الرئيسية | أدب وفن | وهم”عزازيل” و خرافتها : رداً على يوسف زيدان | محمد سعيد

وهم”عزازيل” و خرافتها : رداً على يوسف زيدان | محمد سعيد

محمد سعيد

 

 إن الهشاشة المعرفية المثيرة للدهشة التي تعتور رواية “عزازيل” للدكتور يوسف زيدان، الأخطاء التاريخية، الترجمات الخاطئة الكثيرة. . حسب القمص المصري عبد المسيح بسيط الذي رد على هذه الرواية المسئة للمسيحية، جعلتنا نطرح السؤال التالي – لماذا يستعلي علينا الغرباء ؟ فبناتنا مجرد عاهرات للإستهلاك بالنسبة لسكان جزيرة العرب، ونحن مجرد “مغمورين مغرورين” كما قال يوسف زيدان عن الشاعر عدنان ياسين، ونحن شعب قليل الذكاء كما قالت عنا إحدى “الدراسات” الفرنسية، ونحن مجرد مصدرين للإرهاب كما قال عنا ترامپ، إنهم يستعلون علينا لسبب مهم : وهو أننا نبدو بلا هوية، بلا إنتماء، لقد جعلتنا أيديولوجية ما يسمى ب”الككفونيا المخزنية” مثل أَمَةٍ تنتظر من يدفع فيها أكثر لتسمح له بتسميتها بأي إسم يريد، و ليفعل بها ما يريد، وليصنع لها بكارة جديدة يفترعها من جديد متى يريد، فإنسية المغرب تائهة بين الأيديولوجيات، والهويات المزيفة، والأنظمة السّومي ـ ديمقراطية.  لقد حان الأوان أن نتخذ موقف “الأنا أفكر” بأن نمارس أحلّ الرّزق، أي أن نكون أنفسنا ولا شيء أقل أو أكثر من ذلك، بهذا اكتشفت اليابان عبقريتها، وبهذا اكتشفت كوريا الجنوبية عبقريتها، و بهذا سنكتشف عبقريتنا التي لا يستطيع أمثال زيدان أن يزورها بسبب إصرارنا على إقبارها، لن نخرج عبقرية شعب المغرب من القوة إلى الفعل إلا إذا أعدنا اكتشاف هذا التشكّل الكينوني الذي نسميه المغرب – فماذا يريد أن يقوله لنا باحث من هذا المغرب بخصوص رواية “عزازيل” ليوسف زيدان ؟ لا شك أن من قرأ هذه الرواية ليوسف زيدان سيطنب لها من حيث حبكتها الروائية و الفكرية، إلا أن هذا الإهتمام بهذه الرواية ليس إلا لبوس عبثي و كذب على التاريخ المصري و المسيحي خصوصاً، فقد أصبت بالسلو و أنا أقرأها سنة (2009) سنة صدورها، إذ تساءلت و قلت – ربما قرأت هذه الرواية من قبل صدورها بسنوات ؟ أو ربما أعرف كاتبا كتب مثيلا لها، لكن لا أدري أين ! تتكون شخصيات هذه الرواية من بطل الرواية، و هو الراهب “هيبا” و البابا “كيرلس عمود الدين” بطريك الإسكندرية الرابع و العشرون (412 – 444 م) و الفيلسوفة المصرية ذات الأصول اليونانية “هيباتيا”، و تدور أحداثها و شخصياتها حول أحداث العنف التي سادت النصف الأول من القرن الخامس الميلادي، و هي الفترة التي تلت إعلان المسيحية كديانة للإمبراطورية الرومانية الرسمية سنة (391 م) و التي كان فيها البابا “كيرلس عمود الدين” بطريكا للإسكندرية، لقد إعتمد يوسف زيدان بالدرجة الأولى على الفكر الغربي الإلحادي، و لم يرجع مطلقا للمؤرخين الذين عاصروا الأحداث، بل تبنى وجهات النظر الإلحادية، و من تم خرج من دائرة البحث الجاد.  إن سلامة الكنيسة لا تعتمد على عقائدها السليمة فحسب، و لا على حكمة و قداسة أبائها بقدر ما تعتمد على إيمان الشعب المسيحي و قداسته في بلاد دنستها عادات الرومان و أباطيلهم، فقد كان هذا أمراً عسيراً للغاية، إذ قد كان يلزم أن تهب عاصفة من السماء تزلزل هذا الوجود، و تقلب الأوضاع الكائنة رأساً على عقب، و هنا يحاول المؤلف أن يشرح لنا الظروف التي حدثت أثناءها الأحداث التاريخية التي بنيت الرواية على أساسها، فقد كانت هذه الأوقات تحمل صراعا بين العقائد و الفلسفات القديمة بعضها مع بعض، و صراعا مع المسيحية الوليدة برغم أنها صارت الديانة الرسمية للإمبراطورية الرومانية، إلا أن الكاتب و الأديب الإنجليزي”كنجزلي” يقول :”و لكن إن كان الملوك قد انظموا تحث لواء المسيحية، فالممالك ما تزال كما هي – السواد الأعظم من شعوبها يرزخ تحت عبء الوثنية، و قد نرى بصيصا من النور يظهر هناك من أثار المسيحية، و لكن هذا لن يغير شيئاً من حقيقة الظلام الكئيب الدامس، لقد كانت الإمبراطورية كما هي، و القوانين الرومانية هي هي، و البلاد كلها ترزخ تحت حمل نظام من اللصوصية القانونية و الاستعباد القاسي. . “، و هو هنا يبين لنا أن ما يتباكى عليه يوسف زيدان و أمثاله، و من سار على دربهم من كتاب و نقاد، و ما صوروه لنا على أنه النور الذي أطفأته المسيحية، ما هو إلا عادات دنسة و أباطيل كانت في حاجة لعاصفة سماوية تزلزلها و تقلبها رأسا على عقب، بل و عبء و ظلام كئيب دامس كان في حاجة إلى نور المسيحية.  إن كلمة عزازيل في العبرية (azazel)، و هي في الكتاب المقدس (التوراة) إسم علم للروح الشرير الذي يسكن في البرية (إشعياء 13 : 21 إشعياء 34 : 14 متى 43 : 12)، و معنى إسمه في العبرية”عز ايل”أي “قوة الله”، و يوصف في الميثولوجيا و الفولكلور الفلسطيني القديم ب “رئيس أبناء الآلهة”، ويذكر في المغارة الرابعة في قمران 180 عادة كرئيس الملائكة كما يعني أيضاً الشيطان أو الجن في الصحاري و البراري، أو الملاك الساقط من السماء كما أتى ذلك بالإنجيل، كما يعني أيضاً العزل للخطيئة أو الفصل، و قد ورد اللفظ في (لاويين 8 : 16) حيث كان رئيس الكهنة في يوم الكفارة، الذي يتكرر مرة واحدة في السنة، يأخذ تيسين”و يوقفهما أمام الرب لدى باب خيمة الإجتماع. ويلقي هارون أخ موسى على التيسين قرعتين، قرعة للرب و قرعة لعزازيل. و يقرب هارون التيس الذي خرجت عليه القرعة للرب و يعلمه ذبيحة خطية، و أما التيس الذي خرجت عليه القرعة لعزازيل فيوقف حيًا أمام الرب ليكفر عنه ليرسله إلى عزازيل إلى البرية” (لاويين 16 : 7). فالتيس الأول يرمز لتكفير الخطايا و التيس الثاني، تيس عزازيل، يرمز لإبعاد الله للخطية عن شعبه، و لكن يوسف زيدان استخدمه كمرادف للشيطان، بل هو الشيطان نفسه، و لأنه يؤمن بوجود الشيطان ونقيضه “الله”، فقد صوره كالأنا الداخلي للإنسان، و كصدى لما بداخل الإنسان، و كعقل الإنسان الباطن الذي يعبر عن فكره الباطن و صراع الأفكار الداخلية، و قد جعله كذلك في النهاية ينتصر على كل ما سبق أن أمن به الراهب، و يقول زيدان في إهداء الرواية “لكل أمريء شيطانه حتى أنا، غير أن الله أعانني عليه فأسلم. . . “(حديث شريف – رواه الامام البخاري). و يقول المؤلف بلسان عزازيل :”نعم يا هيبا، عزازيل الذي يأتيك منك و فيك”، و يصور يوسف زيدان عزازيل وهو يدفع راهبه لكتابة ما أسماه بمذكراته ليتركها مع الأناجيل التي أسماها بالمحرمة حتى تكتشف فيما بعد (ص 10 -11).

تعليق واحد

  1. كنت أعتقد أن السلفية والتحجر الفكري يوجد عند المسلمين فقط، لكن اتضح لي أن معتنقي المسيحية أيضا يتميزون بهذه الخصلة. المقال كأنه لسلفي أو إخونجي يقول أن الإسلام بريء مما يقوم به الدواعش. هكذا يقول صاحب المقال: المسيحية بريئة والشعوب هي المذنبة لأنها بقيت متعلقة بالوثنية، وكأن الأيقونة ليست من رواسب الوثنية. أ لا يرسم الأيقونة إنسان بيده، ثم تباع ليتعبد بها آخر؟ الدين أي دين هو كما يظهر لنا من تصرفات معتقديه، وليس ذاك الذي يعيش في مخيلة فنان مبدع.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.