنني سأحقق أمنية طالما راودتني وأنا أُنهي قراءة رواية تترك لديّ تأثيرا يشبه السحر.”[7]  هكذا يُحول الراجي السارد حكايات الشخصيات التي الْتقاها، وسجّل قصصها في الحياة إلى رواية يُقدم مخطوطتها إلى القارئ، ليتحول من مجرد سارد إلى سارد مؤلف يستلهم حكاية الرواية من حياة ثلاث شخصيات من أجيال متباينة(توفيق الصادقي، فالح الحمزاوي ودنبيهة سمعان)،ويمنح كل شخصية الفرصة كي تعبّر عن نفسها بلسانها، ويبقى الخيط الرابط أو الجامع بين هذه المحكيات المتجاورة هو تدخلات السارد/”الراجي” الذي يقوم بوظيفة التقديم لكل مستوى منها،والتعليق على حكايات الشخصيات، إضافة إلى إيراد ملاحظاته وإيضاحاته بصددها كي يضيء للقارئ ما ظل مخبوءً أو مسكوتا عنه، لكن طبيعة ملاحظاتِه هذه تتجاوز تجربة روائي في بداياته، وتُعانق خبرةَ وحذقَ ناقدٍ متمرسِ بأسرار الفن الروائي وخفاياه.

      من خلال توليف شكل الرواية داخل الرواية نَتبينُ كيفيةَ اشتغال المحكيات البانية للرواية التخييلية باعتبارها مناصا يلعب وظيفتين: وظيفة تكوينية تقوم بتشكيل وتَكَوُّنِ الرواية من خلال إظهار كيفيةِ تشكيل الرواية من داخل الرواية نفسِها وكيفية بنائها وتشكلها، وهذا ينسحب على محكيات وملفوظات الشخصيات الثلاث، وهي وظيفة تجريبية تستعين بها الكتابة، فالتفكير في الرواية من داخل الرواية ذاتِها ساعد محمد برادة كثيراً في روايته من خلال التعليق الذاتي، وهو من بين العناصر المناصية المندرجة في الميتاقص، لأن له دورا فاعلا في الإخبار عن كيفيات تشكيل العمل الروائي والصعوبات والعمليات التي مر بها الكاتب، وكذا الهواجس الفنية والأحلام التي راودته أثناء الكتابة، وكذا التعالقات الموجودة بين الرواية الأصلية والرواية التخييلية، إذ يقول السارد المؤلف:” آن الأوان لأترككم مع الرواية التي كتبتها أثناء ما كنت أُجمّع المعلوماتِ والأجوبةَ على أسئلة الأستاذ الرحماني الذي لولاه لما تذوقتُ متعةَ العمل والأجرةَ الشهريةَ طوال عامين….بطبيعة الحال لن أخبره بالمخطوطة التي كتبتها وأنا أُنجز مشروعَه التاريخيَّ الوارفَ الظلال، لأنه لن يجد فيه ما يتطلع إلى اقتناصه ومعرفته، ولأنه قد يكون من فئة المؤرخين الذين يعتبرون التخييلَ الروائيَّ تلفيقا واختلاقا وتحريفا للحقائق الثابتة.”[8]. من هنا يتبين لنا مفارقة هذه المحكيات للتاريخ، بل هي تاريخ محلوم به، ومتخيل يعبر عن استيهامات السارد وهواجس شخصياته الأخرى، أما الكاتب الواقعي سيد الصنعة السردية فيضعنا في حيرة مصطلحية وإجرائية نظرا لوقوع هذه المحكيات بين النص الأصلي والنص التخييلي، وهو بذلك يبدع إستراتيجية كتابية جديدة، هي الاستعانة بالمحكيات الموازية والمتجاورة داخل النص الروائي ذاته، لأنه يدرك أن الرواية جنس هجين يقبل كل الأجناس الأخرى،  فينبري كناقد ليترك الرواية تفكر في ذاتِها وكيفيةِ نشأتِها وتَخلُّقِها بعد أن وضع مخططا افتراضيا لكتابتها، وأبدى كل الملاحظات بصددها ، غير أن الكاتب الواقعي محمد برادة الذي مارس وتمرّس بالصنعة الروائية يُخرجنا من التخييلي  إلى الواقعي الجلي ليقول:” يمكن أن أعانق الكتابة والحلم. وهو أمر ليس هيّنا لأن صعوبة الوصول إلى القراء تقتضي مني، أنا الآخر، أن أشحذ همّتي وأبحث عن شكل يستطيع أن يثير اهتمام القارئ المحتمل”[9]. بهذا المسار  يحتفي محمد برادة بالميتاتخييل باعتباره خطابا يفكر فيه وبه داخل روايته، يُسائل ذاته، ويُحاور أشكالَ الرواية وبنياتهِا،وتقنياتِها وأساليبِها حتى يلمس القارئ  أنه إزاء كتابة جديدة، كتابة تُعطى فيها القيمة أولا لفعل الإبداع وأشكاله.  

            أما الوظيفة الشعرية للمحكيات فتتبدى في تمفصل المحكيات على نفسها من خلال وظيفتين شعريتين جماليتين: وظيفة شعرية نصية، حيث تنخرط هذه المحكيات في الرواية، وبها تحقق نصيتها وسرديتها التخييلية، ووظيفة شعرية مناصية  تجعل المحكيات تنتمي إلى السرد التخييلي، كنص ميتاتخييلي كاشف عن جمالية هذه المحكيات من جهة، وباحث عن موقعه داخل الجهاز المفاهيمي والنظري للخطاب النقدي حول الرواية من جهة أخرى.

 2-المؤلف والسارد أية علاقة؟

      إن الفرق  بين المؤلف والسارد يتجلى في كون المؤلف واقعي و السارد تخييلي، أي شخصية ورقية على حد تعبير رولان بارت Roland Barthes، لذلك لا يحق الخلط بينهما، على اعتبار أن الأول(المؤلف) ينتمي إلى خارج المحكي، والثاني ينتمي إلى داخل المحكي، وهو الأمر الذي يُقره  واين بوث Wayne C.Bootحين يؤكد أن السارد ليس هو المؤلفَ بل شخصيةً تقمصها، وأن أهم فرق بينهما هو  القدرة الفائقة الخارقة التي يتمتع بها السارد في التواجد]الانوجاد [في زمنين ومكانين معا، لذلك بدت صورته كصورة الإله الذي يمتلك المعرفة الكلية والتي لا توازي إطلاقا معرفة الإنسان العادي[10].  ويفرق جيرار جونيت بين المؤلف والسارد انطلاقا من تفريقه بين محفل الكتابة ومحفل السرد(Instance d écriture/ Instance narrative I [11]).

           إن الناقد والروائي المغربي محمد برادة يبدو في عمله الجديد هذا كأنه يتخلى عن مهمة الروائي للسارد الذي يغدو بدوره مؤلفا روائيا، حيث يتم تبادل الأدوار  والتلفظات بين السارد والمؤلف في وضع ملتبس، فالسارد الراجي الذي يقوم بوظيفته الأساسية في السرد، يضيف إليه الكاتب محمد برادة وظيفة جديدة هي كتابة الرواية. مما يجعل التعالق بين المؤلف والسارد يتخذ صورا تكاد تخرق ما سبقت الإشارة إليه، إذ المؤلف والسارد عبر خطاب الميتاتخييل في الرواية يتبادلان الأدوار في التباس كبير؛ من هنا يحق لنا أن نتساءل عن مصدر إنتاج هذه الرواية: من هو منتجها؟ هل هو المؤلف؟ أم السارد؟  وبالتالي هل تشكل هذه الرواية مجالا لفك الارتباط بالمؤلف الحقيقي؟

           ” لقد  استحضر رولان بارت “مصطلح المؤلف ثم أماته، ورأى أن حاشية حضوره كانت رهنا(بحقوق التأليف والنشر)، وقد سعى فوكو إلى فك الارتباط بين المؤلف والشخص الذي كتب العمل الأدبي، وهو ما يعني أن هذا المؤلف قد استحال إلى كينونة ضبابية ليس دورا أو وظيفة تنفيذية، ومن تم فإننا نتقبل مقولة بارت- مع التحفظ- وتقبلنا لها راجع إلى أن هدف بارت من إماتة المؤلف هو الحد من سلطته على النص”[12].       

          في هذه الرواية، هناك تماهٍ بين سارد ومؤلف، وهذا التماهي يدفع إلى رؤية السارد بوصفه صوتا فنيا للمؤلف، فمرة يلعب الراجي دور السارد كما في هذا المتواليات التالية:

  • ” وأنا أتولى سرد المشهد الأخير من مسار توفيق الصادقي، سألجأ إلى الحياد ما استطعت تاركا القارئ أن يعيش، بدوره، حيرة التأويل وإعادة التركيب والتحوير وربما التماهي أو النفور؟”[13]

  • ” أظن أنني سأتوقف عند هذا الحد من روي قصة توفيق الصادقي،…”[14].

     ومرة بلعب دور الروائي، وفي المتواليات التالية ما ينهض دليلا على انتقال الراجي من محفل السرد إلى محفل الكتابة:

  –    ” خبرتي الروائية محدودة لا تسعفني، أنا مساعد المؤرخ، على أن أقرر في ما ستسمح به الفصول الآتية التي لم أكتبها بعد”[15].

–        ” إلا أن ما يحشرني في الزاوية، كما يقال، هو وضعي أنا، مساعد المؤرخ، الذي تحول بالصدفة إلى كاتب روائي.”[16].

        إن وظيفة كتابة الرواية التي يُلحقها محمد برادة بالراجي، تُغير- تبعا لذلك- هويتَه من محفل السرد إلى محفل الكتابة، ليكتسب صورة المؤلف، أوَ ليسَ هذا ما يشير إليه ميخائيل باختين حين يقول” .. إن صورة المؤلف هي تناقض لفظي في الحقيقة.. فهي”صورة” لها مؤلف- المؤلف الذي أبدعها. …. – المؤلف(كموضوعِ تمثيلٍ خاص) فهي مع ذلك صورة ممثلة، لها مؤلف مؤتمن على مبدإ تمثيلي، ويمكن الحديث عن مؤلف خالص شرط تمييزه عن المؤلف الممثل جزئيا، الذي يظهر في العمل(الأثر)، ويمثل جزءا لا يتجزء منه.”[17]

            لعل ما يشغل الناقد الروائي محمد برادة من خلال حيلته الروائية هذه، هو فك الارتباط بين من يتكلم ومن يسرد، أ ي من أي موقع يتم إنجاز ذلك؟ وأين يوجد الروائي حين يلاحق أزمنة شخصيات روايته. وأين يوجد السارد؟” هكذا نستشف مقصدية محمد برادة، أو هكذا يحاول أن يدير بها حكاية تاريخ المجتمع المغربي خلال خمسين سنة انصرمت.

           وإذا نظرنا إلى المؤلف باعتباره قائما بالكتابة فقط، فإن النظر لا بد أن يتجه إلى السارد باعتباره منتجا تنفيذيا لهذه الكتابة. هناك،إذن،علاقةُ تماهٍ بينهما تتخلل فصول الرواية التي تغدو مصدرا نتعرف من خلاله على السارد/المؤلف  أو السارد/المسرود له الذي أصبح علامة نصية، ومع تلك الصيرورة تنتفي الإحالة إلى السيرة الذاتية للمؤلف والعالم الخارجي، وبالتالي إلى المؤلف الحقيقي.

         هناك، إذن، تبادل لأدوار التلفظ، فبقدر ما ينبغي وجود علاقة بين المؤلف الحقيقي والسارد، بقدر ما يُكسِّر فيها محمد برادة وهم التطابق الذي نشأ بسبب الربط بين الصيغة الأدبية ووقائع خارجية غير نصية، ولعل دافعه وراء ذلك كان معالجة بعض المشكلات الميتاتخييلية، وما ترتب عنها من تحديد عنصر السارد بكونه(السارد الكاتب)، وتبقى معادلة السارد هو المؤلف مكثفة الحضور في الفصلين الأول والأخير على وجه الخصوص، بغية الوصول إلى المعضلة الأساسية، وهي تنبيه الكاتبِ القارئَ إلى خطأ القراءة المؤسسةِ على الخلط بين الحقيقيِّ والتخييلي، بين ما هو حقيقي وبين ما هو مجازي وبين التجربة الواقعية والتجربة الفنية، وبالتبعية بين المؤلف الحقيقي والسارد. ولعل السارد يدرك حالة الارتباك التي يعانيها، لِيصرحَ:”وأنا أتولى سرد المشهد الأخير من مسار توفيق الصادقي، سألجأ إلى الحياد ما استطعت، تاركا للقارئ أن يعيش، بدوره حيرة التأويل وإعادة التركيب والتحوير، وربما التماهي أو النفور؟”[18]. وبهذا يمنحنا سارد” بعيدا من الضوضاء، قريبا من السكات” ما به نكشف السردَ: مادتَه وكيفيتَه، فسرده يستند إلى الاستعارةِ من الواقع الخارجي: استعارةِ الشخصيات الثلاث ومحكياتِها وأحداثِها التي تُوصف بأنها حقيقية، لكنه يقوم بإعادة بنائها تخييليا إذا ما استعملنا تعبير الساردِ نفسِه حين يقول:” كل تخييل يقترن بما يعاكسه، لا توجد حياة واقعية إلا ضمن منطق مرافق يقتضي تغيير الحياة باتجاه عوالم متخيلة” [19]. فالسارد يريد بناء النص الروائي بخطاب لا يعتمد الإقصاء والإزاحة، أي أنه لا يُزيح الحقيقيَّ لصالحِ التخييلي، ولا التخييليَّ لصالح ِالحقيقي، بل يحتفظ بالعنصرين معا، لكنه خطاب لا يَمزج بينهما، بل يَخترق الحقيقيَّ بالتخييلي، وفعلُ الاختراقِ هذا يُبقي على الحقيقيِّ واضعا التخييليَّ في مركزِه، وهو ما يسبب الارتباك والاضطراب، وبالتالي يُلغي علاقة التطابق بينهما.

       وإذا تمعنّا قليلا ألفينا السارد هو الذي يتكلم، وصوته يَخترق حياةَ المؤلِّف مثلما يَخترقُ حيواتِ شخصياته، فالمؤلف الحقيقي يُمثل بالنسبة للسارد شخصية مبدعة حقيقية، ومن تم فهي بحكم انتمائها إلى عالم الواقع قادرة لأن يخترقها خطاب السارد بالتخييل الروائي، فتلج العناصر التي تنتمي إلى الحياة الحقيقية للمؤلف في شخصية السارد،  وتغدو جزءا من تركيبتها باعتبارها شخصية أدبية لها تجربة خاصة تسردها لنا، وهذا ما يضع حدا لحالة الارتباك والخلط لدينا بوصفنا مجرد قراء يربكنا هذا النوع من خطاب السارد، وفي هذا السياق يكون من المفيد أن نستمع إلى السارد وهو يقول:” أعلم أني لست شخصية أساسية في روايتي التي ستقرؤونها، وأن ليس مهما أن يتعرف القارئ على السارد أو المؤلف، خاصة إذا لم يكن فاعلا، مشاركا في الأحداث. غير أني تنبهت وأنا أكتب عن شخوص ووقائع تعرفت عليها في عجالة أو سمعت من يحكي عنها، أن مسألة الوصول إلى”الحقيقة” أو الوقوف على جوهر ما يشكل التاريخ، تظل مسألة جد نسبية وزئبقية. فضلا عن ذلك، هي تبقى مفتوحة على عناصر أخرى كامنة لدى من يقرأ أو يسمع. لذلك، يكون من الأفضل أن نقدم كل ما نظن أو نتخيل أن له وشائجَ بما نستشعر أنه قد ينطوي على حقيقة معينة، ونريد أن نشرك القارئ معنا في اقتناصها. من هنا وجدت أن ما أسرده عن حياتي، في وصفي كاتبا وساردا، يفتقر إلى الكثير من الأحداث والتفاصيل. صحيح أن الأمر لا يتعلق بسيرتي الذاتية، ومع ذلك أجد في ما كتبته عن شخصيات روايتي وهمومها، ما يتقاطع ومسيرتي التي لم تبلغ بعد ثلاثين سنة… ما الضرر، إذن، في أن ألخص ما أظن أنه مضيء لموقعي الملتبس، المجاور لعالم الرواية؟”[20].     

3 –   من القراءة إلى الكتابة :نحو قارئ جديد :

        يفتتح “جان ريكاردو” كتابه الموسوم بــــــ” الرواية الجديدة” بجملة هي : ” إلى القراء الجدد/Au nouveaux lecteurs“، وهذه العبارة تُبرز أن الرواية الجديدة تستلزم قارئا جديدا غير خاضع لخلفية نصية تقليدية، وبالتالي فإن قارئها يجد نفسه”مَدعوا لتغيير أفق انتظاره، لأن أفقَ انتظار النص الذي يقرؤه يتحدد من خلال إشارات تختلف عن إشارات النص الكلاسيكي، وهو ما يستدعي منه استراتيجية قرائية جديدة تقوم على أساس أن القراءة هي إعادة بناء إبداعية لنص بقدر ما يبدو مُتحلِّلاـ، بقدر ما يطرح تساؤلاتٍ تستدعي إعادةَ بنائه وفق تصور كل قارئ على حدة،..”[21].  و ما دامت الرواية الجديدة تحطم قوالبَ الرواية الكلاسيكية وخلفيتَها النصية، وتقترح مفاهيمَ جديدةً في اللغة والكتابة والأسلوب والتقنية ..الخ.  فإنها ابتكرت أنماطاً سردية أكثر حداثة وتعقيداً باعتبارها استجابة طبيعية إلى ما عُرف بسلطة القارئ، التي ظهرت روائيا تحت عنوان” الجمهور الجديد”، وصولاً إلى مصطلح “القارئ النموذجي” الذي شكل مصطلحا  متداولا بقوة وكثافة.

        ولا تخرج رواية” بعيدا من الضوضاء، قريبا من السكات” عن هذا المنحى، حيث تبدو واضحة الصلة بالقارئ،  وبالأداء الخاص له في العمل الذي يُقَدَّمُ في سياقات سردية عديدة، وذلك عبر التعليق على مقاطع سابقة منه، أو مقاطع متواقتة مع زمن التوجه إلى القارئ، يقول السارد:” أعلم أنني لست شخصية أساسية في روايتي التي ستقرؤونها، وأن ليس مهما أن يتعرف القارئ على السارد أو المؤلف، خاصة إذا لم يكن فاعلا، مشاركا في الأحداث.”[22].

        إن صوت القارئ في هذه الرواية يتجلى بطريقة ضمنية غالبا أو مباشرة أحيانا، لأنها-على الأقل- تقوم على ثلاثة عناصر مهمة: ثقافة القارئ، وثقافة الشخوص، وثقافة المرجع (المحكيات المستدعاة من  تاريخ المغرب المعاصر)، وقد قام محمد برادة باستدعاء شخوص واقعية/تاريخية بعينها مخاطبًا القارئ الباحث عن تحقيق أغراضه الشخصية في الواقع من خلال وقائع تاريخية ممزوجة بما هو ذاتي. وتبرز صورة القارئ بشكل كبير لحظة استدعاء بعض عناصر خطاب الميتاقص، خصوصا في علاقة السارد/الكاتب بالقارئ- مثلا- حيث يقول السارد:”غير أنني تنبهت وأنا أكتب عن شخوص ووقائع تعرفت عليها في عجالة أو سمعت من يحكي عنها، أن مسألة الوصول إلى”الحقيقة” أو الوقوف على جوهر ما يشكل التاريخ، تظل مسألة نسبية وزئبقية. فضلا عن ذلك، هي تبقى مفتوحة على عناصر أخرى كامنة لدى من يقرأ أو يستمع”[23]، وقد رصد السارد حركية القارئ  من خلال الفضاء النصى المكتوب، مشيرًا بعلامات الترقيم إلى استكمال الفراغات والبياضات،(…)، كما في هذه المتوالية السردية:” أخذ النقاش وقتا طويلا وتشعبت الآراء…، خاصة وأن المواجهة مع المخزن وتفاقم أزمنة الرصاص سيوحيان للرأي العام أن هناك تراجعا عن اختياراتنا الثورية وتنكرا لمبادئ حركة التحرير الشعبية التي يُعتبر الحزب امتدادا لها…”[24].

       فهناك،إذن، إشارة واضحة إلى جر القارئ/المتلقي للتفاعل المنتج أثناء تَجواله فى فضاءات ومسالك العمل الروائى، لذلك يحاول السارد فى أحايين كثيرة ركوب خطاب الميتاتخييل كى يوجهه إلى هذا التفاعل، يقول السارد:” لازمتني فكرة السرد المتزامن الذي يجعل الأحداث والوقائع والشخوص تجري وتتحدث في نفس الآن، خاصة وأنها تنتمي لنفس البلاد والتاريخ، الكلام سَيُمايِزُ بين الشخصيات والحقب لكن الحوار والسرد في صيغة الحاضر سيضع التاريخ في فضاء واحد وسيتيح للقارئ أن يقارن ويستنتج ويتفاعل.”[25] .

    إن هذه النماذج السردية التي اجتزأناها للاستدلال على أن للقارئ الراهن حضورًا رئيسًا فى بناء هذه الرواية، تحتفي كثيرًا بالقارئ على طريقتها الواعية والمفكر فيها، نظرا لما يمثله من وجود حقيقى داخل العالم الروائى، خصوصا وأن الرواية الجديدة أصبحت تعي ذلك جيدًا، مما جعل القارئ المشارك تقنية مهمة فى بناء العمل الروائي. من هذه الزاوية لم يعد نص”بعيدا من الضوضاء، قريبا من السكات” فضاء لتتبع مراحل قصة بشخوصها ونقطها البؤرية التي تنمو وتتطور في اتجاه النهاية. بل غدا نصا ناقصا وأقلَّ تحديدا، وهو ما يَعترف به السارد المؤلف نفسُه في قوله:” خبرتي الروائية محدودة لا تسعفني، أنا مساعد المؤرخ، على أن أقرر في ما ستسمح به الفصول الآتية التي لم أكتبها بعد”[26]، وهي دعوة لقارئه الذي يتعين عليه عمل جاد وتفاعلي لكي يُجسد ويُشيِّد معالم هذه الرواية، ويجعلَ عناصرها المتناقضة متلاحمة، وذلك من منطلق تنصيص السارد في غير ما موضع من الرواية على أن”التخييلي “شيء انتقائي” يحوم دائما بين الواقعي والخيالي رابطا بينهما، أو هو عنصر يُخضع الكل الواقعي، يقول السارد:” كل تخييل يقترن بما يعاكسه، أي الاعتقاد بوجود عالم ملموس إلى جانبه، وفي الوقت نفسه لا توجد حياة واقعية إلا ضمن منطق يقتضي تغيير الحياة باتجاه عوالم متخيلة” [27] .

      ولا يكتفي السارد بالتأكيد على ميثاق القراءة المصرّح به لتجسير العلاقة مع القارئ، بل يُغريه، برواية مكتوبة من طرف سارد مؤلف هو الراجي، فهو كروائي تجريبي لا يكف عن مجادلة القارئ لإقناعه بفتح سردي مغاير، من خلال كتابة تَستدعي التخييل، وتُشَيَّدُ داخل مختبر معرفي جمالي مفارق للتاريخ وللسيرة الذاتية، لِتَشدَّ القارئ إلى روايته، ولتَهبَ نصه تفاعلا تشاركيا، فتنزاح بقارئها عن عاداته في التلقي، لِتجعلَه قارئا متجددا أبدا. ومن ذات المنطلق يلجأ السارد المؤلف إلى توصيف روايته بـــــ( المخطوطة) كي يستدعيَ القارئ ويحثَّه على استكمال البياضات والثقوب فيها.

               من أجل كل ما سبق، يختزن “القارئ النموذجي”خبرات الوعي الناقد، الذي هو ضالة الروائي، ويبدو ذلك جلياً في هذه الرواية التجريبية، حيث سيادة القراءة التفاعلية بين النص والقارئ، من أجل أن يكشف النص عن مسار بنيته التكوينية من خلال العلاقة المضمرة بين القارئ المزوّد بخبرات لغوية ولا لغوية من خارج النص، وبين السارد المؤلف قصد الوصول إلى ممكنات النص بطريقة لا محدودة، لذلك تُوفر هذه الروايةُ استراتيجيةً نصيةً كفيلةً ببناء قارئ بمواصفات معرفية خاصة من أجل فتح أبوابها، والتفاعل مع عوالمها. ومن، هنا، تغدو عمليّةُ  قراءتِها عمليةً عسيرةً تتطلّب من القارئ جهدا ووقتا وتفرّغا، وتسلّحا بالعلم والمعرفة والثقافة.

          تأسيسا على ما سبق، فإن” رواية:”بعيدا من الضوضاء، قريبا من السكات” تعلن عن بعض علامات ذلك الوعي الكتابي لتجريبِ”ميثاقِ قراءةٍ”مُغاير، ينهض على مجادلة القارئ داخل النص، اعترافا به كسلطة جديدة، وإقراراً بالطابع النشط والخلاق لفعل قراءته، الأمر الذي حتّم استدعاء “كاتب ضمني” بمفهوم آيزر، يؤدي القارئ مهمة بنائه مقابل”القارئ الضمني” بما هو صورة مخالفة للسارد، وهي محاولة ترنو لتجريب وعي كتابي يحتم تطور فعل القراءة والتلقي، والتوقيع على شكل مغاير وصادم من أشكال الوجود السردي، خاصة وأن النص يُمثل آلة كسولة أو مقتصدة- على حد تعبير أمبرتو إيكو- وهي آلة تحيا على قيمة المعنى الزائدة التي يكون القارئ قد أدخلها إلى النص من خلال قراءة تقوده إلى  بناء عالمه المتخيل من جديد. أي أن”القارئ ،هنا، يُعيد تأسيس عالم فريد من أشياء وأشخاص ومواقف وأحداث تكون في علاقات معقدة ومتداخلة”[28] . إن القارئ بهذا المعنى لهو قارئ جديد، فاعل نشط، ولنقل: إنه قارئ مبدع يبث نشاطه عبر النص لينجز إبداعاً جديداً، ومن هنا تتبين لنا أهمية التجريب في تطوير هذا التكامل المعرفي الأخاذ بين منظومة الاتصال ثلاثية الأطراف:( المؤلف،النص،القارئ ). وهكذا يبقى جدل الكتابة والقراءة مشروعا متكاملا يلهث خلفه الكاتب محمد برادة من خلال هذه الرواية لتظل رحلة القراءة فعلا خلاقا قد يُضاهي فعل الكتابة نفسَه، وليس مجردَ عملٍ استهلاكيٍّ سلبي.

4- التفكير في الزمن- التفكير في الكتابة:

       إن “زمن الخطاب هو، بمعنى من المعاني، زمن خطي، في حين أن زمن القصة هو زمن متعدد الأبعاد. وفي القصة يمكن لأحداث كثيرة أن تجريَ في آن واحد، لكن الخطاب ملزم بأن يرتبها ترتيبا متتاليا يأتي الواحد تلو الآخر. من هنا، تأتي ضرورة إيقاف التتالي الطبيعي للأحداث، حتى وإن أراد المؤلف اتباعه عن قرب.غير أن ما يحصل، في أغلب الأحيان، هو أن الكاتب لا يحاول الرجوع إلى هذا التتالي”الطبيعي” لكونه يستخدم التحريف الزمني لأغراض جمالية”[29]، هذا الخرق الزمني يعد من أهم التقنيات التي تجعل بالإمكان الوقوف على التداخل الإبداعي للكاتب في تخطيب القصة، وبالتالي، يتبين أن التقديم والتأخير على المستوى الزمني وثيق الصلة بوجهة النظر الناشئة مباشرة  بعد مرور الزمن. ولعل هذا التحريف الزمني مُستدعىً بقوة في رواية” بعيدا من الضوضاء، قريبا من السكات”، وهو تقنية يسعى الروائي من خلالها إلى إعطاء روايته جماليةً وتلقياً خاصين. وبما أن روايته هي رواية ذاكرة بامتياز،  فإنها تعي أن الذاكرة:”حقلٌ واسع تتعايش داخله وتتساكن أزمنةٌ مختلفة، وعند السرد لا مناص من بنائه  على كثير من المسكوت عنه، إذ لا يستطيع السارد أن يأتي على ذكر جميع التفاصيل ولا أن يقيم العلائق السببية الرابطة بين ما تحكيه الذاكرة وتستحضره.. ولذلك فإن نظام السرد ليس تعاقبيا، بل هو قائم على الانقطاعات، وعلى انتقاء هذه المقاطع والمشاهد. لن يكون،إذن،التدرج من”بداية”مفترضة إلى نهاية مرتقبة هو سمة السرد في هذا النص”[30].

      إن هذه الخلخة الزمنية لا يخلو منها أي جزء من هذه الرواية، إذ غالبا ما يتم الانطلاق من حدث في الحاضر لِتنثال الذكريات بعد ذلك مُيمّمةً وجهها صوب الماضي البعيد، لِتؤوب بعده إلى الحاضر، وما يهمنا في عنصر الزمن في هذه الرواية باعتباره اشتغالا ميتاقصيا، هو توجه الرواية نفسِها إلى ممارسة التفكير في الزمن باعتباره تفكيرا في الكتابة، كما نجد ذلك عند الروائيين الكبار أمثال مارسيلMarcel Prust بروست وجيمس جويس james joyceودوس باسوس Roderigo Dos Passos وفولكنر William Faulkner ؛ إذ تجعل هذه الرواية الزمن فضاء للبحث والتأمل، وتمنحه وجوده الذاتي بغية الوقوف على قوته وخصوصيته.  ولعل الحضور المكثف للذاكرة داخل رواية:”بعيدا من الضوضاء، قريبا من السكات” هو ما جعل التفكير في الزمن يُستدعى بهذه الدرجة قصد الوقوف عند التأثيرات التي يمارسها الزمن كثيرا في علاقته بين الذاكرة والشخصيات، فالزمن لا يُستحضر كإطار للأحداث، بقدر ما يُؤثر بكل عمقه في سيرورتها، وليس في شكل خلفية جامدة أو في معطىً مصنوعٍ ونهائي، بل إن الأحداث لا تُدرك دون الأخذ بعين الاعتبار فعلَ الزمن بكل تجلياته، وخاصة المأساوية منها. فنحن، مثلا، لا يمكننا إدراك السخط الذي انتاب توفيق الصادقي جراء رسالة ضيفه الفرنسي دون أن نرجع إلى التأثير الذي ظلت تمارسه عليه الثقافة ُالفرنسية على مر الزمن. مثل هذا الحدث يؤكد أن الذاكرة يمكن استدعاءُ فاعليتِها في أيِّ لحظة زمنية، وهو ما يجعل الزمن متداخلا أكثر مما يتميز بالتتابع، وخاصة في المتواليات ذات الطابع الجواني الحميمي، وهذا ما يُظهِر لنا أنه لا يمكن إدراك الأحداث في هذه الرواية إلا من خلال تَذَكُّرات الشخوصِ وتفكيرِهم في الزمن. ويُلاحظ أن هذا التفكير في الزمن يَحضر بقوة في ملفوظ الشخصيات، يقول فالح الحمزاوي:”أعلم أن محاولة استرجاع لحظات مضيئة من طفولتي ومراهقتي تظل بعيدة عن أن تُعانق  تماما ما عشته؛ فوقائع الماضي البعيد تحولها الذاكرة، أو بالأحرى تُعيد عجنها، لِتُكسبها ألقا خاصا نستعيدها معزولةً عن سياقها البدئي، مفصولةً عن ألياف الزمن وظلاله التي كانت تغطيها”[31]. هكذا يتغير مفهوم الزمن تحت فعل التذكر، ويغدو مجالا للتمازج والاختلاط  لا التمايز. وبين الانتقال من البعد الخارجي للأشياء إلى بعدها الداخلي، يتم تحويل ما قد يبدو عاديا إلى أمر قمين بالتفكر والتأمل، كما في هذا المقطع السردي على لسان د نبيهة سمعان:”والزمن بدوره تسلل إلى الوعي ليشحذ إحساسي بالفوات واندثار ديمومة الأشياء، وقد يتبقى شيء من اللحظات التي نشارك في جعلها متألقة، متلألئة في الذاكرة، ومن ثم بدأتُ أستشعر نهايةَ تلك اللحظات وضرورةَ السعي إلى خلق أخرى تطل على زمن آت”[32]، وقول السارد:”على هذا النحو سنجد عشرات الأصوات والأغاني تَبعث أمامنا مشاهدَ من زمن توارى خلف مستجداتٍ لا تكف عن الجريان. أسماء كثيرة تنبعث من مرقدها..”[33].

        وبالرغم من الاقتناع بعدم إمكان استعادة الماضي- على اعتبار أن سؤال الزمن المغربي ظل ملتبسا، خاصة فيما يتعلق بالهاجس السياسي، الذي يسير عكس ما تحلم به الشخصيات سواء على مستوى الواقع أو المتخيل في الغالب، يترسخ الاعتقاد بأن التذكر يسمح بالخروج من اليومي ليربط العلاقة بين المتذكر والمعيش والمتخيل، وهذه العملية يستحضرها السارد في خطاب من الميتاقص، يقول:” نستجمع الأشخاصَ والفضاءاتِ والأحداثَ التي عايشناها منذ الطفولة، لِنعيد ترتيبها وإدراجَها في حالاتٍ وتجسيداتٍ متباينة. قبيلةٌ من الشخوص والسحنات والحوارات نعيد عجنها وتسويتها وفق ما يحلو لمخيلتنا، مُتنقلين بين الفترات والأزمنة، مُحورين ما لا يروق لنا، صانعين عالما موازيا يكون حقيقيا وتخييليا في الآن نفسه”[34]، من هنا حضور الذاكرة في الرواية لِلَحم الزمن ومقاومة” البِلى والتهدم “وجفاف الأنساغ.

     لا يحضر التفكير في الزمن في ثنايا خطاب الميتاقص داخل الرواية فقط، وإنما يحضر كمحور عميق بين السارد وذاته ليظل الزمن يُضيّق الخناق على ذاته التي تغدو ضحية تماهٍ غريب مع الماضي المستعاد، عبر التفكر فيه، بنجاحاته وإخفاقاته، من خلال حوار عميق ودائم مع الذاكرة. 
          ويحضر التفكير في الزمن  بين المؤلف من جهة، وبين السارد والشخصيات من جهة أخرى، حيث يتم استبعاد اصطلاح موحد وتام حول مفهوم الزمن، لأن كل واحد منهم له منظوره الخاص للزمن تتداخل مستوياتُه في التجربة، إضافة إلى كون الزمن يخضع للتغير نتيجة وعي الناس بتجربتهم، يقول السارد:” نزور بقايا مدينة وليلي، الأهرام، معابد الهند، مساجد سمرقند، قصر فرساي… فلا نحس أن تلك الفضاءاتِ في حاجة إلى زمنها، لأنها تبدو شامخة، مستقلة بوجودها خارج السياق. عندئد ينبع الزمن، منا نحن الزائرين، لأننا نحاول أن نقيس زمننا باللازمن الذي أصبحت تنتمي إلية تلك الأمكنةّ”[35]. فالزمن،إذن، مرتبط بالكينونة الإنسانية، وتغير هذه الكينونة هو السبب في تغير الزمن وتغير

المنظور إليه، ولعل هذا ما يقرره ميخائيل باختين في قوله:”فالكل الزمني هو شكل دال زمنيا لحياته الداخلية، ينمو  انطلاقا من فائض الرؤية الزمنية المتوفَّر لديَّ عن روح أخرى، فائض يدخل ضمن ما هو متعالي عليه، ويضمن الاكتمال لــ”كل”الحياة الداخلية..”[36]. بالرغم من هذا المنحى الفلسفي لمثل هذا النقاش، فإنه يظل غير بعيد عن هواجس وإشكالات الكتابة الروائية، باعتباره يعد تجاوزا لتصور الزمن في طبعة الرواية الكلاسيكية، حيث تمتعُه بالوجود الموضوعي والاستقلال عن الشخصية، بينما الزمن في نسخة الرواية الحديثة يحضى بتنسيبه وربطه بالشخصية. وهو التصور الذي يصدر عن السارد بخصوص كلامه عن نبيهة سمعان، حيث يقول:” في كل لقاء أحضره بالصالون، أحس أن د نبيهة ممتلئة بأحلام جديدة، وأنها تسعى إلى ابتداع مسالك تجعلها قيد التحقيق. هي لا تنظر فقط إلى الظرفي، الرازح على أكتاف الحياة اليومية، بل تنقلنا دوما إلى ذلك الممكن الثاوي في أعماقنا ووعينا الغافي”[37]، من هنا اعتبار الزمن في ثباته عنصرا  متجددا على الدوام، وهو ما يتماشى ورهان الكتابة الروائية الحديثة في قول السارد الكاتب:” ستكون كتابة الرواية هي اختياري، لأن إنتاج عمل إبداعي يحررني من عذاب الوقت والانتظار، وسيمنح القراء والمستمعين حرية تتحدر من طاقة انفعالية تحررنا من الاستلاب والتشييىء وبلادة الروح والجسد.”[38].

على سبيل الختم:

        يظل محمد برادة  في روايته ” بعيدا من الضوضاء، قريبا من السكات”وفيا لنهجه التجريبي الذي اختطه في رواياته السابقة، حيث تُشكل روايتُه الجديدةُ حقلا خصبا لِتناسل اللغات وتصارعِ القيم وتشابكِ الأفكار والمواقف، والحضورِ المكثفِ للغة العامية المغربية، إضافة إلى اللغة الأجنبية ، واللغة العربية الفصحى الأنيقة التي تضطلع برتق الخيوط اللغوية،وبالتالي إحساس الكاتب بهذا التعدد اللغوي ومستوياته “.. من الداخل، نجح أيضا في النظر إليها من الخارج على ضوء اللغات الأخرى، الإحساس بها بصفتها خصوصية ومحددة، بكل نسبيتها ونزعتها الانسانية”[39] ، وصهر الخطابات المتخللة للنص، حيث نجد الرسالة والخطبة السياسية والتحقيق المباشر، والنقد الأدبي. ناهيك عن نصوص غناء العيطة المغربية، وبعض المأثورات والحكم والأمثال والقرآن الكريم والأحاديث النبوية والمذكرات التي يستلهمها الروائي لتعزيز المحكي ومقولاته الدلالية. لكن يبقى توظيف الكاتب وعيه النظري والنقدي في الممارسة النصية المتبلورة في خطاب الميتاتخييل أهم ملمح تجريبي، إذ يتّخذ من متنه ورشا مفتوحا على أسئلة الكتابة الروائية الحديثة وصياغتها الفنية التي تعمل على تشغيل وعي المتلقي وإثارة أسئلته  على اعتبار أن هذا المستوى يشكل اختيارا سرديا يراهن عليه كاتبنا من أجل تأسيس كتابة روائية حديثة ومتناغمة مع المتغيرات. ومرسخةً لتجربة الرواية الحديثة في حقل الإبداع الروائي المغربي الحديث استجابة لذائقته النقدية.

 

 ابراهيم قهوايجي باحث في الأدب المغربي الحديث: التاريخ والخطاب، جامعة ابن طفيل، القنيطرة، المغرب.*

قائمة المصادر والمراجع:

  1. المصدر:

  • برادة محمد: “بعيدا من الضوضاء، قريبا من السكات”، ط1، دار الفنك ،2014 ، الدار البيضاء، المغرب.

  1. المراجع:

  • الكتب:

  • أحمد عبد المقصود أحمد ،” السارد والمؤلف، الحضور والتماهي في الكتابة الروائية الجديدة في مصر”، ضمن كتاب”مؤتمر أدباء مصر”أسئلة السرد الجديد” الدورة23، محافظة مطروح(2008) الهيئة العامة لقصور الثقافة،القاهرة.

  • باختين ميخائيل،”شعرية دوستويفسكي”، تر جميل نصيف التكريتي، دار توبقال للنشر،الدار البيضاء، دار الشؤون الثقافية العامة،بغداد،ط1، 1986 .

  • باختين ميخائيل،”جمالية الإبداع اللفظي”، تر شكير نصر الدين، دال للنشر والتوزيع، دمشق/سورية.ط1، 2011،

  • باختين ميخائيل،”أعمال فرانسوا رابليه والثقافة الشعبية في العصر الوسيط وإبان عصر النهضة”، تر شكير عبد المجيد، منشورات الجمل،، بغداد، بيروت، ط1،2015.

  • برادة محمد،”الرواية ورهان التجديد”، كتاب دبي الثقافية،ع49، ط1، مايو2011 .

  • برادة محمد، الرواية ذاكرة مفتوحة، دار آفاق،القاهرة، 2008.

  • عز الدين التازي محمد ،”التجريب الروائي وتشكيل خطاب روائي جديد”، بحث مقدم لندوة الرواية العربية، المجلس الأعلى للثقافة، الدورة الخامسة لملتقى القاهرة للإبداع الروائي العربي،”الرواية العربية إلى أين؟12-15 ديسمبر2010.

  • عفط محمد،”الرواية الحديثة:بنيات وتحولات الرواية المغربية الحديثة، رواية الثمانينات نموذجا” أطروحة لنيل دبلوم الدارسة العليا مرقونة بكلية الآداب بمكناس، تحت إشراف د حسن المنيعي نوقشت1992.

  • لينفلت جاب، “مقتضيات النص السردي، تر مجموعة من الباحثين، منشورات اتحاد كتاب المغرب، الرباط.

  • الملاحق الثقافية:

  • برادة محمد،” تحويل السيرة إلى تخييل والتذكر إلى تجربة”، الملحق الثقافي للاتحاد الاشتراكي، 0 عدد،294، الأحد 10شتنبر1990.

  • برادة محمد،حوار حول” لعبة النسيان”،جريدة: “الحوار الأكاديمي والجامعي”،ع3،مارس1988،

  • الكتب باللغة الأجنبية:

Currie Mark ,Métafiction ,Waugh, London et New York, Longman,1995.

– G .Gérard, Figure3 ; essai de méthodie,Céres,TUNIS.1984 .

Waugh Patricia ,Métafiction : The Theory and Practis of self-Conscious Fiction .London et New York.,Methue, ,1984.

*باحث في مكونات الأدب المغربي الحديث والمعاصر: التاريخ والخطاب، جامعة ابن طفيل، القنيطرة، المغرب

[1] Patricia Waugh ,Métafiction : The Theory and Practis of self-Conscious Fiction .London et New York.,Methue, ,1984,p2

[2] Mark Currie ,Métafiction ,Waugh, London et New York, Longman,1995, p 1

  [3]  سليمان نبيل،فتنة السرد والنقد ، دار الحوار، اللاذقية، 1994، ص41

[4]    التازي محمد عز الدين،”التجريب الروائي وتشكيل خطاب روائي جديد”، بحث مقدم لندوة الرواية العربية ،المجلس الأعلى للثقافة، الدورة الخامسة لملتقى القاهرة للإبداع الروائي العربي،”الرواية العربية إلى أين؟ديسمبر2010،ص10

[5]  باختين ميخائيل،”شعرية دوستويفسكي”، ترجميل نصيف التكريتي، ط 1، دار توبقال للنشر،الدار البيضاء، دار الشؤون الثقافية العامة، بغداد،1986ص95.

[6]   برادة محمد، حوار حول” لعبة النسيان”،جريدة”الحوار الأكاديمي والجامعي”،ع3،مارس1988،ص16

 برادة محمد،” بعيدا من الضوضاء، قريبا من السكات”، ط1 ، نشر الفنك، الدار البيضاء ،2014، ص11[7]

[8] برادة محمد،” بعيدا من الضوضاء، قريبا من السكات”،م س، ص25

 برادة محمد،” بعيدا من الضوضاء، قريبا من السكات”،م س ،ص218-219[9]

  [10]   لينفلت جاب،”مقتضيات النص السردي، تر مجموعة من الباحثين، منشورات اتحاد كتاب المغرب، الرباط، ص93

[11]   Gennette. G , Figure3 ; essai de méthodie,Céres,TUNIS.1984 .P 345

[12]  عبد المقصود أحمد أحمد،” السارد والمؤلف، الحضور والتماهي في الكتابة الروائية الجديدة في مصر”، ضمن كتاب”مؤتمر أدباء مصر”أسئلة السرد الجديد” الدورة23، محافظة مطروح(2008) الهيئة العامة لقصور الثقافة،القاهرة،ص150

  برادة محمد ،” بعيدا من الضوضاء، قريبا من السكات”،م س،ص76[13]

برادة محمد ،” بعيدا من الضوضاء، قريبا من السكات”،م س،ص90  [14]

 برادة محمد ،” بعيدا من الضوضاء، قريبا من السكات”،م س،ص90[15]  

 برادة محمد ،” بعيدا من الضوضاء، قريبا من السكات”،م س،ص215 [16]

 باختين ميخائيل ،”جمالية الإبداع اللفظي”، تر  شكير نصر الدين، ط1، دال للنشر والتوزيع، 2011،دمشق/سورية،ص249[17]

 برادة محمد،” بعيدا من الضوضاء، قريبا من السكات”،م،س،ص76 [18]

 برادة محمد ،” بعيدا من الضوضاء، قريبا من السكات”،م س،ص136 [19]

  برادة محمد ،” بعيدا من الضوضاء، قريبا من السكات”، م س،ص18-19 [20]  

  [21] عفط محمد،”الرواية الحديثة:بنيات وتحولات الرواية المغربية الحديثة، رواية الثمانينات نموذجا” أطروحة لنيل دبلوم الدارسة العليا  مرقونة بكلية الآداب بمكناس، تحت إشراف د حسن المنيعي،نوقشت 1992،ص104-105

 برادة محمد ،” بعيدا من الضوضاء، قريبا من السكات”،م س،ص18 [22]

 برادة محمد ،” بعيدا من الضوضاء، قريبا من السكات”، م س،ص18 [23]

  برادة محمد ،” بعيدا من الضوضاء، قريبا من السكات”،م س،ص114 [24]

 برادة محمد ،” بعيدا من الضوضاء، قريبا من السكات”، م س،ص 12 [25]

برادة محمد ،” بعيدا من الضوضاء، قريبا من السكات”،م س،ص90 [26]

 برادة محمد ،” بعيدا من الضوضاء، قريبا من السكات”،م س،ص136 [27]

توفيق سعيد،”الخبرة الجمالية، دراسة في فلسفة الجمال الظاهرية“، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، بيروت 1992، ص 443 [28]

 تودوروف تزيفتان،”مقولات السرد الأدبي”، تر الحسين سحبان وفؤاد صفا، مجلة”آفاق”،ع8-9 /1988،ص42 [29]

 برادة محمد،” تحويل السيرة إلى تخييل والتذكر إلى تجربة”، الملحق الثقافي للاتحاد الاشتراكي، عدد،294، الأحد 10شتنبر1990. ص4[30]

 برادة محمد،” بعيدا من الضوضاء، قريبا من السكات”، م س ،ص102 [31]

 برادة محمد،” بعيدا من الضوضاء، قريبا من السكات”، م س،ص179-180 [32]

 برادة محمد،” بعيدا من الضوضاء، قريبا من السكات”، م س،ص136 [33]

 برادة محمد،” بعيدا من الضوضاء، قريبا من السكات”، م س،ص136 [34]

 برادة محمد،” بعيدا من الضوضاء، قريبا من السكات”، م س،ص142 [35]

 باختين ميخائيل،” جمالية الإيقاع اللفظي”، تر شكير نصر الدي ط1، دال للنشر والتوزيع ،دمشق/سورية،، 2011، ص115[36]

 برادة محمد،” بعيدا من الضوضاء، قريبا من السكات”، م س،ص215[37]

[38] برادة محمد،” بعيدا من الضوضاء، قريبا من السكات”، م س،ص219

[39]  باختين ميخائيل،”أعمال فرانسوا رابليه والثقافة الشعبية في العصر الوسيط وإبان عصر النهضة”، تر شكير عبد المجيد، ط1، منشورات الجمل،، بغداد، بيروت، 2015،ص600

 

 

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.