خالد سامح المجالي (الأردن):
أمجاد كرسي
الكرسي الملقى منذ دهر في زاوية مخزن حكومي صرخ فجأةً بباقي الكراسي:
-»أنا ربكم الأعلى”.
خال صمتها خوفاً، ففرح
قبل أن يطلق صرخة أخرى اختنق من ركام الغبار الذي أثارته صرخته الأولى.
في اليوم التالي، جرّه العمال الوافدون إلى حيث جاءت أوامر وزارة الثقافة والتراث الوطني، كان في حالة جيدة، لكنهم باعوه إلى مصانع مختصة بإعادة التدوير.
الساعة
في الانتظار
أسندت ظهري إلى الجدار أراقب التحام الصمت الشاسع بالفراغ…
وحدها الساعة المعلقة فوقي كسرت رتابة اللحظات، هجرت ثوانيها قليلاً كي تبول على رأسي.
وجه!
على الرصيف المقابل طفل أنيق ينتظر موتا عابراً، قطعت الشارع واقتربت منه أكثر وأكثر…
تملكتني الدهشة…
هو ذات الوجه الذي رأيته في مرآتي قبل قليل.
نرسيس في الظلمة
جفت كل مياه الأرض، فتوسّل وجهه الجميل في عين الشمس، حدق وحدق، وبقي محدقا
لم يدرك نرسيس أن الصورة احترقت،
وأن ظلمة الضوء تختطف رسمه البهي.
نافذة العزباء
تعود العزباء إلى منزلها بعد سفر طويل، تفتح النافذة ويصطدم بصرها بنوافذ عديدة مسدلة الستائر على عشرين خريفاً أو يزيد، منذ ذلك اليوم الذي رآها فيه طفل في العمارة المقابلة مع أحد العابرين، في اليوم التالي أسدلت كل ستارة أمام غرفة نومها، قال الناس:
” لا يمكن لنا أن ندع الفرصة لأطفالنا كي يشاهدوا ما يفسد أخلاقهم”
الآن وقد بات الأطفال آباءً أشداء، تقف العزباء بالنافذة، تحدق في كل الستائر وتسائل الصمت المحيط:
” هل ما زالوا أنقياء، أو أن عزباءَ أخرى أفسدت أخلاقهم”.
مراتب الشرف
لم تسرق كل ما هو ثمين في منزله المترف، تلك الليلة تركت له المومس الحرامية كل شهاداته معلقة على ظلمة الجدار،
جميعها كانت بمرتبة الشرف.
ليلة ميلاد القطط الوحشية
القطط الوحشية التي سقطت في طريقي بعد حفل عيد ميلادي لم تكن سوى شبح الموت بأرقِ هيئاته، خرجت من كل الأزقة وزوايا الشوارع التي مررت بها، ملامحها مسطحة، عيونها الفسفورية تضيء وتنطفئ بصمت بارد امتد لرقبتي كطوق النهاية.
عندما دخلت غرفة نومي كانت إحداها تغفو على سريري، اقتربت مني وبما يشبه المواء الحاد وشوشتني:
“أمنح عمرك عاماً إضافيا، وأستطيع تجديده”.
لعنة
يلاحظ في المرآة بعضاً من حتميات بيولوجية: سالفين وطأهما البياض، بشرة منهكة مستسلمة للظلال، أخاديد رفيعة أسفل العينين وجفنين ذابلين.
لا يلعن- أبداً- كل الزمن،
وإنما فقط تلك اللحظة التي قرر فيها تلميع مرآته هذا الصباح.
ذاكرة
– أؤكد لك نجاح العملية غداً، إنما مع احتمال كبير بفقدان ذاكرتك على إثرها،
صعق عندما أخبره الطبيب بذلك وأمضى ليلته يسجل كل ما أمكن لسيرة حياته أن تتسع
له:
الأسماء كلها: اسمه، أسماء أبنائه، أمه، أبيه وأصدقائه…
هواياته،كل ما يحبه من أماكن وأغانٍ وألوان ومأكولات ومشروبات، أولئك الذين ينتظر عودتهم،أول فتاة أحبها وآخر مومس ضاجعها، حتى كل لحظة حزينة وموقف ظريف مر به.
في الصباح جلس يتسلى بتمزيق الأوراق،
إذ قرر نسيان الطريق إلى المستشفى.
SMS
طويلا انتظر اتصالها ذاك المساء.
لم يحظ إلا بتلك ال(SMS) المتطفلة:
لأعذب كلام الحب وأرق المعاني وأشعار الغزل أرسل رقم (1) مجانا لأسبوع فقط،
ثم 20 قرشاً للرسالة.