خديجة المسعودي
هكذا قتلتُ الشياطين
خديجة المسعودي
لابد أن هناك سببا وجيها يجعلها تختارُ ذلك المكان بعينه لتختبئ فيه. مكانا صغيرا ودافئا يجمع شياطين الأرض والسماء، لتتعايش وتتناسل ويستمر انتفاخنا. تختبئ فقط وتنتظر. لم يسبق أن رأيناها ولا نعرفُ ما الَّذي تنتظرهُ بالضبط في جلوسها الهادئ حتى نعتقدَ أنها غيرُ موجودة؟ كل ما نعلمهُ أنها هناك وستبقى دائما. الجميعُ يعلمُ بأمرها، لكن أحدا لا يجرؤ على الحديث عنها، فقط نصمتُ وننتفخ. أسمعُ هَمْهَمَاتِهَا بداخلي منذ سنتي الخامسة. تتحدثُ وتضحكُ أحيانا. في الليل يرتفعُ صوتها ويبدو أوضح. ولا تمل من غوايتي وسَحْبِ أصابعي نحوها. ينفُخني الخوف مجددا، تُغمضُ الرَّجفةُ عَيْنَي وتحشرُ يديّ تحت إبطين يضغطان بقوة عليهما حتى لا يخطئا. في كل ليلة أبكاني الرعبُ، عَذبني الاحتمال. ربما الشياطين تبكي لأنني أسجنها بداخلي دون سبب ولا سبيل لها للخروج إلا من عيني، دمعا مالحا يحرق خدي الذي آذيته بالمسح. أأمر نفسي أن تتوقف عن البكاء ولا تتوقف. بل يزداد بكائي المكتوم تحتَ الغطاء، فالدموع أيضا لا يجب أن يراها أحد. في كل مرة آكلُ، أتخيل أنها تمضغ أكلي وتبلعه، تشبع هي، وتمتلئ بطني أنا بالخوف. كلما تذكرتُ كلامها لي ذلك المساء، عندما باغتتني أعبث بقصر الشيطان، ترنح سواد عيني كالغريق داخل بياضه. وزاد انتفاخي.
“ابتعدي عن مأوى الشياطين ولا تدعي أحدا يقترب منه، الشياطين تنتظر فرصة أن تخطئي لتسحبك ومن معكِ نحوها فينتهي وجودك على الفور.”
بعنف لا يُحتمل، مازال كلامها يقرع طبلة الأذن. أُطبقُ الضرس على الضرس بقوة، أعانق جسدي و أضغط على لحمي بوحشية حد الألم، لأتأكد أنني مازلتُ موجودة. طوالَ الوقتِ أفكرُ كيف سأنتهي ويختفي جسدي إذا لمستُ المخبأ. ودائما أخشى أن تكون لمستي الخفيفة و أنا أغتسلُ كفيلةً أن تخربَ قصورها الدافئة فينتهي أمري. تَعِبْتُ من تصور الأمر كيف يمكن أن يكون. الآن، ما عدتُ أذكر عدد السنوات التي مضت وأنا ميتة. أقبعُ داخل جسد لا أعرف من مالكه الحقيقي؟
اتجهتُ نحوها ذلك المساء وخالتي بجانبها، ناسيةً أنها أوصتني ألا أتحدثَ عن الأمر أمام أحد. ، كانتا تتحدثان بصوت مرتفع قبل أن أصلهما. على صفحة ذلك الصمت كَتَبَتْ عيوني سؤالا، وحدها أمي تجيد قراءته. ثم نطقتهُ بصوت منخفض من فرط الخجل. ” ألم يحن وقتُ خروج الشياطين من جسدي بعد؟”
أجابتني بجبين مقطب: ” لم أنت مستعجلة؟ لن تخرجَ الآن، ستخرجُ حينما تكبرين أكثر”
اِنسحبتُ من أمامهما متعمدةً أن أتركَ أذني في حجر كل منهما. تساءلت الخالة مستغربة :
– أيُّ شياطين؟ لم تكذبين على الطفلة وتخيفينها بهذا الكلام؟
– لم تعد طفلة، إنها في الثالثة عشرة من عمرها، دعيها تخاف بدل أن تجلبَ لنا العار، ستعلم كل شيء في وقته.
تلقفني الجدار باردا، وقد ضاق صدري بالكلام والصور. أيعقل أن لاشيء بداخلي؟ ألتفتُ أنظر إلى أي شيء من حولي يمكنه أن يجيبني، أمسكُ بطني بقوة وأحدثُ نفسي بصوتٍ يدخلُ إلى فمي أكثر بدل أن يخرج. كيفَ يعقل؟ مادمتُ أسمعُ تآمرها عليّ كل ليلة وأشعرُ بحركتها بداخلي، لابد أنها موجودة، وأتصور أن عددها أكثر من أصابع يدي، لذلك لا أستطيعُ سحبها نحو الخارج. كانت فورة غضبي تفتحُ الأبواب المغلقة أمامي وتُوَحدُها في باب واحد. إما أن تخرجَ هي أو أخرجَ أنا.
لم أجد خلاصا غير سبابتي. حين مرت مخترقةً دفء فخدي واقتحمت مخبأ الشياطين. كنتُ قوية و أنا على صهوة إصبعي. وكانت الشياطين التي ألِفَتْ مضغَ أكلي، تُخرج ألمها من فمي صراخا.
فقط عندما سال الدَّمُ، تأكدتُ أن الشياطين بالفعل اختبأت بداخلي و أنني أخيرا قتلتها.
الشياطين خديجة المسعودي سرديات 2015-08-24