رحلة الكنز
لم يبق لي غير سماء ممزقة فوق. وأحذية مؤلمة تحت. الهواء ملوث بالذباب والأعداء. صديقاتي كلهن ذهبن مع الريح. ذهبن في اتجاه الحسرة, مثل صيحات في صحراء. وتركنني وحدي في مزبلة النجوم. الكواكب قربي تمسح خطومها. الأنبياء يقتسمون الخسارات. وأنا أفتش عن ذهب الأرواح. أسرق من الريح نساء الريح. أثقب أحلام السفينة. أدل ي رأسي في بئر الحزن. أسقي جثث الموتى بالضحكات. أحرق رغبات البنايات العجوزة. أنك ل بملابس الليل. أشتم كوابيسه الملونة. أجلس قرب اليأس كفكرة خلفها البحر وراءه. الموجات ذاهبات نحو الخريف. الربان ينظر للهواء. يخرج من عيونه عيونا لزجة. مثل فواكه قاسية يوزعها على منبوذين وأشرار. كل القراصنة يحبون الضوء. يضعون في سطل القمامة أمهاتهم ويكتبون على الماء سير أرجلهم الخشبية. صحت في البحر: ; أيها الجلف… كف عن الضحك ولا تلتهم أرجل الأصدقاء!.
صرخت معي الأمواج . جررنا الماضي من ربطة عنقه: ماذا سنفعل بالغرقى إذن ? كنت فخورا بالضوء. ألو ح للعائدات من البداية. أخسر عمري في الطريق إلي . الشعراء يصطفون خلف زجاج الأبدية. يلوحون لي. تلوح لي أعمدة الكهرباء الكسولة. أشجار الصفصاف الحمقاء. تلوح لي الأناشيد المبللة… تعبت من المناديل. سأرفع تفاحتي عاليا إلى الله. عاليا سأصيح: أيها القراصنة الطيبون, دعوا سمائي ممزقة وخذوا كل الذهب!
تذكر الأشياء الجميلة
سأغرق في فنجان القهوة الخمسين. سأنتهي كسكير صدمته فكرة في طريق سيار. يموت الليل فوق رأسي. أخرج كل ما في جيوبي من شموس ومن أحلام لكي أكمل الرحلة. طويل هذا الجبل. وأنا بلا أقدام أجري نحو الغروب. بلا ماض, وعلي أن أتذكر: اللصوص المختبئون في غرف النوم. المصابيح التي تبكي حين نشعلها. قبور أصدقاء لم يرحلوا. علي أن أتذكر سماوات سوداء بلا عد. ونجوما من ورق الألمونيوم. أن أنسى فناجين القهوة والحروب البيضاء. أريد أن أجلس قليلا. تعبت من العواصم. أريد أن أطيح بما تبقى في السماء من غيمات.
جثث الأصدقاء
عادوا من نفق بعيد إلى الصحراء. مثل أضباب أكلت هواء آخر ليلة. مكثوا بضع دقائق في التاريخ ثم خرجوا. يحملون الهزائم وجثث الأصدقاء. كأنهم قطط في منتصف ليل أخضر. كأنهم كواكب تأكل حزنها. تقول للهواء ما عن في رأس الغزالة. يا للنجوم المتأخرة فوق المشيئة تبكي. يا لليل المخبإ في صوت هاملت : كيف يمر أمامي ثانية شبح أبي الأول? كيف أقطف تفاحة صمت من حديقة الكلمات? عادوا من الحقيقة بخدوش في الوجه وأظافر في الكلام. عادوا بلا رؤوس. ارتموا على صحن البطاطس. نق وا مثل ضفادع. وافقوا على النزول إلى الحضيض. تناولوا إفطارا سريعا في فكرة صغيرة. كتبوا قصائد بيضاء عن الخريف وعن موت من نحبهم. رتبوا العمر في دولاب وتواعدوا على اللقاء في نجمة. بسبب القطارات المؤلمة لم أعد أحبهم. بسبب الغيمة الوقحة التي تفتح الباب في لوحة ماغريت. كلهم عادوا. علقوا رؤوسهم مثل قمصان على حبل الغسيل. سقطوا في البئر. نظفت صدري من نفاياتهم. لا شمس فوق رأسي. هيا نشتم غيمات أبريل لأنها تشبه صديقاتنا السمينات. لماذا لا ترقص الشمس? لماذا ينكلون بالأبدية فوق الطوار? الأصدقاء لايعودون إلا لإشعال الحرائق. يعودون بلا رؤوس لكي تبكي الفصول. هل لديك كواكب أخرى كي نضع فيها زوارقنا الورقية? كل المناديل اشتعلت. سنصعد للسماء كي نوزع أدوار مسرحيتنا الأخيرة. سوف نعيد المشهد ذاته أمام النجمة الغاضبة. لم نوقع مع الريح عقودا. هل أنت من سيحرث الهواء? أنت من سيحمل أكياس الضوء? لست صديقي لأنك تركتهم يعبرون. نظراتهم من زجاج. تركتهم يطلون من سقف الفكرة. كزنوج فروا من مكيدة. لم يعد أحد. وحدي ألقيت تحية الصباح على الحديقة. سقطت التحية فوق الرصيف. كانوا يبيعون الرسائل والدموع. نظفوا شوارع الروح ومروا. عادوا ثانية. سوف أخبئ رأسي في مشنقة جديدة. أجرح الهواء كي تصرخ الأرانب. هاك تفاحة أخرى أيها الموت. دع للأبدية أصدقائي. دعهم يضحكون … أيها الموت.
___________________
جمال بدومة شاعر مغربي مقيم في باريس، من مواليد 1973 بميدلت (المغرب). درس في المعهد العالي للمسرح بالرباط قبل أن يتابع دراسات عليا في المسرح وفي السياسات الثقافية الدولية بجامعة السوربون الجديدة