الرئيسية | سرديات | قصة شمسية ملونة | الحسين سمير الحسن
إدوارد هوبر، حجرة في نيويورك 1932

قصة شمسية ملونة | الحسين سمير الحسن

الحسين سمير الحسن / سوريا

 

هذه القصة شخصية جداً، و تمثّلني أكثر منّي، فأنا شفّاف بلا لون لدرجة أنّني جميع مَن خلفي، أجلب زجاجة ماء بارد كي أطفئ النّيران في أقدامي، ليستْ وعورة الطّريق هي سبب الألم، فطَوال عمري كنت أنا من يَهَبُ الطّريق وعورته، نقص المغنزيوم في جسدي يسبب الألم في كلّ العضلات، أغسل قدميّ بالماء، وأنام على الشرفة، أحب أن أكون في الخارج، أفضّل الهواء على الجدران، الكثير من الحرية هو أثر السّجون في داخلي.

لا أملك أيّة أفعال خاصة بي، حين أستيقظ أجري إلى العمل دون هدف، أجلس وحيداً، أنتظر أناساً يريدون صوراً شخصية، حين أردت صورة لي، دخلتُ عَلَي، طلبتُها مني ثمَّ جلستُ على الكرسي وأسندتُ رأسي إلى الجدار، ونظرتُ إلى نفسي من فتحة العدسة، فرأيتُ مَن خلفي فقط، أربعة صبية بأعمار مختلفة وفتاة تمسكُ بهم، فآثرتُ أن تكون قصةً شمسيّةً ملونة:

أجرجرُ خلفي طفلاً عمره خمس سنوات، كان يختلقُ القصص، يخلق صديقاً من شدة وحدته، صديقاً يسرق الألعاب و يشتم أبي كلّما أزعجني، وضعت في صديقي صفاتاً سيئة كي أحسَّهُ حقيقياً أكثر.

جلبتُ اللبن لمدة سنتين لأختي التي وصفَها الطبيب النفسي لي، صار صديقي لا يطيق التحدث معي، تركني بعد أشهر من ولادة أختي، ذاتُ اللبن الذي كنت أحيي به أختي كنت أُميت به صديقي الأول.

وراءه طفلٌ آخر، عمرهُ عشرة سنوات، يركض على الطريق وخلفه صِبْيةٌ يرمون الحجارة عليه، يركضون كمفترسين، لكنَّ الطفل لمْ يشعر أنَّه فريسة، لذلك توقف عن الهرب واستلقى على الأرض ورفع وجهه للسماء وخمسةُ صِبْيةٍ انهالوا على جسده بالضرب وتركوا عينيه تنظران في عينيَّ حتى الآن.

إلى جانبه طفلٌ آخر، عمره خمسة عشر عاماً، يُشعِلُ ناراً بين الصخور، يحفر التراب، يصنع بيتاً من الأعواد والأشجار، بيتاً صغيراً يتّسعُ لدفء قلبه القليل.

الطفل ذاته يستلقي إلى جانب خزانتي الصغيرة التي في داخلها كل القطع الخشبية والمعدنية، كل صور المجلات، يضع رأسه في داخلها، و يتخيَّلُها كبيتٍ، ويحلم،

ذلك الفتى كان يملك أحلاماً!.

أنظر له وأبتسم، ونكمل السيرَ كلّنا، إلّا أنا، فأنا شفافٌ جداً، أنا كلُّ مَن خلفي.

الصبي الذي يمشي بجانب الأطفال عمره عشرون، كان يبحث عن فتاة، أحبَّ كلَّ من نظرتْ في عينيه، حاول التكلم معهنَّ رغبةً بالحبِّ الذي ألبَسَه لكلِّ الفتياتِ في صيفهم الجافِّ الطويل.

الفتاةُ الأولى التي لبسَتْهُ وبقيتْ معه، كانت كلَّ ما لا يبحث عنه، في نهاية السنوات الثلاثة معها احتاج النوم ليومين كاملين، كي يجد طفلاً ملوناً بداخله، يمسك بيده من جديد، كان كل يوم يعود لحلم كي يجد أطفاله السابقين..

مع الصِبْية فتاةٌ جميلة، (أدونيا)، آه من (أدونيا)، هي الوحيدة التي أتيتُ إليها مع كل مَن ورائي، (أدونيا) تملك يدين اثنتين فقط، لكنَّها تمسكُ بنا كلنا، تنظر إلينا بجسدها كلِّه.

في الشتاء ننام كالجراء على صدرها، تبتسم كثيراً، لا تبتسم كل دقيقة بلْ كلّ ثلاث دقائق، فنعلم أنَّ الزمن يمُرُّ بطيئاً آمناً الآن، لاينفذ بل يزيد، أنَّ كلَّ شيءٍ بحاجةٍ لثلاث دقائق من التأمل، نبتسم نحن الأربعة لثلاث دقائق ونغمض أعيننا على ابتسامة (أدونيا).

الطريق هذا المساء ماطر، إنَّه الخريف من جديد، بُشرى الشتاء الطيب، ونعوة الصيف الفقير، في أفق الطريق، الصِبْية الأربعة و(أدونيا)، في فتحة العدسة أراهم يضحكون لي، ويركضون نحوي، ثمَّ يجتازونني إلى قصةٍ أخرى، بعد أن زادوا صبياً بعمر الخامسة والعشرين.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.