الرئيسية | بالواضح | استابنة أو حينما يحاور العروي العروي | عزالدين بوركة

استابنة أو حينما يحاور العروي العروي | عزالدين بوركة

عزالدين بوركة

 

استبانةقليلة فعلا تلك الكتب التي تصدر في عالمنا العربي، وتثير نقاشا واسعا ومتعددا، يصير لها أن تتحول إلى جدال مجتمعي، عبد الله العروي كما عودنا دائما في خرجاته القليلة، وسط هالة الصمت والانزواء بعيدا عن الزعيق العام، ما إن يطرح كتابا أو ينشر حوارا حتى يخلق وقعا وردود أفعال متباينة.  كتابه الأخير “استبانة” الذي يرد فيه على الرواية الاستعمارية بخصوص تاريخ المغرب، وهو حوار بين العروي المواطن العادي والعروي الباحث والمفكر المواكب لانشغالات المغاربة، والملتقط لترددات النخب، جاء على شكل طرح لمجموعة هامة من التساؤلات التي يثيرها بنفسه، ويجيب عنها في ذات الآن. هل وجد على الدوام شعب مغربي أم أمة مغربية؟ يقول، شتان بين ما نعلم ونعتقد. والأغلبية تعتقد قبل أو دون أن تعلم. ما نعلم حين نعلم هو أن الرقعة الأرضية التي نسميها المغرب لم تكن دائما على صورة ما نرى اليوم. تكونت بالتدريج فصلها البحر عن الأندلس. بالتدريج فصلتها جبال الأطلس عن باقي المنطقة. ثم بالتدريج عمرتها أقوام جاءت من شتى الجهات.

فهو في تحليله يستند إلى جملة من العلوم الإنسانية، إنه يصير مثل متعدد حرفٍ، يستعير من كل حقل ما هو بحاجة لأدواته، من التاريخ والسوسيولوجيا والأنطربولوجيا وعلم النفس واللسانيات، وغيرها من العلوم… ليدمجها في بوتقة منيرة للقبط على أسئلة ليس من الهين التصدي لها جملة، في كتاب واحد وهي أسئلة من قبيل: ما هي رقعة المغرب؟ وما هي عناصر الأمة المغربية؟ هل تأثر المغرب دائما بحضارة الغير؟ هل هناك نفسانية مغربية؟ هل لها سلبيات؟ وعن الثقافة المغربية؟ لم تكن توجد إذن ثقافة وطنية؟ ما علاقة الثقافة الوطنية واللغة الوطنية؟ كيف تعرف الوطنية؟ هل من مزيد عن العلاقة بين الوطنية والمقاومة؟ لماذا فشلت؟ هل حققت الوطنية أهدافها؟ ما الفرق بين الوطنية كحزب والوطنية كحركة اجتماعية؟ هل المجتمع المغربي أكثر انسجاما اليوم منه أيام الحماية؟ هل كان على الحركة الوطنية أن تنحل بمجرد ما أعلن عن استقلال البلاد؟ ماذا تعني الوطنية في الوضع الجديد؟ قيل أن المغرب يشكل استثناء في العالم الإسلامي، إذ وحده يستحق أن ينعت بأنه دولة وطنية؟ هل يحافظ المغرب على ميزته هاته ؟

يعيش العروي بعيدا عن الأنظار، ولا يطل على الحياة العامة إلا نادرا، وقد عودنا على الانخراط في القضايا الجوهرية التي تمس ليس فقط الواقع فقط، بل المجتمع والتاريخ كتابه هنا هو أطروحة عميقة كما تنبه لها النقاد، ترتكز على العمق التاريخي الرافض لما روجته له الأبحاث الاستعمارية، التي كانت تربط ميلاد المغرب الحديث بفترة الحماية، فالوطنية المغربية كما يرصد الكتاب كان لها جذور قبل الاستعمار، ولم تتأثر به، إلا في جوانبها الهامشية، أما عن سؤال الوطنية فيقول: “إن الوطنية هي شعور وسلوك وتطلع، الشعور هو الاعتزاز بالذات والأجداد، والسلوك هو الإيثار والتضحية، والتطلع هو طلب الحرية والتقدم والرفاهية”.

111 سؤالا مجمل الأسئلة التي طرحها العروي على العروي في كتابه الأخير “استبانة”، حوار الذات، فاتحة الكتاب كانت باسمه وتاريخ أسرته ومنبعها الجغرافي وبعض من التفاصيل التي لم يسبق الكشف عنها من لإصدارات سابقة.

العروي الذي صنع الحدث، وهو يحاور نفسه، في سابقة عربية، تقترن بالكبار في تاريخ الفكر الإنساني. “استبانة” كتاب يفتح فتحا في نوعية الطرح والشكل والمضمون الفكر العربي، إنها ليس حوار كما المعتاد، بل إنها استظهار لسيرة ذاتية وفكر وفلسفة ومواقف، مبتعدا عن الحوار الصحفي إلى حوار جاد فيلسوف يحاور  فيلسوف، الذي هو نفسه “عبد الله العروي“.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.