الرئيسية | سرديات | أحب القصة التي تأكل متلقيها على مهل | عمر علوي ناسنا

أحب القصة التي تأكل متلقيها على مهل | عمر علوي ناسنا

عمر علوي ناسنا (المغرب ):

 

الكتاب لا يكتبون، أن تكتب معناه أنّ أوان قطع أصابعك قد فات، هذه الرؤيا للكتابة تبدو في ظاهرها تشاؤمية، لكنها بصدق، تشكل مدخلي للكتابة القصصية، ما يفهم كتشاؤم هو غير ذلك، تأتي القصة دائما بعد نهاية الجريمة، القصة هي حكاية دم، كل وجود هو أثر لمرور سكين الوعي فوق رقبة مادة كانت تلوذ بالعدم.
أومن أنّ الفن عموما لا يريد أن يكون لبقا مثل بنطلون مكوي، ولا مهذبا مثل دبلوماسي يعذب الحيوان بالقواعد، يبدأ الفن من الصراخ ولا ينتهي لا بالضحك ولا بالبكاء، الفن عاصفة تحبل بالكوارث تلك الكوارث التي هي ورد الجمال.

لا يمكنك كتابة قصة دون أن يكون ذلك موصولا برؤيتك للوجود وللذات، الكتابة هي نتيجة ارتطام الإنسان بالعالم وارتطامه بنفسه، والقصة هي ما يُدرك أبعد من الشخصية وأعمق من الحدث وأجلى من الرؤيا، القصة الناجحة هي ما يتحقق بعد القصة، أنتظر الحياة دائما بعد الجثة، في القبر أتابع صورة واضحة لرحم يتوهج خصوبة.

كل قصة ناجحة هي قصة تكتب فشلا ما، تعيد تدوير وجع أو لذة، وتمنح للمعنى إمكانية أن يمتلك أكثر من جسد وأكثر من روح، لا أكتب قصة لأحكي، بل أكتبها لأن هناك شرخا في الجدار ينبغي أن يتسع ولأن هناك ألما لم يأخذ مساحة كافية كي يرافع عن لذته.

أكتب القصة لأن ترتيبا آخر للوجود وللمعاني وللقيم يصير ممكنا فقط في القصة، شكل وجود لا تجود به تقريرية الحياة ونمطية الواقع والواقع عندي ليس إلا حزمة من التمثلات، لا أحب كثيرا تنظيرات المضمون والشكل أنا أحب الرقص أكثر لأنه ينافح عن التداخل عن اشتباك جنسي حاد تتبادل فيه الأقدام مع الرأس مواقع الكلام ومنافذ الصراخ لذة أو ألما، القصة التي تدخل من باب موضوعها أو تدخل بشفاعة شكلها هي قصة لا تتقن فن ” الستربتيز” ، أحب القصة التي تأكل متلقيها على مهل، مرة على طاولة أنيقة بالشوكة والسكين ومرة بوحشية ساحرة كما لو كان لحم طريدة في البراري، القصة التي يمكن أن تسافر في الزمن هي قصة تندس تحت جلد الإنسان وتسكن نبضه، هي قصة لا تباشر القيم ولا تصنع المثالية الزائفة، هي القصة التي تقبل الذات في كل تجلياتها، هي بصيغة ما أشبه بالروحاني الذي يعلو ويهبط، بين أرض وسماء، بين معنى يولد ومعنى يموت، بين كأس حليب وكأس سم بينهما كأس نبيذ.

أما القصة المؤمنة، القصة الملتزمة، فهي بصيغة ما قبر. أحب القصة الأرجوحة لأنها من إبداع كاتب لا يكف عن تبديل المواقع والشرفات إنه كاتب متحول، الحربائية مرفوضة أخلاقيا لكنها فنيا تعني الحياة، كل قصة لا تفجر نفسها لا يعول عليها.

في منحى آخر أشعر بكثير من الأسى ،لأن النقد لا يحرك مياه السرد ولا يلقي بأي حجر، المواكبة النقدية هي طريقة تكتب بها القصة امتدادها في التلقي والتفجير .وكثير من النقد اليوم يحتفي بالرداءة، لذلك سأحرص على أن أكون تاجر سلاح وسأمد أصدقائي النقاد المخلصين بسلاح فعال ورصاص غير مغشوش، وسوف أصرخ في النقاد: معشر النقاد الرحماء لطالما صرخت فيكم لا تقفوا بين الجراثيم وجراح النص. لا تحموا النصوص من غارات الفيروسات. لطالما قلت: نحن بحاجة لنصوص تبارز بمناعتها الداخلية، دون حاجة للمضادات النقدية، لكنكم فضلتم أن تتركوا المقاعد لنصوص لا تنبت من ألمها ولا تثمر من بذرة جنونها ، فماذا كانت النتيجة؟ جيوش من النصوص تحوم فوقها نسور تشتهي الجثث، الناقد ليس ذلك الشخص الذي يعتبرونه أكثر من القارئ وأقل من الكاتب. الناقد مسافر من الثمرة نحو البذرة.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.