الرئيسية | بالواضح | صورة الإرهاب وإرهاب الصورة | عزالدين بوركة

صورة الإرهاب وإرهاب الصورة | عزالدين بوركة

عزالدين بوركة

 

بعدما كانت الصورة الأداة الفعالة في قيام الثورات والنضالات من أجل الحرية وتحرير الشعوب، وخلق أجيال مستقبلية واعية بشرط وجودها الإستتيقي، وعيٌ يجعل منها منفتحة ومتقبلة للغير المخالف لها، عقائديا وإثنيا وإديولوجيا… صارت الصورة اليوم، أداة “فعالة” في خلق المشهد الخرائبي والإرهابي الذي يتكئ على الشكل الجمالي (الإخراجي) ليظهر نفسه على شاكلة المنتصر، المؤثر على الأجيال القادمة –كما الآنية- التي يسهل التأثير عليها عبر الصورة (المتحركة بالخصوص)، لما باتت تحوزه –الصورة- من فضاء أفسح: الانترنيت، التلفاز….إلخ.

يخبرنا المفكر الفرنسي ريجيس دوبري في كتابه الشهير “حياة الصورة وموتها” أن “الصورة هي الكائن الحي في أجود حالاته، وقد استنعش بالفيتامينات كي لا يصدأ. إنه في النهاية كائن يُعتد به”، فالصورة إذن هي تخليد للكائن في أبهى وأعلى تمثلاته الوجودية، فهي اللحظة التي يكون فيها الكائن على أتم استعداد للوجود… ولا نقصد هنا الكائن الظاهر فيها بل يسقط الأمر، أيضا، على “المقتنص” لها. لقد صار الإرهابي –اليوم- يوظف أداة الصورة -التي كانت ضده- لصالحه، إنه المقتنِص. التوظيف هنا يمكن أن يُفهمَ على أنه ليس هو تلك العملية التي تجعل من الموت أداة إرهابٍ وتخويف فقط، بل شكلا استتيقيا (!) ينتصر للموت لا للحياة. فَلَمْ تعد الصورة إذن أداة خلق الحياة من لحظة مقتنصة وميتة في الماضي، بل صار –أيضا- أداة خلق الموت من الموت عينه.

تلعب اليوم التلفاز والانترنيت سندا قويا “للإرهابي” لتمرير “صور الموت”، عبر شكل جمالي مُبهِر، مستعملا لذلك أدوات ومؤثرات بصرية عالية الجودة، تُبهر وتُفْتِن الناظرين وتخدعهم. الافتتان هنا كما يقون ج. كوهن في مؤلفه (حركة على الإنسان)، هو “قوة الإعلام المرئي، نظرا لوجود الأشخاص المجردين إزاءه من وسائل التبعيد ومن استدراك النظر”. والخداع هنا فكما يقول، “هو فقدان المتفرجين لاستقلالهم الذاتي الفكري، وذلك في استسلامهم طوعا أو كرها إلى دينامكية الصور الفيلمية، في حالة لا يشارك فيها الفكر”. إن الإرهابي بات مستوعبا لكل هذا الأمر، فلم يعد هذا “الكائن” اللاإنساني، نفسه ذاك “الإنسان” القادم من الصحراء وتلابيبها أو  هو ذاك الذي يحيى في الماضي حاضرا، بل أضحى يجيء من مدارس وجامعات ومؤسسات الدول المتقدمة والمتنورة.. فالأمر يعود بقوة كبيرة، ولا شك في ذلك، إلى فاعلية الصورة العابرة للقارات (ما تقوم به داعش أنموذجا)، صورة تستعين بالتواصل العَوْلَماتي، لبلوغها إلى الهدف/الضحية (الأضحية). فقد بات اليوم مع تطور وسائل الاتصال من الصعب التحكم في انتقال الصورة، إذْ لم يعد هناك “الأنا” المركزية المتحكمة في التواصل، بل لقد صار “كل عِلم الاتصال يفترض مركزية (الأنا) وتَحَكُمه في ذاته بذاته”. مما صار معه صعبا حصر التنقل المعلوماتي والسيطرة عليه، ما أتاح للإرهابي فرصا سانحة للتوسع وبلوغ مستَهْدَفين جدد…

إلا أنه كما يقول المثل الدارج “لا يَفِلّ الحديد إلا بالحديد” مما يجعلنا ندعو بقوة إلى محاربة صورة الموت عبر “صورة الحياة”، دعوة إلى خلق أجيال مستقبلية مدركة للشرط الاستتيقي للجمال الخلاق والبناء، أجيال متمتعة بمناعة حادة ضد الخرائبي والتدميري والإرهابي.. وهذا في نظرنا لن يؤتى إلا عبر إشباع معاكس لأحادية الفكر والمعتقد الداعي إلى نبد الجمال والجميل.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.