أدونيس والخطاب الصوفي لخالد بلقاسم | عبد الواحد مفتاح
عبد الواحد مفتاح
يعد كتاب ” أدونيس والخطاب الصوفي” لخالد بلقاسم وهو بالأساس (رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا في الأدب) من بين الكتب البحثية ذات الطابع الأصيل والقيم هو ما يضفي وصفها، ويزكي ختمها، لما اختمره من أداء تنقيبي كشف عن لياقة عالية، وحسن تملك أدوات نقدية متمكنة في نضج منهجياتها.
يقع الكتاب من الحجم المتوسط في 192 صفحة بغلاف أنيق تتوسطه لوحة للفنان (شاكر حسن أل سعيد).
يحاول الكتاب كما يقدم لمتنه، الإنصات للمسافة التي تفصل شعر أدونيس وممارسته النظرية، بالخطاب الصوفي، وهو بذلك يتموقع بين نصين ويصاحب اللقاء السعيد بينهما، وما تولد عنه من أسئلة هيأت الشعر لمتابعته سفره في رحاب المجهول.
ما ميز بحث خالد بلقاسم أنه لم يصدر عن هم قضائي يستعجل النتائج وأحكام القيمة، وإنما حرص كما شَرَّع لنفسه: الإسراع لما تُحرض عليه الأسئلة المتولدة عن هذه العلاقة، والتي خطت مند الستينات لرحلة وشمت الشعر الحدث بالاختلاف، وتَعدد المسالك، رحلة تنصت للذات بجرأة تَشطب على كل إذعان يرضي الجماعة.
غلاف الكتاب
السجال حول أدونيس، كلنا نشهد ونلاحظ ما تراكم منه حول هذا الشاعر، إضافة للدراسات النقدية التي أنجزت عنه. فبانفصال خالد بلقاسم عن ثنائية التعريض والتقريظ، التي تستهلكها وتُمططها خطابات سجالية تحت ما صار يعرف بأتباع أدونيس ورافضيه. يكون قد خط لبحثه مسار يركن به إلى مصاف الإنجازات النقدية الموسعة والعميقة، التي ستكون الساحة الثقافية بحاجة لها ولمثيلاتها، خاصة للإمكانات المعرفية والحدوس النقدية التي أطلت بها هذه الدراسة، التي عرت بشكل مفصلي عن فاعلية أدونيس، وحرصه على تحرير التصوف من الكبت الذي يُسيجُه، ليسحبه قديما وحديثا ويُحَين له بوصفة تجربة وجودية وكتابية في آن. ما يضيء تصوره عنه ومقاربة اشتغاله المضاعف به، نظريا وإبداعيا كما رافق قراءته للتصوف من فرضيات نظرية تشتغل بتكتم في إعادة كتابته له، وهي القراءة كما إعادة الكتابة تطرح أسئلة لها أن تكشف حدودها النظرية، ومآزقها من جهة، وتبرز من جهة علاقة الحديث بالقديم، من جهة أخرى ..فإلى جانب الدراسة المجتهدة لمنصف الوهابي، الموشومة ب”الجسد المرئي والجسد المتخيل في شعر أدونيس” الذي استطاع بالتشطيب على الحدس، وإسنادها لمعطيات معرفية نظرية بالأساس، أن يرخي الانتباه لما مهرها إياه، من تشييد منهجي حصيف، يكون كتاب خالد بلقاسم إضاءة وازنة ومتميزة للمكتبة العربية في مجال الدراسات التي اشتغلت واشتعلت بعلاقة الصوفي بالشعري، وإن بدا أدونيس نموذجا رئيسا لمتنها، فنحن لا نستطيع غض الطرف عن التفريعات الرئيسية بها، التي اجترأت على تعرية الرؤية لتجارب شعراء آخرين اختبروا المطلق الصوفي واختاروا وهج اللُقيا به.
إلا أن رهانات أدونيس في تعالقه مع النص الصوفي – لما لهذا الشاعر من شرعية الإفتضاض لهذا الخطاب الوجداني – وهي رهانات كما يضيئنا، تسترشد بمعارف قادمة من أزمنة وثقافات مختلفة أَرخَت لاختراق الذات الكاتبة للمعرف الصوفية ولمسعاها نحو تحويل التصوف لا شعريا فقط ولكن وجدانيا كذلك، باعتمادها المسافة التي فتحها العارفون مع الأشياء، وتوجيه آليات عبورهم نحو المطلق، إلى ما هو أرضي بشري/ جسدي تحديدا. فإذا كان أدونيس عزف عن تحويل المتعالي في الخطاب الصوفي، كما يذهب إلى ذلك الباحث فلأن ممارسته النصية ستتكفل بذلك، فيما هي تتوسل بآليات هذا الخطاب، في بناء رؤيتها للوجود، وهذا التحويل الذي تحكم في شعر أدونيس سيعود ليُوَجه تأملاته النظرية اللاحقة حول التصوف .
فالحدود بين الشعري والصوفي، تتلاشى في كتاباته النظرية، فيما تسعى ممارسته النصية من موقعها، إلى تجسيد هذا التلاشي، فبين الممارسة النظرية والممارسة النصية لأدونيس، مسافة لا يمكن ضبطها إلا بتخريج آليات كل منهما، وهو ما عمل عليه خالد بلقاسم على طول المساحة البحثية التي كان الكتاب مضمارها، في مصاحبة لما يزيد عن أربع عقود من الزمن أشتغل فيها أدونيس بالإبداع الشعري وتأمُله في آن، وهي فترة كفيلة بأن تكشف عن منعرجات وتحولات المسار الكتابي لديه.
أدونيس والخطاب الصوفي لخالد بلقاسم عبد الواحد مفتاح 2016-08-21