قصيدة بقلم بيير طُرُويْ
ترجمة: جمال خيري
I
… لَا لَيْسَتِ الْأَسْمَاءُ بَلِ الطَّبِيعَةُ دُونَ الْمَعَالِمِ تَأْوِي الشَّكْلَ الْحَقِيقِيَّ فِي أَمْوَاهِ النَّظَرِ مُخَلَّفَةً مِنَ الْفَمِ وَالْعَيْنَيْنِ حَرَكِيَّةُ الْأَشْيَاءِ مَلْحَمَةُ الْيَدِ لَحْظَةُ تَوَقُّفٍ عَابِرَةٍ حَيْثُ يَأْتِيَانِ مُجَازِفَيْنِ النُّورُ وَالشَّفَافِيَّةُ صَاعِدَيْنِ تَيَّارَ لُغَةٍ دُونَ أَبْجَدِيَّةٍ كُلُّ اسْمٍ يُنِيرُ وَيُخْبِي نَصِيبَهُ الْخَاصَّ مِنَ النَّوْمِ مُهْتَزًّا بَيْنَ حِبَالِ الصَّمْتِ.
يَمَّحِي رَعِشُ كِتَابَةٍ مَقْطَعِيَّةٍ مُتَلَاشِياً دُونَ تَجَاعِيدَ وَعَلَى السَّحْنَةِ الْأُخْرَى يَمَّحِي الثَّلْجُ اللَّامَكْتُوبُ غِشَاءً سِرِّيًّا لِلْبُذُورِ نَابِعٌ مَائِيٌّ هَذَا الصَّمْتُ أَرْوِقَةٌ مَدْفُونَةٌ فِي مَدَى الرُّوحِ الْمَغْمُورِ
فِي قَلْبِ الاِنْسِجَامِ نَشِيدُ الْوَقْتِ الْمَحْرُوزُ حَصَى التَّضَجُّرِ الْمَصْقُولُ وَالْمُعَادُ صَقْلُهُ فِي عَيْنِ الْوَمِيضِ الْمُنْحَرِفَةِ سَوْسَنٌ بِرَعَشَاتِ زَيْتُونَةٍ
إِلْحَافٌ صِرْفٌ فِي الْوَاحِدِ الْمُتَعَدِّدِ الْقَصِيدَةُ تُعَلِّي الْوَجْهَ وَالشَّفَتَيْنِ الْقَادِرَيْنِ عَلَى تَلَفُّظِ تَعَنُّتِ الْأَصْلِ وَحَسَاسِيَّةِ هَذَا الصُّرَاخِ الْمُشَتَّتِ مِنَ اللُّغَةِ الْمُقَارِبَةِ لِلْخُلُودِ اتِّزَاناً لِلْقُرْبَانِ شَكْلاً لِلثَّوْلِ الْمُلْتَئِمُ خَلِيَّةً لِلْمَوْلِدِ هَسْهَسَةً لِلُّفَاظَاتِ الْمَنْسُوجَةِ عَلَى أَصَابِعِ الشَّفَقِ
أَيُّ رَحَابَةٍ مُبْهَمَةٍ وَمُتَعَدِّدَةٍ تُسْمِي إِلَى مِرْآةِ الصَّوْتِ نُفُوذَ الشَّتِيتِ؟ نَقَاوَةَ الثَّلْجِ الَّتِي سَتَحْفَظُهَا الْيَدُ انْتِشَارَ قُرَّيْضَةِ (١) الصَّمْتِ! تَوَّاقَةً إِلَى الْمَعْنَى الَّذِي الْآنَ اخْتَفَى وَمَا يَزَالُ جَهِيراً فِي أَثَرِهَا هَنْدَسَةً صِرْفاً عَلَى جِدَارِ الْهَوَاءِ ذَا عِنَاقاً شَفَوِيًّا لِلْمَجَازِ عَبْرَ الْمُعْتِمِ.
II
تَتَكَلَّمُ كَالْهَايُوجْيُومِ (٢) الْمُوَارَبِ الدَّعْوَةُ قَصْدَ الْمَجَازِ كَلْبُ الْكَلَامِ وَالنِّسْيَانِ الصَّامِتُ عَلَى شَفَا سَفْحَيْهَا وَالْفَجْرُ يَنْحَتُ الصُّخُورَ كِتَابَةٌ مُكَدَّرَةٌ الْمَدُّ يَخْتَلِسُ مِنَ الْأَصْوَاءِ الْخُشُونَةَ الصَّوَامِتِيَّةَ تَارِكاً فِي عُبَابِ الصَّوْتِ الْمُتَخَيَّلَ اللَّامَلْفُوظَ مُتَعَدِّداً فِي الصَّمْتِ مَجَازاً يَنْفَتِحُ الْبَحْرُ يَتَكَلَّمُ مُلْتَفِتاً نَحْوَنَا نَظَرُ الْمَوْتِ الْكَئِيبُ
جُزُرٌ جَهِيرَةٌ غَارِقَةٌ هَا الْخَفَقَانُ حَيْثُ تَنْبَسِطُ هَيْأَةُ الْأَسْمَاءِ يَخْتَلِجُ فِي هَذِهِ الْأَعْمَاقِ الْعَنْبَرُ حَيْثُ يَتَكَرَّى مَطْمُوراً تَحْتَ الرَّمْلِ خُلُوصُ الصِّبَى صَدَى! إِلَهُ الْمُنْتَهَى! أَيُّ ذَاكِرَةٍ لَمْ تُولَدْ بَعْدُ تُشْرِقُ فِي تَحَوُّلِكَ الْمُقَدَّسِ بَحْثاً عَنْ صِرَاطِ الْكَمَالِ؟ قَرِيبَةً مِنَ الْعَيْنَيْنِ وَمِنَ الْيَدِ مُجَاوِرَةً لِلْهَلَعِ الَّذِي يُخْفِي الْكَلَامَ لُغْزاً فِي حَدِّ ذَاتِهَا! أَيُّ مَسَافَةٍ مَا تَزَالُ مُنْحَنِيَّةً تُجَاهَ الْحَدِّ الْمَمْنُوعِ تَفْصِلُ بَيْنَ الْإِيمَاءَةِ وَالْاِسْمِ؟ أَيُّ طَبِيعَةٍ فِينَا مَفْصُومَةً تَتَفَكَّكُ نَحْوَ الْعَلْيَاءِ؟ مُدَوِّخٌ اِشْتِغَالُ الْحِدَادِ! تَآكُلُ الْجِبَالِ يُوَاجَهُ بِالسَّهْلِ أَكْثَرَ عُلُوًّا فِي الْمَكْشُوفِ وَهْوَ اللُّغَةُ الصِّرْفُ فِيهِ
III
فِي الْعَلْيَاءِ الْبُحَيْرَةُ الْأُمُومِيَّةُ الْجَامِدَةُ وَالْوَبَرُ مُتَقَزِّحٌ بالْمَوْتِ تَنْشَعُّ مَا وَرَاءَهَا مَرْمِيَّةً فِي الشَّسَاعَةِ أَرْخَبِيلِيَّةُ الْحَجَرِ تَفْرِيخاً دُونَ أَجْفَانٍ هَذَا مَا وَعَدَ بِهِ فِي بَاكِرِ صَبَاحِهِ الْجَبَلُ مُفْتَرِشاً الطُّمَأْنِينَةَ الَّتِي تُونِعُ الْهُوَيْنَى قَبْلَ أَنْ تَنْبِتَ
فِي عَرْضِ الْبَحْرِ تَبْتَعِدُ كَأَقْنَثَا الشَّمْسِ عُنْفاً مَنْحُوتاً مِنَ الصَّمْتِ هَالَةُ مِعْرَاجٍ مُبَصِّرٍ بِالدُّوَارِ وَفِي هَيَجَانِ الْجَسَدِ انْشِرَاخُ الْمَشْهَدِ وَحَائِكُ الْكَوْكَبَاتِ الْكَوْنُ الْمَقْلُوبُ عَلَى أَشْفَارِ السَّمَاءِ مُثْقَلاً بِالثُّلُوجِ السَّاحِلِيَّةِ مِرْآةٌ لِبَدْءِ الصِّبَى.
يَمْضِي نَاجٍ مُنِيراً لِمَجَازٍ الْبَيَانُ النَّهَارِيُّ طَبِيعَةً جَامِدَةً فِي غِيَابِ لُغَتِهِ عَالَماً مُنْعَزِلاً دُونَ أَسْمَاءٍ فِي إِيمَاءَةِ الْخَطْوِ وَحْدَهَا وَالْعُيُونُ مَفْتُوحَةٌ عَلَى الصَّمْتِ يَمْضِي مَجَالاً صِرْفاً لِلتَّنَاغُمِ جَاعِلاً الْوَاقِعَ مُمْكِناً: مُضَفِّراً صَوْتَ الْخُطَى مُلَوِّحاً كَخَطٍّ سَالِفٍ لِلسُّهُولِ الْعُلْيَا بِزَبَدِ الزَّمَكَانِ
حَيْثُ تَحُطُّ الْقَدَمُ يَعُنُّ الصِّبَى الَّذِي تَكْتَشِفُهُ السَّمَاءُ حَيْثُ الصَّدَى يَرْسُمُ يَنَابِيعَهُ مُعَلَّقاً عَلَى الشَّاطِئِ إِثْرَ الْأَمْكِنَةِ وَالنِّعَمِ وَجْهٌ مُتَشَنِّجٌ يَعُنُّ مُنْفَكًّا بَعِيداً عَنِ الْأَيْدِي الْمُلَوِّحَةِ بَاسِنَةُ (٣) فِكْرَةٍ الْـ ـعَالَمُ فِي رَمْشَةٍ يَتَكَوَّنُ مِنْ جَدِيدٍ!
IV
أَيُّ نَهْرٍ دَائِرِيٍّ يَتْرُكُ جَزِيرِيًّا فِيَ هَذَا الْإِحْسَاسَ بِالاِزْدِيَادِ؟ يَا هَبَّةَ الظِّلِّ السَّوْدَاءَ أَيْنَ يَتَصَاعَدُ الْوُضُوحُ الْمُتَمَايِلُ مُوَارِباً نِظَامَ الْيَقَظَةِ الْكَوْكَبِيَّ؟ دُوَارٌ لَا لَفْظَةَ تُقَدِّرُهُ وَتَقُولُهُ الذَّاكِرَةُ الْحَابِلَةُ بِالصَّوْتِ الَّذِي يُهْدِيهِ الظِّلُّ وُضُوءً صُبْحِيًّا لِلْبَدْءِ الْمُمَزَّقِ الْمُتَوَجَّبُ تَرْكُهُ يَلْتَئِمُ وَالَّذِي كَانَ قَدْ خَتَمَهُ الصِّبَى جَارُ الْمَوْتِ مَا يَزَالُ! بِالنِّسْيَانِ الْمَسْبُوقِ وَالدَّيْنِ الَّذِي يَسْتَحِيلُ تَسْدِيدُهُ يَا التَّذَكُّرُ الْمُزْدَوِجُ! الْحُضُورُ الْمُثَنَّى الَّذِي بِقَوْلٍ غَامِضٍ مِنَ الْوَاحِدِ إِلَى الْآخَرِ يُولَدُ الصَّمْتُ وَالْوَقْتُ يَعْكِسَانِهِ… أَصْلٌ مُرِيبٌ لَا نَنْتَهِي أَبَداً مِنْ تِكْرَارِهِ وَلَا يُلَائِمُ أَبَداً قَوْلَ الْفَجْرِ! كَلَامٌ بِأَصِمَّةٍ يُغَشِّيهَا التُّرَابُ الْقَصِيدَةُ تَجْتَازُ فِي تَتَوُّهٍ سَاكِتٍ الْبَابَ ذَا الْمِصْرَاعَيْنِ ثُمَّ بَغْتَةً جَهَارَةَ الذُّرَى الْمَعْدِنِيَّةَ كَصَرْخَةٍ كَأَصْلٍ مُنِيرٍ وَثُنَائِيٍّ تَقْلِبُ إِلَى الإقْصَاءِ تَمَّتَ إِصَاخَةَ نَظَرٍ صِرْفٍ جِوَارَ مَهْدِ الْبَحْرِ يَتَقَوَّسُ فِي جَزْرِهَا عَكْسَ اللَّيْلِ لُهَاثُ الْمَوْتِ يَتَعَرَّى دُونَ تَوَقُّفٍ هَمْسُهَا مُهَدْهِداً صَدَى الْكَائِنِ مُتَرَاجِعاً مُبَلَّراً وَقْتاً سَحِيقاً حَرَكَةُ الْحُلُمِ اعْتِدَالٌ فِطْرِيٌّ تَكْتَسِبُهُ مِنَ النِّسْيَانِ
V
حِدَّةٌ مُطَيَّنَةٌ بِالصُّرَاخِ الدَّائِرِ فِي الْعُلُوِّ صُوَّةٌ فِي غِيَابِ السَّطْحِ مُطَوَّحٌ بِهَا إِلَى حَافَتِهَا الْقُصْوَى بِجَمَالٍ مُدَمِّرٍ طُرُّ الْعَالَمِ الْمُبَاغِتُ ذَا…
مُسَمَّراً بِفِتْنَةِ الدُّوَارِ الْعَجْلَى حَيْثُ تَذُوبُ الْعُزْلَةُ الْعَمِيقَةُ حَيْثُ تَضِيعُ الْقُدْرَةُ عَلَى التَّسْمِيَةِ شَفِيرُ الْأَيَّامِ دُونَ أُفُقٍ… مَدُّ الْأَصْوَاتِ الْمُتَمَازِجَةِ الْمُتَصَاعِدُ تَحْتَ السَّمَاءِ الْمَائِلَةِ… نِدَاءٌ تَحْتَ سَقْفِ الْعُيُونِ الْوَحِيدِ الَّذِي لَا صَدىً يَحْمِلُهُ إِلَى مَسَامِعِنَا فِي نَظَرِ الْعَالَمِ ذَا بِجُدْرَانِهِ الْمُنْحَنِيَّةِ الصُّورُ الْمَغْشِيُّ عَلَيْهِ الَّذِي يُبْقِينِي حَيْثُ نَظَرِي يَتَكَسَّرُ جِدَّ ضَيِّقٍ عَلَى أَنْ يَتَحَمَّلَ كُلَّ شَيْءٍ حَيْثُ مَا تَزَالُ يَدَايَ بِهِ مُتَمَسِّكَةً تَوَتُّرٌ دُونَ جَنَاحٍ… يَحْلُمُ اللَّبْلَابُ الْمَكْسُورُ الَّذِي سَتُدَوِّي بِهِ الْقَصِيدَةُ
أَيُّ ذَاكِرَةٍ فِيَ تَتَعَالَى بِالْأَنْوَارِ وَتُدَاوِمُ فِي خُلُوِّهَا؟ تَعْرِيَةً لِمُقَدَّسٍ لَا يَسْتَطِيعُ الْكَلَامَ؟ جِوَارَ الْمَوْتِ الْمَبْهُورَ إِرَادَةُ الْقَدَرِ أَوِ الْإِلَهِ الْغَامِضَةُ وَ فِي الْخَارِجِ مُبْتَلَعٌ مَسْكُوتُ الْحَجَرِ…
وَعَلَى الضِّفَّةِ الْعَارِيَّةِ حِرِّيفَةً جِدًّا لَاهِثَةً مِثْلَمَا فِي الْأَعْلَى الْآنَ بِالْمِرْصَادِ نَهْرُ السَّمَاءِ الْمُرْتَعِشُ السَّحْنَةُ الْأُخْرَى بِأَذْرُعٍ مِنْ نُورٍ الصِّرَاطُ الْآخَرُ ذَا الْمُتَحَجِّرُ يَسْبِرُ ظِلَّ الزَّوَالِ الْمُثْلِجِ الَّذِي تُهْدِيهِ الْأَرْضُ لِلْعَيْنِ الْكَوْنِيَّةِ
مَنْفىً فِي مَصَبِّ عَيْنَيَّ فَدَّانُ هَذِهِ الرَّحَابَةِ الْمُتَدَفِّقَةِ… هَبَّةٌ مُتَكَرِّرَةٌ! تَعَرَّفْتُ عَلَى مَحَارَةِ الْعَالَمِ الْعُرْيَانَةِ فَصِّ الصَّمْتِ قُبَّةً حَافِظَةً لِلنِّسْيَانِ
VI
سِرْوٌ! دُوَارٌ فِي وِجْهَةِ الْعَلْيَاءِ ظِلٌّ جَهِيرٌ! أَيُّ قَوْسِ كَمَانٍ يُمَزِّقُ فَرَاغَ الصَّمْتِ ذَا؟ كَمَانٍ أَجْهَرَ غَيْرِ مُدَوْزَنٍ يَا الزَّوْرَقُ الْعَمُودِيُّ! مَدَى انْفِلَاقِكَ الْأَزْرَقُ!
فِي رُوحِ الْكَرَى مَادَّةُ الصَّوْتِ شَكْلُ الْجَرَّةِ الْمَأْتَمِيَّةِ الْمَعْثُورِ عَلَيْهَا حَدٌّ صِرْفٌ! صُرَاخُكِ يَرْتَمِي فِي بَصَرِي يَا الْجَهَارَةُ الْمَأْتَمِيَّةُ!
لَا تَرَمُّلَ يَسْتَرْجِعُ الشِّعْرَ مِنَ الْعَوِيلِ الثُّلَاثِيِّ الطَّوِيلِ مَاءً لَمْ يَعُدْ يَجْرِي! أَيُّ صُرَاخٍ صَامِتٍ يُنْهِي التَّشَنُّجَ الْمُتَقَبِّضَ لِمُتَمَهِّلٍ يَتَذَكَّرُ؟
يَا الظَّلَامُ الْمُفَارَقُ يَا الشَّفَافِيَةُ! كُلُّ الْجَلِيِّ حَاضِرٌ هَا هُنَا يَتَخَفَّى عَنِ النَّظَرِ
VII
فِي الرِّوَاقِ الْمُقْفِرِ يَخْبُو مُضَايَقاً مِنْ طَرَفِ اللَّيْلِ النَّحْلُ الْحَائِرُ لِأَنَّهُ عِنْدَ اخْتِتَامِ طَنْطَنَاتِهِ السَّالِفَةِ الاِسْتِبَانَاتِ الْأُولَى لِبَقَاءِ الْآلِهَةِ الْمُنَفِّذِ يَأْفُلُ الظِّلُّ الْمُنْحَنِي وَيَمْنَحُ شَكْلاً لِلْأَرْضِ الْهَيْكَلِ السَّاهِدِ الْهَاوِيَةِ الْخَارِقَةِ الْمُعْتِمِ بِقَدَاسَتِهِ
يَدْفِقُ عَلَى الْعَتَبَةِ الصَّخَبُ غَيْرُ الْمَسْمُوعِ تَحُطُّ فِي مَدِّهِ السَّاعَةُ الْأَكْثَرُ صَمْتاً الْحَتْمِيَّةُ الْغَازِلَةُ وَخَطْوُهَا الْمَمْحِيُّ…
لَقَدْ أَقْلَعَتِ الْقَصِيدَةُ عَنِ الرَّكْمِ يَغْمُرُهَا الْآنَ فَيْضُ الصَّمْتِ اَلْكَلَامُ وَالْمَرْمَرُ الْمُسْتَأْصَلَانِ يُنِيرَانِهَا مُنَبِّهَانِ الْبَابَ الصَّخْرِيَّ الْمَلَاكَ ذَا الْوَجْهِ الْأَعْمَى ثَلْجَ الْقَوْلِ طُفَاوَةً لِحَدْسٍ صِرْفٍ تَخَفٍّ بِصُرَاخٍ جَاحظٍ حَيَازِيمَ لِجَمَشْتِ الضِّفَّةِ الْمُنَظَّفَةِ مِنْ غِشَاوَاتِ اللَّيْلِ وَالْفَجْرُ لَوْحُ زُجَاجٍ دَيُّومٌ بِصَعِيقِهِ الْحَامِيِّ
أَيُّ إِلَهٍ يَخْرَسُ قُدَّامَ النَّهْرِ الَّذِي أَمَامَ عَيْنَيَّ يَتَعَالَى صَوْبَ يَنْبُوعِهِ؟ الْأَمْوَاهُ تَسْتَسْلِمُ لِلنِّسْيَانِ يَبْتَهِجُ نَظَرِي إِلْحَافٌ مُسْتَمِرٌّ مِنَ الظِّلِّ إِلَى النُّورِ الصَّخَبُ الْعُرْيَانُ لِكِتَابِ قُدَّاسِ الْيَوْمِ رَافِعاً لِسَانَهُ الْأَقْزَلَ يَكْتَشِفُ الذَّاكِرَةَ يُظْهِرُ الصَّمْتَ لِلْعِيَانِ وَبَدَاهَةُ عَلَامَاتِهِ الْمُحِيطَةِ الْمَسَافَةُ الْمُحْتَشِمَةُ وَالدَّعْوَةُ النِّسَائِيَّةُ
VIII
هُتَامَةُ انْفِعَالٍ صِرْفٍ شَرَابٌ مُزَجَّجٌ لِعَيْنٍ دُونَ بُؤْبُؤٍ هَذَا اللَّازَوَرْدُ يُعَجِّلُ بِمَوْتِهِ مِينَا الْوَاقِعِ الْقُبَّةَ الْمُعَلَّقَةَ هَذَا الْمِينَا دُونَ الْعَقَارِبِ لِنَحْلٍ لَا أَصْلَ لَهُ بِفُسَيْفِسَاءَ ضَائِعَةٍ فِي الْفَضَاءِ بِهَمْسٍ ذِي عُيُونٍ مُغْمَضَةٍ يَتَحَدَّثُ وَحْدَهُ الْمَلَاكُ الْكَوْكَبِيُّ فِي التَّنْوِيمِ النُّورِيِّ أَزْرَقَ ذَهَبِيًّا يُشَيِّدُ الصَّمْتَ مَادَّةَ الصَّمْتِ الْمُتَأَثِّرَةِ!
مُتَقَزِّحاً بِالشَّمْسِ يَتَصَاعَدُ فِيَ اهْتِزَازُ الْحُلُمِ الْبَطِيءُ فِي طَبَقَاتِهِ صَوْتُ الصُّخُورِ الْمَغْمُورَةِ الْمُخَشَّنَةِ بِالْبَحْرِ فِي تَأَلُّقِهِ اللِّسَانُ الَّذِي كَانَ الطِّفْلُ يَسْمَعُهُ تَحْتَ لَمَعَانِ الْمَوْجِ تُغَرْبِلُ نَظَرَهُ الْعَلْيَاءُ الْبَعِيدَةُ الْمَنَالِ الَّتِي كَانَتْ تُنِيرُ بِأَشِعَّةٍ دُونَ ذَاكِرَةٍ ارْتِجَاجَ الْأَمْوَاهِ الْمُتَلَعْثِمَةِ الْكَئِيبَ بِكَثِيرِ التَّوَهُّجِ يُولَدُ مِنْ جَدِيدٍ وَقْتُ الصَّبَاحَاتِ لَاحِقاً بِغَوْصِهَا اللَّيْلِيِّ.
IX
أَيُّ سَكِينَةٍ بَغْتَةً قَلِقَةً تَتَوَلَّجُ مُزِيحَةً غِشَاءَ اللَّيْلِ النَّهَارِيَّ؟ جَوْهَرَ تَهْلِيلَاتٍ سَالِفَةٍ مَلَّاحَاتٍ! يَا الْقُبَّةُ الْمُسَوَّاةُ سِمَاطاً وَالَّتِي بِكَامِلِهَا تَجْتَاحُنِي!
هَمْسٌ مُتَرَاكِمٌ عِنْدَ الْأُفُولِ يُنِيرُهُ لِيَ الْفَضَاءُ الْمُتَآكِلُ… وَصُرَاخٌ مُوحِشٌ يُمَزِّقُ بِطَيَرَانِهِ الْعَتَمَةَ الصَّرِيحَةَ وَهْيَ تُرَصِّعُ هَذَا التَّحَوُّلَ الثَّابِتَ الَّذِي حُلُماً كَانَ يَحْرُثُ الْبَحْرَ
أَيُّ احْتِضَارٍ مُتَلَأْلِئٍ يَلْحَظُ الظِّلَّ الْمُكْتَسِيَ بِالْهَوَاءِ أَمَهاً مُشِعًّا مُنْتَهىً يُدَثِّرُنِي وَيُودِعُنِي السَّمَاءَ كَيْ أُعِيدَ تَرْصِيعَهَا؟
مَادَّةٌ حَيَّةٌ سَمَاءٌ! يَدْفَقُ مِنْ الصِّمَامِ الصَّدَفِيِّ الشَّرْخُ الَّذِي يُدْمِي الْبَحْرَ الْغُلْبَةُ لِلْوَقْتِ بُطْءُ الْمَاءِ الْبَنَفْسَجِيُّ انْعِكَاسَاتٌ عَكْسَ الضَّوْءِ تَغْتَرِفُ مِنْ تَدَرُّجِ الزُّرْقَةِ اللَّقْحَ الْمُبَلَّرَ.
أَيُّ فَجْرٍ آخَرَ مُوقِفاً رُبَّمَا طَرِيقَهُ يُطَوِّقُ هَذَا التَّعَاقُبَ؟ ارْتِدَادٌ وَاضِحٌ فِيمَا مَضَى هَذَا الدُّوَارُ النَّهَارِيُّ الْمَطْمُورُ فِي الرَّمْلِ دُونَ ضَجَّةٍ؟ أَرَقٌ مُنِيرٌ لِلْمُتَدَفِّقَةِ عَتَمَتِي وَبَغْتَةً بِلَا ذَاكِرَةٍ صَمْتُ النَّفْسِ يُهَمْهِمُ قَحْطُ الْكَلِمِ الْآنَ تَلَاشَى فِي أَجَلِهِ
X
صَدىً بِغَيْبُوبَةٍ قَدِيمَةٍ يَتَّكِأُ عَلَى ظِلٍّ… خُطُوَاتٌ مُفَكَّكَةٌ تُوقِعُهُ فِي الْكَفَنِ! فِي تَرَمُّلِ الْبَحْرِ نَظَرٌ يُسَمَّى لَيْلاً الْمَاءُ الْمُتَكَلِّمُ الَّذِي فِي أَمْكِنَةٍ أُخْرَى يُكَبِّلُ وَيُفَكِّكُ كَمِغْزَلٍ يَخْرِقُ انْعِطَافَاتِ الْحُلُمِ الزَّانَةَ الْمُرْشِدَةَ إِلَى الشِّبَاكِ الْمَفْسُوخَةِ! ذَاكِرَةٌ الْعُشْبُ الْأَزْرَقُ مُثْبَتٌ شَعَرُ النَّوْمِ يُغَطِّي الْمَرْكَبَ الْعُرْيَانَ
تَنْغَمِسُ وَتُدَوِّمُ ذَاكِرَةً صَمَّاءَ وَمَعاً تُحْبَكُ وَتُفَكُّ ثَخَانَةُ الْهُنَيَّةِ الْمُتَقَزِّحَةُ ظَلَاماً أَوَّاباً لِلاِقْتِسَامِ أَيُّ مَاضٍ غَرِيبٍ لَمْ يَكُنْ أَبَداً حَاضِراً؟ أَيُّ مَسَافَةٍ تَخِفُّ تَقْتَضِي فِي حَوْكِ الْبَرَّانِيِّ لَمَّ مَا عَلَيْهِ رَغْمَ كُلِّ شَيْءٍ أَنْ يَجْرُفَ رَاسِياً فِي لَيْلِ الْكَلَامِ حَيْثُ تَمُوتُ الاِسْتِعَارَةُ مُنْهَكَةً؟
فَاتِحَةً لِلْمَجَازِ الْأَوْحَدِ نَحْوَ هَذَا الرِّتَاجِ الصَّدِئِ الْمُوسِيقَى دُونَ الْكَلِمَاتِ بِصَمْتٍ يُحَدِّدُ نِطَاقَ النُّورِ يَهْرُبُ هَذَا الْحَاضِرُ الرَّحْبُ يُرْخِي الْوَاحِدَةَ تِلْوَ الْأُخْرَى مُلَابَسَاتِهِ الْمَوْصُولَةَ عَبْرَ التَّشَابُهِ وَفِي الْآخِرِ يَمْضِي نَظَرُ السُّورِ الْقَدِيمِ الْمَتْرُوكِ لِمَحَالِقِ الْمَوْتِ…
XI
انْتِظَارٌ دَائِمٌ لِلْأَشْيَاءِ! يَبْتَدِعُ نَفْسَهُ فِي هَوِيسِهَا الشَّكْلُ الَّذِي عَلَيْهِ أَنْ يَخْتَلِقَهَا مُجَدِّداً لِنَظَرِنَا التَّشَابُهُ الصِّرْفُ فِي السَّنَى خَارِجاً يَتَقَزَّحُ التَّنَوُّعُ تَشْبِيكاً أُحَادِيًّا أَصَابِعُ الْعَاصِفَةِ الْعُرْيَانَةُ تُشَعِّعُ تَجَانُسَ كَيْنُونَتِهَا وَتَبْسُطُ حِبْكَتَهَا أَمَامَ أَعْيُنِنَا عِلَاوَتُهُمْ الْخَدَّاعَةُ تُقِرُّ بِالْجَمَالِ الْمُتَنَاثِرِ الْأَمْرُ يَتَهَيَّأُ ثُمَّ يَصِلُنَا قَوْلاً بَغْتَةً أَخْرَساً وَتَبْقَى خَفِيَّةً عَلَيْنَا وَافِرَةً بِأَسَالِيبِهَا الْكِتَابَةُ أَبْعَدَ انْفِصَالاً مِنَ الْمُتَأَمَّلِ الْمُعْتَدِلِ لِلرُّوحِ تَرْكِيباً غَيْرَ مُكْتَمِلٍ لِنِدَاءٍ مَسْمُوعٍ جَسَداً لِلْعَالَمِ وَلَا يَتَنَاهَى الاِسْتِبْصَارُ الْمُتَبَادَلُ…
أَيُّ تَشْخِيصٍ مُتَأَخِّرٍ يُوقِظُ الصَّمْتَ فِي هَذِهِ الْمِرْآةِ الْأَخِيرَةِ؟ أَيُّ وَجْهٍ يُرْجِعُ الصَّدَى؟ نَظَرٌ مَلَائِكِيٌّ الاِنْسِجَامُ التَّصْوِيتِيُّ لِلْأَصْوَاتِ وَالْأَشْكَالِ بِلَا كَلَلٍ يُعَادُ؟
تَنَفُّسٌ عُمْقُ الْمُعْتِمِ قَبْلَ أَيِّ حُضُورٍ الْأَزْرَقُ يَرِنُّ وَيُرْجِعُ الصَّدَى غَيْرَ مُسَمَّى فِي أُوكْتَافِ(٤) الْأَمْوَاهِ رُؤْيَا يُفْسِدُهَا وَيَبُثُّهَا تَوَتُّراً بَائِناً بُطْءُ الْأَحْجَارِ الْحَارِقَةِ طُيُوراً جَوْقَةً مُجَدَّدَةً مِنْ حَصَى الشَّمْسِ النَّدِيِّ بِالْوَضَحِ مَنْسَكاً لِلْجُزُرِ جِوَارَاتٍ عُلْيَا بِصَوَارٍ مُتَشَابِكَةٍ مُلُوحَةً يَا الْعُزْلَةُ الْمَرِيرَةُ!
==========================================
(١) الهايوجيوم : مقبرة سردابية (أو معبد) بالمقارنة مع المصطبة
(٢) الباسنة : حديدة المحراث، سكته
(٣) جمشت : حجر كريم بنفسجي
(٤) أوكتاف : ثامن درجة في سلم موسيقي أو مقام
==========================================
من ديوان “شَيْءٌ مَا آتٍ مِنْ بَعِيدٍ”.لبيير طُرُويْ الشاعر الفرنسي الملقب بشاعر الأنوار الأطلسية (1921-2005)، صدر الكتاب عن منشورات روجري 2000
ترجمة جمال خيري، شاعر ومترجم فرنسي من أصل مغربي