الرئيسية | فكر ونقد | الدلالة والمعنى في (مضاجع ملغومة) للقاصة المغربية نعيمة القضيوي الإدريسي | عز الدين الماعزي

الدلالة والمعنى في (مضاجع ملغومة) للقاصة المغربية نعيمة القضيوي الإدريسي | عز الدين الماعزي

 عز الدين الماعزي

 

1

تبدو هذه القراءة سريعة كسندويتش نتلذذ بها بمذاق ومعاني النص لأول مرة والتي ينتهي منها القارئ، والدافع حسب رأيي للإعادة هو الهوس المسكون لما أسميته سابقا برائحة العطر، بعض النصوص تعيدك للقراءة الأولي والثانية ولا تشبع منها… فكلما أعدنا قراءة نص انتهينا للتو من قراءته، كلما كان الدافع مؤشرا ودالا على عدم قابليته للقراءة السريعة المنهكة التي تتخلص منك فور الانتهاء منها (خوان خويتصيلو). لذلك أعتقد كما قرأت مرة، (قراءة أي عمل أدبي يبدأ قبل فتح دفتيه عبر وسائط هامشية..) وعناصر موازية له لا نكاد نتعرف عليها إلا بصعوبة. لن نختلف إذا قلنا : العنوان هو العتبة الأولي للتمكن من فهم النص الأدبي وتفسيره، (امبرطو ايكو) يعتبر العنوان مفتاحا تأويليا للنص الابداعي، يفسر مقاصد النص الدلالية الأولي للوقوف على أبعاده.

 2

مضاجعكل ما يؤنث فتنة وجمال كما يقال والدخول إلى أي بيت دون المرور من العتبة يعتبر إهانة وقفز من الخارج، تكسير لمنتهى الزيارة ، نحتاج دائما المرور من عين إبرة النص/ العتبة إلى العمق أو إلى عمق أعماق النص الأدبي وليس الأمر سهلا كما يبدو أول وهلة. يبدو العنوان : (مضاجع ملغومة ) مفتتح شهية القارئ العادي لغما في حد ذاته بين كلمتين مشحونتين، مضاجع مصدر، مضاجعة المرأة مجامعتها، تحيل إلى السرير والى علاقة النوم بينهما، وكلمة ملغومة المرتبطة بالأولى، حدود شائكة ومتضمن لمعان ملتبسة، مفعول من فعل لغم ولما تحمله من دلالات كلغم للكتابة والقراءة أكثر قابلية للانفجار بالأسود تحت اسم الكاتبة وفوق لون اللوحة الموحي بالوردي الدال على البراءة والحلم والدهشة .. لا يحتاج الأمر الآن لأكثر من ملمح مكثف للقطة الحياة بمزجها بقليل من بهار الإدهاش والمراوغة والكاتبة هي تعترف ان الكتابة مزيج من هذا وذاك ومن تفاصيل الذات والآخر والحياة والكاتبة هي المعنية بالأمر هنا (نعيمة القضيوي الإدريسي) التي عرفناها مبدعة متمكنة من أدواتها ولغتها تخرج عن السطر دائما تكشف العناد والتمرد ، وبالتالي تمرد الأنثى صورة معبرة عن ذاتها المتماهية مع واقعها وذوات أخرى متعددة ، رافضة لكل ما يتعارض مع حريتها للدّفاع عن الذّات بوساطة اللغة إزاء كلّ أشكال الميز الذّكوريّ ضدّ المرأة في مجتمعاتنا.  هل هي ضد سلطة الأعراف ..؟ أم أن الكتابة ذاتها بحمولتها كحالة مواجهة، متخذة من الصراحة والجرأة الموغلة في الصدق والهدم وتعرية أوراق التوت وهي بذلك تزيح القهر الاجتماعي تستلهم منها ( لحظات بوح نساء كثيرات..)ص55 ، تحتج بكتابتها لسان حالها صوت التمرد الكلي المعبر عن ذوات الأخريات على أشكال القهر، تصبح الكتابة مغامرة ، لنلحظ انفلاتها من الشعر إلى المسرح إلى القصة بحثا عن التفرد .. عناوين نصوصها(13) ذات بيوت مسقفة بمفردة واحدة – أرجوحة أو مفردتين: سر الوجع ،أحلام مبللة، بئر الحرمان، الوسادة الخالية وصقيع سرير وستائر وردية أو 3 مفردات أو أكثر : ونسيت أني أنثى وعانقت خيبتها وأمل لم يولد بعد.. بضمائر المتكلم والغائب ومرات تمزجهما داخل النص لتتحدث بكل حرية وطلاقة وكأنها تحمل رسائل مشفرة لصوت من لا صوت لهن والإيحاء من صورة الغلاف معبرة عن أنوثة امرأة مستغرقة في نوم وسرير بألوان شهية جذابة بدون شك وكما أشار الروائي والقاص (هشام ناجح) في تقديمه بكتاب قصصي وليس مجموعة قصصية تحوي ثيمة واحدة وبكون الكاتبة تحرك كينوناتنا واستيهاماتنا واستشرافاتنا وتعمل على تحريرنا وتحرير الأدب من عبودية الخوف..ص6 نصوصها تضمن وحشية الحكي بمفارقات ولغة تدغدغ الحواس(افتض زوجي عذريتي بعنف حولني يومها الى مومياء..،) (اللعين ينتصب .. يزداد ضخامة وابتسامتي تتلاشى ..) وايحاءات جنسية (كل ما يتعلق بالعجز يرتبط بالجزء السفلي ..) واسترجاعات من الطفولة لعن الله الناظر والمنظور ( المؤخرة غير المستورة، سوى جهازها التناسلي وقد حلقته بشكل مثير..) (استسلمت لنداء الشهوة لم يعد يسمع سوى آهاتنا وشوقنا ..،الشهوة هي الحاضرة في انفصال تام عن الحب .. صديقه الذي يمارس العادة السرية ..) (.. عارية ، لها قضيب فوق جهازها).. النص يهدهد خلجات القارئ –كما أسلفت- بنار الحكي وآهاته ولذته وشهوته وهي بذلك لا تتعمد الاثارة الجنسية بقدر ما تسعى إلى تجاوز الآليات القمعية والنزعة التميزية وشتى أشكال التحرش والخوف بعيدا عن اضطهاد المرأة ولسان حالها (استحالة تناول تيمة أو موضوع الجنس دون استحضار مختلف أشكال التأويل التي تمنحه معان مختلفة في سياق حضاري معين ) في أمكنة مختارة بعناية البحر المدينة.. تستعمل الكاتبة لغة سليمة، أنيقة وتستغل الحوار بالدارجة أحيانا: (ما تحشميش حنا بنات. واش انت بنادم ولا حيوان ، ولا ما عايشة في هذا العالم ؟ ص34 و35 بدون شك إن لكتابتها جرأة خاصة ومسحة من فرادتها وتميزها لأن الكتابة الجريئة ليست سهلة ولا يمكن كتابتها دون وعي، كما نعرف الكتابة فعل جريء وموقف من العالم ، الكتابة تحررنا وتحرر كل المحتملات والممكنات حتى التي رفضها واقعنا أو ما توارثناه ، تمردا على الاعراف وحفاظا على المواثيق من اجل المحو والبحث عن فعل التغيير، جرأتها لم تنطلق عبثا بل نجدها في مجموعتها الاولى (رقص المرايا) ق، ق، ج ضد الطابو والمعتقد محاولة تكسير قاعدة البوح راصدة ذبذبات اللهفة والبوح والحنين بذاتية أو بغيرها داخل مساحة الحقل الدلالي الشاسع بمحمولاته الرمزية، حقيقة يمكن أن تكون القصة نارا أو عبوة بارود، رؤية للعالم لغما قابلا للانفجار ولفتح نوافذ الممرات على الواجهة.. أتساءل بلسان ذة زهور كرام، ونحن ننظر إلى البعد الوظيفي للجرأة هل هي ضرورية فنية وأدبية ؟ هل تحقق هذه الجرأة شرطا جوهريا لإبداعية العمل الأدبي على مستوى جمالية النص مثلا ؟ خاتمة تختلف كما أكدت سابقا ملامح الكاتبة (نعيمة القضيوي الادريسي) في سياق التجربة القصصية والكتابة الثانية على الخصوص في تجاوبها مع وجود القارئ الواعي وتراكم كتابات بهذا الشكل المتمرد والموحي والفضح وقد استمدت التجربة من تجارب رائدة سابقة وبكونها اهتمت بأسئلة الكتابة داخل النص الابداعي والانتقال إلى الدلالي وبكونها كاتبة / أنثى وليست متتبعة للمخيلة والتفاعل مع الحياة والواقع مرورا بحراس المجتمع والأسرة والمحيط والرقيب ونحن ننظر إليها بعين الرقيب الشك والريبة والاتهام…

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.