الرئيسية | أخبار | ماحي بنبين :حياة والده في بلاط الحسن الثاني، ألهمته عمله “مُضْحِك الملك” | ترجمة: سعيد بوخليط

ماحي بنبين :حياة والده في بلاط الحسن الثاني، ألهمته عمله “مُضْحِك الملك” | ترجمة: سعيد بوخليط

سعيد بوخليط

تسمى “الحديقة” في اللغة الفارسية القديمة، باري- ديزا،كلمة تشتق منها”الجنة”. نفس المفهوم استعادته ذاكرتي ذاك اليوم وأنا وسط حدائق المدينة.هناك،يعقد في الغالب مواعده الكاتب والرسام والنحات ماحي بنبين.القصر القديم الذي يعود تاريخه إلى القرن التاسع- صار اليوم فندقا- يقوم على نحو غير ملفت للانتباه داخل المدينة العتيقة في مراكش.تمتد شبكات ممراته وأدراجه الخفية ثم غرف صغيرة في الهواء الطلق حول حديقة محاطة بأسوار عالية،شيء مذهل، وباذخ، إنها الجنة، بالمعنى الحرفي: ((أحب هذا المكان.أعشق أن أتخيله كما السابق،ملاذا للكتاب والفنانين أو بكل بساطة، أنا مولع بالجمال)).يوضح ماحي بنبين،الذي يعكس هو نفسه الثلاثة خلال الآن ذاته.بشوش وشخص مرح،ويحب أن يبدع مثلما يفرط في الطعام،لذلك أجابنا ماحي بنبين بكل صدق :((أيضا آتي إلى هنا،لأننا نتناول طعاما جيدا)).

ولد بنبين في مراكش سنة 1959،بدأ حياته المهنية أستاذا للرياضيات لمدة ثمان سنوات. فيما بعد،امتثل لنزوعاته الفنية.اليوم،بوسعنا أن نتابع عرض لوحاته – حضور مكثف للمادة،مع أخلاط مذهلة للرماد وشمع عسل النحل والصباغة – في فضاءات تحظى بالاعتبار مثل متحف غوغنهايم بمنهاتن.فيما يخص كتبه التي قاربت في المجمل عشرة منها “نوم العبد”(ستوك 1992) “مأتم الحليب”(ستوك1992) ثم “ساحر مراكش”(لوب 2006)،توجت بالعديد من الجوائز.لكن أكثرها شهرة روايته”نجوم سيدي مومن”(فلاماريون،2010 )التي تحولت إلى السينما من طرف نبيل عيوش تحت عنوان : ياخيل الله(2012) ،بعد أن حصلت سنة 2010على جائزة الرواية العربية.

مع عمله : ”مُضْحِك الملك “الصادر حديثا،سيقرن صاحبه المتسم بصورة مزدوجة وبنوع من المهارة ميولاته الثنائية : كاتب وفنان تشكيلي،ثم أيضا رسام يدوي دقيق. الموضوع المتجلي هنا– هذا الرواي المألوف لديه إلى درجة إمكانية قوله ”أنا”مكانه – ليس سوى محمد بنبين المعروف ب”الفقيه محمد”أو ببساطة ”الفقيه”: إنه والده. راو للحكايات أيضا،لكنه من نوع خاص:((لمدة خمس وثلاثين سنة،مابين 1965-1999،كان والدي مضحك الحسن الثاني.جدي بدوره كان كذلك.فيما يتعلق بي،بالكاد تملصت من الأمر)).ينبغي أن نفهم ب”مضحك”رجل ثقافة،وشخصية تضحك الآخرين بالتأكيد،لكنه أيضا مثقف في خدمة السلطان.غالبا،يكون المضحك وحيدا مع الملك،بالتالي تقع على كاهله مهمة ثقيلة :((ينتظر مني الملك الكلمة الجيدة،وسرعة البديهة الثاقبة،ثم الربط المعرفي لوضعية ما مع أخرى جرت في بلاط خليفة ينتمي إلى العصر الأموي ،ثم يلزمني تأثيثها بنوادر مثيرة)).

حياة البلاط رفعة وعبودية، هلع وإغراء،تملق وخضوع.يكتب بنبين :((ينبغي لك تخيل أن من يتمتع بحظوة قد يتعرض لعقاب بلا مبرر،وتتأجج الأحقاد حينما يرخي الليل ستائره)).إن إحساس الوالد التام بالمسؤولية مع التضحية بحياة الأسرة،مكناه من القيام بمهمته جيدا…إلى حدود سنة :1972((لحظة محاولة الانقلاب التي يصعب تصور إمكانية فشلها لكنها أخفقت مع ذلك،بحيث اكتشفنا وقتها أن أخي كان ضمن جماعة الانقلابيين !)).مفاجأة مهولة :((بينما والدي مختبئا إلى جانب الملك،كان أخي يخطو الخطى داخل القصر والأسلحة في يده.كل ذلك ليس شكسبيريا !)).

شكسبير أو كورني. مع ذلك لم يدم مأزق الوالد بين ابنه والملك، مدة طويلة،بحيث سرعان ما سيختار الفقيه بنبين صفه وينحاز إلى جانب الملك.هكذا بين المؤنس والأب ،انتصر الجانب الأول على الثاني بكل ماتحمله دلالات المفهوم من معنى.نشوة السلطة أو علاقة القرابة،ثم هاجس زوال الحظوة :((تلك العبودية المقبول بها))بينما أرسل الابن،أخ ماحي بنبين،إلى جحيم تازمامارت حيث السجناء: ((شيئا ما أكثر من الجرذان وأقل من البشر)).مكث هناك لمدة ثمان سنوات،وحينما أطلق سراحه سيطلب رؤية أبيه.

التتمة،دائما زاهية الألوان،مدهشة،ورويت بطرقة جيدة،لكننا لن نكشفها هنا أبدا.فقط تنبغي الإشارة،إلى أن وقائعها بعيدة عن ثأر تراجيدي،على العكس.

لقد استطاع ماحي بنبين التغلب على النفور،بالسحر المرافق للزمن والكتابة،ورؤية أبيه من الداخل بكيفية مختلفة،ليس كقاتل بل كإنسان يتمتع ب:((تذوق غريب للحياة))،ويضيف ماحي بنبين :((لقد اكتشفت شخصية رائعة،هو مثقف جدا ويتمتع بذاكرة خارقة.لذلك أحببته!)).

هذه الحكاية التي توخت الاعتذار وإصلاح ذات البين،فكر ماحي بنبين منذ زمان طويل في سردها ،وهذا ماحدث حقا.أما التعليق عليها وسط هذه الحديقة الشبيهة بحدائق ألف ليلة وليلة،فقد جعلها مثل حكاية مشرقية على مستوى نكهتها وجمالها وخيالها،لكن أيضا العمق والرصانة.

بعد قراءتها،سننظر بكيفية مختلفة إلى المنجز التشكيلي لماحي بنبين.أشخاص تشدهم أفخاخ وأسلاك وشِباك.وهذا ليس محض صدفة.

.

هامش :

الملف الثقافي لجريدة لوموند : الجمعة24 مارس2017

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.