د.بليغ حمدي إسماعيل
مدرس المناهج وطرائق تدريس اللغة العربية
كلية التربية ـ جامعة المنيا
يظل الهوس العلمي صوب استشراف المستقبل دافعا قويا وإيجابيا في معظم الوقت لدى علماء الكرة الأرضية، وفي الوقت الذي يهرول فيه المواطن العربي نحو أخبار باتت بليدة التلقي وعديمة النفع منساقًا بجهل شهواته وغرائزه للبقاء فقط دونما التفكير في الريادة أو الابتكار أو حتى تغيير نمط حياته الرتيب.
هذا بالضبط ما سعى إليه الدكتور جاك جالانت أستاذ الفيزياء بجامعة كاليفورنيا ـ بيركلي، حيث يعمل هو وفريق رائع ومتميز من العلماء المساعدين لمحاولة الوصول إلى قراءة أفكار الآخرين، وفي ضوء ذلك صمم جالانت مختبرا كبيرًا لتصوير أفكار الناس، حتى أمكنه ذلك بأن يصرح قائلا: ” نحن نفتح نافذة على الأفلام في دماغنا “.
والمشكلة الحقيقية لهم ولنا في وطننا العربي المهموم بقضايا يعرفها القاصي والداني من أيام المؤرخ الرحالة هيرودت أن التعليم لم يكن يوما ما وظيفيا بل هو مرهون بقضية الامتحان، تلك اللفظة التي يعرفها العالم العلمي المتقدم بالاختبار، أما هنا في بلاد العرب فهو امتحان واللفظة مشتقة ومنحوتة من المحنة والمحن والبلاء والشقاء والابتلاء، لذا فالطالب حينما يعبر امتحانه يكون قد اجتاز عقبة تبدو مستحيلة له كما صورها القائمون على المنظومة التعليمية.
المهم إن الدكتور البارع جاك جالانت صمم برنامجًا استثنائيا يشبه قصص الخيال العلمي التي نتناولها في بلداننا العربية كأقراص المخدرات، هذا البرنامج باستطاعته فك شفرة ما ينظر إليه المرء، ويستطيع أيضًا فك الصور الخيالية التي تدور برأس هذا المرء، وبهذه التقنية السحرية يكون من الممكن الحصول على محادثة تحدث بالتخاطر، ليس هذا فحسب، بل إن البرنامج العلمي الخصب يمكِّن المصابين بالسكتة الدماغية المعاقين من الحركة تماما من الحديث والتكلم من خلال (مخلّق) صوتي يدرك أنماط الدماغ للكلمات المختلفة.
هذا الهوس العلمي الذي دفع العالم جيري شيه أن يستخدم تقنية ECOG مع مرضى الصرع وليس العاديين ليتعلموا الطباعة بواسطة الدماغ، وهذا ما يخبرنا به الحائز على جائزة نوبل في الفيزياء الدكتور كاكو بأنه يتم إطلاع المريض على سلسلة من الحروف الهجائية، ثم يكلف هذا المريض بالتركيز ذهنيا على كل حرف، وفي الوقت نفسه يجل جهاز الحاسوب الإشارات التي تصدر من الدماغ وهو يمسح كل حرف، وتصبح طباعة أي حرف ما على الشاشة بمجرد التفكير فيه.
وآخر ما يفكر فيه العلماء هذه الأيام الآنية هو صناعة خوذ لقراءة الأفكار وقت الحروب والمعارك، فباختصار شديد التكثيف يكون الضابط أو الجندي وقت المعركة مشغولا بمهمته العسكرية، وهو أكثر انتباها لأصوات البنادق والمدافع وتنقل عيناه صور القتلى والصرعى، ورغم ذلك لا يستطيع أن يتواصل مع بقية زملائه من الجنود مما تصعب مهمته، لذا فكر العلماء مؤخرا بتزويد خوذته العسكرية بجهاز صغير لقراءة أفكار زملائه للتخاطر عن بعد وسط هذا الضجيج والصخب.
وبالفعل قدم الجيش الأميركي منحة تقدر بقيمة 6,3 مليون دولار إلى العالم جيروين شولك الذي يعمل بكلية ألباني الطبية من أجل تصميم خوذة تعمل بتقنية ECOG تسمح بوضع شبكة من الأقطاب فوق المخ المفتوح مباشرة، وبهذه التقنية تتمكن الحاسبات المخزنة من إدراك أحرف صوتية و 36 كلمة منفردة داخل العقل المفكر تمكن الجندي من التخاطر عن بعد مع زملائه من الجنود وقت اشتعال المعركة.
كل هذا يدفعنا دفعا إيجابيا إلى تغيير النظرة المدرسية الرتيبة والعقيمة والجافة والكارثية نحو تدريس العلوم سواء في مدارسنا أو جامعاتنا، وأن يكون تدريس العلم مرهونا بواقع الاستخدام الوظيفي في المجالين المدني والعسكري، وهذا ما يجعلنا دائمي التنبيه وربما التهويل أيضا من واقع تدريس العلوم في المدارس وما تحتويه كتبنا المدرسة من معلومات علمية هي أقرب إلى التاريخ منها إلى العلم .. هل من مستجيب؟ أم أن الدكتور طارق شوقي وزير التعليم المصري الذي اغرورق بالتفكير في صوغ القرارات الوزارية مع فريقه العتيق عمرا دونما الأخذ بصناعة جيل ينتج أكثر مما يستهلك؟ .