الرئيسية | سرديات | في غيابه غبتُ عن نفسي | غادة الصنهاجي

في غيابه غبتُ عن نفسي | غادة الصنهاجي

غادة الصنهاجي

أديبة وإعلامية

في غيابه غبتُ عن نفسي، لم أجدني، تهتُ باحثة عنه في ذاكرتي، فأرهقني الجريُ من وراء الماضي، واقتفاء أثر لم يعد منه سوى الخيال، وأعياني الركضُ نحو السراب، والواحة لم تظهر، والقيظ غادر، والعودة لا تبدو في أفق قريب..

وانزويتُ وحيدة، أفكر في حل بسيط، أبحث عن أية قشة تهوّن عليّ غرقا وحرقا حتميا في أحزاني المستعرة، القلب يخفق بشدة، يزعجني بشدة، وأشد يدا على يدٍ محاولة التهوين على نفسي، ولا ألبث أفشل في مد جسور الصبر نحو انتظاري..

الغضب يتملكني، وألقي بكل ما أحمله من أمان، وأصرخ في وجه شعوري، أصفعه، أعصره، أعضّه، ثم أحضنه وأطلب منه أن يسامحني، أن يعذرني وأن يرحمني منّي؛ فلا أنا قادرة على الوقوف إلى جانبي في مأساتي، ولا أنا مستعدة لابتلاع غيضي مع كأس أعصاب باردة، وكأن شيئا لم يحصل..

كان مجرد رحيل عاديّ، وعليّ تقبله بما أوتيت من عقل وإلا فالجنون سيعمي تفكيري، وسوف أعيث دمارا في كل من حولي وأولهم احتمالي..

أيريد حقا أن يعرف ماذا حصل في غيابه؟ أم أن غيابه كان متعمدا لكي لا يعرف ما الذي يحصل في حضوره؟ أم ماذا؟ من سيجيبني؟ ومن يؤكد شكي؟ ومن يدحض يقيني؟

عندما رحل، كان علي أن أتأكد من بقائي، هل أخذني أم تركني؟ أم دمرني وسحقني ونثرني؟ انشغلت بجمع شتاتي، لقد وثقت في حذائه الكبير، ولم أتوقع أبدا أن يسخره ليجعل من وجهي ممرا، وأن يوجه إليّ ركلة غدر، وأن يمضي إلى حاله دون الالتفات إلى حالتي..

كان أنانيا كما عهدته دائما، وأتوقعه سعيدا في رحيله؛ فلقد أغلق الباب واستراح من كل رياحي.. وأثناء اختناقي سأهديه ما تبقى من أنفاسي، فلم يعد هناك من داع لبقائي في حياة خلتْ ممن كان هدف وجودي..

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.