حوّلت في الآونة الأخيرة، صفحات الكثير من الكُتّاب الجزائريين، على الفيسبوك إلى ما يشبه المنابر الإعلامية للترويج لكتبهم وإصداراتهم الأدبية، ففي وقت سابق كانت الملاحق والصفحات الثّقافيّة، تقوم بهذا الدور وتروّج للكتب والإصدارات في أركان وزوايا مخصّصة للعناوين الجديدة، وكانت هي المنبر الوحيد لعملية الترويج والإعلان عن أي كِتاب جديد. لكن ومع انتشار واكتساح مواقع التواصل الاجتماعي في فضاء وشبكات الإنترنت، أصبح الكُتّاب والأدباء، يروجون بأنفسهم لكتبهم وإصداراتهم الجديدة، ولا ينتظرون من الجرائد وصفحاتها أو ملاحقها الثّقافيّة، أن تقوم بدورها وأن تروّج أو تُعلن في مساحاتها عن العناوين الجديدة لكتبهم.. حول هذا الشأن، استطلعت «الدوحة» آراء مجموعة من الكُتّاب.
يرى الشاعر ميلود حكيم: «أن فضاءات التواصل الجديدة فتحت أفقاً أرحب للمبدعين ليتبادلوا إبداعاتهم ومشاغلهم، ويجدوا فسحة أوسع للحضور، والإحساس بأهمية ما يكتبون، خاصة حين يكون التفاعل كبيراً، والتعليقات غنيّة، والنقاش مثمراً. وقد ولّدت هذه الحالة ظاهرة جديدة يمكن تسميتها (كُتّاب الفيسبوك) الذين لم يسبق لهم نشر كِتاب ورقي، وكانوا مهمشين من دُور النشر والمؤسسات الوصيّة على الثّقافة، فوجدوا في هذا الفضاء الحرّ والديموقراطي المكان الذي منحهم قرّاء وأحياناً نقّاداً ومتابعين. وبذلك أصبح فعل الكتابة ذا جدوى بالنسبة إليهم، بل إن بعضهم قرّر أن لا ينشر إلّا في الفيسبوك بعد أن أصبح اسمه متداولاً ومعروفاً، نكاية في الوضع المؤسف للمشهد الثّقافي العربي».
صاحب «أكثر من قبر، أقلّ من أبدية» أضاف مستدركاً: «لكن يجب، مع ذلك، أن نتأمل هذه الظاهرة، ونحلّل أسبابها وما يترتب عنها، فإذا كانت وسائل التواصل الحديثة ضرورية لتسهيل وصول المبدع وانتشاره، ولتكوين جماعة تحتفي بالقسمة الجميلة للنصوص والأشياء الأخرى، إلّا أننا نعيب عليها اختلاط الحابل بالنابل، والغثّ بالسمين، والجيد بالرديء، لأن السهولة جعلت الكثير يركب الإبداع ويعتبر نفسه قادراً على الكتابة، ما ولّد رداءة أكبر، بحكم الرقعة الواسعة المتاحة للانتشار، كما رسخت هذه الوضعية ظاهرة الشفهية الجديدة، التي جعلت الأدب يخسر ذلك الحضور الرصين، الذي تصاحبه الممارسة النقدية الجادة، والتراكم الذي يسمح بتشكّل الظاهرة الأدبية ودراستها.
وخلُص ميلود حكيم إلى نتيجة قال فيها: «لا بأس أن يساهم الكاتب في الترويج لأعماله في فضاءات التواصل الجديدة، لكن هذا يجب ألّا يحجب عنا ضرورة أن يجد الكُتّاب مكانهم الطبيعي في المشهد الثّقافي وعند دور النشر، كما هو معمول به في الدول التي تحترم نفسها. يجب ألّا يتحول الفيسبوك إلى ملجأ لفشلنا في صناعة مؤسّسات ثقافيّة، وفضاءات هي المفترض فيها أن تتكفّل بالإبداع والمبدعين. لكن يبقى العالم الافتراضي أكثر إغراء وغواية، إذ يوفر على الأقلّ الحرّيّة التي تسمح للمبدع أن يتجاوز الرقابة، وينشر ما يحب».
أما الناقد والكاتب عبد الحفيظ بن جلولي، فيرى أن ترويج الكاتب لكتبه وأعماله عبر جداره على الفيسبوك لا يعني استغناءه عن الوسائل الإعلامية التقليدية من جرائد ومجلات، إنما هو وسيلة أخرى للترويج، ويقول بهذا الخصوص: «إنّ الكاتب منتج أفكار، والمنتِج كيفما كانت طبيعته لا بد له من الترويج لمنتجه، ومن هنا كانت شبكات العلاقات التواصلية جد ضرورية للكاتب، حتى يجعل الآخر على تواصل بما ينتجه».
وأضاف في السياق ذاته: «قد يكون ما يجعلنا نفكّر في الجانب الاستغنائي لدى الكاتب هو إعلان بعض الكُتّاب، ولهم مبرّراتهم وأسبابهم في ذلك، عن مقاطعتهم للتواصل مع وسائل الإعلام، وخصوصا الجرائد، لكنه لا يؤسّس لموقف عام يشمل الكافة، لأن الكاتب مازال له منبره الإعلامي وعموده الأسبوعي وحواراته الصحافية، وكلها تدخل ضمن العملية الترويجية لإنتاجيته وكيانيته المعرفية والإبداعية».
أما الشاعر والناقد محمد الأمين سعيدي، فذهب إلى القول، بأن الكاتب اليوم، وقد دخل معترك العالم الافتراضي، يلغي، دون قصد، كثيراً من الحدود الضرورية. وفي نظره فقد انهارت المسافة بين زمن كتابة النص وزمن قراءته، ولهذا كثير من التبعات، لأنّ كثيراً من النصوص صارتْ تُنشر مباشرة بعد إتمامها، تنسخ من متصفّح WORD لتلصق في متصفّح الفيسبوك، بينما الكتابة تمحيص ومراجعة وإعادة كتابة.
صاحب «مباهج الحيرة»، أضاف بهذا الصدد: «الكاتب اليوم يكتبُ النص وينشره ويروّج له ويتفاعل مع قارئه مباشرة وبردود سريعة جداً، بل ينشر النص ويقوم بدور الحارس الحريص على كماله الرافض لأيّ رأيٍ مخالفٍ لما تراه عنتريات المبدع في ذلك النص، وبهذا انهار النقد أيضاً. ووقع النص في مأزقٍ كبير يتوهّمه البعض انعتاقة وتحرّراً وانطلاقاً».
سعيدي، قال بكثير من النقد: «لقد أنتج لنا الفيسبوك كاتباً «سوبرمان»، لا على طريقة نيتشه الكبيرة، بل على طريقة أفلام الكرتون والفانتازيا الهوليوودية. الكاتب الذي يفعل كل شيء، ويفقه في كل شيء، ولا يخاف من شيء، وبإمكانه بضغطة زر أنْ يُميت من يشاء «فيسبوكياً» وأنْ يمنح الحياة لمن يشاء».
في حين يرى، الروائي كمال قرور، أن الكاتب وجد في (الفيسبوك) مناخاً لم يكن ليعثر عليه بيسر في الوسائل الإعلامية التقليدية: «كان الكاتب مغبوناً يعيش في عزلة أبديّة قاتلة، يستطيع أن يفكها بطبع كِتاب أو نشر مقال أو حوار في جريدة، لكن بعد انفجار وسائط التواصل الاجتماعي أصبح الكاتب أكثر راحة وأريحية وأوفر حظاً من سابقيه للترويج لأفكاره ومؤلفاته، وإثبات حضوره، لأن الانخراط في هذه الوسائط سهل وفعال، وغير مكلف».
صاحب «حضرة الجنرال»، أضاف في ذات المعطى: «يمكن للكاتب من بيته أو جهازه الآلي أو هاتفه الذكي أن يُدير صفحاته بسهولة في كل وقت ليكسب أعداداً كبيرة من المتابعين، كما بإمكانه أن ينشر ويحذف ويضيف ويُحين مادته دون الاستعانة بوسيط، ودون رقابة أو حواجز، أو وصاية من أحد أو جهة من الجهات. ومثلما ينشر نصوصه يمكن أن ينشر صوره وكل الفيديوهات المتعلّقة بنشاطه. وفي الوقت نفسه يمكن أن يتفاعل مع متابعيه موضحاً ومناقشاً. إنها نعمة التواصل محسود عليها كاتب هذا العصر».
أما الكاتب والناقد، قلولي بن ساعد، فيرى أن اللجوء إلى فضاءات النت والتواصل الاجتماعي ليست بديلاً عن وسائل الإعلام المكتوبة، ولكنها جزء من حَلّ لمعضلة الغياب الفادح للإعلام الأدبي المتخصّص، مضيفاً بهذا الخصوص: «لا يمكن بالطبع أن يستغني المبدع والمثقف عن الصحف ووسائل الإعلام المكتوبة على صعيد التواصل والكتابة والترويج لمنتوجه الإبداعي، ولكن عندما يلاحظ ضيق الأفق وتقلّص مساحات النشر وفضاءاته مع ما نعلم من الغياب الفادح للإعلام الأدبي المتمثل في المجلة، والصحافة الأدبية المتخصّصة، ليس عيباً أن يلجأ إلى فضاءات النت والتواصل الاجتماعي لتغطية هذا الغياب وتعويضه بغرض الترويج (لسلعته الأدبية) والتعبير عن آرائه».
قلولي، خلص في الأخير إلى نتيجة عكسية في ظِلّ غياب سياسة ثقافيّة ناجعة، مُلحاً على ضرورة أن يتولّى الكاتب نفسه عملية الترويج لكتبه وأعماله، معتبراً هذا أفضل حلّ لمثل هذه المعضلة: «طالما أنه لا توجد سياسة ثقافيّة أو مشروع ثقافي وطني يضع ضمن أولوياته دعم الكِتاب والترويج له والبحث عن آليات التسويق الناجعة لوصول الكِتاب الأدبي إلى القارئ بثمن معقول تشجيعاً على الإقبال عليه فسيظل المبدع يبحث عن أيسر الطرق للوصول بمنتوجه الإبداعي إلى القارئ بما في ذلك فضاءات النت والتواصل الاجتماعي فهي ليست بديلاً عن المجلة الأدبية والصحف الثّقافيّة المتخصّصة الغائبة في مشهدنا الثّقافي، ولكنها جزء من حلّ لمعضلة الإعلام الأدبي المغيَّب في واجهة ثقافيّة عارية إلّا من بعض المساحيق والموديلات المتروكة للعرض والاستعراض والسخرية، وهي أيضاً نافذة مهمة لإمكانية ترويج الكاتب لأعماله في ظِلّ غياب أو تقاعس الإعلام الثّقافي عن دوره تجاه الإبداع والأدباء».