الرئيسية | فكر ونقد | ذكاء الشباب والوعي بثقافة الآخر | الدكتور إدريس سلطان صالح -مصر

ذكاء الشباب والوعي بثقافة الآخر | الدكتور إدريس سلطان صالح -مصر

الدكتور إدريس سلطان صالح

 

إدريس سلطان صالحيشهد العالم اليوم من حولنا تغيرات وتطورات متسارعة، فرضت علينا ضرورة التفكير في المخزون الثقافي الذي يمتلكه الشباب في العالم العربي، وفي قدرتهم على مناسبة ظروف هذا العصر، وخاصة فيما يتصل بتفاعلاتهم مع الآخرين ذوي الثقافات المتنوعة من حولهم، وهو الأمر الذي يفرض طرح تساؤلات حول امتلاك شبابنا لذكاء يتيح لهم المعرفة السليمة حول ثقافات الآخرين، والقدرة على التفاعل الإيجابي معها، بما يساعد في المحافظة على ثقافتنا العربية والإسلامية في إطار الانفتاح الواعي على الثقافات الأخرى، وفهم سلوكيات وتصرفات أصحابها، والاستفادة من إيجابياتها، والبعد عن سلبياتها.

وهذا ما يستدعي أن نطرح بعض الأفكار حول الذكاء الذي يجب أن يمتلكه شبابنا اليوم في تفاعلهم مع الأخرين، ليكونوا أكثر قدرة على التفاعل الإيجابي البناء لذواتهم ولمجتمعاتهم.

تنوع نظريات الذكاء وأنماطه:

تحظى دراسة الذكاء بنصيب كبير من البحث لدى العلماء بصفة عامة، وعلم النفس بصفة خاصة؛ نظرًا لأهميته في حياة الإنسان، وقدرته على مواجهة مشكلات حياته المتنوعة، حيث تنوعت وجهات النظر في دراسة ذلك الذكاء، سواء من خلال تنوع التعريفات أو النظريات أو أساليب وطرق قياسه، باعتباره سمة إنسانية تختلف درجتها من شخص إلى أخر؛ بسبب تنوع القدرات العقلية، وطرق التكيف مع المثيرات والمتغيرات التي تواجه البشر في بيئاتهم المختلفة.

فقد تطورت نظريات دراسة الذكاء الإنساني، منذ بدايات القرن العشرين، حيث أعتبر عالم النفس سبيرمان أن الذكاء قدرة فطرية عامة، أو عامل عام يؤثر في جميع أنواع النشاط العقلي للإنسان، وتبعها العالم ستيرنبرغ بنظريته عن الذكاء الثلاثي، والتي اعتبرت الذكاء أجزاء مرتبطة في نظام واحد، تشمل الذكاء الأكاديمي المرتبط بالعمليات المعرفية الأساسية، والذكاء العملي الذي يُستخدم في مواقف الحياة اليومية، والذكاء الإبداعي الذي يظهر في اكتشاف حلول جديدة غير مألوفة للمشكلات الجديدة.

حتى وصلنا إلى نظرية الذكاءات المتعددة لهوارد جاردنر التي قدمت تفسيرًا جديدًا للذكاء، يرفض فكرة أن الإنسان يمتلك ذكاءً واحدًا، بل ذكاءات مستقلة، يشغل كل منها حيزًا معينًا في دماغه، ولكل منها عمليات وأداءات، مثل الذكاء اللغوي، والمنطقي الرياضي، والمكاني، والجسمي الحركي، والموسيقي، والاجتماعي، والشخصي، والطبيعي، والوجودي.

        ومع تطور الحياة الإنسانية، وتطور التفاعل بين المجتمعات المتنوعة، وظهور مشكلات ناتجة عن تنوع ثقافات هذه المجتمعات وطرق حياتها، وصعوبات فهم بعض الممارسات الثقافية في سياقها الصحيح، توجه الباحثين إلى دراسة شكل جديد من أشكال الذكاء، يستطيع الناس من خلاله التعامل وفهم ثقافات الأخرين في سياقها، وحل كثير من المشكلات الناتجة عن التنوع الثقافي بين المجتمعات، وهو ما أُطلق عليه الذكاء الثقافي.

الذكاء وفهم ثقافة الآخر:

ترجع بدايات الذكاء الثقافي إلى اثنين من العلماء هما كريستوفر إيرلي وسون انج، وذلك عقب طرح كتابهما المعنون بالذكاء الثقافي: التفاعلات الفردية عبر الثقافات Cultural intelligence: Individual interactions across cultures، والذي اتفقا فيه على تعريف الذكاء الثقافي بأنه قدرة الإنسان على التعامل بكفاءة في المواقف والبيئات المتنوعة ثقافيًا. ولذلك يركز الذكاء الثقافي على مجال التفاعل بين الثقافات المتنوعة، وبالتالي فهو شكل من أشكال الذكاء التي تركز على المعرفة والفهم والإدراك والسلوكيات الفعالة في المواقف التى تتسم بتنوع ثقافي، ومن ثم فهو ذكاء يجمع بين المعرفة وتطبيقاتها الثقافية التي تتيح للإنسان القدرة على فهم ثقافة الآخر والتفاعل الإيجابي معه في إطار ذلك الفهم.

وتكمن أهمية الذكاء الثقافي لدى الشباب العربي اليوم في أنه يُعزز من حساسيتهم للاختلافات الثقافية بينهم وبين الآخرين أو بين مجتمعاتهم والمجتمعات الأخرى، ويُقلل استخدامهم للقوالب النمطية في التفاعلات الثقافية، ويُعزز تكيفهم وعلاقاتهم مع الآخرين في سياقات متعددة الثقافات، ويُحسن اتخاذهم للقرارات وأداء العمل في سياقات متعددة الثقافات، أي أن أهميته تتمثل في ثلاث مجالات رئيسة هي: معرفة نقاط القوة والضعف لدى الشخص أثناء تفاعله مع الآخرين المختلفين عنه ثقافيًا، والتنمية الشخصية الذاتية، ومعرفة نقاط القوة ونقاط الضعف للآخرين.

فالشباب اليوم يختلف عن شباب الأمس، نتيجة اختلاف الظروف والإمكانات التكنولوجية التي أتاحت التواصل والتفاعل التبادل مع الآخر المختلف ثقافيًا، فضلًا عن سهولة التنقل بيننا وبين الآخرين، وهو ما يجعل من التفاعل بيننا وبين الآخرين أمرًا حتميًا، ويصبح من الضرورة في عالم اليوم أن يمتلك شبابنا ذكاءً ثقافيًا، يجعلهم قادرين على فهم سلوكيات وتصرفات الآخرين من حولهم، ليستطيعوا تفسيرها والتعامل معها في سياقها الثقافي الصحيح، بعيدًا عن العصبية وسوء الفهم التي ينتج عنها صراعات ومشكلات تعوق تقدمهم، وتنعكس على تقدم مجتمعاتهم وتطورها في عالم يتجه نحو مزيد من التفاعل.

أستاذ مشارك بجامعة المنيا – مصر

المصادر:

  • Ang, S., Van Dyne, L., & Koh, S. K. 2006. Personality correlates of the four-factor model of cultural intelligence. Group and Organization Management, 31: 100–123
  • Earley, P. C., & Ang, S. 2003. Cultural intelligence: Individual interactions across cultures. Palo Alto, Calif: Stanford University Press
  • Gardner, Howard. 1983. Frames of Mind: The theory of multiple intelligences, New York: Basic Books
  • IGU, Commission on Geographical Education. 2010. Building Bridges between Cultures through Geographical Education. IGU-CGE Istanbul Symposium: July 8-10, Istanbul: Fatih University
  • Sternberg, R. J. 1986. A framework for understanding conceptions of intelligence. In R. J. Sternberg & D. K. Detterman (Eds.), what is intelligence? Contemporary viewpoints on its nature and definition: 3–15. Norwood, NJ: Ablex

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.