وهم الكتابة في زمن الانفصام | د. يسرى السعيد – سوريا
د. يسرى السعيد – سوريا
تراودني الأفكار، ثم تغيب وكأنها تقول لي: لمًا تدركي بعد مرارة الحرف !!
قبل عشرين عاماً تسلقت شجرة البلاغة، وحاولت وما زلت، أن أقطف منها بذور مفرداتي، وأن أزرع تلك المفردات في تربة خصبة، علًها تثمر.
واليوم أجد نفسي مطوقة بين مطرقة الخوف، وسندان الالتفاف المر على كل ما أريد نقده، أو طرق بابه بصدق.
لقد أتعبتنا الكلمات أكثر مما تريحنا، وحملتنا أوجه لسنا أصحابها، ونزيف الحرف لازال يئن منتظراً ضمادة تهبه النقاء والمعافاة من الانفصام تارةً، ومن المواربة تارةً أخرى.
الكتابة في المجتمع العربي طلقة مكتومة لاتطال إلا صاحبها، وهي وبكل ماتحمله من جرأة أحياناً مجرد وليدٍ مشوه جاء بعد مخاض عسير، وابتعد عن أمه لأن مشيمتها لم تغذيه إلا بما حملت من عادات وتقاليد ونصوص عفا عنها الزمن.
ويبقى حلم الكتابة الحقة والصادقة مجرد أكذوبة ننشدها، ولكن لانقوى على تبعاتها، ولا نسمو لمآلاتها لأننا خلقنا نحب الحياة البيولوجية المجردة من المواجهة الصريحة حتى مع ذواتنا.
وترى الكاتب مبدعاً في اختياره لمواضيع الكتابة، وقزماً أمام معالجة تلك المواضيع بتبريرها، أو تحليلها، أو طرح البدائل عنها؛ فحين تكتب عن العنف ضد المرأة تستحضر كل أشكال العنف، دون أن تقولها وبصرخة مدوية: أننا نحن من وضع اللبنة الأولى لذاك العنف، ونحن من بناه حجراً على حجر، وتبدأ بمناقشة العديد من الأمثلة، لتنتهي بضرورة استكانة المرأة كحلٍ أمثل للحفاظ على منظومة الأسرة، دون أن تمتلك الجرأة لتقول: أم معافاة بذاكرة الأطفال أفضل الف مرة من أم بُترت أفكارها ولازالت على قيد القلب.
ثم ترى كل من حولك وقد عاش الانفصام بكل أبعاده، وبكل بشاعته، وأنت تردد: لأبدأ بنفسي، دون أن تعي أن نفسك أيضاً أول الانفصاميين.
الكتابة لحظة مرة، ولحظة مدمرة، فهل عشنا ذلك الزلزال يوماً؟ أم أننا لازلنا نجهل من أي زاوية يمسك القلم؟ ولمن يكتب القلم؟
وما أجمل سيوران حين قالها، وبصدق الكاتب الذي ما زلنا بعيدين عنه:” لا أقاوم العالم، أقاوم قوة أكبر، أقاوم تعبى من العالم”
وهم الكتابة في زمن الانفصام | د. يسرى السعيد - سوريا يسرى السعيد 2016-09-14
كلام جميل