الرئيسية | بالواضح | فِي سَبِيلِ الإطَاحَةِ بِالتَّجْدِيدِ | الدكتور بليغ حمدي إسماعيل – مصر

فِي سَبِيلِ الإطَاحَةِ بِالتَّجْدِيدِ | الدكتور بليغ حمدي إسماعيل – مصر

الدكتور بليغ حمدي إسماعيل – جامعة المنيا، مصر

أستاذ المناهج وطرائق تدريس اللغة العربية ( م ) .

مثلما فشلت كافة الأنظمة التربوية العربية في معالجة المشهد التعليمي المدرسي صوب الاجتياح الجانح لفيروس كورونا الذي يبدو أن كابوسه لن ينتهي بعد لفترات طويلة مقبلة ، تواصل المؤسسات الدينية فشلها التاريخي في تجديد الخطاب الديني، نعم تجديد الخطاب الذي لا يقل أهمية عن معركة البقاء التي نمارسها بصورة يومية ونحن نواجه خطر الإصابة بفيروس كورونا الذي لم يعد مستجدا بل صار شريكا يوميا في ممارساتنا الراهنة.

ومنذ أزمة اجتياح فيروس كورونا أرض الوطن العربي وربما قبل الاجتياح أيضا والعقل العربي بحاجة ضرورية إلى التجديد وإعادة بنائه ، ولطالما وجهنا الحديث نحو قراءة جديدة لفكر المجدد محمد عبده الذي يعتبر رائد التنوير ونهضة العقل في العصر الحديث ، ولكن لا فائدة من التنويه أو التذكير في ظل ظهور مستدام لعوارض أدت بالفعل إل تعطيل العقل ، وانتهت بنا إلى مرمى التحريم والتكفير والتنفير أيضا من كل شئ يندد بالرجعية والراديكالية المتطرفة ، وبات من الأولى طيلة سنوات منصرمة الاهتمام بأولويات العقل الفقهي الذي انكشفت عورته إزاء مشاهد عدم دفن وتكفين من مات شهيدا بفيروس الكورونا الجائح بغير رحمة ، وكم كان مضحكا ونحن ننادي عبر مقالات طويلة وكثيرة بضرورة تجديد العلوم الطبيعية في ظل جهل مستمر وعتمة علمية عربية ممتدة .

 والأدق هو الاهتمام بتجديد العلوم الدينية ، لا كما كان النقاش بين فضيلة الإمام الأكبر العالم الجليل الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر وبين رئيس جامعة القاهرة حول مفاد التجديد وأهميته ، لكن تجديد العقل الذي سيتلقى هذه العلوم والمعارف والنصوص التراثية التي أنتجها سلفنا الصالح في سياقات تاريخية متنوعة ومتعددة بل ومضطرمة الاشتعال السياسي والمذهبي أيضا.

وفي ظل الهوس الثقافي لجموع المواطنين العرب حول فيروس كورونا الأكثر غموضا وانتشارا وجدنا من يروح ويجيئ ويفتش عن النصوص التراثية المحمودة بالفعل عن كيفية مواجهة الأوبئة رغم اختلاف طرق الوقاية والعلاج ورغم أننا بالفعل لا ندري لغويا أو علميا أو طبيا الفوارق الدقيقة بين التعافي والشفاء والاستشفاء لكننا هكذا دوما نتعامل مع فكر التجديد بمنطق التجدد ، أي الانتقال المفاجئ العشوائي صوب المعرفة وروافدها ، وهذا التحول العشوائي يتنافى تماما مع كنه التجديد الذي يشير إلى خطة واعية منظمة ذات أهداف ورؤى في سياق منظومة متكاملة من المعرفة ، لكننا كعادتنا نحقق الفشل في الإحياء والتجديد مكتفين بالتجدد بصور أكثر عشوائية .

لقد جاءت الكاشفة أقصد جائحة كورونا لنبصر أن قضايانا الفقهية المسكينة عبر عقود طويلة لم تخرج عن أفلاك أو شراك بعينها ، محدودة وفقيرة جدا ، سواء في العرض والطرح والتحليل والنتيجة كذلك ، من يكفر من ؟ ومن ضد من ؟ وقضايا اللباس والزي الذي صار إسلاميا تارة وأجنبيا تارة أخرى ، وبين قضايا تتعلق بالحاكم ونظامه ونحن أفقر الناس بمدارج الملك والحكم والسلطة عبر تاريخنا الإسلامي منذ ولاية معاوية بن أبي سفيان الذي ترنح مؤرخو سيرته بين كونه صحابيا جليلا أم مغتصبا للسلطة الراشدة الجليلة .. ما أفقر حالنا التاريخي أيضا .

جاء فيروس كورونا وسط دهشة من هؤلاء الذين ظلوا يرتقبون أصحاب اللحى عبر الفضائيات المتباعدة مكانيا والمتقاربة فكرا وأيديولوجيا ليستيقظوا على حقيقة واحدة لا شريك لها أن مجمل أدعياء الفقه في زماننا المعاصر اختزلوا علوم الفقه ونصوصه في قضية المرأة ؛ صوتها ، عفتها ، نكاحها الشرعي وغير الشرعي ، طلاقها ، عملها وتعليمها ، وتصوروا وتصور مريدوهم أيضا أن كلامهم المبتور الفقير أصبح قانونا لا يقبل التفسير أو التأويل أو حتى مجرد ترميز فهمه ، بل تطبيقه فحسب.

ولأن حالنا الفكري لا تختلف كثيرا عن حالتنا العلمية التطبيقية ، فإن واقع التأليف في قضايا الاجتهاد والتجديد ينبئ عن نهايات مرصودة متوقعة ، وهذا ما سمح لتيارات أكثر تطرفا ورجعية كتنظيم داعش في الظهور والتغلغل ، وهذا أيضا ـ أعني فقر وتقاعس المجددين في التأليف حتى أفقر المتخصصين ـ ما دفع عشرات بل مئات الوجوه الباهتة نحو شاشات الفضائيات لنشر مذاهب واهية ، وتناول قضايا المرأة أكثر دقة من المرأة نفسها وأنا لم أندهش حينما بزغت ظاهرة نكاح الجهاد ، أو انتماء النساء بكثرة لصفوف تنظيم الدولة الإسلامية المعروفة بتنظيم داعش ، فهؤلاء بأسلحتهم اللغوية الرخيصة ، وبأساليبهم الدعوية التي أفرزتها عصور الركود والتخلف كفيلة بالاصطياد والتجنيد.  وأقولها ولست متهما أحدا بغير يقين أن عشرات المنتسبين للدعاة أو الذين اعتلوا منبار الفضائيات استغلوا بوابة المرأة وفقهها من أجل السيطرة باستخدام أسلحة الإقحام والإفحام ودغدغة المشاعر والأحاسيس وكانت المرأة كعادتها الضحية والفريسة سهلة الاقتناص !.

إن واقع التأليف الديني الذي يحث على إعمال العقل ويدعو إلى الاجتهاد المستنير لا يتوزان تاريخيا بالأمة الحضارية التي علمت العالم كله معنى التحضر ، أعني أمة العرب ، حتى وإن وجدنا حفنة من الكتب التي تتناول واقع الاجتهاد المعاصر ، لإغننا نكتفي بالبحث في المسائل الخلافية فقط ، وكأننا نكرس لثقافة التناحر والتشاجر والخلاف لا التوافق واستطراد النهوض .

وتتوالى خيباتنا الثقافية أننا لم نهتم بما كتبته الباحثة المتميزة جميلة بو خاتم ، لاسيما كتابها الموسوم بـ ” التجديد في أصول الفقه ” المنشور عام 2016 ، حينما رصدت أزمة العلم الموروث وعوارض التجديد الفقهي وركزت على ثمة عوامل وأسباب بعينها منها غياب الجانب الإجرائي أي كيفية تشغيل القواعد الأصولية في استنباط الأحكام الشرعية ، كذلك الاستطراد في عرض مسائل الاستمداد ، وما أكثر مشايخ هذا الزمان في التلاعب ( نعم أعني وأقصد بلفظة التلاعب ) اللغوي والإيهام المعرفي بقضايا وهمية ليست راهنة أو عاجلة .

إننا لا نواجه فيروسا منفردا بل بكتيريا منتشرة منذ سنوات ، بكتريا أصابت العقل فضعفته عن الإعمال والاجتهاد والتجديد ، نمارس معركة شرسة مع روح التقليد التي سادت وسيطرت وأفسدت الدين والدنيا معا ، نواجه ورطة تاريخية وقعنا فيها بغير قصد من أولئك المشايخ الذين ادعوا وافترضوا وصرخوا بأصوات عالية صاخبة بأن محاولات التجديد والاجتهاد هي ذرائع لهدم صرح الدين .. إنها معركة بائسة مع يأس الجمود!.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.