أحمد الشيخاوي
تنزع قصائد الشاعر المغربي محمد مقصيدي إلى تكسير القواعد والنزوع إلى الوازع الإنساني والتماهي معه بل والذوبان فيه.
منذ البدء، يبرز صاحب النص في هامة إرباكية تستحوذ على ذهنية المتلقي وتسافر به إلى عوالمها المتهكمة الميالة إلى الخطاب السوداوي في ملامسة التفاصيل الصغيرة من حياة المواطن المغربي العادي والبسيط جدا،عوالم تدهشنا بسردية انسيابية لاذعة تجسم حجم المعاناة وتصورها عبر بوح عفوي أكثر احترافية.
عنونة مفخخة بماهية متمعنة كنوز الماوراء، تحتاج إلى عملية حفرية تمكن من تصيّد أغراض السطر والمقطع الشعري.. والنص انتهاء.
عنونة توحي بضرب من العزف على الوتر العقدي لإقعاد نرجسية مقبولة جدا. ما من ادعاء هنا كما في حالة مسيلمة الكذاب، إطلاقا، على العكس من ذلك تماما، هنا زعامة شعرية ونبوءة شاعر تختزل رؤاه من الحمولات السياسية والثقافية المتناغمة وتطلعات العربي ممزق الهوية والإنتماء، الشيء الكثير.
استوقفتني العنونة طويلا. إنها إحالة خطيرة، يستحيل الإهتداء إلى مكامنها في غياب الحس النقدي المتقد.
يسقط فوق رأسه قصب السقف، وطين الله
ويسقط
حجر اللامعنى
صورة شعرية يكاد زيتها يضيء، حين استعصي على الإكراهات النفسية والإجتماعية والتاريخية، اغتصاب بريق التناغم بين الحنجرة الغاضبة والريشة التي تصور الواقع كما هو وعلى مشهديته الخريفية، دون نفاق أو مجاملات.
كيف يمكنني أن أزعم أنني
أكتب الشعر؟
ها قد أصبحت شاعرا،
يسقط فوق رأسه قصب السقف، وطين الله
وتسقط
حجارة اللامعنى،
لكنني لا أعرف
أن أكتب لك حتى رسالة حب في
ضوء شمعة تتراقص أمام هذا النهر الطيب،
فكيف أقول
للملكة ما يجب لشاعر أن يقول.
ربما، يجب أن أستعمل هنا:
سماء رمادية
دم أغنية على الموزاييك
وردة ميتة في حديقة الزمن
لكنني أكثر حزنا من ذلك، أكثر حزنا
من أن أقول كل تلك الكلمات التي
يستعملها الشعراء عادة في قصائد الشعر.
هل يمكن أن تعرف أن الهواء يشبه
إبرة في القلب
وأن شعاع الشمس هو حبل مشنقة يتدلى بين
هاويتين.
ربما كان يجب أن لا أراك، أو كان من الواجب
أن الشعر لا علاقة له بالحب.
لكن ما يربطني بهذا الشعر هو
الحب وليس الشعر.
ولا أعرف ما معنى الحب
وما معنى الوطن والجوع والمنفى
لا أعرف أين تبدأ الأرض وأين تنتهي
لكن، ثمة دائما سماء شاردة
ثمة رائحة حلم من الليلة التي ماتت في
حادثة قطار يعبر في حلم سريع.
ها، أنا أكتب عن الحب وليس عن الشعر
لا أكتب عنك
ولا أكتب عني
ولا أكتب عن الملكة
ولا عن هذا اللاشيء
أكتب عن الشعر، الشعر الذي لا ينبغي أن
يكون شعرا.
عن هذه الإعلانات
لعل سر هذا النص السحري الرائق جدا، والمرتكن إلى قاموس منفتح لتوليد لغة جديدة ومتيح لتناسل دلالي هام، حسب ما يخدم فعل التأريخ للتجربة الواعية المروجة للهم الجمعي، يختزله، أي السر، قول الشاعر: “وأن شعاع الشمس هو حبل مشنقة يتدلى بين هاويتين .”
أقنعة سياسية وأضواء زائفة مماطلة مفوتة على الوطن خيرا كثيرا.
هما هويتان، الهم الوطني وهم المهجر والإغتراب، في غضون ممارسات قمعية تعمق من رمادية المشهد وضبابيته وتحيل على طقوس جلد الذات التي لا مناص من اتخاذ إجراءات وقائية ضد التوغل في فرض السلطة السياسة عليها وتقزيمها وتجريحها فوق ما نلمحه، كذات تختزن أو تكاد في واحديتها، التعدد والتنوع والكل.
لذا وحسب المستشف من كنه النص، نختم بقولنا أن الشاعر برع وإلى حد كبير في أسر أنفاس المتلقي عبر تراكمية تعبيرية مشوقة مرغبة في تعطش معرفي إلى الصورة التي يستقر عليها النص أخيرا.
هكذا وبنهاية مفتوحة علق أذهاننا/أكتب عن الشعر، الشعر الذي لا ينبغي أن يكون شعرا.
بعدما تأتى له تمرير معلومته على نحو عفوي مخملي باذخ، يتحاشى الإرتجال والحشو والإسراف اللفظي، ومرورا عبر مستويات ملونة لتمظهر الحبيبة الملهمة،وتدرجها كحالة بين الحوائية نسبة إلى حواء كمعادل للأنوثة في أسمى تجلياتها،والوطن المطعون،وحياتية ديار الغربة أو المهجر.
إن شاعراحداثيا متمرسا متمكنا من آليات نص اللامعنى، من طراز محمد مقصيدي، يتعمد تشظيا يشتت تركيز القارئ بما يزرع فيه قناعات ضرورة تجدد الذائقة وقابلية المواكبة والتلاحم مع كل مناحي الإيجابية التي تفرزها روح العص