الحوار أجراه: عزالدين بوركة.
ليس من السهل أن تحاور فنانا تشكيليا، ليس لأي شيء، فبقدر ما يأخذ الاشتغال الدءوب كل الوقت منه بقدر ما يبتعد عن آلات التصوير والتسجيل الصوتي. غير أني داهمت عادل حواتا، فنان تشكيلي رائع الألوان.. ذات غفلة فنية منه في مرسم الفنان التشكيلي مبارك عمان، هناك في الدار البيضاء، بعيدا عن مرسمه في بلجيكا.. فما كان منا إلا أن نجعله يتمثل لسلطة المسجل الصوتي لأقحمه عنوة في حوارنا هذا.. “عادل حواتا فنان تشكيلي وغرافيكي، يطغى على أعماله العمق الفني المنقوش على السند الذي يعتمد في الاشتغال عليه في الغالب (إن أمكننا القول) على اللون الأحمر والأبيض والأسود (من بين ثنائياته المتعددة).. وتلطيخات فنية إبداعية محفورة بيد ماهرة وتاقنة لحرفة الصباغة التشكيلية.. يشتغل عادل حواتا بشكل حماسي ودائم على سنده الذي يضفي عليه يوم بعد يوم تقنيات وأشكال ورموز فنية تنحل من الحداثي وما بعد البنيوي التشكيلي.. اللونين الأبيض والأحمر الطاغيان على العمل الفني لدى حواتا ما هما إلا تلك النظرة التصوفية النابعة من شطحات اللون والذاكرة.. إنه فنان واضب على اللون كما واضب على الإبداعية داخل اللوحة والفعل/العمل التشكيلي.”
1-متى كانت بداياتك الأولى مع الرسم؟
لا أستطيع أن أحدد لك تاريخيا محددا لبداية اهتمامي بالرسم.. مند طفولتي وأنا أرسم.. الرسم جزء من هويتي بهذا المعنى. أما عن بعد اشتغالي بشكل احترافي، إن صحّ هذا القول، فكان حول تيمة الأبواب.. من الأبواب نخرج.. ننفتح.. والحدود كموتيف أشتغل عليه حاليا، ما هو إلا امتداد لهذه الأبواب، التي منها نخرج إلى العالم الآخر والثقافات الأخرى.
2-لماذا الحد أو الحدود هي المسيطرة على أعمالك الأخيرة؟
الحد هو سبب كل المشاكل المعاصرة. وهو أيضا ما يترتب عنه كل هذه الأسباب للفوارق الدينية واللغوية والاجتماعية.
أحاول من خلال هذا المشروع الجمالي الذي أشتغل عليه التلميح والبرهنة الأكيدة على الضرورة الملحة لمحاولة إزالة كل ما هو حدّ بين إنسان وإنسان.
3-بعد دراستك للفن والتشكيل بالمغرب.. ذهبت لإكمال الدراسة بلجيكا. ماذا أضافت لك تجربة الدراسة هناك؟
الدراسة ببلجيكا هو أمر مختلف تماما وأساسي في مسيرتي الفنية، كما أن الاحتكاك مع الآخر ولّد لديّ خبرة. في بلجيكا، هناك، جنسيات مختلفة. تتداخل في حوار جاد ومثمر ومفيد. هو نفسه الحوار الذي استثمر اشتعاله للعمل عليه داخل لوحتي بحثا عن الانفتاح ومحاولة تكسير الحدود، التي هي سبب الهوة بيني وبين الآخر.
4-أمضيت مدة لا بأس بها خارج المغرب.. هل تتطلع على جديد الساحة التشكيلية بالمغرب؟ هل تتابع كل جيد حاصل هنا؟
اسمع ! أنا أتواصل مع الأصدقاء في المغرب أكثر من الأصدقاء ببلجيكا.. فأنا أتابع الساحة الثقافية المغربية أكثر من بعض المشتغلين بالمجال.. المقيمين بالمغرب. فأنا لم أخرج من المغرب قط.. صحيح أن الجسد بالخارج لكن العقل والروح والقلب بالمغرب.
5-كيف تنظر لواقع الساحة التشكيلية بالمغرب؟ وكيف تقومها؟
ماذا عساي أقول لك.. الاختلاف وتباعد وجهات النظر.. هو أهم ما يميّزها. قد يكون رحمة أحيانا.. المشاكل بعض المرات قد تكون مفيدة للفن.. ما ألاحظه مؤخرا أن الساحة بدأت تُنظَف شيئا فشيئا من الشوائب.. المدعين داخلها بدؤوا ينكشفون.. نظرا للوعي الذي بدأت تتقوى دوافعه. كما أن وهذا هو الأكيد. لن يصمد داخلها إلا الحقيقي والمبدع والخلاق.. فكما نقول دائما، لا يمكن أن يصح إلا الصحيح.
6-كيف تنظر إلى الحركة النقدية؟ هل تجد أنها تواكب بشكل صحي الإنتاجات الفنية للتشكيليين المغاربة؟
علينا أن نعترف أنه لا يوجد هناك نقد فني بالمعنى الحصيف للكلمة. النقد عندنا ضعيف وأحيانا يكون فاقدا للموضوعية.. لكن بالمقابل الساحة الفنية بالمغرب عمرها قصير نسبيا.. ربما أقل من 70 سنة.. وهذا ينعكس سلبا على الواقع النقدي..
لكني بالمقابل متفائل.. نظرا لوجود بعض الأقلام الرصينة والجادة، التي بدأت تظهر مؤخرا والتي نُعوّل عليها كثيرا بأن تحمل المشعل..
7-سؤال الهوية كثيرا ما شغل بال التشكيلين المغاربة؟ كيف تنظر لهذه المسألة؟
عمليا سؤال الهوية مطروح منذ السبعينيات وما يزيد.. بالنسبة لي شخصيا.. أجد أن عملي الفني هو طرح كوني.. بطبيعته المغربية..ليس هناك خصوصية.. علينا أن نعترف بذلك.. في الفن.. الفن علمي بطبع وهو ملك للإنسانية جمعاء.. ولا نستطيع التحدث عن خصوصية ما داخله.
8-بالإضافة إلى عملك الفني تشتغل كإطار جمعوي.. للنهوض بأوضاع الجالية المغربية المقيمة بالخارج.. حدثنا عن الأمر.. وكيف تساير عملك الفني والجمعوي؟
أشتغل كمتطوع جمعوي مند مدة ليست بالقصيرة.. هذا العمل الذي أعتبره تكملة لمشروعي الفني.. ليس هناك فنان لا يشتغل على القضايا المطروحة على المجتمع. داخل عمله الفني أو خارجه.. هناك مشاكل كثيرة وجدت نفسي إلى جانب أصدقاء منخرطين، في إيجاد حلول لها. فالمهاجر المغربي ببلجيكا شخص معرض بفقدان الهوية.. فهو في بلجيكا immigré وفي المغرب “زماكري”**. من هنا نحاول إدماج الحالات الصعبة في المجتمع عبر الفن.. نشتغل مع المدارس والسجون والملاجئ لمحاولة مساعدة المغاربة في وضعية صعبة.
9-كيف تنظر إلى الفن؟ وما تعريفك له؟
الفن هو متنفس وليس حرفة.. الفن متنفس للجميع وللمجتمع.. وهو مرآة لكل حضارة وعاكس لموروثها وثقافتها.. وهو في قمة الهرم على رأس أولويات التقدم.. الفنان قدوة في أعماله وعمله.
——-
**لفظ بالدارجة المغربية يُطلق على المهاجرين